«على الفنانين الموجودين في مهرجان الجونة ألا يهتموا بالأزياء فقط، وأن تأتي اهتماماتهم أيضًا بالأفلام التي يتم عرضها خلال الفاعليات هناك، فلا يمكن أن يكون مهرجان بهذا الحجم تنصب اهتماماته على الصور فقط»، لمحة من تعقيبات جمهور مع بداية فاعليات مهرجان الجونة السينمائي الدولي، والذي بدأ في 14 أكتوبر، الحالي ومن المقرر أن تستمر فاعلياته حتى يوم 22 من ذات الشهر.

ومع حضور عدد كبير من الفنانين والذين لم يكن من المتوقع أن يوجدوا هذا العام، أو يحضروا فاعلياته من الأساس بسبب وباء كورونا، قرر هؤلاء النجوم أن يقتحموا أبواب العروض السينمائية للمهرجان، من خلال حضور الأفلام المصرية، المشاركة في الفاعليات والتي كان على رأسها فيلم «ريش» الذي حصل على جائزة أسبوع النقاد في مهرجان كان في دورته الأخيرة، وجائزة لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبريسي)، كما أنه حصد، مؤخرًا، جائزة أفضل فيلم في مهرجان بينجياو السينمائي الدولي في الصين،وهو من تأليف أحمد عامر، وإخراج المخرج الشاب عمر الزهيري.

فيلم «ريش».. إشادة عالمية محاربة محلية

لم توقف إشادات المجتمع الدولي والمهرجانات العالمية، بفيلم ينتمي إلى عالم الفانتازيا، أكثر منه إلى عالم الواقع، حيث تعتقد أم لثلاثة أطفال، أن زوجها تحول إلى دجاجة في لعبة ساحر، آتى به في عيد ميلاد أحد أبنائه، وتجعله يعيش معها في ذات المنزل، ولكن داخل أحد الأقفاص، ظنًا أن الساحر سيعيده إليها مرة أخرى، فيلم «ريش»، يحكي تجربة حياتية لبعض الأفراد الذين يعيشون فقرًا مدقعًا، في إحدى الخرابات المكانية، من دون أن يحدد المخرج عمر الزهيري أو المؤلف أحمد عامر، المكان أو الزمان الخاصين بهذا العمل، وبالتالي هذا العمل لم يقر أي من صناعه بأنه يعكس الواقع المصري أو أي دولة محددة، بل إنه فيلم تم إنتاجه من دون مكان أو زمان محددين.

مع عرض فيلم «ريش»، في إطار فاعليات مهرجان الجونة السينمائي في دورته الخامسة، فوجئ الجمهور بعدد من الانتقادات الصارخة، لهذا العمل، إضافة إلى انسحاب بعض الفنانين من الفيلم موجهين له تهمة الإساءة لسمعة مصر.

وعلى الرغم من أن وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم، قامت بتكريم أبطال العمل من قبل فور حصولهم على جائزة مهرجان كان، فإن بعض الفنانين وعلى رأسهم شريف منير رأوا أن هذا الفيلم يسيء لسمعة مصر، وأن الوضع في مصر قد تغير منذ أربع سنوات فلم تعد هناك عشوائيات كما نرى في الفيلم، قال ذلك، على الرغم من لا مكانية وزمانية العمل في الأساس، وعقبه في الانسحاب كل من أشرف عبد الباقي وأحمد رزق، وعلق بعض من الفنانين واتهموا المهرجان بأنه مشبوه وعرض فيلم «ريش»، يؤكد شبهة المهرجان، وكان هذا من الفنانة المعتزلة شادية عبد الحميد على سبيل المثال.

الإساءة لسمعة مصر.. عبارة ألفتها الآذان منذ سنوات

بدورها، اتجهت «إضاءات»، مباشرة إلى الفنان شريف منير لسؤاله عن سبب اتهامه لفيلم «ريش»، بهذا الاتهام الخطير وهو «الإساءة لسمعة مصر»، ليقول في تصريح خاص: إنه رأى أن مأساوية الفيلم زائدة عن اللزوم، وأنه أصابه بأذى نفسي، لم يستطع تحمله، كما أنه يجب أن نبتعد عن شاكلة الأفلام التي تشبه «حين ميسرة»، حيث إن شكل المجتمع اختلف عما كان عليه من قبل، وحتى أنه أيضًا لم يكن بهذا الفقر المدقع من قبل.

وأضاف شريف منير: «الفيلم ذكرني بفيلم بداية ونهاية، للمخرج صلاح أبو سيف، وشكل الدولة المصرية حاليًا تغير، ويجب أن نغير وجهة نظر العالم عن مصر الحالية، كما أكد أنه ليس الفنان الوحيد الذي خرج من الفيلم، فهناك عدد من الفنانين الذين تركوا صالة العرض»، مؤكدًا استنكاره من أن يحصل فيلم كهذا على جوائز عالمية.

وعن مقارنة حالة الفيلم بالـ«الكيت كات»، قال منير، «الأمر يختلف تمامًا، وحين يرى المتخصصون العمل سيدركون ذلك، وإلا يمكنكم اعتبار أنني لا أفهم شيئًا في السينما».

رد الناقد الفني طارق الشناوي، على ما فعله الفنان شريف منير من انتقاد لاذع للفيلم، مؤكدًا أن لكل شخص الحرية الكاملة في أن يُعجب بعمل فني أو لا، ولكن فكرة التشويه والتشهير بفيلم، لعدم رضا فنان عنه، هذا أمر غير مقبول تمامًا وترفضه حرية الرأي والإبداع.

وأضاف الشناوي، في تصريح خاص لـ«إضاءات»، أن استخدام عبارة «الإساءة لسمعة مصر»، عفى عليها الزمن منذ سنوات، فمن حق أي شخص أن يعترض على عمل إبداعي، وألا يتوافق مع أهوائه، ولكن لا يمكن أبدًا أن نقوم بسحب الأمر إلى الإساءة لسمعة مصر، فالعمل الإبداعي عمل حر لا يمكن حصره بهذا الشكل.

التريند يُخلق من العدم

بينما علق الناقد الفني محمد سيد عبد الرحيم،من الجونة، على موقف الفنان شريف منير، مؤكدًا أنه باحث عن التريند منذ اللحظات الأولى في حفلة الافتتاح، وجاء ذلك جليًا حين قام أحمد السقا شاكرًا الجيل السابق له، ليقم منير محييًا للجمهور، على الرغم من وجود العديد من أبناء جيله في حفل الافتتاح.

وأضاف عبد الرحيم، في تصريح خاص لـ«إضاءات»، أن شريف منير حاول استكمال الشو الذي سعى إليه، حين صعد على المسرح ليقوم بإزالة «المنديل»، من وجه السقا، وهو ما اعتبره كثيرون محاولة للفت الانتباه.

وأكد أن فيلم «ريش»، لا يمكن إطلاقًا أن يسيء لسمعة مصر، وهو الذي قام بحصد جوائز عالمية، وهذا الكلام يقال منذ سنوات طويلة فقيل على يوسف شاهين في فيلم «باب الحديد»، ومحمد خان وغيرهما العديد من صناع الأعمال المهمة، وأنه يعتبر هذا الفيلم واحدًا من الأفلام المهمة والمميزة، سواء في رؤيته أو الأفكار التي يتحدث عنها، كما أنه تمت صناعته بأسلوب مبتكر وعصري، إضافة إلى الجودة الكبيرة في عناصر الفيلم بداية من الكتابة ثم التمثيل والمونتاج والإخراج، جميعها أشياء تقول، إننا أمام فيلم قادر على أن ينافس بقوة، وبالتالي حصد ما حصل عليه من جوائز عالمية.

هل تنصل الجميع من شريف منير

مع تلميح شريف منير من أنه ليس الفنان الوحيد الذي ترك فيلم «ريش»، أثناء عرضه، توجهت الأنظار إلى كل من أحمد رزق وأشرف عبد الباقي اللذين خرجا من صالة العرض، وتوجهت إليهما الأنظار بوصفهما معترضين على نوعية الفيلم وأنهما ضد سياسته، وبسؤالنا الفنان أحمد رزق، عن حقيقة انسحابه من فيلم «ريش» لإساءته لسمعة مصر، قال في تصريح خاص لموقع «إضاءات»، «كيف يمكن أن يقوم فيلم بالإساءة لسمعة وطن، لا يمكن لذلك أن يحدث أبدًا».

مضيفًا، أن انسحابه من عرض فيلم «ريش»، أتى بسبب أن العمل أدخله في «مود» سيئ ليس إلا، والاختلاف على الفيلم لا يمكن أن يحمل إلا انتقادًا فنيًا فقط، ولا يوجد له علاقه بالسياسة، فنحن هوينا فقط فكرة التقسيم ليس إلا.

وتزامنًا مع الحدث خرج أشرف عبد الباقي لينفي انسحابه من الفيلم لأنه يسيء لسمعة مصر كما أشيع، وقال من خلال بث مباشر قام به على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي، «فيسبوك»، ليقول إن الخلاف على فيلم «ريش»، ليس سياسيًا، وإنه لا يوجد عمل فني اجتمعت عليه جميع الآراء، مؤكدًا، أن الفيلم مشوق جدًا، لكنه تناول مشكلة الفقر بشكل جريء للغاية.

مخرج «ريش» يدافع عن وجهة نظره

وكان على عمر الزهيري، مخرج فيلم «ريش»، الدفاع عن وجهة نظره، فتواصلنا في «إضاءات»، معه، ليرد قائلًا: «قدمت هذا الفيلم وأنا أومن بكل ما أقدمه من أفكار، ومن الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في وجهة النظر حول أي عمل فني».

وأضاف، أن «الفيلم ليس له علاقة بمصر من قريب أو من بعيد، وأن العمل بدأ تصويره منذ عدة سنوات، مؤكدًا أنه هو وجيله يحاولون تقديم أعمال مختلفة بوجهات نظر متطورة».

وأنهى حديثه، بأن «الزمن هو أفضل حكم على الأفلام التي يحدث عليها خلاف، وأنه ليس المخرج الأخير الذي يخلق حالة من الارتباك، فقد سبقه الكبار في هذا، والزمن هو الفيصل الوحيد في ذلك».

الكلمة الرنانة التي لا تنتهي

نجد من خلال الجدل الذي أثير خلال الساعات الماضية أننا أمام فنان أراد أن يثير الانتباه، فقرر أن يضحي بعمل فني حصد العديد من الجوائز العالمية ورفع اسم مصر في المحافل الدولية، ليخلق من نفسه «تريند»، حتى وإن كان هذا على حساب «سمعة مصر»، التي تشدق بها.

ولكنها لم تكن المرة الأولى في تاريخ السينما التي يهاجم بها أبناء الوسط الفني زملاءهم، متهمين إياهم بالإساءة لسمعة مصر بسبب أفلام لم ترق لأهواء البعض.