في عصر وسائل التواصل الاجتماعي التي تقيم ثورات وتحرّك الشعوب لاشك أن القارئ اختلف هو الآخر، وأصبح له دورٌ كبير، بل ربما يكون قد سحب البساط بالفعل من الناقد الذي كان الوسيط المفترض بين الكاتب والقارئ، فتحوّل القارئ، مع وجود مواقع أجنبية وعربية تهتم بصوته ورأيه، إلى سلطة جديدة، يمكنها أن ترفع كتّابًا فتجعلهم نجوم المشهد وتضع آخرين، أو هي على أقل تقدير تغيّر المشهد القديم، وتمنح الآفاق اختلافًا وتنوعًا كبيرين.


«أبجد»: 150 ألف قارئ عربي

منصة أبجد

ربما كانت بداية الكثير ممن يمكن تسميتهم «القرّاء المحترفين» من مواقع الكتب الشهيرة مثل «جودريدز» التي وجدوا فيها ضالتهم، حيث يمكنك أن تجد كتابك المفضّل وتقابل كتابك الجديد، وتكتب عنه، وتتعرّف على «مجتمع قراءة» يماثلك من فيه في التوجه ويقاربك في الاختيارات، وبالتالي يتكوّن أصدقاء جدد من خلال هذه القراءات على اختلاف أنواعها وتوجهات أصحابها، بل من مختلف البلدان حول العالم.

وإذا كان هذا هو الحال مع الموقع الإنجليزي الشهير «جودريدز» فإن شيئًا من ذلك بدأ يتكوّن منذ سنواتٍ مع الموقع العربي المشابه له وهو «أبجد» (2014) المنصّة العربية التي استطاعت أن تجمع نحو 150 ألف قارئ عربي حتى الآن، وتوفّر لهم مناخًا خاصًا يدور حول عالم الكتب والقراءة والمؤلفين، والتي تقدّم لهم كل يومٍ جديدًا، واستطاعت مؤخرًا أن تصل إلى صيغة مع عدد من دور النشر العربية لنشر الكتب إلكترونيًا من خلالهم، وبذلك يتمكن القارئ من قراءة الكتاب والتعليق عليه مباشرةً .


«البوكتيوب»: القرّاء ينافسون نقاد الأفلام

أبجد، مراجعة كتب،
أبجد، مراجعة كتب،

ولكن الأمر لم يقتصر -فيما بدا- على المواقع والصفحات التي ينشر فيها القرّاء آراءهم وتقييماتهم على الكتب مكتوبة، ورأوا أن بإمكانهم أن ينافسوا نقّاد الأفلام ـ تحديدًا ـ بتصوير عدد من «الفيديوهات» يتحدثون فيها عن الكتب والروايات التي أحبوها، وينشرونها بين أصدقائهم، بل يصنعون لها «قنوات خاصة» على يوتيوب بما عُرف بظاهرة «البوك تيوب»، من هؤلاء «عمرو المعدواي» صاحب صفحة وقناة «الروائي» على فيس بوك ويوتيوب، كان هدف عمرو الأساسي من تجربته هي أن يوفّر للقارئ العربي دليلاً شاملاً للروايات الصادرة حديثًا في المكتبات، سواء كانت عربية أو مترجمة.

يتحدث عمرو عن تجربته فيقول إن الهدف الأساسي للقناة هو إمتاع المشاهد وتقديم محتوى غير ممل عن الكتب بأشكال متعددة، وبالتالي يشجع القراء على شراء الكتب وقراءتها وتقييمها، ولذلك فهو حرص على ألا «يحرق أحداث» الرواية التي يتناولها، وهو وإن لم يكن دارسًا للنقد إلا أنه قرأ عددًا من الكتب التي أفادته في محاولة تقديم نقد مبسط للأعمال التي يقرأها، خاصة الكتب التي تتناول طريقة تأليف الرواية والعناصر الأساسية فيها، مما جعله قادرًا على التمييز بين العمل الجيد والرديء.

يعد «عمرو» مادته بنفسه، ويضع لها المونتاج الخاص بها، تساعده زوجته فقط في التسجيل الصوتي أحيانًا، واستطاعت صفحته أن تصل إلى أكثر من 5 آلاف متابع، عرض فيها نحو 25 كتابًا حتى الآن. يحلم عمرو أن تكون قناة الروائي مرجعًا لكل شغوف بقراءة الروايات مثلما تساعده «جودريدز» على تحديد الرواية التي يرغب في اقتنائها وهل تستحق ذلك أم لا.


الجمهور يسمع ويتابع الفيديوهات أكثر من قراءته للمواضيع التي تتناولها.

محمد شادي منشئ قناة «بتاع الكتب»

يعتبر محمد شادي كذلك من أحدث المشاركين بفكرة «بوك تيوب». بدأت الفكرة من ملاحظته أن «المحتوى العربي» فيما يخص قنوات تتحدث عن الكتب قليل جدًا، ولاحظ أن هناك أكثر من قناة أجنبية تتحدث عن الكتب، فبدأ بتجربة فيديوهات لايف على صفحته الشخصية لاقت رواجًا واستحسانًا من أصدقائه ومتابعيه، فقرر أن يخصص للمشروع صفحة خاصة وأنشأ صفحته «بتاع الكتب» التي حازت على متابعة نحو 3 آلاف متابع في فترة زمنية قصيرة نسبيًا.

يتحدث «شادي» عن تجربته فيقول إنه لم يكن لديه أي خبرة في التصوير، وليس لديه «كاميرا» أصلا، لكنه استعان بصديقه «آدم» واستطاعا معًا أن يقدما هذه الفكرة، وأن ترى النور على صفحة فيس بوك، ويرى أن التجربة حتى الآن ناجحة جدًا، لسببين أولهما أنه لاحظ أن الجمهور يسمع ويتابع الفيديوهات أكثر من قراءته للمواضيع التي تتناولها لو كانت مكتوبة، كما أنه بشكل خاص لا يلتزم في تسجيلاته بالحديث عن الكتب فقط، وإنما يتناول الأجواء المحيطة بها، وترشيحات القراءة وغير ذلك.

ولهذا فهو يرى أن هذه الطريقة أصبحت «سمة العصر» ليس في مراجعات الكتب فحسب، بل في تناول العديد من المواضيع التي تهم الناس أصبح نقلها من خلال المناقشة وتصوير “فيديو” عن الموضوع أكثر جذبًا للناس من الكتابة عنها، يفكّر «شادي» أن الموضوع يمكن أن يتطوّر ويتحوّل إلى برنامج تلفزيوني بالفعل، ولذا فهو حريص على أن يقدّم مادة ثرية، وأن يوسّع من القاعدة الجماهيرية التي تشاهد قناته وتهتم بها.


تحكي ندى الشبراوي صاحبة «دودة كتب» عن فكرتها فتقول إن صديقتها الكاتبة «غادة عبد العال» هي التي شجعتها في البداية على أن تصوّر «ريفيوهات للكتب» بدلاً من كتابة تعليقات عليها على فيس بوك، وترى أن هذه التجربة من أجمل التجارب التي نجحت فيها بشدة، خاصةً أنها عرفتها على كتّاب وصداقات جديدة قيمة جدًا، وترى أن الصعوبة التي تواجهها تكمن في اختيار مادة الكتاب الذي تتناوله حيث تحرص ندى على أن يكون الكتاب ذا قيمة أدبية كبيرة، وفي الوقت نفسه يكون جاذبًا لعدد كبير من جمهور المتابعين، وتضيف أن «غادة عبد العال» هي التي تساعدها الآن في تصوير البرنامج وإخراجه، أما هي فتهتم بإعداد المادة بشكل منظم حتى تخرج للمشاهد بطريقة شيقة وجذابة، وصل متابعو قناة «دودة كتب» على يوتيوب إلى أكثر من ثلاثة آلاف متابع، وقامت بتقديم أكثر من 30 حلقة حتى الآن.

الشاعر والروائي «مينا ناجي» كان لديه تجربة مختلفة نسبيًا عن التجارب السابقة، فقد قدّم في قناته على يوتيوب التي سمّاها «سوشي بوك ريفيو» نحو 12 حلقة، ولوحظ أنه لا يقتصر على عرض كتاب في مدة زمنية قصيرة (خمس دقائق مثلا)، ولكن تجاوزت مدة إحدى حلقات برنامجه (عن الحب) ساعة كاملة، ويناقش «مينا» الكتب والأفكار المتعلقة بها بطريقة أكثر عمقًا، بل يلجأ أحيانًا لأحد أصدقائه لكي يناقشا معًا «من خلال الفيديو أيضًا» محتوى بعض الكتب.

بدأت الفكرة مع «مينا» في رغبته في عرض محتوى بسيط لكتبٍ يرى أنها مهمة، ولا تحظى بانتشار واسع بين القراء، ثم انتقل به الأمر إلى أن يحاور عددًا من الكتاب في المواضيع التي يناقشها في الكتب، وبذلك فإن المحتوى الذي يقدمه «مينا» مختلف، وينوي أن يستمر في الحوارات مع الكتاب من خارج مصر بشكلٍ أكبر، وبالتالي سيتحوّل عرضه إلى «برنامج حواري» يتبادل فيه اثنان الأفكار والرؤى حول كتاب معين.

أمًا أصغر المنضمين لعالم «البوك تيوب» فهو الشاب الأسواني «حسام مصطفى» الذي يبلغ من العمر 15 سنة، وأنشأ بمفرده مدونة وقناة «أبو الكتب» على يوتيوب، يتحدث حسام عن الفكرة فيقول إنها بدأت منذ 6 أشهر بالضبط، وإنه فكّر فيها لما وجد بعض الفيديوهات التي تتحدث عن مباريات كرة القدم والأفلام، وكانت قناة «محمود مهدي» صاحب قناة «فيلم جامد» قد أثرت فيه كثيرًا، فقرر أن ينشئ قناته الخاصة «أبو الكتب» يعرض فيها مراجعات للكتب التي يقرأها ويعرّف أصدقاءه ومتابعيه عليها، قدّم حسام حتى الآن 14 مقطع فيديو عن روايات قرأها كان أشهرها رواية أحمد مراد الأخيرة «موسم صيد الغزلان» مؤخرًا، ويتابعه حتى الآن نحو 500 مشترك.

أثناء الإعداد لهذا الموضوع اكتشفت عشرات القنوات الأخرى، التي تقدم مادة شبيهة مراجعة كتب، وترشيحات وعرض على موقع يوتيوب، ووجدت أن بعضهم لا يقدم نفسه باسمه وشخصيته، بل بصوته فقط، مثلما نجد عند micro book و سلفني كتاب، فهم يعرضون الكتب التي يقترحها عليهم متابعوهم على صفحة فيس بوك، ويقومون بعمل رسومات توضيحية للكتب التي يعرضونها متحدثين عن أحداثها بشكل عام وشخصياتها، ثم يضعون تقييمهم النهائي للكتاب.


هكذا يرى هؤلاء القرّاء المحترفون العالم اليوم، وهكذا يحبون أن يقدموا عالمهم إلى القرّاء والمتابعين النشطين، الذين يهتمون بكل ما يقدمونه ويتابعونهم بشغفٍ حقيقي، ويطلبون منهم المزيد والمزيد، تجدر الإشارة إلى أن مواد هذه الصفحات والمواقع والفيديوهات ليست واحدة، أو متشابهة في الغالب، ففي الوقت الذي يهتم فيه بعضهم بمراجعة بعض الكتب (خاصة الروايات) نجد عند بعضهم الآخر نصائح وإرشادات تخص القراءة، أو ترشيحات لكتب وكتّاب يفضلونهم.

كذلك يناقشون بعض الأفكار الشائعة على صفحات التواصل الاجتماعي بأمثلة وشواهد من الكتب التي قرأوها، والملاحظ أن اهتمامهم بالإخراج الفني للقناة أو الحلقات التي يعرضونها متباين، ولكنهم يتفقون جميعًا على وجود «لوجو» للقناة، ومحاولة تقسيم طريقة العرض من خلال المونتاج إلى فقرات متنوعة، ووضع صورة للكتاب على الفيديو، بل بعضهم يقوم بتسجيل مقاطع من الكتاب بصوته مثلما يفعل عمرو المعداوي في الروائي، بل يقوم حسام مصطفى بتغيير شخصيته مثلا لكي يتحدث عن معلوماته عن الكاتب، وغيرها من محاولات لكسر نمطية الفيديو، كل منهم بطريقته الخاصة.