تتكرر الأزمة مع كل ألبوم جديد لـ«عمرو دياب». يتسرب قبل نزوله رسميًا إلى الأسواق، وتبدأ الآراء في الانتشار، محبو «الهضبة» يتحيزون للألبوم أيًا كانت الأغنيات التي يحتويها، آخرون ينتقدونه ويتحسرون على «زمن العمرو الجميل»، وبعض يتحدثون عن الشاب الذي لا يكبر أبدًا، ولكن ما لا يمكن أن يتم إغفاله، هو أن الألبوم ينجح نجاحًا مدويًا حتى قبل صدوره، فمن غير «عمرو دياب» يستطيع أن يفعل ذلك؟ بالمنطق والإحصائيات: لا أحد.

الكوكتيل الدائم

ألبومات «عمرو دياب» دائمًا ما تحتوي نفس التوليفة، أغنية تتحدث عن القصة التي انتهت ولم تترك سوى الشجن، دون الكثير من العويل ومحاولات الصلح، وعتاب رقيق لا يخلو من مرارة دون نية لاسترجاع ما كان، في «أحلى وأحلى» تقوم أغنية «عكس بعض» بهذا الدور، أغنية رتمها شرقي يغني فيها «عمرو دياب» بمساحات صوت واسعة وبطريقة طربية، وقد فعلها بمنتهى الاحترافية كذلك في «أمنتك».هناك أيضًا الأغنية التي تعتمد بشكل أساسي على مزيكا «التكنو» والتي أسميها «أغنية الجيم». إيقاع سريع ولاهث يجبرك على مجاراته ومناسب تمامًا لممارسة الرياضة، «لالا» في الألبوم تصلح تمامًا لهذا التصنيف. وهناك الأغنية التي سوف نستمع لها في كل حفلات الأفراح من يوم نزول الألبوم وحتى الألبوم الذي يليه. الأغنية التي تتحدث عن فرحة الليلة المنتظرة، والتي غالبًا ما تكون «هيد» الألبوم. باقي الألبوم غالبًا ما يكون تنويعات على تلك التيمات الأربع، ما عدا الأغنيات التي يهديها لبناته بأسمائهن، وقد خلا «أحلى وأحلى» من أغنية كهذه رغم أنها دائمًا ما تكون خفيفة الدم ومفرحة.


لا جديد تحت الشمس، ولا في الألبوم

ما الجديد إذًا في كل ألبوم لـ«عمرو دياب»؟ تيمات مكررة وألحان ربما تجد فيها بعض الشبه من ألحان سابقة غناها، إذن لماذا ينجح كل ألبوم نجاحًا أكبر من سابقه؟ الحقيقة أنه لا جديد في ألبومات «عمرو دياب»، والحقيقة أيضًا أن الألبومات تنجح لهذا السبب بالتحديد، فالتوليفة مضمونة ومجربة ومستمعيه يعرفون جيدًا أنهم سوف يجدون ما يبحثون عنه بالضبط، لا مفاجآت من أي نوع، ألبوم «عمرو دياب» يحتوي دائمًا مجموعة من الأغنيات التي سوف ترافقك في كل أمزجتك، هو يختار التوليفة بعناية، واعتاد محبوه على «الصنف» الذي يبيعهم إياه ويثقون أنهم سيجدون ما يبحثون عنه.من كان «عمرو دياب» رفيق مراهقتهم وبدايات شبابهم يعرفون تمامًا أنه سوف يبعث لهم برسائل عبر أغنيات الألبوم الجديد، أكاد أجزم أن هناك الكثيرين تفرقت بهم السبل يعرفون جيدًا أنهم سيتقابلون على ناصية أغنيات الألبوم الجديد، أحدهم سيستمع لأغنية محددة وسوف يتذكر الآخر، أصدقاء كبروا ولم تعد جلسات الاستماع لألبوم «عمرو دياب» الجديد متاحة، ربما يسكن أحدهم بلدًا آخر، ربما لا يعرف أحدهم حتى أين يسكن الآخر الآن، ولكنه يعرف تمامًا أن صديقه سيعلق على صوت «عمرو دياب» وهو يقول «حبيبي» أو أنهم لو كانوا معًا أثناء الاستماع للألبوم مثل الأيام الخوالي كانوا سيضحكون جدًا عندما يقول «عمرو دياب» «وأخبارك مع التفاصيل أحب اسمعها بالتفصيل» ويقرون أنها جملة غريبة وغير مستساغة ولكنها «طالعة منه حلوة».ينجح ألبوم «عمرو دياب» دائمًا، لأنه يعيدنا في كل مرة إلى تلك الذكريات، نفس التيمات التي طالما أعجبتنا والكلمات التي أثرت فينا من قبل، يعاد تدويرها مرات أخرى لتنتج نفس الشجن والحنين، في رأيي فإن ألبومات «عمرو دياب» دائمًا تنجح لأنها تلعب على ذكرياتنا، لا يفاجئنا بمعاني جديدة أو مواضيع خارجة عن المألوف، ألبوم «عمرو دياب» دائمًا يأتينا كزيارة عزيز مسافر، يأتي كل عام ببذلة جديدة، وحكايات جديدة، وبعض التجاعيد وربما الشعر الأبيض، ولكن روحه واسمه ما زالا كما هما، عزيز تعرفه وتفتقده وتنتظر بشغف حكاياته هذا العام، يحكيها بصوته وأسلوبه، فتظل تحمل نفس النكهة حتى وإن اختلفت تفاصيلها في كل مرة.


أحلى وأحلى

أما عن زيارة «العزيز» هذا العام فقد كانت بالفعل أحلى وأحلى، فعمرو دياب قرر أن «يغني» أكثر مما اعتدنا عليه في ألبوماته الأخيرة، فمثلًا الجملة اللحنية الأساسية في أغنية «على حبك» طربية بامتياز، تشعر معها أنك عدت بالزمن للوراء قليلًا، وحتى كلماتها فيها من الطيبة ما يجعلك تحب الأغنية، فمن يمكنه أن ينكر أن جملة «وان سيرتك جت بنطق بالخير» تشعرك بالحميمية؟

وقد زادت جرعة الطرب أكثر في أغنية «أمنتك»، فعمرو دياب في هذه الأغنية يستخدم مساحات واسعة من صوته يمكنك أن تستمع إليها بمنتهى «الروقان» في نهايات كل كوبليه من هذه الأغنية، وهو ما يضفي عليها نوعا من «السلطنة»، فحتى كلماتها تلعب في تلك المنطقة حيث أن كلمات مثل «الشوق» و«ليلي يطول» واستخدامه للآه ككلمة مستقلة بذاتها كما لو أنك تستمع لأغنية قديمة تتناسب تمامًا مع تقسيم المزيكا الذي يحدث في منتصف الأغنية.

وكذلك في باقي أغنيات الألبوم، اعتمد عمرو دياب على «الغناء» أكثر من المزيكا، حتى مع الألحان اللطيفة التي استخدمها إلا أنه – يبدو – استمع للانتقادات التي وجهت له مؤخرًا والتي تحدثت كثيرًا أنه «يقول» الكلمات فقط دون الكثير من المجهود، فقد ظهر هذا واضحًا حتى في الأغنيات السريعة في الألبوم مع الحفاظ على طابعه الخاص ودون أن يجازف كثيرًا.

في كل الأحوال، سواءً كنت من محبي «عمرو دياب» أم لم تكن، وسواءً شعرت أن الألبوم «أحلى وأحلى» فعلًا أو لم تشعر، لا يمكن لأحد منا أن ينكر أن الألبوم حقق نجاحًا مبهرًا كما اعتاد «عمرو دياب» دائمًا، وأنك سوف تستمع لأغنياته الجديدة كثيرًا في الشوارع، وها نحن في انتظار أن يعلن الموزعون أن الألبوم هو الأكثر مبيعا، وأن الألبوم فعلًا «أحلى وأحلى».