تاجر إبل يقود مجموعاتٍ صغيرة لحماية القوافل التجارية في دارفور. منذ ولادته عام 1975 وحتى الآن لم يتلقَ التاجر تعليمًا أكاديميًّا حقيقيًّا، فقط بضع زيارات لـ«الكتاتيب» والأماكن البدائية لتحفيظ القرآن وتعليم القراءة. منذ عمر السادسة عشرة أظهر ميولًا تجاريةً وعسكريةً مبكرة، فبدأ العمل في التجارة منذ عام 1991. ثم وصل التاجر محمد حمدان دقلو الملقب بـ «حميدتي» إلى منصبٍ عسكري رفيع، وقائد أعتى قوة سودانية ضاربة، دون أن يلتحق بالجيش يومًا.

بدأ صيتُه في الانتشار لدوره المُثمر في حماية القوافل وقمع اللصوص، خاصةً وهو ابن فرع «المحاميد» لقبيلة الرزيقات الهلالية. قبيلةٌ تمتلك عمقًا متجاوزًا لحدود السودان حتى تشاد وعديد من دول أفريقيا. استخدم حميدتي هذا الصيت والبعد القبلي في التنقل بين ليبيا ومصر وتشاد ودارفور حاميًا للقوافل بعسكره . مكنه هذا التنقل من تكوين ميليشيا عسكرية أصبحت اليوم مؤثرةً في تاريخ الدولة السودانية بالكامل. بدأت هذه الميليشيا التدخل في الشئون السياسية عام 2003 مع نشوب حرب دارفور. قاتل حميدتي بضراوة لجانب الحكومة السودانية، واستنفر بعمقه القبليِّ كل القبائل العربية للقتال.

استقطب حميدتي عناصر «الجنجويد»، فزاد عدد عسكره وقوتهم. الجنجويد ميليشيا سيئة السمعة شكلتها الحكومة لقمع انتهاكات دارفور، ثم بعد ارتباط اسمها بالقتل والقمع منحتها الحكومة اسمًا أكثر سلاسة «حرس الحدود». دائمًا ما نفى حميدتي وجود الجنجويد بين قواته. لكن الشعب السوادني يُصر على وجودهم، في مقابل إصرار حكومي رسمي على رفض هذه المزاعم. الأمم المتحدة تشاطر الشعب السوداني ظنونه، وتفيد تقاريرها المتتابعة بوجود عناصر الجنجويد وارتباك قوات الدعم السريع لمجازر في حق المعارضين. لكن رد حميدتي أيضًا دائمًا ما يكون بأن قواته تعتمد على كل فصائل السودان دون تمييز، كما أنه قوة حكومية لا ميليشيا خارجة. كما يرد على اتهام الأمم المتحدة باتهامها بأنها من يتربح من استمرار الحرب في السودان.


كيف نشأت؟

أصبح حميدتي محط أنظار القادة السياسيين حتى أتى عام 2010. في هذا العام مُنح حميدتي أمرًا رسميًّا من الرئيس المخلوع عمر البشير بتكوين قوات الدعم السريع. لم يكن حميدتي مؤهلًا لهذه المهمة، ولم يكن عسكريًّا أو يملك الرتبة العسكرية اللازمة. فجُنِّد حميدتي ضمن قوات حرس الحدود، ثم حصل على ترقية استثنائية ليصبح لواءً. رتبة اللواء مقتصرة على ضباط الجيش الذين دخلوا الكلية العسكرية، أما حميدتي فلم يكن ضابطًا، ولم يلتحق بالجيش. لم تكن تلك الميزة الوحيدة الحميدتية، البشير منحه امتيازاتٍ وصلاحيات تفوق عددًا كبيرًا من ضباط الجيش النظامي، ما أثار حفيظةً وغيرةً هائلة بين حميدتي وباقي جيش البشير.

قوات الدعم السريع هى اقتراح حميدتي منذ البداية. استخدم حميدتي الانسحاب مرتين من القتال لصالح الحكومة في دارفور كورقة ضغط على الحكومة لتقنين أوضاعه وأوضاع جنوده. تعاملت الحكومة السودانية معه بجفوةٍ، زادت الجفوة بعد الانتهاكات المفزعة التي ارتكبها هو وقواته في دارفور وأثارت الرأي العام المحليَّ والدوليَّ على البشير. حينها لم يكتفِ حميدتي بالانسحاب، بل هدد بالانضمام للتمرد. لكن فرصةً سنحت لحميدتي لم يُضيِّعها، زعيم قبيلة المحاميد، ابن عم حميدتي «موسى هلال»، نشأ خلاف قوي بينه وبين البشير. فأدرك البشير أن خسارة قبيلة محورية كهذه سيعني الهزيمة، فتدخل حميدتي باقتراح قوات الدعم السريع.

قواتٌ توالي البشير دون قيد أو شرط. يُقنن البشير أوضاع ضباطها ويمنحهم ترقيات استثنائية ويستخدم أبناء قبيلة الرزيقات في الحكومة، في المقابل يدعمونه ضد كل من يحاول التمرد عليه. أثبت حميدتي ولاءه باعتقال موسى ابن عمه، قائلًا إنه سيبسط هيبة الدولة دون مجاملة أحد.


التغوُّل

عبر سنواتٍ من النمو المُطرد أصبحت قوات الدعم السريعة متألفة من 40 ألف مقاتل محمولين على سيارات دفع رباعي وفي أيديهم البنادق والمدافع متوسطة المدى. هذه القوة التي رعاها البشير أرادها أن تكون المُخلِّص له حين يضيق أفق السياسة، وأن تحميه من الشعب والجيش على حدٍ سواء. وبجانب وضع البشير هذه الثقة في حميدتي وضع في يده أيضًا تجارة الذهب في كامل دارفور.

هذه السيطرة كانت السبب في استقالة وزير الداخلية السابق، عصمت عبدالرحمن. عبدالرحمن أعلن أن 3000 آلاف مقاتل مُسلح يسيطرون على جبل عامر في إقليم دارفور. مسلحون لا ينتمون للداخلية ولا للجيش، فطالب عبدالرحمن الجيش بالتدخل للقضاء عليهم. خرج حميدتي ليُكذِّب الوزير ويُؤكد سيطرته، أي حميدتي، شخصيًّا على الجبل. الواقع يُؤكد صدق حميدتي، فهو وابن عمه يسطيران على الجبل للتنقيب عن الذهب. ويُعتبر الجبل منطقةً محرمةً على شركات التعدين والحكومة على حد سواء.

المساس بقوات الدعم السريع قد يكون السبب في إقالة وزير الداخلية، أو قد لا يكون. لكنه بالتأكيد السبب في اعتقال الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة المعارض. إذ عرَّض المهدي في 2014 بقوات الدعم السريع، كانت تندرج تحت جهاز المخابرات آنذاك، وأدان قيامها بانتهاكات في حق مدنيين. ردًّا على هذا الاتهام اعتُقِل المهدي ونُشر 3000 جندي من قوات الدعم السريع لقمع أي رد فعلٍ قد يصدر من أنصار حزب الأمة.

اقرأ أيضًا: إعلان الحرية والتغيير: 4 قوى تقود الثورة السودانية

في مايو/ أيار 2017 أثناء تخريج رسمي لدفعة جديدة من القوات أصدر البشير قرارًا دائمًا بمنح القوات الحق في التدخل فورًا لحسم أي انفلات أمني أو انقلاب أو صراع دائر. ووصفها بأنها الذراع القوية للقوات المسلحة، فهى على حد وصفه التي حاربت الاتجار بالبشر ومنعت المخدرات وقاتلت مُهربي السلاح. كما اكتسبت قوات الدعم السريع بعدًا إقليميًّا كبيرًا بكونها أكبر قوة سودانية مشاركة في حرب التحالف على اليمن.


الخيانة

لكن أُوتى البشير من مأمنه، وأطلق حميدتي مطالبته للحكومة بالاستجابة لرغبات المواطنين. حتى بعد تدخل الجيش صراحةً لإزاحة البشير، أعلن حميدتي انسحابه من المجلس العسكري الذي يدير المرحلة الانتقالية. ووجَّه نداءه للقوى السياسية بأن تُحافظ على مطالبها، وأن تفتح بابًا للحوار والتفاوض.

حرص حميدتي على أن يرتدي عباءة المواطن المُنحاز لمطالب الشعب. علَّ حميدتي أراد بهذه التصريحات أن يُضلل الشعب السوداني عن حقيقة أنه أحد أهم أركان النظام المخلوع، ويده ملطخةٌ بدماء الكثيرين، وسجله مليء بانتهاكات حقوق الإنسان.