بدأت منذ أواخر الثلاثينات محاولة إقامة مهرجان للسينما في مدينة «كان» الفرنسية، توقفت المحاولة نتيجة نشوب معارك حربية وقتها أدت فيما بعد لقيام الحرب العالمية الثانية، ثم عاد المهرجان لينطلق بشكل حقيقي في منتصف عام 1946. مرت عشرات السنين، توقف بضع مرات خلالها لأسباب مختلفة، ولكنه استمر ليعود هذا العام مرة أخرى في مواجهة إجراءات أمنية مشددة بعد تعرض فرنسا لهجمات إرهابية عنيفة هذا العام.ظلت السينما إذًا عصية على الكسر أمام القتل والحرب والإرهاب كبناء صخري جميل وعالٍ وسط أمواج ترتطم به فيهتز ولا يسقط. ربما كان هذا ضمن ما استدعاه منظمو المهرجان حينما اختاروا الملصق الدعائي الخاص به، وهو عبارة عن صورة من فيلم تم إنتاجه في الستينات للمخرج الفرنسي جين لوك جودار بعنوان «Contempt» نرى فيه الممثل الفرنسي مشيل بيكولي يصعد درجات سلم فيلا ماربيلاتا، هذا البناء الهندسي الجميل والقوي على شاطئ جزيرة كابرى. والآن دعونا نستعرض في هذا التقرير أبرز ملامح الدورة التاسعة والستين لمهرجان كان السينمائي.


جورج ميلر رئيسا للجنة تحكيم المهرجان

يترأس المخرج والكاتب الأسترالي «جورج ميلر» لجنة التحكيم بالمهرجان. «ميلر» يدين بالفضل للدورة السابقة من المهرجان في خروج فيلمه «MadMax: Fury Road» للأضواء حينما تم عرضه في فعاليات المهرجان خارج المسابقة الرسمية لتعود شخصية «ماكس روكاتانسكي» الأسطورية مرة أخرى إلى الشاشة بعد ثلاثين عاما من الغياب. بعد أن صممها «ميلر» وقام ببطولتها الممثل الأمريكي «ميل جيبسون» في فترة الثمانينات. رُشح هذا العمل -وهو عمل ميلر الأخير – إلى عشر جوائز أوسكار فاز في النهاية بستٍّ منها ليصبح الفيلم هو بطل حفل الأوسكار الأخير بلا منازع . «ميلر» أيضا هو منتج فيلم الرسوم المتحركة «Happy Feet» والذي نال جائزة الأوسكار في عام 2006 . مما لا شك فيه أن رئاسة الأسترالي صاحب السبعين عاما للجنة التحكيم سيضفي على مهرجان هذا العام طابعا جديدا، فطالما اتصف «ميلر» بالجرأة وطالما كان داعما للتجارب الجديدة.


فيلم «وودي آلن» الجديد يفتتح المهرجان للمرة الثالثة

سيتم عرض «Café society»، فيلم المخرج والكاتب وصانع السينما الأمريكي «وودي آلن»، يوم 11 مايو في افتتاح هذه الدورة من المهرجان. هذه هي المرة الثالثة التي يُفتتح فيها المهرجان بأحد أفلام آلن بعد «Hollywood Ending» في عام 2002 و«Midnight in Paris» في عام 2011 وبهذا يحقق وودي رقمًا قياسيًا جديدًا له في هذا المهرجان. هذا هو الفيلم الرابع عشر الذي يتم اختياره للمخرج، ويُعرض في «كان» خارج المسابقة الرسمية بدءًا بفيلمه «Manhattan» في عام 1979 ونهايته بفيلمه في العام الماضي «Irrational Man».

«وودي آلن» واحد من أعظم صانعي السينما، رُشح للأوسكار 20 مرة وفاز بها في أربع مناسبات لم يظهر لاستلام أي منها، ورغم موقفه المعروف من جائزة «الأوسكار» وعزوفه عن حضور حفلات الجوائز التي تُخضع السينما لمبدأ «التفضيل» وتدّعي تقييم ما هو جيد وما هو رديء، إلا أنه يواظب على حضور مهرجان«كان»، ربما لأنه يجد فيه احتفاءً بالسينما وحبها وإعادة اكتشافها وليس مجرد تحويلها لمعركة تقييم تجاري.

اختار «آلن» لبطولة فيلم «Café society» الممثلة الأمريكية الشابة «كريستين ستيوارت» بطلة سلسلة «Twilight» التي تعمل معه لأول مرة بالإضافة للمثل الأمريكي الشاب «إيزى ايزنبرج» الذي عمل معه من قبل في فيلم «To Rome with Love». سننتظر إذا كالعادة تساؤلات عن الحياة والحب والفن في فيلم افتتاح «كان» هذا العام.


الأسماء الكبيرة (خارج المسابقة الرسمية)

«ستيفن سبيلبيرج» وفيلم من إنتاج «ديزني»

لطالما استطاع مهرجان «كان» الحفاظ على التوازن المطلوب بين الفن والمطالب التسويقية، ولطالما جمعت فعالياته بين مشاهير عالم السينما وبين صناع العمل الأول. إذا تحدثنا عن الأسماء الكبيرة في نسخة هذا العام فبالإضافة إلى «وودي آلن» سيشارك أيضا المخرج الأمريكي الشهير «ستيفن سبيبلرج» بفيلمه «The BFG» خارج المسابقة الرسمية. ويعتبر هذا الفيلم هو المشاركة الرابعة لسبيلبيرج بمهرجان «كان»، كما سبق له أن ترأس لجنة التحكيم في عام 2013. كانت شركة ديزني قد أعلنت أن فيلم «The BFG» سيتم طرحه بدور العرض في بداية يوليو المقبل.

«جودى فوستر» تُخرِج فيلمًا من بطولة «جورج كلونى» و«جوليا روبرتس»

إلى جانب سبيلبيرج، وأيضا خارج المسابقة الرسمية، ستشارك الممثلة والمخرجة الأمريكية «جودى فوستر» بفيلمها الجديد «Money Monster». الفيلم يتحدث عن صناعة الإعلام والأزمة الاقتصادية العالمية، وعن جريمة تقع في منتصف كل هذه الأحداث في إطار من التشويق الذي تقدمه «فوستر» حينما تدير فيلمًا من بطولة أصدقائها القدامى «كلوني» و«روبرتس». يعد «Money Monster» فيلمًا ذا ميزانية ضخمة ويتوقع له أن يحظى بمتابعة خاصة من حضور المهرجان.


الرهانات الكبيرة (داخل المسابقة الرسمية)

جائزة السعفة الذهبية / المصدر: (CC BY-SA 2.0 / By karel leermans /expo Servais Ostende)

«بيدرو ألمودوفار» يُكمل مسيرته في «كان»

على صعيد المسابقة الرسمية يبرز فيلم «Julieta» للمخرج الأسباني الشهير «بيدرو ألمودوفار». حصل «بيدرو» على جائزة «أفضل مخرج» في عام 1999 عن عمله «All About My Mother» كما حصل أيضا على جائزة «the Ecumenical Jury» وبعد ذلك افتتح فيلمه «Bad Education» المهرجان في عام 2004 ونافس فيلمه بعنوان «Broken Embraces» عام 2009 على جائزة السعفة الذهبية. فاز «بيدرو» أيضا بجائزة الأوسكار «كأفضل سيناريو أصيل» في عام 2003 عن فيلمه «Talk To Her» كما رُشح لجائزة أفضل مخرج عن نفس الفيلم . فيلم «ألمودوفار» الجديد يُتوقع أن يحظى بمتابعة من النقاد والجمهور كما يُتوقع أن ينافس على أحد الجوائز الكبرى في مهرجان هذا العام.

فيلم الأخوان «داردان» الجديد

لطالما كان الفيلم الجديد للشقيقين «داردان» ضيفًا مهمًا في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان»، وهما من القلائل الذين فازوا بالسعفة الذهبية مرتين. تم اعتبار فيلمهما الأخير «يومان وليلة» في مهرجان العام الماضي واحدا من أهم المتنافسين ضمن المسابقة الرسمية كما أنه ضمن لبطلته الفرنسية «ماريون كوتيار» ترشيحا لجائزة الأوسكار. وفي هذا العام يقدم لنا الأخوان «داردان» عملهم الجديد The» Unknown Girl» والذي يُتوقع منه كالعادة أن يفتش عميقا في المصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب أوربا في هذا العصر.سنكون أمام فيلم جديد لاثنين من رواد السينما الواقعية في أوربا ويتوقع كالعادة أن ينافسا على الجوائز الرئيسية في مهرجان هذا العام.

«شون بن» يخرج فيلمه الروائي الطويل الخامس

ينتقل الممثل الأمريكي الشهير «شون بن» الفائز بالأوسكار لمرتين والعضو السابق بلجنة تحكيم مهرجان «كان» إلى كرسي المخرج مرة أخرى ليشارك بفيلمه الجديد «The last Face» في المسابقة الرسمية لمهرجان هذا العام. هذا هو الفيلم الخامس لـ«شون بن» كمخرج بعد أن بدء هذه المسيرة في عام 1991 بفيلم «The Indian Runner». اختار «شون» اثنان من الأسماء الكبيرة لبطولة فيلمه هذه المرة، حيث سيقوم بالأدوار الرئيسية كلُ من «تشارليز ثيرون» و«خافيير بارديم». كل هذه الأسماء تجعل من «The last Face» اسما منتظرا بشدة وسط ترشيحات المسابقة الرسمية للمهرجان هذا العام.

مصر تعود إلى مهرجان كان بـ «اشتباك» محمد دياب

جائزة السعفة الذهبية
جائزة السعفة الذهبية
وقع اختيار إدارة المهرجان هذا العام على فيلم «اشتباك» للمخرج المصري «محمد دياب» ليتم عرضه في قسم «نظرة ما»، وبذلك تعود المشاركات المصرية للمهرجان منذ توقفها في عام 2012 حينما شارك المخرج يسري نصر الله بفيلمه «بعد الموقعه».

http://gty.im/126335079

الفيلم من بطولة «نيللي كريم» و«هاني عادل» و«أحمد مالك» ومن تأليف «خالد دياب» و«محمد دياب». يصور الفيلم مجموعة من الشخصيات داخل سيارة ترحيلات أمنية وسط الإضرابات التي شهدتها مصر في عام 2013. «اشتباك» هو ثاني عمل للمخرج «محمد دياب» يلقى رواجًا خارج مصر بعد عمله «678» الذي عرض فيه أزمة التحرش الجنسى بالنساء في مصر.ستبدأ فعاليات المهرجان في 11 مايو القادم وستستمر حتى 22 من نفس الشهر، لتمتلئ شواطئ «كان» في تلك الفترة بصناع السينما من كل مكان في العالم. عرضنا فيما سبق أهم ما تم إعلانه حتى الآن عن فعاليات المهرجان وما سينتظره محبو السينما بشكل خاص حتى ولو لم يتح لقرائنا حضور الفعاليات على أرض فرنسا واكتفوا كالعادة بمتابعة العالم من خلف الشاشات.