يقول فيكتور فرانكل من واقع خبرته كطبيب نفسي وسجين في المعسكرات النازية، أن «الإنسان مسؤول أمام الحياة، وفي مقدوره أن يختار اتجاهه مهما بدت الظروف قاسية» فالحياة مثلها مثل خط القلب، لحظة يعلو، ولحظة ينخفض، فيأخذنا في رحلة قصيرة بين طرقات جانبية، يستقيم ثم يميل، لكنه أبدًا لا يثبت ..لأن الثبات يعني الموت 

وكذلك خط المقاومة متعرج، مهزوز أحيانًا.. قلق، وربما مندفع، لكن نهايته مستقيمة وصلبة، هذا ما يخبرنا إياه د.فرانكل في كتاب «الإنسان يبحث عن المعنى» وهذا ما تتعلمه شخصية ساندرا في فيلم two days one night.

ما قبل الحكاية خط ثابت

جسد محني وملامح مرهقة وسواد تحت العينان، ذلك هو لون الاكتئاب. هكذا تظهر ساندرا من نقطة البداية، لكنها أيضًا امرأة شابة متزوجة ولديها طفلان، وزوجها «مانو» الذي يدفعها قدمًا من أجل الحفاظ على عملها، فمن كلمات متفرقة نفهم أنها عانت من ثبات طويل، تتساءل ابنتها «هل إذا خسرت أمي عملها ستمرض ثانية؟» لقد اعتادت الوقوف في مكانها، والآن عليها أن تواجه الأمر، فقد قرر المدير أن يخيّر باقي العمال بين الحصول على علاوتهم وعودتها للعمل، لأنه لا يستطيع أن يتحمل تكلفة الاثنين.

فماذا تفعل؟

عليها أن تهرول في يومين وليلة لتواجه الظروف بدلًا من الهروب المتكرر إلى حبة الدواء.

والآن يبدأ الخط في التحرك..

يرن جرس الهاتف مرارًا، كما ترن كلمات د.فرانكل «كل شيء يمكن أن يؤخذ من الإنسان عدا شيء واحد، وهو أن يختار المرء اتجاهه في ظروف معينة، ففي كل يوم وفي كل ساعة تأتي الفرصة لاتخاذ قرار، وهو القرار الذي يحدد إذا كنت تنوي أن تخضع أو لا تخضع لتلك القوى التي تهدد بأن تسلبك من ذات نفسك، من حريتك الداخلية، وهو القرار الذي يحدد ما إذ كنت تنوي أن تصبح أو لا تصبح لعبة في يد الظروف» فتصحو ساندرا من نومها، تخبرها صديقتها «جولييت» أن العمال قد اختاروا علاوتهم وقاموا بالتصويت ضد عودتها للعمل، لكن ساندرا تغلق الهاتف وتهرب إلى الحمام، تأخذ حبة دواء وهي تردد على نفسها «لا تبكي..تماسكي» ثم تختبئ في غرفتها كالعادة، يأتي «مانو» ويطلب منها أن تذهب للمدير لتحاول إقناعه بعمل اقتراع جديد لأن كبير العمال قد أخافهم، بأنهم إذا لم يوافقوا على رحيلها فسيرحل أحدهم، لكنها ترد «لا فائدة» وتدفن رأسها في الفراش، تتصل جولييت وتخبرها أن المدير مستعد لمقابلتها الآن، يدفعها مانو للمضى قدمًا لكنها تبكي وتقول «لا أستطيع أن أبدأ من جديد» فيجيبها  قائلًا «الحل الوحيد لتتوقفي عن البكاء أن تقاتلي من أجل عملك، لا تستسلمي، قاتلي» بالضبط كما يقول دوستويفسكي «يوجد شيء واحد يروعني وهو ألا أكون جديرًا بآلامي» وتلك الكلمات راودت عقل د.فرانكل، متذكرًا السجناء الذي كانوا جديرين بآلامهم، فالطريقة التي تحملوا بها آلامهم تمثل إنجازًا داخليًا أصيلاً، وكان لدى كل واحد منهم سبب للأمل، فالصحة والأسرة، والسعادة، والقدرات المهنية، والمكانة الاجتماعية، كل هذه أشياء يمكن أن يحققها الفرد مرة ثانية أو يحييها ويجددها.

خط مهزوز لكنه مندفع

معظم المسجونين يعتقدون أن الفرص الحقيقية للحياة قد فاتت، إلا أنه في الحقيقة، كانت هناك فرصة وتحد، فالمرء يستطيع أن يعمل من هذه الخبرات نصرًا أو يستطيع أن يتجاهل التحدي ويركن ببساطة إلى البلادة.

لهذا يدفعها مانو للحركة، وتجذبها جولييت ليلحقوا بالمدير، ثم تدير الحوار معه وتخبره حقيقة الاقتراع الأول، لكن ساندرا صامتة، تكتم في فمها الكلمات، وربما الأنفاس أيضًا، بالضبط كالسجن، ولهذا يقرر المدير أن يوجه كلامه إليها حتى تنتبه «ليس لدي شيء ضدك، لكني سأوافق على اقتراع جديد وسري يوم الإثنين» ثم يقود سيارته ويرحل، هكذا أصبح لديها هدف كما يخبرنا د.فرانكل «الخاصية المميزة للإنسان أنه يستطيع أن يحيا بواسطة تطلعه إلى المستقبل، فطرق العلاج النفسي تهدف إلى منحه قوة داخلية عن طريق تبصيره بهدف مستقبلي يستطيع به أن يتطلع إلى الأمام» فتبتهج جولييت قائلة «ربحنا الجولة الأولى» لكن ساندرا يبدو عليها المرض ولا تستطيع أن تتحدث، لأن «هناك ارتباطًا وثيقًا بين حالة العقل عند الإنسان، من توافر الأمل والشجاعة أو الافتقار إليهما، ويربط بين هذا وحالة الجسم مناعته» فتحاول ساندرا وتشرب مياهًا ثم تأخذ أنفاسًا متلاحقة «لا أعرف ما جرى لي، أردتُ أن أخبره أنني بصحة جيدة ومستعدة للعودة إلى العمل، لكني لم أستطع الكلام «فتُجيبها جولييت» بمجيئك جعلتيه يساندك، لأنك كنت هنا» لأنها حاولت ببساطة.

بداية الخط نقطة مرتعشة 

مانو يقترح أن تذهب لزملائها في بيوتهم قبل يوم الاثنين «لا!» «لماذا لا نحاول؟ متأكد أنه سينجح» فتهرب ساندرا إلى غرفتها وتقولها «أنا مرهقة» «أنت تنجرفي مع التيار! حاولي أن تردي الفعل» «لم يفكر بي أحد إلا جولييت وروبير، وكأنني غير موجودة، ولديهم حق، أنا بالفعل غير موجودة، أنا لا شيء!» تمامًا كما يقول د.فرانكل:

أغلب المسجونين يعانون من نوع من عقدة النقص، فالسجين يشعر بنفسه ودون تفكير واع، على أنه شخص منحط لا قيمة له كلية، مجرد شخص ما، شيء لا وجود له إطلاقًا.

فتقع على الأرض وتنهار، تضم جسدها وتبكي، وكأنها جنين يحاول أن يختبئ، لكن مانو يجلس بجوارها ويحمل وجهها بين يديه ناظرًا إلى عينيها مباشرة «لا ساندرا، أنت موجودة، أنا أحبك، وموجودة بالنسبة لهم أيضًا، وقد ترددوا قبل أن يصوتوا ضدك، قابليهم فردًا فردًا، أخبريهم أنك تحتاجين عملك ومرتبك، وليس خطأك إنهم سيخسرون علاوتهم بسبب بقائك، مديرك من قرر هذا وليس أنتِ»

كان مانو يدفعها لتتحمل مسؤوليتها، فماذا يخبرنا د.فرانكل هنا؟

إن المريض يردد دائمًا بأنه ليس عندي شيء أتوقعه من الحياة، لكنه غير مهم، لأن ما يعنينا هو ما تتوقعه الحياة منا، إن أنفسنا في موضع تساؤل من قبل الحياة، كل يوم وكل ساعة، وإن إجابتنا ينبغي أن تقوم، لا على الكلام أو التأمل، بل على العمل الحق، فالحياة تعني في النهاية الاضطلاع بالمسؤولية لكي يجد الإنسان الإجابة الصحيحة لمشكلاته ويحقق المهام التي تفرضها على كل شخص بصفة مستمرة.

نقاط متفرقة مجبرة على الحركة

ساندرا تحاول…

تتحدث مع أول زميل، تسأله بخجل أن يصوّت من أجلها، وتؤكد له أنه غير مجبر لأنه يحتاج إلى علاوته بالتأكيد، لكنه يوافق، لحظتها تبتسم ساندرا وتأخذ أنفاسها براحة، فقد نجحت أول محاولاتها وأعطتها دفعه لتكمل الطريق. 

تتحرك، تجري مسرعة، لكنها حينما تقترب من منازل زملائها، تخرج الكلمات من فمها مرتعشة

 فتفشل في ثلاث محاولات، وآخرهم تتهرب منها زميلتها ولا تريد مقابلتها ثم تغلق الهاتف في وجهها. 

ينكسر الخط «يتراجع»

تهتز ساندرا، تتوه، يحيطها القلق ويجذبها التيار للخلف، تنهار ثانية وتبكي «سأعود للمنزل» يحتضنها مانو «لنرى اثنين آخرين» «لا فائدة!» «سنحاول».

لأنه كما قال د.فرانكل:

علينا أن نواجه الجدية في موقفنا، ينبغي ألا نفقد الأمل، وأن نحتفظ بشجاعتنا وفي يقيننا بأن إخفاقنا في كفاحنا وعدم تحقق الأمل فيه لا ينتقص من كرامة هذا الكفاح ومن معناه، وإذا نظر إلينا شخص ما – صديق أو زوجة- فهو يأمل أن يجدنا نعاني بكبرياء واعتزاز لا بتعاسة.. يجب ألا نخيب أمله.

الخط يتصاعد ثم ينحني، محاولتان متنافرتان

المحاولة الخامسة تعطيها أمل، لأن زميلها يبكي ويتمسك بيدها حتى تسامحه، فهو نادم لأنه صوّت من أجل علاوته في المرة الأولى وقد نسي ما فعلته من أجله، تندهش ساندرا، فيذكّرها بأول يوم له في العمل حينما أخطأ وكسر شيئًا ما فتحملت هي اللوم وقالت إنها من كسرته، ولهذا لديه الفرصة الآن ليصوّت من أجلها، ترحل ساندرا بوجه مبتهج وتلمع عينها بعد انطفاء طويل، شعُرت بقيمة نفسها وأنها موجودة ومؤثرة فعلًا.

لكنها تتأثر سريعًا، فيخبرها زميلها الآخر بأن كبير العمال يتصل بهم حتى لا يغيروا رأيهم لأنه يرى أنها غير قادرة على العمل، فتُكتم ساندرا ثانية وتُحبس الكلمات في فمها، تركب السيارة مع مانو وتشرب كثيرًا من الماء، تحاول أخذ أنفاسها، تحاول التحرر، لكن…

الخط يميل، ويتوقف 

تجلس ساندرا بجانب مانو في حديقة هادئة، ثم تقولها دون أن تنظر إليه «أنت لا تظن حقًا أننا سننجح» «بالطبع أومن، ويجب أن تؤمني أنتِ أيضًا وتنسي أمر كبير العمال» «هو محق، أنا غير مؤهلة للعمل بعد الآن، أبكي بسرعة وقد بدأت أفقد صوتي» لكن د.فرنكل يذكرنا ببضع كلمات هنا:

إن الاهتمام الذاتي عند المريض النفسي، سواء أكان هذا الاهتمام في شكل شفقة أو أسف أو في شكل ازدراء، فالسبيل الوحيد إلى الشفاء هو الالتزام الذاتي واضطلاع الفرد بمسؤولية نفسه.

فيجيبها مانو «يمكن لأي شخص أن ينهار، أنتِ بصحة جيدة لتعودي إلى العمل فتكتشفين أنك مطرودة، هذا سيُصدم أي شخص، كان ليصدمني أنا أيضًا» ورغم هذا نرى مانو يحاول طوال الحكاية لأنه يؤمن بالفعل، كما يخبرنا فرانكل ويقتبس كلمات فرويد «أن الإنسان قوي طالما يتمسك بفكرة قوية» على عكس ساندرا التي تصمت طويلًا وهي تراقب عصفورًا على إحدى الأشجار «أتمنى لو كنت مكانه» تقولها وعيناها معلّقتان عليه لأنها مسجونة، لا يمكنها التحرر من أفكارها، يتنهد مانو ويمسك بيدها «لنذهب». 

الخط يرتعش..

نلاحظ أن ساندرا طوال الوقت متوترة، تهتز معها الكاميرا طوال الحكاية وتجبرها على أن تنغمس في الحركة بدلًا من الراحة، لماذا؟

لأن بحث الإنسان عن المعنى وسعيه نحو تحقيق قيمة، ربما يثير توترًا داخليًا بدلًا من اتزان داخلي، لأن الصحة النفسية تستند إلى درجة من التوتر بين ما أنجزه الفرد بالفعل وما لا يزال عليه أن ينجزه، أو الفجوة بين واقع الفرد وما ينبغي أن يصير عليه، فالإنسان لا يحتاج إلى حالة اللاتوتر، لكنه يحتاج إلى أن يسعى ويجتهد في سبيل هدف يستحق أن يعيش من أجله. 

لكنها تحاول التراجع

حينما تذهب لزميل آخر ومعه ابنه يعملان معها، تتسب في شجار بينهما ولكن الأب يختار أن يساندها، ورغم انتصارها تعود للمنزل وتخبر مانو «أنا السبب في هذا الشجار، لقد اكتفيت» وتهرب إلى الدواء والفراش، فينام مانو بجانبها «أشعر أنني وحيدة تمامًا يا مانو» لكنه يحارب أفكارها بكلمته المعتادة «سننجح».

الخط يميل للأسفل، لا تقعي في الفخ!

«لماذا يقبل المدير بعودتك إذا كان يرى أنه بإمكاننا القيام بعملك؟» «لكنكم ستعملون لوقت إضافي!» «سيعطينا المال مقابل ذلك!» تلك كانت كلمات زميل آخر، أخذ يرددها بصوت عالٍ حتى تراجعت ساندرا وصمتت، صدقته ولم تعد تريد أن تكمل طريقها، لكن كلمات د.فرانكل تتردد أيضًا ويعلو صداها:

إذا أراد مهندسون معماريون تقوية قنطرة متداعية السقوط، فإنهم يزيدون من الحمل الذي يوضع عليها، لأن الأجزاء بهذة الوسيلة تترابط مع بعضها بشكل أكثر تماسكًا، وكذلك إذا أراد معالجون تعزيز الصحة النفسية عند مرضاهم، فإنهم ينبغي ألا يخافوا من زيادة ذلك الحمل من خلال إعادة توجيه الفرد نحو معنى حياته.

 فنجد مانو مصممًا ويقوم بتوصيلها إلى بيت زميلة أخرى لتحاول معها «قلت لك أريد العودة للمنزل!» فيواجهها بالحقيقة «المدير لم يقل أنه يفضّل دفع رواتب إضافية على أن يحتفظ بك، لقد قال ذلك حتى يحبط من عزيمتك ويوقفك عن رؤية آخرين، لا تقعين في الفخ!» «ليس أنت من عليه أن يذهب، أشعر أني متسولة!» «إذا أردتِ يمكنني الذهاب معك» تتنهد ساندرا وتنزل من السيارة وحدها، لأن تلك تجربتها وعليها أن تتحمل مسؤوليتها للنهاية.

خط المقاومة يتهاوى

تتسب في شجار بين زميلتها وزوجها لأنه لا يقبل أن تتنازل عن علاوتها من أجلها، ثم يقول «هل تستمتعي بإغضاب الآخرين!» تبتعد ساندرا، وهي مؤمنة أن الآخرين دومًا على حق، فتقول «لنعد إلى المنزل، لا أريد أن أغضب أحدًا آخر، كبير العمال على حق، أنا غير مؤهلة للعمل بعد الآن».

ثم تختفي في الحمام

لا تبكي ولا تنهار، لكنها بهدوء تام ..تقرر أن تأخذ كل حبوب الدواء دفعة واحدة.

تختبئ في غرفتها وتغلق ستائرها لتهرب هروبها الأخير، لكن الخط يباغتها ويتصاعد سريعًا، تأتي زميلتها وتخبرها بأنها ستصوت من أجلها، لا تصدق، فيؤكد لها مانو «لقد وافق سبعة، اثنان آخران وستنجحين!» تدرك ساندرا الأمر، أن محاولاتها وسعيها قد لاقى نتيجة إيجابية، وعليها أن تنقذ حياتها الآن، فتعترف أنها أقدمت على الانتحار، فيهرول بها مانو إلى المستشفى.

وهنا يبدأ الخط في الاستقامة، رغم تعرجاته يصبح صلبًا، لقد تعلمت ساندرا الدرس جيدًا.

كما يخبرنا فرانكل:

إن كل موقف في الحياة يمثل تحديًا للإنسان كما يمثل مشكلة بالنسبة له تتطلب منه أن يسعى إلى حلها، من خلال الإفصاح عن مسؤوليته والتعبير عنها، فإن العلاج بالمعنى يرى أن «الالتزام بالمسؤولية» هو الجوهر الحقيقي للوجود الإنساني. 

لذلك حينما تصحو ساندرا على سرير المستشفى، تطلب غداءها، ثم تعتذر من مانو وتقرر «سأقابل الثلاثة المتبقين الليلة» «هل تستطيعين؟» «نعم» يبتسم مانو لأنها أصبحت تقاوم من نفسها ولم تعد بحاجة لأن يدفعها أحدهم.

كانت ساندرا في البداية تذهب لزملائها كنوع من «تأدية الواجب» فلم تكن تناقشهم حينما يرفضون مساندتها، بل تهز رأسها وترحل، لأنها تؤمن بداخلها بأنها لا تستحق وليست لها قيمة إطلاقًا، لكن مع التقدم في رحلة مقاومتها أصبحت تحاول تغيير رأيهم، فبعد محاولة انتحارها ذهبت لمقابلة زميل آخر أخبرها بأنه يريد مساعدتها لكنه يعمل بعقد مؤقت ويخاف إذا ساندها لن يتجدد له العقد، فتخبره ساندرا بأنه اقتراع سري ولن يعرف أحد.

نراها تغيرت وقد صار بإمكانها أن تُخرج صوتها وتدافع عن نفسها، فمثلًا حينما جاء يوم الاقتراع، تقابلت مع كبير العمال وأخبرته بما تؤمن به  «لقد أخافتهم حتى يصوتوا ضدي، أنت متحجر القلب» ولكن في النهاية تتساوى الأصوات وتدرك أنها خسرت عملها، فيطلب المدير مقابلتها،  ولأنها استطاعت أن تقنع نصف العمال بأن يتنازلوا عن علاوتهم من أجل بقائها، فقد قرر أن يعطيهم العلاوة وأن تعود للعمل، بشرط بسيط، أنه لن يجدد لزميل آخر عقده المؤقت، هنا تفهم ساندرا كلمات د.فرانكل جيدًا:

حينما يجد الشخص نفسه في موقف لا مفر منه، عندئذ فقط يكون أمامه فرصة أخيرة لتحقيق القيمة العليا، لتحقيق المعنى الأعمق وهو معنى المعاناة.

 فتجيبه ساندرا مسرعة «لا يمكنني قبول أن يخسر أحدهم عمله من أجل بقائي» وترحل بخطوات واثقة، تقرر أن ترفض ما تسعى إليه طوال الوقت، لأنها حصُلت على ما تحتاجه فعلاً، وتنهي حكايتها بكلمتين هما تذكرة خروجها من السجن، تقول لمانو:

لقد قاتلنا بكفاءة… إني سعيدة.

مانو انعكاس ساندرا

لقد كان مانو الوجه الآخر لساندرا، ومن خلال سلوكه المشجع وكلماته ترك بداخلها تأثير معنوي كبير، نلاحظ أن جسده مستقيم رغم أنه يعاني أيضًا، يعمل ويهتم بأطفاله ويساند زوجته في مرضها ويشجعها أن تمض قدمًا رغم أنها تصده لكنه شخص مسؤول، يؤمن بمبدأ المحاولة ويأمل في بداية جديدٍة، فحينما تخبره  «يمكنني التنبؤ بأننا سننفصل، أنت لم تعد تحبني بل تشعر بالشفقة من أجلي، ألم يضايقك بأننا لم نمارس الحب منذ شهور؟» هنا يظهر العبء الذي يحمله بداخله، يتنهد طويلًا وينظر لها بنظرة احتياج لحبهما ثم يقول «بلى، لكني أعرف أننا سنفعل مجددًا» فكما يقول فرانكل:

الحب هو الطريقة الوحيدة التي يدرك بها الإنسان كائنًا إنسانيًا آخر في أعمق أغوار شخصيته، بل يرى أكثر من ذلك، ما هو كامن في الآخر، يرى ما ينبغي أن يتحقق مما لم يتحقق فيه بعد، لأن الشخص المحب، بحبه يُمكّن الشخص المحبوب من تحقيق إمكانياته.  

فينهي فرانكل حكاية السجين، ويخبرنا ببساطة أن خلاص الإنسان هو من خلال الحب وفي الحب.