إخوتي وأخواتي، الساعة تدق سريعًا، ها هو حلمي لنا .. نحن الذين نعيش من أجل الحقيقة والحب، لقد حانت اللحظة لأن نتبوأ مكاننا الصحيح في هذا العالم، حيث نعيش نحن «السحرة» أحرارًا. انضموا لي.

بهذه الكلمات يخاطب أمير الظلام الأول جيرلت جيرندالوالد مجتمع السحرة في سعيه لجمعهم من حوله في ثورته على عالم غير السحرة. جيرندالوالد ساحر كبير وقوي، تعرض للسجن والتعذيب، ولكن كل هذا لم يثنه عن سعيه، في أن يصل السحرة لسدة الحكم في العالم، في أن يعيشوا أحرارًا ودون تخف.

صورة منطقية ومقنعة لشخصية الشرير الأقدم والأهم في عالم الروائية الإنجليزية ج ك رولينج، عالم هاري بوتر كما يعرفه الجميع، ولكن كل هذا يدور قبل صراع هاري وفولدمورت بعشرات السنين. الصراع هنا بين البوس دمبلدور، الأستاذ الأكبر لهوجوروتس والأب الروحي الذي رافقناه عجوزًا في عالم هاري، وبين جيرالت جريندلوالد، منظر أفكار أصحاب الدم النقي، العدو اللدود، والصديق القديم.

وسط كل هذا، نتابع الجزء الثاني من رحلة نيوت سكامندر، الشاب الهادئ والخجول، الذي يعشق الوحوش والكائنات الغريبة، والذي يبدو أنه سيحظى بدور البطولة في هذه الحلقة من الصراع الأزلي بين الخير والشر. هل يحمل صراع دمبلدور وجريندالوالد رمزية الحرب العالمية الثانية؟ هل يقودنا جيرندالوالد في مسار شبيه لما فعله أدولف هتلر؟ هل ينجح نيوت سكامندر في أن يكون هاري بوتر القديم/الجديد؟ كل هذا في مراجعتنا اليوم لفيلم «Fantastic Beasts 2» والمعنون «جرائم جريندالوالد».


الشرير البطل: جريندالوالد وتركة فولدمورت

هذا هو فيلم جريندالوالد. يختار المخرج ديفيد ياتس والكاتبة ج ك رولينج هذا بوضوح بدءًا من اسم الفيلم ومشهد الافتتاح فيه. نتعرف على جيرلت جيرندالوالد من الافتتاحية، المشهد التأسيسي لرجل مسجون ومشوه، تم قطع لسانه لمواجهة قدرته غير المحدودة على الإقناع.

نسمع عنه قبل أن نراه، ثم نتابع مشهد هروبه في افتتاحية طويلة بلا كلمات، رجل في عربة طائرة تجرها خيول سوداء، تلك المخلوقات التي نعرف أن وحدهم الذين اختبروا الموت هم من يرونها، هذه الصورة السينمائية الشبيهة برحلة بابا نويل في نسخته القاتمة السوداء، تمثل لقاءنا الأول بجريندالوالد.

الشرير هو أحد أهم العوامل في قوة القصة، وجريندلوالد هنا في منافسة صعبة أمام تركة اللورد فولدمورت شرير عالم بوتر الأشهر. المقارنة هنا ما زالت مبكرة، ولكن الأكيد أن جريندالوالد يمتلك قصة مؤثرة وخلفية مثيرة للاهتمام، ويكفينا أن نقول إننا أمام أمير الظلام الأول الذي ربطته علاقة صداقة وثيقة – علاقة حب في بعض الروايات – بألبوس دمبلدور.

يقوم جوني ديب هنا بدور جريندالوالد، يبدو مظهره مخيفًا بعين معطوبة وبيضاء وعين سليمة، وشعر أبيض ونصف محلوق، ولكنه يبدو مكررًا بنفس الأداء الصامت وبنطقه المعتاد للكلمات ببطء شديد لإضفاء بعض الجاذبية عليها.

لا نشاهد الكثير من أمارات قوة جريندالوالد الأسطورية التي قرأنا عنها في الروايات، ولكننا بالتأكيد أمام ظهور أول جيد خصوصًا فيما رأيناه في المشهد الافتتاحي، بالإضافة للترقب الشديد لما يمكن لجريندالوالد أن يفعله بعصا الأخ الأكبر السحرية، والتي نعلم من عالم هاري بوتر أنها العصا السحرية الأقوى والتي لا يمكن هزيمتها.

وفي حين عاني فولدمورت من الفقد العائلي في صغره، لم يمر جريندالوالد بنفس الأمر، فنحن أمام رجل ينتمى لعائلة عريقة من السحرة. تأثر فولدمورت بالتأكيد بأمير الظلام الأول جريندالوالد، وتفاجأنا رولينج في هذا الفيلم برابط مثير بالحية الضخمة التي رافقت فولدمورت في آخر أيامه، والتي كانت يناديها «ناجيني».


البوس دمبلدور: حنين لعالم هوجوروتس

دمبلدور هو الساحر الأقوى في عالم رولينج. الرجل الذي أحبه واحترمه الجميع حتى أعداؤه في كل أفلام هاري بوتر التي شاهدناها من قبل، الآن نشاهد ماضي هذا الساحر العجوز ذي اللحية البيضاء الطويلة، نشاهده كرجل في أربعينيات عمره، أستاذ لفنون الدفاع ضد السحر الأسود، ومحرض على القتال ضد جريندالوالد، وقبل كل شيء أخ يشعر بالندم عقب وفاة شقيقته التي نكتشف حكايتها شيئًا فشيئًا.

ظهور دمبلدور -الذي يؤديه بهدوء وكايرزما ناعمة جود لو – مصاحب لظهور هوجورتس في الحكاية، ظهور الطلاب بأزياء جريفندور وسليذرن، المكانس الطائرة في مباريات الكويدتش، والجسر الشهير المؤدي للمدرسة، كل هذا يصاحبه التيمة الموسيقية الشهيرة للملحن الأمريكي جون ويليامز.

يعيد ديفيد ياتس خلق هذا العالم هنا بنفس صورته القديمة، ورغم التطور الشديد للمؤثرات البصرية إلا أنه يحافظ على طابع المباني والمخلوقات القريب من طابع الكتب المصورة القديمة، كل هذا يزيد من الحنين والشعور بالألفة تجاه ما نشاهده.


هل سيصنع فتى الوحوش الغريبة الفارق؟

تعرفنا في الجزء الأول من Fantastic Beasts على نيوت سكامندر، الساحر الشاب الخجول، والمولع بالوحوش والحيوانات الغريبة. نيوت هو الوريث الشرعي لعالم هاري بوتر، هو هاري الجديد في عالم الأفلام والقديم في عالم السحرة، الشاب القادم من الكواليس ليصنع الفارق في الصراع مع لورد الظلام الأول. دمبلدور يلعب هنا أيضًا دور الأب الروحي والمعلم والملهم بالنسبة لنيوت، ولكن الفارق أن نيوت يبدو منبوذًا وهشًا حتى إذا ما قارناه بهاري الذي رأيناه يتطور شيئًا فشيئًا.

نيوت الذي يقوم بدوره إيدي ريدمان بأداء مليء بالتلعثم والتعثر، يبدو غير مكتمل وغير جذاب حتى الآن، نقطة قوته الوحيدة في خفة ظل وغرابة وحوشه. يعود هنا مرة أخرى حيوانه الصغير الذي يشبه بطة صغيرة تسمى نيفل، والذي يجيد جذب المعادن والأشياء اللامعة، إلى الصورة بتدخل غير متوقع ومؤثر للغاية في مسار الحكاية، نشاهد أيضًا وحشًا بحريًا مخلوقًا بالكامل من النباتات والطحالب البحرية، والذي يمكننا اعتباره واحدًا من أكثر وحوش الفيلم إبهارًا على المستوى البصري.

يبقى السؤال إذن عن إذا ما سيتطور في الأفلام القادمة ليصبح جديرًا بأن يصبح الفتى الذي يؤمن دمبلدور في قدرته على مواجهة جريندالوالد؟


الحرب العالمية الثانية وانعكاساتها في عالم السحرة

تبدو رمزية حرب دمبلدور وجريندالوالد واضحة للغاية إذا ما أخذنا في الاعتبار أن رولينج قد اختارت لها منتصف أربعينيات القرن العشرين زمنًا، وهو بالطبع زمن نهاية الحرب العالمية الثانية والتي مثلت الصعود والانهيار لأيديولوجية القائد النازي أدولف هتلر.

يبدو جريندالوالد أيضًا مبشرًا بأيديولوجية مشابهة حيث يدعو لعالم يحكمه أصحاب الدم النقي من السحرة، كما كان يدعو هتلر لعالم يحكمه أصحاب الدم النقي من الجنس الآري. يتشارك الرجلان أيضًا في قدرتهما على الخطابة والإقناع وحشد الجماهير. مما يزيد من أهمية عرض حكاية جريندالوالد الآن هو تزامن هذا مع الصعود الحالي لليمين في أوروبا وأمريكا، وهكذا يمكننا وضع أيدينا على العبرة الفكرية والاجتماعية من الرواية وسلسلة الأفلام في الوقت الحالي، خصوصًا وأن رولينج تهتم دائمًا بهذا الجانب الفكري في رواياتها السحرية.

الحرب قادمة لا محالة، وهذا الجزء من السلسلة لم يكن سوى تقديمة متشعبة لما سوف يحدث، ونحن بالتأكيد في الانتظار.