يجب أن تعلم أولًا كيف تعمل منظومة الدفاع الجوي. هناك صاروخ الآن في الجو أطلقته دولة معادية، تقوم الأقمار الصناعية وأجهزة الرادار الموجودة في الفضاء والتابعة للدولة المستهدفة باكتشاف مسار الصاروخ. يحيط الصاروخ القادم نفسه بسحابة من رءوس صاروخية فارغة لتشتت الرادار عن الرأس الحربي المُتفجر. هنا ينتهي دور القمر الصناعي ويأتي دور أجهزة الرادار الأرضية أو البحرية، إذ تُخضع الصاروخ لمراقبة مستمرة لمحاولة كشف الرأس الحقيقي.حينئذ يُطلق نظام الدفاع صاروخًا يتكون من مركبة تحمل فوقها الرأس المُعترض. إذا كان كل شيء في توقيته فإن الصاروخ المعترض يقابل الرأس الحربي المُعادي في الغلاف الجوي ويقوم بتفجيره كما يوضح لنا حلف شمال الأطلسي «ناتو» في العرض أدناه. أما في حالة وجود خلل أو تأخر في أي خطوة فإن الصاروخ المعادي قد يصيب هدفه، أو تضطر منظومة الدفاع إلى إسقاطه لكن في أجواء الدولة المستهدفة، مما يعرضها لخطر انفجار صاروخين لا صاروخ واحد.

تلك هي الفكرة الأساسية، لكن هل تعلم أن منظومات الباتريوت وثاد التي تمتلكها دول الخليج، حتى القبة الفولاذية الإسرائيلية ليست بتلك الكفاءة. تلك المنظومات تعمل على الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى فقط، كما تستهدف الصواريخ بطيئة الحركة، والتي تطير على ارتفاعات منخفضة. لكن إذا كانت المقارنة بين باتريوت وثاد،فإن منظومة ثاد تتفوق على باتريوت في أنها أكثر قدرة على إصابة الصاروخ المُعادي خارج الغلاف الجوي أو على الأقل على ارتفاع أكبر من قدرة باتريوت، كما يعرض المقطع التالي:


السعودية وعشق شراء الأسلحة

الدفاعات الجوية الخليجية تتناسب عكسيًا مع عقوبات الغرب على إيران، كلما قلت العقوبات زادت حاجة الخليج إلى منظومات أكثر تطورًا تحميهم من جارتهم الحرة. السعودية بدأت منذ الثمانينيات في تدعيم منظومة دفاعاتها الجوية، اشترت إصدارين من نظام «هوك» متوسط المدى. لكن اكتشاف السعودية لضعف الـ «هوك» بعدما اشترت منه 10 منظومات اضطرها إلى الترقية لنظام باتريوت الأحدث طويل المدى المعروف بـ «PAC-2».

ثم في 2014 قامت المملكة بدفع 1.7 مليار دولار لشركة رايثون المُعتمدة من وزراة الدفاع الأمريكية لترقية نظام الباتريوت إلى «PAC-3» القادر على تدمير عدد أكبر من الصواريخ في نفس الوقت، كذلك بمقدوره التصدي للعديد من الصواريخ السريعة وطويلة المدى. أعلنت السعودية عن رغبتها في شراء الصواريخ المستخدمة في القبة الفولاذية الإسرائيلية للتصدي لهجمات الحوثيين المتكررة.

البحرين تمتلك بطاريتي باتريوت. وفي 2004 دفعت 43.9 مليون دولار لشركة لوكهيد مارتن في مقابل رادار من نوع «AN/TPS 59». وفي 2016 تحدثت البحرين عن رغبتها في بناء درع خليجية موحدة، لكن الفكرة لم تلق حماسًا كالذي توقعته، ففضلت أن تعمل منفردةً، لذا في أكتوبر/تشرين الثاني 2017 بدأت مفاوضات مع روسيا لشراء الـ «إس-400».

اقرأ أيضًا: كيف تطورت أنظمة الدفاع الجوي؟ S-400 نموذجًا


الإمارات: الأقوى بعد أمريكا

ليس من المعروف عدد بطاريات صواريخ باتريوت التي تملكها السعودية، على النقيض من الإمارات. الإمارات تمتلك وحدها 9 بطاريات من نظام «PAC-3» المتطور، بالإضافة إلى بطاريتين من نفس النظام، لكنهما يخضعان لسلطة الولايات المتحدة لا الإمارات المتحدة. كما تتفوق الإمارات على سابقتيها بامتلاك منظومتين من طراز ثاد الأكثر تطورًا من باتريوت، بهذا تكون الإمارات الدولة الوحيدة بعد الولايات المتحدة التي تمتلك منظومة ثاد.كذلك تمتلك الإمارات عددًا غير معروف من نظام «هوك» القادر على التصدي للهجمات المنخفضة كالطائرات والصواريخ الأرضية. لكي تضمن الإمارات فاعليةً أكبر لأنظمتها اشترت ردارين «AN/TPY-2» ليعطيا منظوماتها قدرةً أكبر على الاستشعار والإنذار المبكر. الطموح العسكري الإماراتي لا يتوقف، في مارس/آذار 2017 وقعت عقدًا مع شركة لوكهيد مارتن بقيمة 286 مليون دولار للحصول على أحدث التطورات في منظومة ثاد.أما قطر فلا تمتلك منظومات دفاع تحت سلطتها، فقط منظومتي باتريوت تخضعان لسلطة الولايات المتحدة. في 2014 أعلنت قطر رغبتها في شراء 10 منظومات باتريوت «PAC-3»، ثم في 2015 تعاقدت قطر مع شركة رايثون لنقل وتشغيل تلك المنظومات العشرة. من المتوقع أن تصبح المنظومات جاهزة للعمل في 28 فبراير/ شباط 2022، لكن شائعات تدور حول أن المنظومات الجديدة قد لا تصبح قادرةً على العمل إلا إذا قامت قطر بتوفيقها مع آلية عمل بطاريتي الولايات المتحدة الموجودتين، بالإضافة إلى مزامنتهما مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي.وفي 2017 منح الجيش الأمريكي شركة رايثون عقدًا بقيمة 163 مليون دولار لتدريب القوات القطرية على استخدام منظومة باتريوت. في العام ذاته أعلنت قطر رغبتها في شراء منظومة «إس-400» الروسية.


جواد بلا فارس

عُمان لا تمتلك أي منظومات باتريوت أومنظومات متقدمة أخرى، فقط نظام نرويجي قصير المدى لإصابة الأهداف المباشرة. أما الكويت فهى الدولة الخليجية الوحيدة التي شهدت على أرضها اختبارين ناجحين لمنظومتي باتريوت في 2009 و 2012. وبجانب الباتريوت تمتلك الكويت عددًا غير معروف من منظومات «سبادا-2000»، منظومة دفاع جوي متوسطة المدى.وفي 2016 ربحت رايثون عقدًا بقيمة 523 مليون دولار لتطوير منظومة باتريوت في الكويت. يشمل التطوير إضافة رادار رقمي أكثر تطورًا، وزيادة قدرة المنظومة على الاستشعار، من المتوقع أن تنتهي عمليات التطوير في ديسمبر/كانون الثاني 2018.

كل هذه التطور العسكري عقيم دون تنسيق مشترك. إذا افترضنا أن صاروخًا إيرانيًا يتوجه الآن إلى السعودية، الصاروخ سيمر أولًا بقطر، الإمارات، والكويت. المدة التي يحتاجها صاروخ إيراني للوصول إلى السعودية هي 4 دقائق، إذا تجاوزنا افتقار دول الخليج إلى أجهزة الرادار أو الأقمار الصناعية المتطورة التي تستخدمها وزارة الدفاع الأمريكية في تعقب الصواريخ البالستية، واعتبرنا أن الصاروخ تم رصده منذ لحظة إطلاقه، فأمام الدول السابقة 240 ثانية فقط لإطلاق صواريخها الاعتراضية من أجل حماية المملكة. لكن الاختلافات السياسية الحالية قد تدفع أي دولة لغض الطرف عن الصاروخ.

اقرأ أيضًا: بيدك تفرض إرادتك: قصة البرنامج الصاروخي الإيراني

حتى لو آثرت أي دولة خليجية عدم إهدار صواريخها دفاعًا عن الأخرى فلا أقل من إرسال إنذار للدولة المستهدفة. هذا أيضًا يبدو أمرًا صعبًا، فالآليات في دولة لا تتحدث إلى الآليات في دولة أخرى دون وسيط بشري. إذن، شراء الكثير من الصواريخ الاعتراضية ووضعها في الصحراء لن يجدي نفعًا دون توصيلها معًا في شبكة واحدة ممتلئة بأجهزة الاستشعار عن بعد وأجهزة الإنذار المبكر، إضافةً للتواصل البشري. إذا تم تحقيق ما سبق فسيحاط الخليج بدائرة دفاعية كل نقطة فيها هي مركزها.