وقف المئات من الأفغان لاستقبال زعيم الحزب الإسلامي «قلب الدين حكمتيار» إلى كابل نهاية الشهر الماضي. ملوحين بأعلام الحزب وحاملين للورود، مرحبين بمقدم الأخير في موكب أمني شديد الإحكام مؤلف من مئات السيارات والرجال المسلحين، ترافقه طائرة عسكرية، إلى العاصمة الأفغانية.

تحفظ الكثيرون في أفغانستان على عودة الرجل الذي قصف كابل حين كان رئيسًا للوزراء بداية تسعينيات القرن الماضي، ملحقًا بها أكبر الخسائر التي تعرضت لها خلال 40 عامًا من الحرب و الاضطراب السياسي.

حيث جاءت عودة الرجل المثير للجدل، بعد خروجه من البلاد منذ حوالي 20 عاماً، بعد إبرامه اتفاقًا للسلام مع الرئيس الأفغاني الحالي أشرف غني، دعا بعده الأخير حكمتيار للعودة إلى الوطن بسلام.

تثير عودة حكمتيار التاريخية إلى أفغانستان العديد من الأسئلة عن خلفيات الصفقة التي عاد بموجبها، وعن تأثيرات تلك العودة على المشهد الأفغاني، وهو ما سنسعى خلال السطور التالية للكشف عنه.


لماذا دعا الرئيس الأفغاني حكمتيار إلى العودة؟

فاجأ «قلب الدين حكمتيار» الجميع العام الماضي – بعد إعلان تأييده تنظيم الدولة الإسلامية للمفارقة – بقبوله بعد ذلك التفاوض مع حكومة كابل، وهو ما تزامن في ذلك الوقت أيضاً مع إطلاق حكمتيار تصريحات شديدة اللهجة ضد حركة طالبان تعتبرها عميلة لجهات أجنبية وغدة سرطانية يجب استئصالها.

جاءت عودة حكمتيار الأخيرة بعد إلغاء الأمم المتحدة في شهر فبراير/شباط الماضي عقوبات كانت مفروضة على الأخير، بعد الاتفاق التاريخي، الذي تم التوصل إليه مع الحزب الإسلامي الذي يرأسه، والحكومة الأفغانية برئاسة «أشرف غني»، في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي.

تشير تحليلات إلى أن الرئيس الأفغانى أشرف غني – الذي ينتمي إلى عرقية البشتون أيضاً كحكمتيار – أبرم الاتفاق الأخير مع الحزب الإسلامي، بهدف تعزيز سلطته وتقوية نفوذه، في ظل التنافس السياسي بينه وبين رئيس الهيئة التنفيذية «عبد الله عبد الله»، الذي يتقاسم معه السلطة في البلاد.

بشير محللون أيضاً إلى أن الاتفاق الأخير، يعزز كذلك من قدرة الحكومة الأفغانية على مواجهة حركة طالبان وتنظيم الدولة الإسلامية، حيث يمكن أن تدعم خبرات قادة وكوادر الحزب الإسلامي العسكرية، نتيجة مشاركتهم في المعارك المسلحة التي شهدتها أفغانستان خلال فترة الحرب الأهلية، الحكومة الأفغانية في حربها ضد حركة طالبان وتنظيم الدولة.

من جهة أخرى يقول المحلل السياسي محمد مطمئن إن الحزب الإسلامي يحاول تقديم نفسه كجناح عسكري مناهض لطالبان ومدعوم من المجتمع الدولي، حيث يسعى المجتمع الدولي للبحث عن بديل آخر لتحالف الشمال في حربه ضد طالبان، ويحاول الحزب أن يستفيد من هذه الفرصة.


سيرة الرجل ذي التحالفات المتناقضة

ولد قلب الدين حكمتيار، عام 1947 في قرية من قرى مديرية إمام صاحب التابعة لولاية قندُز على بعد 12 كلم تقريباً من نهر جيحون – الذي يعرف أيضاً بنهر آموداريا – الذي يفصل حدود أفغانستان عن الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى.

التحق حكمتيار بإحدى المدارس العسكرية ثم تحول إلى مدرسة شيرخان الثانوية ومنها التحق بكلية الهندسة في جامعة كابل عام 1969. وفي مرحلة التعليم العالي، تعرف على شباب التيار الإسلامي بالجامعة وسرعان ما أصبح عضوا ناشطا بينهم.

اعتقل حكمتيار عام 1971 وحكم عليه بالسجن سنتين بتهمة قتل أحد الطلبة الشيوعيين في المظاهرات، لكنه استطاع الفرار والهجرة إلى باكستان عام 1974، ولم يتمكن من إتمام دراسته.

عايش حكمتيار أجواء الصحوة الإسلامية في بداية الستينات، التي نشأت كرد فعل على الشيوعية والتوجهات الاشتراكية في أفغانستان في عهد الملك السابق محمد ظاهر شاه ورئيس وزرائه محمد داود خان.

في تلك الفترة اتفق حكمتيار مع برهان الدين رباني في عام 1974 على إعادة تنظيم «الجمعية الإسلامية» الأفغانية الإسلامية المناهضة للمد الشيوعي في منطقة بيشاور الباكستانية الحدودية، حيث اقتسما بينها منصبي رئاسة «الجمعية» وشئون العلاقات الخارجية، والشئون الداخلية والعسكرية. إلا أنه سرعان ما احتدمت الصراعات الداخلية في الجمعية بينهما، إلى أن انشق حكمتيار بعد ذلك .

في عام 1976 دشن حكمتيار «الحزب الإسلامي» الذي نجح في استقطاب الكثيرين من شريحة الشباب ولاسيما في ولايات كابل وقندز وبغلان وننغرهار في شرقي البلاد.

شارك حكمتيار مع فصائل المجاهدين في الحرب ضد الاتحاد السوفياتي التي اندلعت بين عامي 1979 – 1989. وكان عضوا في «الاتحاد الإسلامي» الذي ترأسه عبد رب الرسول سياف في الفترة من 1983 – 1985 ثم شارك في «تحالف المنظمات السبع» واختير يوم 24 فبراير (شباط) 1989 وزيرًا للخارجية في «حكومة المجاهدين» الأفغان إلا أنه جمد عضويته في الحكومة خلال شهر أغسطس -آب- 1989.

من أهم الملاحظات التي يخرج بها من يتتبع مسيرة حكمتيار السياسية، هي ذلك الكم الكبير من الصفقات والتحالفات المتناقضة التي عقدها الرجل ثم تراجع عنها، وليس أدل على مرونة حكمتيار في هذا السياق من مساندته لحركة طالبان في مواجهة الغزو الأجنبي، ثم انقلابه عليها بعد ذلك، رغم عدم خروج القوات الأجنبية من أفغانستان حتى الآن.

و يمكننا أن نلاحظ ذلك أيضاًعلاقات الأخير الدولية، حيث عرف عن حكمتيار على اتصالاته بالمؤسسة العسكرية والأمنية الباكستانية، في المقابل عرف عنه أيضاً علاقته مع إيران، وعلاقاته مع عدد من دول الخليج العربي في ذات الوقت.


المشهد السياسي الأفغاني بعد عودة حكمتيار

في مفارقة من مفارقات القدر تصادفت عودة حكمتيار مع أحداث «يوم انتصار المجاهدين» في شهر أبريل/نيسان 1992، التي أدت إلى تنصيب الميليشيات المناهضة للسوفييت على رأس السلطة.

ولعل المفارقة في تلك المصادفة أن المشهد السياسي في أفغانستان يعود الآن تقريبا لما كانت عليه أفغانستان قبل طالبان، حيث يتقاسم المشهد السياسي تحالف الشمال والحزب الإسلامي وباقي أمراء الحرب الذين أقصتهم طالبان عن السلطة في العقد الأخير من القرن الماضي.

تشير التوقعات مع عودة حكمتيار إلى معترك السياسة في كابل، إلى أن الميدان السياسي سيشهد سخونة كبيرة، فلن يرضى على الأرجح زعيم «الحزب الإسلامي» بمشاركة رمزية في الحكومة الأفغانية، بل سيطالب بطبيعة الحال بمشاركة واسعة في حكم البلاد.

أثارت في هذا السياق عودة حكمتيار مجدداً إلى كابول وتوقيعه اتفاق السلام الأخير مع الحكومة مخاوف عديدة لدى تحالف الشمال الذي اتسمت علاقته تاريخيًا مع الحزب الإسلامي بالعداء والتوتر.

و لذلك فمن المرجح أن تجدد عودة حكمتيار من الاستقطابات القديم ذاته الذي أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الأفغان من قبل، ولكن في إطار معترك سياسي وانتخابي هذه المرة، وذلك بمقتضى شروط الاتفاقية التي عاد بموجبها حكمتيار إلى أفغانستان.

كما يتوقع كذلك بعد عودة حكمتيار أن تتصاعد حدة الصراع مع طالبان، التي طالبها حكمتيار بـإلقاء السلاح والمشاركة في العملية السياسية، وهو الأمر الذي ما زالت ترفضه الحركة حتى اليوم.