ما الذي يمكننا تخيله من فيلم مبني على قصة مصورة من صناعة الأخوان روسو، قادة سفينة أفينجرز نحو نجاحها الجماهيري المذهل؟ ومن بطولة كريس هيمسورث، «ثور نجل أودين» كما يعرفه الجميع، من سيناريو وحوار جو روسو نفسه، ومن إخراج سام هارجراف منسق المخاطرات الخاص بسلسلة أفينجرز في فيلمه الطويل الأول كمخرج، يبدو الأمر مثيرًا للاهتمام بناء على هذه التفاصيل وحسب، لكن إذا ما أضفنا إليها أن الفيلم يمكن تصنيفه في فئة «جن فو» (Gun-Fu) أو المزيج بين فنون القتال كالكونج فو واستخدام الأسلحة النارية، وأن أحداث الفيلم تدور بين الهند وبنجلاديش، هذا يبدو شيئًا فريدًا بالفعل!

باختصار إذن، ماذا لو ذهب صناع أفينجرز لمطادرة جون ويك في الهند؟

تايلر ريك يواجه جون ويك

تدور أحداث الفيلم عن جندي مرتزق يقوم بعمليات مسلحة مفقود الأمل في نجاحها، يملك هذا الجندي ماضيًا حربيًا، حيث شارك الجيش الأمريكي في غزو العراق، كما يملك ماضيًا شخصيًا قاسيًا أيضًا، حيث تعرض لفقد أسري تركه منزوع الروح، ليصبح رجلاً يوافق على المهام الموكلة إليه لأنه في الحقيقة ينتظر الموت وبشدة، بل يتمناه.

هذا الجندي الذي يحمل اسم «تايلر ريك» يقوم بدوره «كريس هيمسورث»، ويذكرنا بشكل كبير بجون ويك، كلاهما يملك قدرات بدنية ومهارات حربية خاصة، كلاهما يملك ماضيًا مؤلماً، والأهم أن كليهما معرض للأذى أيضًا، فهما ليسا بطلين خارقيْن، يمكنك قتلهم برصاصة في الرأس تمامًا كباقي البشر.

التشابه بين «تايلر ريك» و«جون ويك» ليس على مستوى بناء الشخصية وماضيها وحسب، لكنه أيضًا على مستوى تتابعات الأكشن التي نراها في الفيلم، جون ويك أتى ليجعل معظم أفلام الأبطال الخارقين تبدو وكأنها أفلام أطفال، حيث القتل يتم دون أن نراه، يتطاير البشر بالمئات لكننا لا نعرف ماذا حدث لكل منهم، لكن في «ويك» عدنا لأكشن الثمانينيات والتسعينيات، بطل ماهر في فنون القتال، يخطط لكل خصم على حدة، وحينما يبدأ الاشتباك بالأيدي أو القتال بالأسلحة النارية، نسمع صوت العظام المتكسرة، ونشاهد بقايا الأعضاء المنفجرة، «ويك» عنيف وقاسٍ، لكن المتعة تأتي من التخطيط الذي يبدو صعبًا للغاية لكنه ممكن، والتنفيذ الذي يبدو واقعيًا وبأقل قدر ممكن من المؤثرات البصرية.

هنا يستفيد المخرج سام هارجراف، من زميله القديم في مهنة أداء وتنسيق المخاطرات، «شاد ستاهيلسكي» الذي عمل سنين كدوبلير لكيانو ريفز قبل أن يصنع تحفة جون ويك ليبدأ مشواره الإخراجي الناجح، هكذا يصبح Extraction قطعة جديدة في عالم أكشن «جن فو».

سحر اللقطة الواحدة وتيرمينيتور الهندي

كما استفاد سام هارجراف من سلسلة جون ويك، استطاع أن يقدم أيضًا لمسته الخاصة رفقة صانع الحكاية، ونقصد هنا بالطبع جو روسو، اللمسة الخاصة هنا جاءت من خلال نقل الأحداث لبيئة خصبة تمامًا لمشاهد الأكشن، كما أنها غير مكتشفة، الأحداث تدور بين الهند وبنجلاديش، وبشكل رئيسي في العاصمة البنغالية «دكا» التي ربما لا يعرف على الأقل 90% من الأمريكيين موقعها على الخريطة.

تدور الحكاية إذن عن مهمة «تايلر ريك» لإنقاذ طفل هندي مختطف في «دكا» من قبل أكبر تجار المخدرات هناك، أو كما يصفه الفيلم «بابلو اسكوبار بنجلاديش» والخروج به سالماً.

تتابعات الأكشن في شوارع «دكا» هي تتابعات بكر بشكل مكتمل، لم نرها من قبل في السينما الأمريكية، مطاردات تحمل أجواء أفلام بوليود قليلة التكلفة للوهلة الأولى، لكنها ذات رتم سريع تتسارع معه أنفاس المشاهد دون مبالغة، كما يشعرك في بعض اللحظات وكأنك في فيديو جيم لو توقفت فيه للحظة ستموت.

وسط كل هذا يقدم صناع الفيلم نجمًا هنديًا في البطولة جنبًا إلى جنب مع «كريس هيمسورث»، وهو الممثل الهندي رانديب هودا في دور «ساخو»، لنشاهد مبارة أكشن يتم توفير المساحة الكافية لها بين الطرفين، تجعلنا نشعر في بعض اللحظات أن رانديب هو النسخة الهندية من تيرمينيتور شوارزنيجر.

في أحد مشاهد الفيلم وبعد تتابع طويل من الأكشن يقرب من الربع ساعة متصلة، تتابع يبدو وكأنه لقطة واحدة، ينشب قتال بالأيدي والأسلحة البيضاء بين تايلر ريك وساخو في أحد شوارع دكا المزدحمة، يتوقف بعض المارة لمتابعة ما يحدث، بينما تستمر حركة المرور الجنونية، اللكمات والطعنات تستمر، لتمر دراجة نارية لا نعلم من أين أتت وهي تحمل أربعة أشخاص بشكل مفاجئ بين الطرفين، يتوقف القتال لثوانٍ ثم يكمل كل طرف ما بدأه، هذا ما تضيفه البيئة للفيلم، مفاجآت مستمرة تجبر أطراف القتال على التعامل معها، تخيل قتالاً في شوارع أزحم مائة مرة من شوارع عشوائيات القاهرة. تخيل تتابع «إبراهيم الأبيض» الأيقوني أثناء حربه مع حارة مكتملة، تخيل أن يستمر الأمر على نفس المنوال لفيلم مكتمل، لكن الفرق أن إبراهيم «يعور وميموتش» بينما تايلر ريك «يموت ولا يعورش».

أن تنقذ نفسًا وتقتل الناس جميعًا

فلسفة العنف ما بعد الحداثي التي ذكرناها من قبل عند تحليل جون ويك تستمر هنا دون شك، القتل يستمر، يصاحبه دافع «التطهر» كما سماه أرسطو، علم النفس التحليلي يذكرنا أيضًا بأننا جميعًا نملك رغبات عنيفة مكبوتة، يمثل رؤيتها على الشاشة في عمل فني نعلم أنه غير حقيقي تحقق وشعور بالرضا لدينا، لذلك يحب الجماهير جون ويك، الجوكر، كما سيحبون تايلر ريك.

لكن الأمر المختلف هنا أن الفيلم قد يصاحبه أيضًا شعور بعدم الرضا وعدم التحقق وربما الغضب عند بعض المشاهدين، المشاهد تبدو حقيقية للغاية، الأجواء تبدو حقيقية للغاية، والبشر المقتولون كلهم من البنغال المطحونين في بقعة فقيرة من العالم، أغلبهم ملثمون حتى يضمن صناع الفيلم أننا لن نتواصل معهم بشكل شخصي، لكن الفيلم بشكل واعٍ أو غير واعٍ يفقد في العديد من اللحظات شعور الفيلم، الشعور الخيالي الأقرب للقصص المصورة في عالم الكونتيننتال الذي شاهدناه في عالم جون ويك.

هذا الاقتراب الشديد من الحقيقة يجعل القتل مزعجًا بالنسبة للبعض، خصوصًا مع تراجع إمكانية تصديق الحبكة التي تقوم على إنقاذ روح واحدة لأسباب غير مادية، فيما تغفل قتل كل من يقابله بطل الفيلم في طريقه دون أن يجفل.

على الرغم من ذلك، فالفيلم يظل ممتعًا على مستوى الأكشن، ولمحبي أفلام الفنون القتالية بشكل خاص، خصوصًا مع تتابعات مهندسة بشكل جيد، تضع كريس هيمسورث في أجواء قتالية فريدة من نوعها، وتضيف رانديب هودا والإيرانية الفاتنة غولشافه فرحاني في خلطة تجمع القيمة الفنية مع التنوع العرقي لدى الصناع والجماهير على حد سواء.

إذا مللت من أجواء دراما رمضان إذن، جو روسو لديه الحل دائمًا، هذه المرة مباشرةً إلى بيتك عبر نيتفلكس.