في أواخر عام 1959 ذهب المصور الصحفي الأمريكي «لي لوكويد» إلى كوبا ليشهد نهاية حقبة نظام «باتيستا». وبعد بحث طويل وجد «فيدل كاسترو»، الذي كان سيطر على الحكم في ذلك الوقت. حظي الاثنان بمقابلة أولى وبعدها وفي سبع رحلات متعاقبة خلال العقد التالي، وجد «لوكويد» أن «كاسترو» ضمن له وصولًا غير مسبوق إلى جزيرة كوبا وهو ما كان صعبًا للغاية على أي صحفي أمريكي في هذه الحقبة.

وفي عام 1965 جلسا سويًا من أجل مقابلة استمرت على مدار سبعة أيام. تم نشر هذة المقابلة خلال عام 1967، ومما قيل يبدو أن صورة «كاسترو» التي نقلها «لوكويد» من خلال هذة المقابلة من الممكن أن تكون هي أكثر الصور صدقًا وعمقًا عن الرجل. مات «لوكويد» في عام 2010، والآن وبعد وفاة «كاسترو» في أواخر نوفمبر 2016 نعيد نشر أجزاء من هذا الحوار والذي تحدث فيه كاسترو عن رؤيته للأدب والصحافة وحرية الرأي والتعبير وكشف عن أفكار لا زالت تستحق النقاش حتى الآن، وهو الحوار الذي نشره «لوكويد» في كتاب بعنوان «Castro’s Cuba, Cuba’s Fidel» والذي نشر لأول مرة في أبريل عام 1969.


الصحفي:

هل هناك أي محاولة لمد السيطرة على الإنتاج الفني في كوبا؟، على الأدب على سبيل المثال؟

كاسترو:

للأشكال المتنوعة من الأدب خصائص مختلفة. الأفلام مثلاً مختلفة عن الرسم. السينما صناعة حديثة تستلزم العديد من الموارد. الأمر ليس سواءً حينما تصنع فيلمًا أو ترسم لوحة أو تكتب كتابًا، ولكنك إذا كنت تسأل إذا كان هناك رغبة لدينا في السيطرة على كافة سبل الإنتاج الفني؛ لا.


الصحفي:

أحد الأشياء المدهشة هي مساحة «حرية الإبداع» الممنوحة للفنانين في كوبا؛ الرسامين والنحاتين، مقارنة بالدول الاشتراكية الأخرى. ومع ذلك، فلا يبدو أن هذه «الليبرالية» يمتد أثرها بشكل مماثل إلى الأدب؟

كاسترو:

لأن الأدب يتضمن نشر الكتب. هذا يمثل بالأساس مشكلة اقتصادية. الموارد المتاحة غير كافية لكل احتياجاتنا لطباعة الكتب، على سبيل المثال، الكتب المدرسية والمراجع والكتب صاحبة الطبيعة العامة؛ ولهذا لا يمكننا إضاعة الورق، هذا أحد عوامل الحد من الإنتاج. هذا لا يعني أن العامل السياسي لا يملك تأثيرًا أيضًا. أي كتاب لا نؤمن أنه يملك قيمة في الوقت الحالي لن يحظى بفرصة للنشر.


الصحفي:

بكلمات أخرى: الكاتب الذي يكتب رواية تحتوي على عواطف مضادة للثورة لن يستطيع أن يحظى بنشر روايته؟

كاسترو:

في الوقت الحاضر، لا. سيأتي اليوم الذي تكون فيه كل الموارد متاحة، هذا سيحدث حينما نمنع نشر مثل هذا الكتاب الآن، من أجل كتاب مدرسي، أو كتاب يملك قيمة عالمية في الأدب. حينها ستكون هناك الموارد الكافية لنشر الكتب على أسس أوسع من الاختيار. وسيملك الشخص القدرة على مناقشة كل ما يريد عن أي موضوع. أنا وبشكل خاص مؤيد لأوسع الصور الممكنة من النقاش في المجال الفكري. لماذا؟؛ لأنني أؤمن بالإنسان الحر، أؤمن بالإنسان المتعلم جيدًا، أؤمن بالإنسان القادر على التفكير، الإنسان الذي يتصرف دومًا من خلال الاقتناع، بلا خوف من أي نوع، وأنا أؤمن أن الأفكار يجب أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها. أنا ضد صنع قوائم سوداء للكتب والأفلام الممنوعة وكل ما هو يشبه ذلك.

ما هو نموذجي المثالي للشعب الذي نأمل أن نحظى به في المستقبل؟، الشعب المثقف والمتعلم بقدر كافٍ ليصبح قادرًا على اتخاذ الحكم الصحيح عن أي شيء دون خوف من الاحتكاك بأفكار من الممكن أن تربكهم أو توجههم. على سبيل المثال، كيف نرى أنفسنا؟، نحن نرى أننا يمكن أن نقرأ أي كتاب أو نشاهد أي فيلم، عن أي موضوع، دون أن نغير قناعاتنا الأساسية، وإن كان هناك جدلية صلبة في كتاب عن أي شيء من الممكن أن تكون مفيدة، أن تكون إيجابية، من الممكن أن نحللها ونقيمها. ليكون كل الرجال والنساء في دولتنا هكذا في المستقبل، هذا هو نوع الإنسان الذي نريد تشكيله. إن لم نفكر هكذا، سنصبح رجالًا لا يملكون الإيمان بقناعاتهم الشخصية، ولا بفلسفتهم.


الصحفي:

ولكن هذه الأجواء غير ممكنة في الوقت الحالي؟

كاسترو:

سيكون من الوهم أن نفكر هكذا الآن، أولًا بسبب المشاكل الاقتصادية التي نمر بها، وثانيًا بسبب الصراع الذي نخوضه الآن.


الصحفي:

إنه أيضًا وبسبب هذا «الصراع» تكتب الصحافة الكوبية بشكل «أحادي تمامًا» عن الولايات المتحدة الأمريكية؟

كاسترو:

لن أخبرك أننا لا نفعل هذا، هذا حقيقي، كل شيء نقوله عن الولايات المتحدة يشير بالضرورة إلى الجوانب الأسوأ. وإنه لمن النادر جدًا أن تُنشر الأشياء التي ستؤدي بأي حال إلى شيء في مصلحة أمريكا هنا. نحن نملك أسلوبًا في التعامل يشبه كثيرًا أسلوب بلدك في هذه الأمور. أنا أقصد أننا نحاول دائمًا أن نصنع الرأي الأسوأ عن كل شيء يوجد في الولايات المتحدة كرد فعل لما فعلته الولايات المتحدة دائمًا معنا. الفارق الوحيد أننا لا نكتب أكاذيب عن الولايات المتحدة. لقد أخبرتك أننا نركز على الأشياء السيئة وأننا نحذف الأشياء التي من الممكن رؤيتها بشكل إيجابي، لكننا لا نخترع أي أكاذيب.


الصحفي:

ولكن هذا يؤدي لنفس الشيء، بالتركيز فقط على خصائصنا السيئة فإنك تصنع «تشويهًا» مساويًا للكذب.

كاسترو:

هذا يتوقف بالأساس على ما تقصده بالكذب، أنا أتفق أنه تشويه. الكذب ببساطة هو الاختراع المقصود لحقائق غير موجودة، هناك فرق بين التشويه والكذب. على الرغم من ذلك فبدون شك كلاهما يملك بعض التأثيرات المتشابهة. هذا ليس مثاليًا ولكنه نتيجة لوقائع لم تحدث بواسطتنا. في عالم مسالم، نملك فيه ثقة واحترامًا متبادلاً بين الشعوب، لن يحدث هذا. ونحن لسنا مسئولين عن أن الوضع الحالي مخالف لذلك.


الصحفي:

ولكنك عندما تُصر على نشر تلك الحقائق المشوهة والتي تشجع فقط المشاعر العدائية لدى مواطنيك، كيف يمكن أن تتوقع أن تملك سلامًا أبدًا؟

كاسترو:

مجددًا، إنها ليست مسئوليتنا، إنها مسئولية الولايات المتحدة التي قطعت كافة العلاقات مع كوبا.


الصحفي:

لا أعتقد أن هذا له أي علاقة بسؤالي.

كاسترو:

أنا ببساطة ملتزم بواجبي بالتحدث معك بصراحة تامة عندما أخبرك كيف تبدو الأمور على جانبنا. أنا أملك الأمانة للتحدث هكذا. كم عدد القادة الذين من الممكن أن يتحدثوا بنفس الشكل في الولايات المتحدة؟.


الصحفي:

أنت الأكثر صراحة. ولكني أريد أن أكمل حديثنا حول هذة النقطة بشكل أطول. (… )

وبما أننا نتحدث عن هذا الموضوع، يبدو لي أيضًا أن أي شخص يملك وجهة نظر مختلفة عن الخط الحكومي «بخصوص أي شيء تقريبًا» يملك فرصة ضئيلة للغاية للتعبير عنها في الصحافة هنا. في الحقيقة يوجد نقد قليل جدًا من أي نوع في الصحافة الكوبية بحيث تبدو وكأنها ذراع للحكومة.

كاسترو:

حسنًا، ما تقوله حقيقي. يوجد نقد قليل جدًا، لا يمكن أن يكتب عدو للاشتراكية في جرائدنا. ولكننا لا ننكر هذا، ولا ندعي أننا نملك حرية «نظرية» للصحافة حينما لا تتواجد بشكل عملي -مثلما يفعل شعبك-. وزيادة على ذلك، أنا أعترف أن صحافتنا معيبة في هذا الشأن، وأنا لا أؤمن أن انعدام الانتقاد من الممكن أن يكون شيئًا صحيًا، على العكس فالانتقاد وسيلة مفيدة وإيجابية، وأنا أعتقد أننا جميعًا يجب أن نتعلم كيف نستخدمها.


الصحفي:

ألا تعتقد أن هناك كتابًا كوبيين يمكنهم أن يستفيدوا بهذه الوسيلة إذا توفرت الأجواء التي يمكن استقبال كتاباتهم فيها كنقد بناء؟

كاسترو:

نقد، نعم. ولكن يجب ألا يكون هذا في خدمة العدو أو الثورة المضادة.


الصحفي:

ولكن من يحدد وعند أي نقطة؟، ما هو النقد الذي يمكن وصفه بالبناء وما الذي يمكن وصمه بأنه مضاد للثورة؟

كاسترو:

حسنًا، نحن في وسط صراع أو ما يمكن أن يكون بشكل ما حربًا مفتوحة. وحينما واجهت الولايات المتحدة على سبيل المثال مواقف مشابهة، ما فعلوه هو «المنع» بدون أي اعتبارات ولكل الذين عارضوا ما تريده الدولة حينما كانت في تلك الحرب. «حينما كنتم في حرب ضد النازية امتلكتم نفس السياسة».

الصحفي:

ولكنك لم تجب على سؤالي، من يحدد؟!