يحكي الروائي الروسي «ليو تولستوي» في مذكراته عن نشأته وسط شتى أنواع المعاناة والألم، وعلى الرغم من انحداره من عائلة نبيلة فإنه عايش معاناة الفلاحين وسوء ظروفهم واستشعرها بكل جوارحه، فقد كانت طبقة المزارعين في روسيا القديمة تتعرض لأقسى درجات الظلم والقهر وسوء المعاملة، وقد كان تولستوي نفسه شاهدًا على عدة حوادث، حيث فقد فيها الفلاح ابنه أو ابنته نتيجة سلوك الإقطاعي صاحب الأرض وقسوة معاملته.

إن تلك الظروف جعلت كاتبنا الروسي يدرك شرور العالم مبكرًا، خصوصًا وأن حياته امتلأت بها بعد ذلك، فقد هاجم الإقطاع في روسيا بشراسة، واشترك في حرب القرم عام 1854، وشهد بعد ذلك حرب السبعين بين فرنسا وألمانيا، واصطدم بالكنيسة وطُرد منها، واصطدم بعائلته حين أراد تسليم أرضه للفلاحين.

كل تلك الظروف جعلت رأسه تشتعل من كثرة التساؤلات عن حقيقة الشر في العالم، أسبابه ونواتجه، وكيفية مواجهته، خصوصًا بعد أن أدرك أنه لا مفر من التعرض له.

فيمكننا تلخيص معاناة تولستوي في جملة:

الحياة شر، والشر هو الحياة، يعيش الناس حياتهم وهم يعلمون ذلك لكن لا يجرؤون على التصريح به، وأنا أعلم ذلك لكن لا يمكنني التعايش معه.

اقرأ أيضًا: حقيقة المعاناة في الحياة، كيف ننجو من «جزّار» شوبنهاور؟

ومشكلة إدراك وقوع الشر على الآخرين أنه دلالة على اقترابه منّا. العالم الذي سمح بظلم ذلك ومعاناة ذاك، يمكنه أن يسمح بالمثل لنا، ولذلك يمكننا أيضًا تلخيص معضلة الشر في جملة واحدة:

لماذا تحدث الأشياء السيئة للأشخاص الجيدين؟

ولأهمية هذه الجملة، سوف نحللها كلمة كلمة، نضربها بالمطرقة بالمعنى النيتشويّ لكي تتفتت حروفها ويمكننا فهم مكوناتها والإجابة عليها بأفضل طريقة ممكنة.

لا يوجد أشخاص جيدون

تُحدِث الكلمتان الأخيرتان نغمة مألوفة للأذن، نستخدمها كثيرًا ويتم تكرارهما في أكثر من موضع (أُناس جيدون).

انقسم الفلاسفة في تعريف الإنسان الجيد أو الفاضل منذ قديم الزمان. فكما يحكي لنا الفيلسوف «أحمد أمين» في كتاب «الأخلاق»، فقد جنح سقراط منذ بداية الفلسفة الإغريقية للقول، إن الفضيلة الوحيدة هي المعرفة، ومنْ يرتكب الشر ما هو إلا شخص جاهل ذو روح خبيثة لم تضئ ظلماتها نور المعرفة بعد.

جاء من بعده تلميذه أفلاطون ليقول، إن المعرفة وحدها لا تكفي، وأن العالم مليء بالأشرار الذين لا تثنيهم معرفتهم عن ارتكاب الجرائم، ولذلك فالفضيلة تتمثل في ثلاث صفات تكملها الرابعة: الحكمة، والشجاعة، والعفة، وتكمّلها صفة العدل.

ثم عارض أرسطو أساتذته، فقال إن الفضيلة لا يمكن حصرها في بعض الصفات دون الأخرى، فهي عمومًا إخضاع الشهوات لسلطة العقل، وكل صفة تخضع لهذا التعريف فالفضيلة تشملها.

كاد نعيم الفلسفة الإغريقية يدوم لولا هبوب روح الأديان الشرقية، فجاءت المسيحية بفلسفة جديدة تنسف ما بناه الإغريق طوال قرون. فتفاجأنا في المسيحية بمصطلح جديد لم يأخذ نصيبه من الجدل على الرغم من تأثيره على أجيال متعددة حتى يومنا هذا، وهو مصطلح «الخطيئة الأصلية».

يقتضي مبدأ الخطيئة الأصلية أننا ما زلنا ندفع ثمن خطيئة أكل آدم من شجرة الجنة حتى يومنا هذا، وأن الشعور بالذنب والعار موروث لدى جميع البشر المُتلطِّخين بخطيئة أبيهم، ولا مفر من تكرار أخطائه إلى الأبد، فهذه هي طبيعة بني آدم.

ومن هنا نشأ مفهوم المسئولية الجمعية عن «دوستويفسكي» في روايته «الإخوة كارامازوف»، التي ادّعى فيها أن الفرد مسئول عن خطايا من حوله مثلما كان المسيح مسئولًا عن خطايا البشرية واستحق الصلب نتيجةً لذلك!

الأشياء السيئة تحدث لأننا نستحقها

وبناءً على مفهوم «الخطيئة الأصلية»، فلا يوجد أشخاص جيدون بالمعنى الحرفي للكلمة، ولذلك تحدث الأشياء السيئة لأننا نستحقها، لأنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض لا تجري الخطيئة في دمه، كلنا خطاؤون وكلنا فاسدون حتى ولو لم تُتَح لنا الفرصة بعد، كلنا سنأكل من شجرة آدم لو كنّا مكانه، كلنا سنعصي الله ونلوم حواء على أخطائنا، ولذلك فإننا نستحق الأشياء السيئة لتُطهِّرنا من ذنوبنا ولندفع ثمن المسئولية الجمعية التي أخفقنا جميعًا في تحملها وقصّرنا في حقها.

ولا يقتصر ذلك المفهوم على المسيحية فقط، بل يؤمن به بعض المُفسرين المسلمين ويستدلون على ذلك بالآية الكريمة:

«وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ»
سورة الشورى – آية 30.

فقبل أن يرفع الإنسان يده للسماء أو ينطق بكلمة سخط أو شكوى، عليه أن ينظر فيما قدمت يداه فكل ما أصابه كان بسببه، كل نصيبه كان يستحقه.

وبنفس الطريقة، فلنحاول أن نُطبِّق مبدأ الاستحقاقية ذاك على ما وصلنا من قصص الأنبياء والصالحين: فيا تُرى هل استحق «هابيل» القتل لأن قربانه تم قبوله عند الله وتفضيله عن قربان أخيه، وهل استحق «يوسف» الإلقاء في البئر لأنه كان المُفضل عند أبيه، وهل اقترف «أيوب» جريمة استحق عليها الابتلاء الطويل وفقد العافية والولد والسمعة الطيبة، وهل استحق النبي «زكريا» (يوحنا المعمدان) أن يُذبَح وتُقدَم رأسه مهرًا لزانية رفض فسوقها وأنكر فاحشتها، وهل استحق «المسيح» الصلب حقًا؟

كما يبدو، فلا تزر وازرةٌ وزرَ أخرى، ولا يمكن أن يخلط عاقل بين الضحية والجاني، بين البريء والمذنب. ففي معظم الحالات، مهما تميّزت الضحية بأعلى درجات الفضيلة، فإنها لا تنجو من مصير مؤلم وشر غير مُستحق يصيبها دون تبرير أو تفسير منطقي. ولذلك لا يمكننا أن نعوِّل على مبدأ الاستحقاقية ولا المسئولية الجمعية التي تلوم الضحية وتُبرِّئ الجاني… تُبرِّر الشر والأشياء السيئة بفساد مزعوم بالنفس البشرية، وتضع عمدًا ثقل العالم على أكتاف الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة.

الاستحقاقية هي أكذوبة العالم الحديث

يقول الفيلسوف البريطاني «آلان دو بوتون» في كتابه The School of Life: An Emotional Education، إن إحدى أخطر مساوئ العالم الحديث هي أنه صار يعامل الأفراد كأنهم آلهة مسئولون عن مصائرهم، وكأنهم يتحكمون في كل شيء ويتمتعون بحرية غير محدودة، تُمكّنهم من تغيير مصائرهم أيما كانت.

وبذلك بدأ مروجو المبدأ في إقناع الناس أن ما يُصيبهم هو خطؤهم، وأن الأغنياء يستحقون الغنى لميزة بهم، وأن الفقراء يستحقون الفقر لعيب فيهم، متجاهلين بذلك عوامل التوفيق والحظ وظروف النشأة والبيئة المحيطة والموهبة الفطرية التي تختلف من شخص لآخر.

فلننظر إلى مثال الملياردير الأمريكي «بيل جيتس» كمثال على استحقاقية الناجحين للنجاح، وكيف يدفع العمل الجاد والاجتهاد بصاحبه إلى قمة العالم وتحقيق المستحيل في ظل نظام رأسمالي يشجع التنافسية ويكافئ الإبداع بشتى صوره. لكن لو دقّقنا النظر قليلًا فسنرى أن عوامل نجاح جيتس تزيد على مجرد العمل الجاد فقط.

فقد نشأ بيل جيتس بين عائلة شديدة الثراء، وفّرت له منذ الصغر شتى وسائل الرفاهية والراحة، وساعدته على التمتع بتقنية وتكنولوجيا جيله كاملة مما أتاح له الفرصة للإبداع والابتكار، كما وفّرت له عائلته الثرية تكلفة الدراسة في هارفارد، أكبر وأغلى جامعة في العالم، ووضعته مكانة عائلته المميزة بين نخبة المبدعين والعقول المفكرة التي ساعدته على بناء إمبراطوريته فيما بعد.

إضافة إلى الموهبة الفطرية التي تمتع بها جيتس والذكاء المرتفع الذي تميّز به منذ الصغر، كل هذه العوامل لم يكن للملياردير الأمريكي دخل بها ولا حتى سعى لامتلاكها، بل هي أفضلية وفّرها له القدر وغذّتها ظروف نشأته التي ليس له أدنى سيطرة عليها. فكيف بعد كل هذا يجادل أحدهم في استحقاقية شخص للثراء واستحقاقية الآخر للفقر؟

ولذلك علينا أن ندرك قصور حرية الإنسان، ونعترف بمحدودية اختياراته وسيطرته على مصيره أمام قوى الواقع والقدر. ونتيجة لذلك يمكننا القول، أخيرًا، إن الاستحقاقية لا يُعوَّل عليها، وإن الأشياء السيئة تحدث لا بالضرورة لمن يستحقها، بل إن الأمر أعمق من ذلك بكثير.

اقرأ أيضًا: وهم الإرادة الحرة بين «شوبنهاور» و«دوستويفسكي» و«أوشو».

الأشياء السيئة ليست شرًا بالضرورة

ونعود للجملة التي بدأنا بها المقال: لماذا تحدث الأشياء السيئة للأشخاص الجيدين؟

بعد أن حلّلنا نصفها الثاني، يتبقى لنا أن نحلل النصف الأول ونضع مفهومًا للأشياء السيئة وما المقصود بها.

في كتابه «التأملات»، يقول الفيلسوف «ماركوس أوريليوس» إنه من المستحيل تقسيم الأشياء التي تحدث بغير إرادتنا لخير وشر، فلإدراك إذا كان الحدث خيرًا أو شرًا يجب أن ننتظر إسدال ستارة المسرح ونهاية الرواية، لا أن نحكم على كل فصل بمفرده دون إدراك مشهد النهاية.

فعلى سبيل المثال، لو نظرنا إلى قصة «يوسف الصدّيق» واقتطعنا من السياق فصلًا واحدًا منها دون اعتبار للقصة ككل، فقد يبدو إلقاء إخوته له في البئر شرًا، وقد يبدو بيعه كعبد شرًا، وقد تبدو مكيدة امرأة العزيز شرًا، وقد يبدو سجنه ظلمًا شرًا، لكن في الحقيقة كل هذه الأشياء انتهت في صالحه وكأنها تُمهِّد الخير له. ولذلك فالشر في الفلسفة الرواقية ليس ما يصيب المرء ويضره في التو، بل ما لا ينتج عنه خير على المدى البعيد.

وطالما كان الحدث الذي نعيشه في سياقه، ولم يُسدل الستار عن مسرحية الحياة بعد، فتقسيم الأحداث لخير وشر مضيعة للوقت وإسراف في الطاقة. ولذلك يُطلِق الرواقيون على الأحداث التي لا نتحكم بها ولا يسعفنا السياق لتسميتها، بالأحداث اللا فارقة Indifferent، وهي الأحداث التي لا تجبرنا بالضرورة على رد فعل معين، بل يختلف رد الفعل تجاهها من شخص لشخص، فليست الأحداث الخارجية هي ما تؤثر علينا سواء كانت خيرًا أو شرًا، بل فكرتنا عن تلك الأحداث والتعجل في تسميتها على المدى القصير.

ولذلك يقول الحكيم «إبكتيتوس» في كتابه «المختصر»:

إذا ما رأيت شخصًا يبكي مُتحسِّرًا، لفراق وَلَدٍ أو لوفاته، أو لفُقدان ممتلكاته، فاحذر أن يأخذك الظاهرُ بعيدًا فتظنَّ أن الأضرار الخارجية هي ما يُبكيه، بل اذكُر في الحال أن ما يحزنه ليس الحدث- فمثلُ هذا لا يحزن غيره- بل فكرته عن الحدث.

وبذلك يصبح سؤال لماذا تحدث الأشياء السيئة للأشخاص الجيدين سؤالًا لا فارقًا هو الآخر، فمفهومنا عن الأشياء السيئة وعن الأشخاص الجيدين مقصور على معرفتنا المحدودة وأحكامنا المتعجلة على الأحداث. بل يكون السؤال الأهم الذي يجب أن نطرحه عند الحديث عن معضلة الشر في العالم هو: أتريد العيش كضعيف في عالم آمن أم كقوي في عالم خطر؟

العالم الآمن وثعابين الجنة

يناقش السؤال عالم النفس الكندي «جوردان بيترسون» في كتابه 12Rules for Life، فيلفت النظر لجزئية مهمة في قصة الخطيئة الأصلية وخروج آدم من الجنة.

فقد كان آدم وحواء يسكنان الجنة، أكثر بيئة آمنة ومثالية عرفها الإنسان، وعلى الرغم من ذلك نجح إبليس في التسلل إلى تلك البيئة الآمنة على صورة ثعبان، ليثبت لنا أقدم درس في التاريخ الإنساني:

لا توجد بيئة آمنة 100%… لا توجد بيئة خالية من الثعابين… حتى الجنة!

ولذلك فعند السؤال عن أيهما أُفضِّل، العيش كضعيف في بيئة آمنة أم العيش كقوي في بيئة ضعيفة، لا تترك لنا القصة خيارًا سوى القوة، فالقوة هي سلاحنا الوحيد لفهم الشر واستيعابه في عالم خطر لا يخلو من الثعابين، فلا بديل للقوة، فإمّا أن نعيش كأقوياء في عالم خطر أو نعيش كضعفاء في عالم خطر أيضًا.

وفي كتابه «حمار الحكيم»، يحكي الأديب المصري «توفيق الحكيم» عن تلك الليلة المرعبة التي قضاها في إحدى الغرف المظلمة في الأرياف، إذ حذّره صاحب الغرفة من أنها مسكونة بالعفاريت الذين يخرجون ليلًا ليعبثوا باليقظين ويُقلِّقوا منام النائمين.

يقول الحكيم إنه بعكس صاحب الغرفة البسيط، لا يؤمن بالعفاريت ولا يصدق وجودهم ولا أي من تلك الخرافات، ومع ذلك قضى ليلته في الغرفة بين خوف وترقب لكل حركة وكل همسة، قائلًا:

هو يؤمن بوجود العفاريت لذلك يخشى ظهورهم، أنا لا أؤمن بوجود العفاريت لذلك أخشى ظهورهم أكثر منه!

فلو ظهرت العفاريت لصاحب الغرفة، فلن يواجه مشكلة في التعامل مع وجودهم، فظهورهم مُبرَّر بل ومنطقي بالنسبة له. أمّا إذا ظهرت العفاريت لتوفيق الحكيم، فلا مفر من الجنون، فسيهتز إيمانه القائم على عدم التصديق بتلك الخرافات، بل يبدأ الشك في كل ما يؤمن وكل ما لا يؤمن، وليس بعيدًا أن يفقد عقله محاولًا الإجابة على سؤال: أي شيء آخر حقيقي أعده خرافة، والعكس؟

تشبه تلك الحالة ظاهرة شهيرة في علم النفس يسمونها Posttraumatic stress disorder، وتشيع تلك الظاهرة في المرضى الذين شهدوا صورًا متطرفة من الشر تفوق قدرتهم على الاستيعاب، سواء تعرضوا لوقائع عنف أو اغتصاب أو حتى الجنود العائدين من الحرب. فتمثل تلك الظاهرة انقلابًا في مفاهيم الحياة بالنسبة للفرد نتيجة لصدمة التعرض لأشياء كان يظنها غير موجودة، خرافات، شرور نادرة يظنها تحدث للآخرين ولا تحدث له. وقد تطول فترة علاج تلك الصدمة في بعض الحالات المستعصية إلى الأبد.

القوة هي الوعي بالشر الداخلي

يُحلِّل عالم النفس السويسري «كارل يونج» تلك الظاهرة في كتابه «البنية النفسية عند الإنسان»، فيقول:

الطريقة الوحيدة لاستيعاب شر العالم واكتساب القوة لمواجهته هي اكتشاف المرء للشر الكامن في داخله ودراسة دوافعه ومقدرته على ارتكاب الجرائم هو نفسه.

وقد كان ليونج تعليق ساخر على أحد السياسيين الذي قال في مناقشة إحدى الجرائم الشهيرة حينها، إنه لا يمكنه أن يتصور نفسه يرتكب جريمة مثل تلك. فعلّق يونج قائلًا:

لو ليس بإمكانك أن تتصور الشر بداخلك، فلا يمكنك أن تحاربه في الآخرين، ولا حتى تتحمله في العالم.

وتنص نظرية يونج The integration of the shadow على أن الإنسان بشكل عام أقل طيبة مما يتخيل نفسه أو مما يريد أن يكون. فكل شخص يحمِل بداخله ظلًا يعكس صفاته السيئة ورغباته الشريرة الكامنة به، فالظل هو جزء من اللا وعي يحتفظ بالغرائز المكبوتة والأفكار غير المقبولة، نقاط الضعف والرغبات والغرائز والنقائص التي يستحي منها صاحبها. وذلك الظل هو مكمن الشر في العالم، وهو أيضًا كامن داخل كل شخص، سواء كان مجرمًا أو قديسًا.

ولا ينعم المرء بالقوة والأمان في العالم سوى باستكشافه هذا الجانب المظلم بداخله، فالوعي به وقبوله هو الوعي بحقيقة العالم، وهو الطريقة الوحيدة لمواجهة كل أنواع الشرور التي تحدث حولنا أو لأحد منّا. فيقول يونج في كتابه Psychology and Religion، مُلخِّصًا طريقة الوعي بالظل:

لا توجد تقنيّة فَعالة بشكل عام لاستيعاب الظل. إنه أشبه بالدبلوماسية أو الحنكة وهو دائمًا مسألة فردية. يجب على المرء أولًا أن يقبل ويأخذ بجدية وجود الظل. ثانيًا، على المرء أن يُدرك صفات ظله ونواياه. يتحقق ذلك من خلال الانتباه الواعي إلى الحالة المزاجية والأوهام والدوافع. ثالثًا، عيش عملية طويلة من التفاوض أمر لا مفر منه لقبول المرء لنفسه وللعالم من حوله.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.