في سادس أيام الدورة السبعين التاريخية من مهرجان برلين السينمائي الدولي، والتي تقام في الفترة من 20 فبراير إلى 1 مارس 2020، كنا على موعد مع المخرجة المصرية «هالة لطفي»، والتي تشارك في المهرجان كعضوة في لجنة تحكيم جائزة أفضل عمل أول، شرف كبير حظيت به لطفي، التي تمثل مصر في دورة تاريخية للمهرجان، دورة قد تم الإعلان اليوم أنها قد حظيت برقم قياسي جديد هو 272 ألف تذكرة مباعة في الستة أيام الأولى فقط، وبفارق 20 ألف تذكرة عن الستة أيام الأولى في الدورة السابقة.

هالة لطفي قد اشتهرت بشكل خاص عقب فوز فيلمها الروائي الأول «الخروج للنهار» في عام 2012 بجائزتي أفضل فيلم باختيار لجنة تحكم الاتحاد الدولي للنقاد وأفضل مخرج من العالم العربي في مسابقة آفاق جديدة الخاصة بمهرجان أبوظبي السينمائي، بالإضافة إلى التانيت البرونزي في المسابقة الرسمية لـمهرجان أيام قرطاج السينمائية، وجائزة الأسد الذهبي في المسابقة الرسمية بـمهرجان وهران للفيلم العربي، وأخيرًا جائزة أفضل فيلم أفريقي من مهرجان السينما الأفريقية في ميلانو. وهو أيضًا الفيلم الذي تم اختياره ضمن قائمة مهرجان دبي السينمائي لأفضل 100 فيلم عربي، كما اختارناه أخيرًا في إضاءات في المركز الثاني في قائمة أفضل 10 أفلام مصرية في العقد الماضي باختيارات النقاد.

اقرأ أيضًا: اختيارات النقاد: أفضل 10 أفلام مصرية في عقد 2010-2019

في يوم برلينالي ممطر ووسط جدول مزدحم للغاية لكل من يحضر المهرجان عمومًا، ولأعضاء لجان التحكيم خصوصًا كهالة لطفي كان لنا هذا الحوار.

هل يمكن أن تخبرينا عن كواليس اختيارك في لجنة تحكيم جائزة العمل الأول بالمهرجان؟ وكيف كان شعورك؟

في الحقيقة ليس لدي معلومات كافية عن طريقة الاختيار لأني لم أكن في الكواليس، ولكني أعتقد أن الإدارة الجديدة للمهرجان تريد ضخ دم جديد وزيادة التمثيل من دول مختلفة، بالإضافة لأني قد عرضت فيلمي من قبل في برلين، فربما يكون لهذا دور أيضا، لكني حقًا لا أعرف السبب المباشر.

عملتِ سابقًا كناقدة فنية في جريدة الدستور، هل كان لذلك أثر على مشوارك الفني فيما بعد كمخرجة؟ وهل ترين أن للنقد الفني قيمة حقيقية، أم تتفقين مع من يعتقدون أن صناعة مشهد واحد أكثر قيمة من كتابة آلاف المقالات النقدية؟

نعم عملت لمدة سنة كناقدة، قمت بهذا لأنني أحب الأفلام، وحينها لم أدرِ ماذا يمكن أن أفعل، حينها كنت لا زلت طالبة بكلية السياسة والاقتصاد، لم أكن أدري حقًا ماذا يمكنني أن أفعل بهذا الحب، كنت أظن حتى أنني يجب أن ألتحق بمعهد النقد الفني، لم أكن أدري أن هناك معهد سينما في مصر، وهناك مخرجون كثيرون قاموا بالكتابة النقدية في البداية، يسري نصر الله مثالاً، كتب لفترة مقالات نقدية أيضًا.

أختلف تمامًا مع من يعتقدون أن صناعة مشهد أكثر قيمة من النقد الفني والسينمائي، لو كنا في مجتمع صحي لكان من المفترض أن يقود النقد مسيرة التغيير، «أندريا بازان» في فرنسا هو من بدأ مجلة «كراسات السينما»، وهذه الكتابات النقدية هي التي صنعت الموجة الفرنسية السينمائية الجديدة في الستينيات.

على المستوى الشخصي أنا مدينة، وسأظل مدينة للناقد المصري الراحل «سمير فريد» بالكثير والكثير، كنت أثق في رأيه، هو إنسان قادر على المشاهدة والفهم بشكل حقيقي، كنت قد طلبت منه مشاهدة النسخة الأولى من فيلمي «الخروج للنهار» وإخباري برأيه فيه، وفي الحقيقة عقب ذلك قمت بتعديل الفيلم بناء على ملاحظاته الذكية والقوية، وأنا مدينة له بظهور الفيلم بشكله الأخير. النقد إبداع، إبداع موازٍ.

الخروج للنهار، وهو الفيلم الذي احتل المركز الثاني في استفتاء النقاد الذي أجريناه في إضاءات لأفضل 10 أفلام مصرية في عقد 2010- 2019، قد استغرق تحويله من فكرة لفيلم 5 سنوات، هل هذا حقيقي؟

أعتز جدًا بهذا التصويت، وأعتز بشكل أكبر بأنني في المركز الثاني بين فيلمين من إخراج أساتذتي الذين أقدرهم بشدة، الأستاذ داوود عبد السيد أطال الله عمره، والأستاذ محمد خان رحمه الله.

لكن في الحقيقة فكرة الفيلم بدأت في 2006، وكانت فكرة لفيلم تسجيلي، وقد كان الدافع وراءه الكثير من الأحداث الشخصية التي أردت أن أعبر عنها، ومع استحالة تنفيذه على المستوى التسجيلي لأنه كان مرهقًا عاطفيًا بشكل لا يمكن احتماله بالنسبة لي، فقررت في النهاية أن أصنعه كفيلم روائي.

بدأت العمل على الفيلم في 2007، وبدأ التصوير في 2010، لكنني استغرقت وقتًا طويلاً في التحضير، كنت أبحث عن أب بمواصفات معينة، وأم بمواصفات معينة، ولم أنجح في إيجادهم لوقت طويل، لكن الفيلم نفسه لم يستغرق تصويره الكثير لأنه فيلم قليل التكلفة إنتاجيًا، لم أستغرق حتى وقتًا طويلاً في جمع أموال الإنتاج، منحة واحدة تحصلت عليها من «آفاق» كانت كفيلة بالبدء في تصوير الفيلم، توقفنا عقب ذلك بسبب الثورة ثم عدنا عقب ذلك.

مر 8 سنوات على عرض الخروج للنهار، هل تعملين حاليًا على فيلمك الثاني؟

لدي مشروع فيلم يحمل اسم «الكوبري»، بدأت فيه منذ عام 2015، السيناريو تم الانتهاء منه، ولكن الفيلم يحتاج لتكلفة كبيرة نسبيًا، استغرقت 3 سنوات كاملة في محاولة جمع أموال من منح خارجية لإنتاج الفيلم، وهو أمر صعب للغاية وقد يصبح غبيًا في بعض الأحيان، ومرهق جدًا نفسيًا بالنسبة لي، أحاول حاليًا العودة للعمل على السيناريو وصنع بعض التعديلات التي قد تجعله أيضًا قليل التكلفة إنتاجيًا أسوةً بفيلمي السابق الخروج للنهار.

السينما العربية حاليًا تحظى بلحظات مميزة، أفلام من السودان ولبنان وتونس وسوريا تحقق إنجازات عالمية ويصل حتى بعضها للمنافسة على الأوسكار، ماذا ينقصنا في مصر؟

سؤال جميل، ولكن يجب توجيهه لوزيرة الثقافة المصرية والرئيس المصري. مصر تملك العديد من المؤسسات وثيقة الصلة بصناعة السينما، المجلس القومي للسينما، المجلس الأعلى للثقافة، والذي يضم لجنة دائمة للسينما، غرفة صناعة السينما، وزيرة الثقافة نفسها، التي تعتبر نفسها الأم الروحية لكل المهرجانات التي تحدث في مصر، النقابات الثلاثة، والتي أصبحت وظيفتها الرئيسية تغريم الشباب الصغير المحب لصناعة الفن في مصر، على سبيل المثال فالمخرج والمؤلف الشاب هشام صقر قد دفع مبلغًا فلكيًا للنقابة لكي يحصل على تصريح يمكنه من عرض فيلمه الجديد «بعلم الوصول».

كيف يمكن أن نقبل بأن أي مخرج جديد ليس عضوًا في النقابة ليس لديه الحق في العمل؟ هذا أمر غير دستوري، ولكن العرف الاجتماعي والسياسي يجبر كل المخرجين الشباب على ذلك، وكأنك تعاقبهم على رغبتهم في صنع أفلام جديدة.

في حقيقة الأمر فإن كل القوانين المنظمة لصناعة السينما في مصر هي ضد الإبداع وضد السينما وضد الأفلام وضد الأخلاق أيضًا، ولا يوجد أي مسئول يبدي أي اعتراض على ذلك. منذ شهر صدر القرار الخاص بزيادة تكاليف تراخيص الرقابة، هل تحدث أحد؟ هل فتح أي شخص فاه؟ هل من المفروض أن نقوم كسينمائيين وحدنا بالاعتراض على كل هذا؟

نحن نستضيف في مهرجانات مصرية زوارًا عربًا وأجانب، نمنح جوائز بمئات الآلاف، ولكن أين الدولة من دعم السينما المصرية؟ المخرجون في تونس الشقيقة يحصلون على منحة بملايين اليوروهات لصنع أفلامهم، أما نحن فنجلس في منازلنا لسنوات لعدم وجود فرصة لإنتاج أفلامنا.