في الأول من يناير/ كانون الثاني 2019 أُطلق «إعلان الحرية والتغيير» برعاية أربع قوى رئيسية: «تجمع المهنيين السودانيين»، «الإجماع الوطني»،«نداء السودان»، و«التجمع الاتحادي المعارض». البيان جاء مُطالبًا في بنودٍ واضحة بإسقاط البشير وتحقيق سلام شامل وعادل وتشكيل حكومة انتقالية لمدة 4 سنوات.

ثم في 11 أبريل/ نيسان 2019 أعلن الجيش السوداني بيانه الذي يُعلن فيه الانقلاب على الرئيس السوداني عمر البشير وتشكيل مجلس عسكري يقود البلاد لمدة عامين. الجهات الموقعة على إعلان الحرية والتغيير كررت رفضها للبيان، وأعلنت أنها لن تترك الميدان إلا بعد أن تتولى قيادةٌ مدنيةٌ مقاليد الحكم.

فمن هي القوى التي شاركت بقوة في صناعة الحراك السوداني، والتي يقع على عاتقها الآن مسئولية الحفاظ على هذه الثورة من أن تفقد بوصلتها بعد تدخل الجيش.


1. تجمع المهنيين السودانيين

في الوقت الذي كان البشير يُحاول فيه إخماد صوت المعارضة والتفريق بين رموزها، برز من خلف القيود «تجمع المهنيين السودانيين». التجمع يضم أطباءً، مهندسين، وأساتذة جامعيين، وغيرهم من مُختلف المهن. كانوا من أوائل من قادوا التظاهرات ضد البشير في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018. التظاهرات كانت مسيرةً سلميةًلتسليم مُذكرة لرئاسة الجمهورية تُطالب بالتنحي الفوري للرئيس. ثم رسم التجمع سيناريو ما بعد البشير بتكوين حكومة كفاءات ذات صبغة وطنية تُجمع عليها كل أطياف المجتمع السوداني.

ينطلق التجمع من قاعدة أساسيةٍ، أن لا يحصر نفسه في هيكلٍ واحد. محمد يوسف المصطفى، المُتحدث باسم التجمع، يقول إن المشهد السياسي والاقتصادي والثقافي في السودان كان يفتقد إلى قائدٍ يجمع الناس حوله. هذه الحاجة الشديدة جاءت وسط قوى المعارضة السودانية، لذا جاء التجمع. فالهدف منه هو تنظيم ما يقوله الشعب وإضفاء المعنى عليه وصياغته سياسيًّا، لكن القائد الأساسي بالنسبة للتجمع هو الشعب. المصطفى أكد مرارًا أن التجمع لا توجد لديه أي نية ليتحول إلى حزب سياسي. وأردف أن التجمع يكتفي بكون العديد من أعضائه في أحزاب سياسية أخرى.

اقرأ أيضًا: هل حان الوقت لتضحية البشير في سبيل إنقاذ السودان؟

هذه القاعدة التي ينطلق منها التجمع تظهر جليةً في عدم وجود هيكلٍ تنظيمي مثل بقية الأحزاب. كما لا توجد إحصاءات تُوضح عدد المنضمين إليه. غياب الإحصاءات قد يرجع إلى حظر القانون السوداني تشكيل نقابات مهنية مُستقلة، فبدأ 200 أستاذ بجامعة الخرطوم تكوين نقابة لهم بشكل غير رسمي عام 2012. شجَّع ذلك بقية المهنيين في السودان على الاقتداء بهم، ثم في 2016 قررت ثمانية تجمعات غير رسمية الانضواء تحت لواءٍ واحد اسمه «تجمع المهنيين السودانيين». من بين الثمانية يوجد البيطريون، الإعلاميون، الصيادلة، المعلمون، والمحامون.

المحللون في الداخل السوداني يُبدون تعجبًا من استجابة الشعب السوداني لبيانات هذا التجمع مهما تكن. كتلبية ندائهم للتظاهر التي تكون غالبًا في الواحدة ظهرًا. التعجب منشؤه جهل الشعب السوداني بالقادة الحقيقيين لهذا التجمع، لكن رغم ذلك يثقون فيهم دون قيدٍ أو شرط. لا يوجد مقر رسمي يتحدث منه أعضاء التجمع سوى منصات التواصل الاجتماعي، لكن ذلك لم يمنع وجود ممثلين للتجمع في العاصمة الفرنسية باريس، عنهم الصحفي محمد الأسباط، وممثلين في بريطانيا، عنهم الدكتورة سارة عبد الجليل. كما أن أسلوب التجمع الناعم استطاع أن يجذب حوله قوى المعارضة الرئيسية في السودان مثل نداء السودان والإجماع، ليوقعوا معًا بيان الحرية والتغيير.


2. قوى الإجماع

تحالف قوى الإجماع الوطني هو تحالف لأحزاب المعارضة السودانية التي اتخذت موقفًا مبكرًا بعدم المشاركة في الحياة النيابية السودانية كإعلان واضح لمعارضتهم بقاء حكم البشير. التحالف تأسس في أواخر عام 2009، متكونًا من 17 حزبًا معارضًا تحت قيادة فاروق أبو عيسى. تتألف الأحزاب السبعة عشر من 4 أحزاب رئيسية، وعدة أحزاب يسارية صغرى.

الأول: حزب الأمة

تأسس الحزب عام 1945 بقيادة الإمام عبد الرحمن المهدي ليكون أول حزب سياسي شعبي يهدف إلى التخلص من الحكم الثنائي، البريطاني والمصري، وبناء دولة واحدةٍ تقوم على أسس المساواة والعدل والحرية. عُرف أعضاؤه باسم «الاستقلاليين»، وتكونوا في البداية من عددٍ من «كيان الأنصار» الصوفي المُؤيد للمهدي. الحزب من أشرس الأحزاب في رفض وجود البشير، وشعاره منذ التأسيس «السودان للسودانيين».

حاولت بريطانيا شق صفه عبر الحزب الجمهوري الاشتراكي عام 1952، ثم في 1957 حاولت مصر مرةً أخرى عبر حزب التحرير، لكن لم تنجح أي من المحاولتين. بعد الاستقلال دخل في حكومة ائتلافية، ثم عارض الحكم العسكري بقيادة الفريق إبراهيم عبود. دفع الحزب ثمن معارضته العديد من أرواح أعضائه فيما عُرف باسم مجزرة المولد عام 1961. ثم تعرض لحملة شرسة من الرئيس الأسبق جعفر النميري فيما عُرف بمجزرة «جزيرة أبا»، ثم مجزرة «حي ود نوباوي». ثوراتٌ ومظاهراتٌ متتابعة خاضها الحزب دون أن تتمخض أي منهما عن النجاح، فاضطروا إلى مهادنة النميري باتفاق صلح، لكن ما لبث الاتفاق أن انهار عام 1978.

التحول المفصلي في تاريخ حزب الأمة قاده رئيسه الصادق المهدي. بعد وصول البشير إلى السلطة التقاه الصادق المهدي في 1999. رفضت فصائل المعارضة هذه اللقاءات، فخرج حزب الأمة من صف المعارضة. ثم عاد الحزب للعمل داخل السودان عام 2000 موقعًا اتفاقًا للتراضي بينه وبين الحكومة. سرعان ما انهار هذا الود بين الحزب والحكومة، ليعود حزب الأمة إلى أصله في معارضة البشير، لكن كان أقوى هذه المرة. يناير/كانون الثاني 2013 يوقع الحزب وثيقة «الفجر الجديد» يدعو فيها لإسقاط البشير وإقامة فترة انتقالية لمدة خمس سنوات يتم فيها وضع دستورٍ للبلاد يفصل الدين عن الدولة. 19 مايو/أيار 2014 تعتقل السلطات الصادق المهدي فيدعو أنصاره للتعبئة الشاملة. 16 يونيو/حزيران 2014 يُطلق سراحه كخطوةٍ من الحكومة نحو المصالحة، لكن رفض الحزب الحوار ودخل في حملةٍ طويلة الأمد لإسقاط النظام.

الثلاثة الكبار

بجانب حزب الأمة تُوجد الحركة الشعبية لتحرير السودان. الحركة هي الجناح السياسي لجيش التحرير الشعبي السوداني. جعفر النميري هو من غرس بذرة الحركة المتمردة، عام 1983 أرسل قوة لقمع تمرد قام به 500 جندي في جنوب السودان. المفاجأة أن جنود النميري انضموا للمتمردين، بقيادة العقيد جون قرنق. قرنق أعلن أن هدفه ليس انفصال الجنوب عن الشمال، إنما التخلص من سيطرة الحكومة المركزية الخانقة على الجنوب. كانت تلك شرارة الحرب التي استمرت 20 عامًا، راح ضحيتها مليونا مواطن. بعد انفصال الجنوب أصبحت الحركة هي الحزب الحاكم الجديد في الجنوب، وانفصل عنها فرعها الشمالي ليكوِّن الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال.

ثالث ثلاثة هو حزب المؤتمر الشعبي السوداني لمؤسسه الدكتور حسن الترابي عام 1999. الحزب تكوَّن عبر الانشقاق عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم الخاضع، لفترةٍ قريبة، لقيادة المشير عمر البشير. الترابي مؤسس للحكومة القائمة حاليًا وركن أساسيٌّ في الانقلاب الذي أتي بالبشر. لكنَّه أصبح معارضًا قويًّا للحكومة حتى وفاته عام 2016، وتبعه في المعارضة الأمين العام الحالي للحزب إدريس سليمان.

يكتمل المربع بثاني أكبر حزب شيوعي في العالم العربي،الحزب الشيوعي السوداني. تأسس عام 1946 وأخذ في النمو المطرد حتى استعان بالنميري للانقلاب على نظام الحكم عام 1969. لكن عاد النميري ليكبح تطلعاتهم ويعدم قادتهم بعد محاولة الانقلاب عليه عام 1971. عُرف أولًا باسم «حستو» اختصارًا للحركة السودانية للتحرر الوطني، لكن بعد عشر سنوات تم اعتماد اسمه الحالي.


3. نداء السودان

ثالث تكتل مؤثر أطلق بيان الحرية والتغيير كان نداء السودان. التحالف يتكوَّن من مختلف أطياف المعارضة، المدنية والمسلحة. تأسس التحالف في ديسمبر/كانون الأول 2014 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. ضم التحالف إلى جانب حزب الأمة وحركة الإجماع والحزب الشيوعي السوداني عددًا من الأحزاب السياسية والحركات المسلحة مثل حركة تحرير السودان، حركة العدل والمساواة، حزب البعث، وحزب الناصريين.

تحالف النداء من أشد التحالفات اختلافًا وخلافًا، تتنوع أفكارهم ويتفقون على هدف واحد، حل أزمة السودان بإزاحة البشير وتشكيل حكومة انتقالية. المراد من هذا التحالف إظهار مدى الرغبة في حل الأزمة عبر التسامي على الصراعات الحزبية والمذهبية، حتى أن جلسات اجتماعهم يرأسها الأكبر سنًا مهما يكن انتماؤه.

التحالف منذ نشأته ثابت على رأيه بأن أي عملية انتخابية تتم تحت حكم البشير ليست سوى مشهد هزلي يُراد به تحقيق ديمقراطية صورية لا أكثر. وأن حل الأزمة لن يأتي إلا بالوصول إلى منبر سياسي مُوحد يقضي على التناحر ويُشارك عبره الجميع في مطالب موحدة تتلخص في الإفراج عن المعتقلين، إلغاء أي قانون يُقيِّد الحريات.


4. التجمع الاتحادي المعارض

ثماني فصائل اتحادية تُعلن تكتلها داخل «التجمع الاتحادي المعارض». هي: الوطني الاتحادي الموحد، الحزب الاتحادي الديمقراطي العهد الثاني، الوطني الاتحادي، الاتحادي الموحد، الحركة الاتحادية، والاتحاديين الأحرار، والتيار الحر، واتحاديين معارضين لا ينتمون لأيٍّ من الأحزاب المذكورة. التجمع بزغ للنور في 30 ينانير/ كانون الثاني 2018 بقاعدةٍ وحيدة راسخة، لا حوار مع البشير مهما كانت الدواعي. وأهدافه تتلخص في خطوتين، أولهما إسقاط نظام البشير، الثانية لإنجاز الأولى يجب تحضير الجماهير واستنفار القواعد الشعبية لتمتلك وعيًا ورغبةً للمشاركة في إسقاطه.

اقرأ أيضًا: احتجاجات السودان والخلافات الداخلية في النظام

تلك هي الكيانات الأربعة التي أطلقت إعلان الحرية والتغيير، لكنه يبقى بيانًا مفتوحًا لكل من يريد أن يُلقي سهمًا في صدر النظام. هكذا تقول تلك الكيانات، وهكذا يُؤمن الشعب السوداني.