أتذكر منذ أعوام، انتشر خبر يقول إنك إذا دخلت صفحة جوجل الرئيسية، وضغطت على شعار جوجل – الذي كان مزينًا بالورود يومها احتفالاً بالربيع – سوف تتفجر ورود طائرة من الشعار، والأهم أنك ستشم رائحة ورود خارجة من الجهاز. الحقيقة أنني كانوا ممن وقعوا في هذا الفخ، في البداية ضحكت بتهكم ثم وجدت كل الناس على السوشيال ميديا يتحدثون عن هذه الأعجوبة، فتشككت، ثم اقتربت من شاشة اللاب توب لأتشممها، فقط لتصفعني حقيقة أنها دعابة وأنني ساذجة.

شعار جوجل الذي يتغير وتتغير معه خلفيته تماشيًا مع تاريخ اليوم والحدث الذي يمثله، أصبحت شيئًا هامًا في السنوات الأخيرة، من الطبيعي أن تجد أصدقاءك على السوشيال ميديا يخبرون بعضهم البعض أن يدخلوا لصفحة جوجل الرئيسية ليلعبوا إذا كانت اللوحات متحركة، أو يشاركوا اللوحات على صفحاتهم الشخصية.

هذه الأيام يعيش العالم أهم حدث كروي على الإطلاق، بطولة كأس العالم التي يتابعها شعوب العالم كله حرفيًا وبلا استثناء، هذه الأيام إذا دخلت على صفحتك الرئيسية الخاصة بجوجل، سوف تجد لوحة تعبر عن كأس العالم، الأظرف من ذلك أن اللوحة ستتغير تبعًا لمنطقتك الجغرافية، الأظرف على الإطلاق أن اللوحات تتغير وتتبدل كلما تقدمت البطولة وحسب المجموعات التي تلعب في هذه الأثناء.


ما هي الجوجل دودلز؟

google doodle, دودلز, جوجل, مصر, كأس العالم
أول جوجل دودلز

هذه اللوحات التي نتحدث عنها والتي تصاحب شعار جوجل أو تغير في شكله، تسمى «دودلز – Doodles»،ظهرت لأول مرة في أغسطس/آب 1998 عندما أراد كلا من «لاري، وسيرجي» الاحتفال بحضورهما لمهرجان يسمى «مهرجان الرجل المحترق»، فرسما رسمة بسيطة تمثل رجلاً يرفع ذراعيه عاليًا، ويقف خلف الحرف الثالث من حروف جوجل.

في هذا الوقت لم يكن للرسمة معنى وكانت فقط أشبه بالمزحة، ولكنها لاقت إعجابًا بين المستخدمين، وولدت فكرة تزيين شعار جوجل للاحتفال بالمناسبات المشهورة. بعدها بعامين قرر أصحاب الشركة أن يطلبوا من أحد موظفيهم أن يقوم بتطوير الشعار ليحتفل بيوم الباستيل، وهو العيد الوطني الفرنسي، بالفعل استطاع هذا الموظف دنيس هوينج -والذي يشغل الآن منصب مدير الموقع- أن يزين اللوجو بما يتماشى مع المناسبة، وقد لاقت نجاحًا كبيرًا.

من وقتها وقد أصبحت الدودلز -والتي تعني رسومًا عفوية أو خربشات- علامة مميزة لشعار جوجل، وقد عينوا فريقًا كاملاً من المسئولين عن إنتاج هذا النوع من اللوحات، يسمونهم في جوجل «دودلرز» يعاونهم مجموعة من المبرمجين والمطورين، حتى يخرج لنا في كل مناسبة دودلز جديدة، وقد أنتجوا حتى الآن أكثر من 2000 دودلز استخدمت في الصفحات الرئيسية لجوجل حول العالم.


دودلز كأس العالم: لوحة لكل بلد

لوحة جوجل لكأس العالم 2018

مع انطلاق فعاليات دورة كأس العالم 2018، والمقامة في روسيا، بدأ جوجل في الاحتفال بهذا الحدث العالمي وزينت صفحته الرئيسية في أول أيام كأس العالم بلوحة مجمعة بطريقة الكولاج التي تدمج صورًا مختلفة مع بعضها لتصنع لوحة واحدة، في هذه اللوحة تظهر لمحة صغيرة من كل اللوحات التي ستظهر تباعًا على صفحات جوجل الرئيسية حول العالم تزامنًا مع المباريات.

المميز في دودلز جوجل الخاصة بكأس العالم هو أنهم استضافوا فنانين من كل بلد مشارك في البطولة ليرسم لوحة تعبر عن كرة القدم في بلاده، إيمانًا منهم بأن التعبير عن ثقافة البلد لن يكون صادقًا إذا لم يخرج من أحد أبناء هذا البلد، ولذلك استضافت جوجل 32 رسامًا يمثلون 32 دولة مشاركة في البطولة العالمية، ليقوموا برسم اللوحات تعبر عن إجابتهم لسؤال «كيف تبدو كرة القدم في بلادي؟»

شارك في كأس العالم 2018 أربعة بلاد عربية هي مصر والتي رسم الدودلز الخاص بها شناوي، والمغرب التي رسم لوحتها أناسي مهدي، والسعودية والتي قام برسم لوحتها عثمان دنيا، وتونس التي قامت برسم لوحتها الرسامة نهى حبيب.


الكرة روح المصريين

google doodle, دودلز, جوجل, كأس العالم 2018
google doodle, دودلز, جوجل, كأس العالم 2018
google doodle, دودلز, جوجل, مصر, كأس العالم 2018
لوحة جوجل لمصر في كأس العالم 2018

في الدودلز المصرية التي رسمها الرسام المصري «شناوي» لتكون واجهة مصر في كأس العالم، تظهر حارة مصرية مزدحمة بالشخصيات، تحتوي مقهى بلديًا يذيع مباراة كرة قدم وتتصدر شاشة التليفزيون صورة لاعب يبدو كمحمد صلاح بشعره الثائر وفانلته الحمراء، في واجهة اللوحة أطفال يلعبون الكرة مع استمرار الحياة حولهم بشكل عادي جدًا كسيدة تمر وهي تحمل على رأسها صندوقًا مرسوم عليه علم مصر وطاولة خبز موضوعة للبيع، وتكتوك في جانب الصورة منطلقًا وكأنه مار على المشهد.

اللوحة تمثل يومًا عاديًا في حياة المصريين المرتبطين بلعبة كرة القدم، المصريين الذين يعيشون حياتهم العادية جنبًا إلى جنب مع متابعة المباريات بحماس وانتماء لا يظهر غالبًا ومؤخرًا سوى في المباريات الكروية. الأعلام المصرية تظهر في اللوحة بكثافة، ومحمد صلاح يظهر مرتين في اللوحة مرة على شاشة التليفزيون ومرة على الصندوق الذي تحمله المرأة، لوحة حقيقية تنقل واقع المهتمين الحقيقيين بكرة القدم، الذين لا يمارسونها لا هي ولا أي رياضة أخرى، ولكنهم يتابعونها بشغف حقيقي ورغبة قوية في الفوز.

صرح شناوي، الرسام الذي قام بتنفيذ اللوحة لجريدة الديلي ميل، أن «الكرة هي روح المصريين»، هذا حقيقي فعلاً بشكل كبير، هو استطاع أن ينقل هذه الروح للوحته، واستطعنا جميعًا أن نراها في المباراة الفاصلة التي لعبها المنتخب الوطني أمام منتخب روسيا الثلاثاء الفائت والتي خسر فيها منتخبنا أمام قرينه ثلاثة أهداف أمام هدف واحد، هذا الهدف أحرزه صلاح، الذي يظهر في لوحة شناوي وحده دونًا عن باقي اللاعبين.

كان شناوي محقًا في توصيفه، فالكرة هي روح المصريين بالفعل، ربما لذلك بالضبط كان مساء الثلاثاء حزينًا للغاية، وكانت كل القلوب المصرية تقريبًا مكسورة عندما انهزم المنتخب في مباراته. الروح التي كانت تفعم الشوارع والمقاهي وحتى صفحات التواصل الاجتماعي، هذا الصراخ السعيد الذي كان يسيطر على الأجواء في الشوط الأول في تطبيق المباراة بعد كل فرصة ضائعة للمنتخب، وهذا الوجوم الذي على الأوجه عندما أخطأ فتحي وسدد الكرة في مرمانا.

هذه الروح التي انسحبت رويدًا رويدًا من المصريين، حتى فارقتهم تمامًا وهم يغادرون مقاعدهم أمام التليفزيونات، هذا الصمت والهدوء وانطفاء الحماس، كانت هذه روح كرة القدم التي غادرتهم ما إن صفّر الحكم إيذانًا بنهاية المباراة.