رغم أن الموسم الدرامي الأهم في العام يعتبر قاب قوسين أو أدنى –تبقى على رمضان حوالي شهرين- ورغم أن عرض المسلسلات الجديدة خلاله أضمن خاصة عندما يكون المسلسل متعوبًا عليه، أيضًا عرض المسلسلات حصريًا على منصة إلكترونية مدفوعة لا زالت تتحسس خطواتها لدى المشاهد العربي مغامرة غير مضمونة العواقب في الغالب، إلا أن مسلسل «في كل أسبوع يوم جمعة» والمأخوذ عن رواية بنفس الاسم ضرب بكل هذه الاعتبارات عرض الحائط واستطاع الاستحواذ على انتباه المشاهدين وانتزاع استحسانهم، لذلك كان هذا المقال اليوم.

في كل أسبوع يوم جمعة

منذ أكثر من عشرة أعوام صدرت رواية للكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد تحمل اسم «في كل أسبوع يوم جمعة»، الرواية تشبه عوالم رواياته إلى حد كبير، رغم أنها تحتك بالمجتمع الجديد الذي تتحكم فيه التكنولوجيا بشكل أكبر، يكتب إبراهيم عبد المجيد نوعًا خاصًا من الواقعية السحرية يمزجه بالمجتمع المصري حتى يختلط عليك الأمر.

هل يكتب هذا الرجل خيالاً أم أنه ينقل واقعًا خاصة في روايته هذه التي اختار لها عالماً خياليًا منبثقًا من عالم افتراضي أصلاً؟ فلا تعرف على وجه التحديد ما هو هذا الأثير الافتراضي الذي تتقابل الشخوص عبره؟ ولماذا بدأ كل شيء؟ وهل الإنسان مظلم لهذه الدرجة؟ وتتفرع تساؤلاتك الوجودية لتحل محلها تساؤلات واقعية تدور حول واقع المجتمع وشكل المستقبل.

منذ أسابيع قليلة انطلق مسلسل «في كل أسبوع يوم جمعة» والذي يعرض حصريًا على منصة شاهد المدفوعة، وتصدر حلقة واحدة كل أسبوع، تحديدًا يوم الجمعة، المسلسل مأخوذ عن رواية إبراهيم عبد المجيد التي تحدثنا عنها توًا، ومن بطولة منة شلبي وآسر ياسين وإخراج محمد شاكر خضير، الرؤية الدرامية للمسلسل والإشراف على كتابة السيناريو والحوار لإياد إبراهيم، ومحمد هشام عبية وسمر عبد الناصر كفريق لكتابة السيناريو والحوار.

المسلسل يختلف عن الرواية في عدة جوانب، فقد منطقَ صانعو المسلسل الأشياء أكثر، وخلقوا خلفيات للشخصية الرئيسية أكثر إنسانية مما جعلها متقبلة أكثر لدى المشاهد، وأضافوا شخصيات أكثر بخطوط درامية أوسع، كما تطور استخدام التكنولوجيا في المسلسل عن الرواية، كل هذا جعل المسلسل مختلفًا عن الرواية بمجهود ملحوظ وجيد جدًا لفريق الكتابة، وقد توج خضير مجهودهم بإخراج جيد جدًا، ليخرج مسلسل جيد لا ينتقص من الرواية بل يضيف لها الكثير.

بقعة ضوء

لم يكن الإنتاج الدرامي في الآونة الأخيرة مرضيًا، لا على مستوى الصناعة ولا على مستوى الموضوعات، هناك تراجع حقيقي وملحوظ هذا العام والعام الفائت عن مستوى الخمسة أعوام الماضية، ومسلسل «في كل أسبوع يوم جمعة» يمكن اعتباره بقعة ضوء تضاف للأعمال القليلة المرضية في الفترة الأخيرة، فبدءًا من كون المسلسل يعرض على منصة مدفوعة ومع ذلك ينجح في تحريك المشاهد ليدفع لمشاهدته أو للبحث عنه مسربًا حماسًا للآراء التي يتداولها مشاهدوه عنه فإن هذا يجعله مسلسلاً ناجحًا مبدئيًا.

أما على مستوى التمثيل، فقد قامت منة شلبي بمجهود واضح ويحسب لها حتى الآن، نعم لا زالت شخصية منة الحقيقية تطغى أحيانًا عندما تبكي أو تحملق، أنت ترى وقتها منة شلبي لا ترى ليلى إسماعيل البدراوي، ولكن لا بأس، لا زالت منة شلبي تعمل على ذلك وسوف تنجح بالتأكيد يومًا ما، وسوف تستطيع أن تجعل الشخصية التي تلعبها هي التي تبكي أو تتفاجأ أو تهرول.

أما آسر ياسين فقد أثبت مرة أخرى أنه ممثل جيد، لعبه لدور الشاب الذي يعاني من التوحد والتأخر العقلي والذي لم يكبر تقريبًا جيد جدًا، حركات يديه القهرية واهتزازات جسده، مخارج ألفاظه وضحكته غير المفتعلة، كل هذا يثبت أنه راجع شخوصًا حقيقيين يعانون ما يعاني منه عماد، ولم يكتفِ بمشاهدة مراجع درامية لممثلين لعبوا نفس الأدوار، وهذا أضاف إضافة حقيقية للمسلسل.

أما عن الإخراج والسيناريو والحوار فهم أبطال أساسيون في نجاح هذا المسلسل، الخطوط السردية وتتابع الأحداث والتأصيل لها يحدث بسلاسة دون أن يشعر المشاهد لا بالملل ولا بالجهل بالأحداث، المنزل المعزول الذي تعيش فيه الشخصيتان الرئيسيتان متقن جدًا، ومعبر عن جو المسلسل القاتم، ويعبر عن شخصية ليلى نفسها، المنزل واسع ونظيف ولكنه قاتم، كل شيء داخله يعمل بكفاءة ولكن كل شيء أيضًا قديم، الأثاث فخم ولكنه كئيب وتقليدي جدًا، الإضاءة أيضًا قاتمة في معظم المشاهد الداخلية مما يخدم الجو العام للمسلسل ويضع المشاهد في الجو المناسب للأحداث.

أبطال الديجيتال

استخدام المسلسل ومن قبله الرواية للعالم الرقمي كبطل مشارك في الدراما يجعلنا رغمًا عنا نفكر أن هذا أصبح واقعًا لا يمكن دحضه، ليس على مستوى الحياة فقط، بل على مستوى التسلية أيضًا، فالمنصات الرقمية المدفوعة المنتجة للمحتوى الترفيهي تكسب أرضًا شيئًا فشيئًا وتأخذ مساحة أكبر من نسبة المشاهدة في كل يوم.

منصات كنتفلكس وإتش بي أوه وآبل بلس وغيرها، تنتج محتوى أصليًا يعرض حصريًا عبرها، بإنتاجات ضخمة وأعمال مهمة تفرض نفسها على الساحة الفنية سواء على مستوى التليفزيون أو السينما، وقد أصبحت واقعًا مفروضًا على صناعة الترفيه لا يمكن إنكاره، تجتذب أعمال هذه المنصات جمهورًا عريضًا حول العالم، فمنصة نتفلكس مثلاً بمسلسلاتها وأفلامها أصبحت أحد أهم محتويات التليفزيون في معظم البيوت.

ثم تلحق المنصات العربية بركب التقدم، وتقدم منصة شاهد التي كانت في البداية تعرض بشكل مجاني محتوى شبكة قنوات إم بي سي بعد عرضه على التليفزيون، ثم أصبحت تعرض نفس المحتوى ولكن مدفوعًا، ثم تتطور الآن لتقدم إنتاجات أصلية خاصة بالمنصة تعرض حصريًا عليها بعد أن أصبحت منصة مدفوعة بالكامل، مع الأخذ في الاعتبار ما حدث في رمضان الفائت في مصر حيث استأثرت منصة ووتش إت بعرض مسلسلات رمضان التي تعرض على القنوات التليفزيونية حصريًا على الفضاء الرقمي، وبدأت هي الأخرى في تقديم إنتاجات حصرية -حشمت في البيت الأبيض لبيومي فؤاد- مؤخرًا.

كل هذا يثبت أن الفضاء الرقمي أصبح أكثر رسوخًا وتواجدًا في حيواتنا أكثر من ذي قبل وأن المستقبل الحقيقي للديجيتال، وأنه أيضًا لم يعد متاحًا مجانًا، وأن لكل شيء ثمنًا، حتى التسلية التي تستخدمها للهروب من التزاماتك المادية ربما، أصبحت هي نفسها التزامًا ماديًا جديدًا، ولكن هذا موضوع آخر يطول شرحه.