تستعد الأحزاب المغربية وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية الإسلامي لخوض المعركة الانتخابية القادمة في 7 أكتوبر 2016، في ظل صراعات وخريطة تحالفات انتخابية وليست أيديولوجيه ، فنجد أن حزب العدالة والتنمية ذو الخلفية الدينية يسعى للتحالف مع حزب الاتحاد الاشتراكي اليساري في مواجهة حزب الأصالة والمعاصرة الذي يشن حربا بلا هوادة على الإسلاميين خاصة بعد أن تقدم عليهم في الانتخابات البلدية العام الماضي.يمثل العدالة والتنمية حالة استثناء لقصص نجاح إسلامية في الوطن العربي، ففي الوقت الذي أسقط نظام الأخوان في مصر وما تلاه من تأثير الفراشة لإزاحة أخوان تونس، استطاع العدالة والتنمية أن يثبت أن بإمكان التجربة الإسلامية أن تنجح في ظل تعددية سياسية تشاركية لا مغالبة فيها، بالرغم من أن طريقهم للحكم لم يكن سهلا ولكنه كان استثناءا. فكيف حكم العداليون المغرب؟ تأخذنا الإجابة على ذلك إلى رصد أهم محطات الحركة الإسلامية في المغرب ومنها حزب العدالة والتنمية.


(1) مولد عسير

كغيرها من الحركات الإسلامية خرجت الحركة الإسلامية مع مولد دولة الاستقلال في أواخر الخمسينات، وما أن شرعت الأنظمة العربية في تولي مقاليد الحكم، حتى دب الخلاف بين تلك الحركات والأنظمة الحاكمة حول مواقفهم الأيديولوجية والمرجعية الحاكمية للأنظمة الوليدة، ومن ثم تنامت تلك الحركات في ظل الأزمات الظرفية والإصلاحات الدستورية والقانونية ومحاولة الأنظمة توظيفها في مواجهة قوى المعارضة.الحركة الإسلامية في المغرب أيضا نشأت في ظل ما رأته أن الدولة لا تحسن تطبيق شرع الله في مجالات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، ومن ثم أخذت هذه الحركة تتشكل من خلال تبني التصور الانقلابي الثوري باعتباره أحد أهم مقومات العمل السياسي وذلك عن طريق الاستيلاء على السلطة والحكم ومن ثم وجب التمرد على الدولة الكافرة ومن هنا وجب العمل السري.

تبنت الحركة الإسلامية في المغرب الطابع السري الثوري الانقلابي نظرا لرؤيتها أن الدولة لا تحسن تطبيق شرع الله في مختلف المجالات

الحركة الإسلامية المغربية في أعقاب الاستقلال أخذت تتشكل تدريجيا وببطئ وذي تأثير غير ملحوظ على الساحة المغربية في ستينات القرن الماضي، ولكن مع بدأ عقد السبعينات استطاع الشيخ «عبد الكريم مطيع الحمداوي» أن يؤسس الحركة الإسلامية بمفهومها الحركي والتنظيمي وتمثل بداخلها حركات ومجموعات مختلفة الأيديولوجية ولكن في مجملها فقد جمعت ما بين الدعوي والسياسي، وظلت الشبيبة منبع الإسلام السياسي في المغرب وأخذت تتوسع وضمت في عضويتها الأساتذة والعمال والطلبة وعملت على تأسيس لجنة للمرأة المغربية بقيادة خديجة أبو بكر مطيع.ظلت الشبيبة الحركة الجامعة للإسلام السياسي في المغرب حتى عام 1975 حين تفاقم الصراع بينها وبين اليسار بعد اتهامها باغتيال القيادي اليساري «عمر بن جلون»، وهنا وجدت الدولة سبيلا لاقتحام الحركة الإسلامية وعملت على تصفيتها واعتقال قياديها واتبعت سياسة أمنية جذرية في قمع الحركة الإسلامية وصلت إلى إصدار حكم بإعدام مؤسس الحركة. ونتج عن ذلك تفكك وانشقاقات داخل الشبيبة وتكونت جماعات جديدة كان من بينها الجماعة الإسلامية.


(2) بين الدعوي والسياسي

تنامي وتطور الحركة الإسلامية في الوطن العربي تزامن مع وصول العلمانية سواءً قوى يسارية أو ليبرالية إلى السلطة، بالإضافة إلى وجود الحكم العسكري الذي عمل على توظيف الدين أحيانا للوصول إلى السلطة، وصول العلمانية أو العسكرية إلى السلطة دفع إلى مواجهة مباشرة مع الإسلاميين، الأمر الذي فرض على التيار الإسلامي دخول معترك إشكالية فصل الدين عن السياسة كأحد مقومات الدولة العربية الحديثة، أو كأحد القواعد الأساسية للمشاركة السياسية.الجماعة الإسلامية أو ما عرفت باسم «مجموعة الستة» والتي خرجت من رحم الشبيبة وجدت نفسها مضطرة إلى إحداث مراجعة فكرية من أجل الحصول على الشرعية والاعتراف القانوني من الدولة المغربية، وبالتالي فقد رفضت الجماعة العنف والعمل السري وتبنت خطابا حواريا مع السلطة آنذاك وأكدت أنها لا تعادي نظام الملكية الدستورية، وفي إطار تحولات الجماعة الفكرية قامت بتغيير اسمها إلى «حركة الإصلاح والتجديد» 1992 فقد رأت أن الاسم الأول قد يحمل طابعا احتكاريا للإسلام، فيما يجب أن يكون الاسم عامًا شاملًا لكافة الطوائف بلا إقصاء.التحولات الفكرية الجذرية والمراجعات التي قامت بها الحركة منذ انشقاقها عن الشبيبة تعبر عن طموح الحركة في فتح باب رسمي لها للمشاركة السياسية، ورأت أنه من الضروري الفصل بين ما هو سياسي ودعوي، ويظل هذا الطرح يأتي في إطار التحول التكتيكي هدفه فتح الطريق أمام الإسلاميين للمشاركة السياسية، وهو ما أكده بن كيران حول موقفه من المشاركة أو المقاطعة السياسية قائلا «حيث نشارك نصبح محصنين بالقانون عوض أن نبقى خارجه ونكون حاضرين في مراكز القرار عوض أن نبقى خارجه، ونكون حاضرين عوض أن تصرح برأيك و لا يكاد يسمعك، إلا القليل من الناس، فإن وسائل الإعلام تضطر إلى حمل رأيك إلى كل المجتمع.»

لم تتجاهل الحركة الإسلامية في المغرب جدلية الدمج ما بين الدعوي والسياسي وعليه تعاملت مع معطيات الواقع ورأت أنه من الضروري الفصل فيما بينهما

رفض العنف والانقلاب واعتماد مفهوم التغيير الحضاري بدلا من التغيير السياسي الانقلابي وتبني العمل السلمي، وكذلك القبول بشرعية النظام السياسي والاعتراف بالملكية الدستورية باعتبارها تقيم الدولة الإسلامية وإمارة المؤمنين، ونهج خط الاعتدال والمرونة وعدم النقد المباشر للحكومة والأجهزة الرسمية للحكومة وتركيز الحملات على اليسار، كذلك تبني فلسفة التدرج والاعتدال هي أهم المراجعات الفكرية التي قامت بها الحركة في أعقاب خروجها من الشبيبة، ومن أجل المشاركة السياسية الرسمية.


(3) التوافق مع السلطة

من هذا المنطلق سعت الحركة بكل قوة في التسعينات إلى تأسيس حزب سياسي لا ديني عرف بـ « التجديد الوطني» ولكنه قوبل بالرفض بحجة تعارض أهدافه مع التشريعات الجارية، ويمكن ربط هذا الرفض بالظرف الإقليمي الذي مرت به الجزائر وتونس من حيث صراع السلطة مع القوى الإسلامية آنذاك.لم ييأس عبد الإله بن كيران وأصدقاؤه من محاولات مغازلة السلطة المغربية للحصول على ترخيص للحركة ولتأسيس الحزب السياسي، لذلك سعى هو ورفاقه من خلال براغماتية بحتة إلى التوافق مع «إدريس البصري» وزير الداخلية المغربي آنذاك، فقد طلب من «مصطفى الرميد» أن يكتب تقريرًا عن موقف الحركة الإسلامية من النظام والملك، كان هذا التقرير قد طلبه الحسن الثاني الراحل وذلك من أجل نيته إعطاء مساحة من الحركة لتأهيل وإدماج الإسلاميين في الحياة السياسية خشية تكرار النموذج التونسي والجزائري وهو ما دفع بالملك الحسن الثاني إلى القول عنهم «إنهم رعايا مغاربة… مسلمون كغيرهم يحترمون الشريعة الإسلامية والقانون، وما دام الأمر كذلك فأنا لا أسمح لنفسي بإصدار حكم عليهم، لكن اسمحوا لي أن أقول لكم، إنهم ليسوا متطرفين دينيين بالمعنى الذي يوجد في القواميس السياسية الحالية.»

بفشل مساعي الحركة في الحصول على ترخيص حزب سياسي فضلت أن تتحالف مع حزب قائم بدلا من أن تتحول لجماعة ضغط وكان حزب الاستقلال قبلتهم آنذاك

الحركة كان أمامها خياران بعد رفض ترخيص حزبها السياسي، وهما: التحالف مع حزب قائم أو أن تتحول إلى حركة ضغط، ومن ثم اختارت الحركة التحالف والاندماج في حزب قائم فتواصلت مع حزب الاستقلال ولكنه رفض مطلبهم، ثم اتجهوا إلى حزب عبد الكريم الخطيب «الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية» وتم هذا الاندماج في ظل السماح الضمني من السلطة على هذا الاندماج الذي تأسس على ثلاثة مبادئ رئيسية هي «الإسلام والاعتراف بالملكية الدستورية ورفض العنف» كما يعرف عن الخطيب علاقته القوية بالقصر الملكي، وظل هذا الاندماج حتى تحول الحزب فيما بعد إلى «العدالة والتنمية» 1998.


(4) من الاندماج إلى قيادة الحكومة

شارك الإسلاميون في أول انتخابات لهم من خلال حزب الخطيب 1997 قبل تحول اسمه إلى العدالة والتنمية وعرف أن هذه الانتخابات سمح للإسلاميين – في ظل ما عرف ابالإدماج المقدر المتحكم فيه – بالمشاركة في الانتخابات، على أن يحصلوا على عدد معين من المقاعد بعد التوافق مع السلطة، ثم تأتي التجربة الثانية للانتخابات في ظل انفتاح السلطة على الحزب، فخاض الحزب هذه الانتخابات وعمدإعلى عدم خسارة ثقة النظام والنخبة المعارضة فقد عبر عن ذلك بن كيران قائلا«نسعى إلى أن نلعب دورًا تدريجيًا في البرلمان وعلى الساحة السياسية، وليس تحقيق فوز ساحق ربما يثير مخاوف بين الصفوة الموالية للغرب أو معارضي التيار الإسلامي.»الإسلاميون حققوا نجاحا غير متوقع في انتخابات 2002 وفازوا بـ 45 مقعدا، ولكن سرعان ما تحول انفتاح النظام إلى تضييق الخناق على الإسلاميين بعد تفجيرات الدار البيضاء 16 مايو 2003 والتي حمل فيها الحزب الإسلامي المسئولية المعنوية، سعت القوى العلمانية واليسارية إلى محاصرة العداليين وطالبوا بحل الحزب، لكن تعامل الحزب ببراجماتية ومرونة مع السلطة منع حدوث صدام بينهما، وهو ما جعل الحزب يشارك في انتخابات 2007 ويفوز ب 46 مقعدا.العدالة والتنمية استمر في تبني سياسته البراجماتية مستفيدا من تجربته التاريخية ومن حالات الانفراج والانفتاح السياسي للنظام المغربي على الإسلاميين، فنجد أن الحزب استطاع في أعقاب حركة فبراير والإصلاحات السياسية التي أعقبتها أن يتصدر المشهد السياسي ويحصد المركز الأول في الانتخابات البرلمانية ليشكل بذلك وفقا للتعديلات الدستورية الحكومة المغربية الائتلافية، كما أنه استطاع أن يتصدر النتائج المتعلقة بالمحافظات بحصوله على 25% ضمن أولى انتخابات جهوية في المغرب عام 2015. لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من قصة نجاح العدالة والتنمية،فكيف أدار الحكومة؟ ولماذا نجح في وقت خسر فيه الإسلاميون؟ وما حقيقة تحالفه مع ماركس؟ وصراعه الخفي مع القصر؟ و هل يستطيع أن يتصدر المشهد في انتخابات 7 أكتوبر 2016؟

المراجع
  1. البشير المتاقي، الإسلاميون المغاربة و إشكالية تأصيل خيار المشاركة السياسية، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 6 يونيو 2013
  2. بلال التليدي، الاسلاميون وتوسيع المشاركة السياسية في المغرب، مغرس، 1 أغسطس 2013
  3. محمد عبادي، الإدماج السياسي للقوى الإسلامية في المغرب، الجزيرة نت
  4. البشير المتاقي، حزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب..مسار الانتقال إلى المشاركة السياسية، مجلة الديمقراطية