يمكنك الذهاب إلى الحرب مع جيرانك، أو يمكنك التجارة معهم. من الصعب حقًا فعل الاثنين معًا
جيم كران، مؤلف كتاب «مدينة الذهب: دبي وحلم الرأسمالية»

ازدهرت مدينة دبي باعتبارها سويسرا الخليج، المكان الذي يمكن أن تقوم فيه بأعمال محصنة من الصراعات العنيفة في الشرق الأوسط. الآن أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة وإمارة دبي بالتبعية، لاعبًا نشطًا في تلك الصراعات. تقاتل في حروب أهلية في ليبيا واليمن، وهي شريك أساسي في حملة المقاطعة التي تقودها السعودية ضد قطر، كما تساهم في الحرب الأمريكية على إيران.

أدت هذه الأجواء إلى خفوت بريق دبي اللامع، حتى أصبحت مراكز التسوق أقل ازدحامًا بشكل ملحوظ عما كانت عليه في السابق، وبدأ المغتربون، وهم شريان الحياة لاقتصاد المدينة، في حزم أمتعتهم والعودة إلى ديارهم أو على الأقل التحدث عن ذلك. وهو ما رصدته وكالة بلومبيرج في تقرير نشرته في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني، تحت عنوان: «ملاذ الأموال في الشرق الأوسط: دبي تفقد بريقها».

اقرأ أيضًا:سؤال وجواب: قصة الأزمة الاقتصادية في دبي


المشاركة في الحرب لها ثمن

تسبب إصدار أوامر إلى المواطنين القطريين بمغادرة دولة الإمارات العربية المتحدة، عقب اندلاع الأزمة الخليجية في يونيو/ حزيران 2017، في نشر الخوف بين رجال الأعمال في دبي. كان المديرون التنفيذيون الأمريكيون قلقين بشكل خاص حول احتمال إجبارهم على اختيار الجوانب.

كما أنها كانت مفاجأة غير سارة عندما اكتشفت الشركات التي مقرها في الولايات المتحدة أنها لم تعد قادرة على الطيران أو شحن البضائع مباشرة إلى الدوحة. كما تقول باربرا ليف، التي كانت سفيرة الولايات المتحدة لدى الإمارات في ذلك الحين.

هذه ليست الانتكاسة الوحيدة من وراء التخندق مع السعوديين. على سبيل المثال، عندما قام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بإلقاء القبض على العشرات من كبار رجال المال والأعمال السعوديين، وحبسهم في فندق ريتز كارلتون، في حملته المزعومة ضد الفساد، طلب البنك المركزي الإماراتي من المؤسسات المالية في البلاد تقديم معلومات عن حسابات بعض الأشخاص المحتجزين في الريتز كارلتون. أشعر هذا التصرف المستثمرين بقلق حقيقي، إذ يجب ألا تكون الحكومات قادرة على الوصول إلى الحسابات في البلدان الأخرى بناءً على طلب بسيط.

اقرأ أيضًا:الناتو العربي: هل يكون العرب وقود الحرب الأمريكية القادمة؟


مدينة لا تعتمد على النفط لكنها تتأثر بأسعاره

بسبب افتقارها إلى موارد الطاقة الخاصة بها، لم يكن أمام دبي خيار سوى بناء اقتصاد غير نفطي، وهو ما نجحت فيه بجدارة. هز انهيار أسعار النفط منذ العام 2014 دول الخليج بشدة، مما دفعها للنظر إلى دبي ومحاولة تقليدها ولعل هذا الذي أعرب عنه ولي العهد السعودي صراحةً في المنتدى الاقتصادي الذي احتضنته الرياض – مؤخرًا – الشهر الماضي.

الجميع الآن يخططون لعصر ما بعد النفط الخام، ويحاولون محاكاة جارتهم المزدهرة عن طريق تسويق عواصمهم كمراكز إقليمية، وهذا بالطبع ما يعزز المنافسة الإقليمية ويسحب البساط من تحت أقدام دبي.

على سبيل المثال، تخطط الجارة والحليفة السعودية، إلى انشاء مدينة نيوم باستثمارات تبلغ 500 مليار دولار، ولن تتبع القواعد المعمول بها في بقية المملكة من حيث تطبيق أحكام الشريعة. تهدف المدينة، بحسب المسؤولين السعوديين، إلى تقليص اعتماد المملكة على عائدات النفط وتنويع مواردها. وهي بذلك ستكون منافسًا كبيرًا لدبي، إلى جانب المنافسين التقليديين من دول الخليج كالدوحة والمنامة، والذين يحاولون أيضًا تعزيز مكانتهم في المنطقة.

ورغم أن اسم إمارة دبي لا يزال بارزًا كمركز إقليمي، لكنها قاعدة عالية التكلفة بشكل متزايد. في عام 2013، احتلت المرتبة 90 كأغلى مكان للمغتربين للعيش، أما الآن فإنها مقبلة على المركز 26 في القائمة. كل هذا خلال 5 أعوام فقط.

من جانب آخر، أثر انهيار أسعار النفط بشدة على مواطني دول الخليج، وأبرزهم السعوديين، وهم أكبر المنفقين من دول الخليج والذين اعتادوا على التدفق إلى دبي للسياحة، مما أدى إلى انخفاض السياحة الخليجية القادمة إلى المدينة. ورغم أن السياح من الصين والهند يملؤون الفجوة، لكنهم أقل إنفاقًا وأكثر إدراكًا للأسعار.


علامات الأزمة

منذ ظهور أول أبراج متلألئة من الصحراء، اعتادت دبي على التغيير السريع. ليس غريبًا عليها الازدهار والكساد. ما يحدث الآن مختلف: نزيف بطيء. أبرز تمظهرات هذا النزيف هو تراجع أرباح شركة طيران الإمارات، التابعة لحكومة دبي، بشكل حاد خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 86%.

كما تراجعت أرباح بعض الشركات العقارية الكبرى في دبي، مثل شركة إعمار العقارية، أكبر مطور عقاري مدرج في دبي، التي تراجعت أرباحها خلال الربع الثالث من العام الجاري بنسبة 29%. كما تراجع صافي أرباح شركة داماك العقارية بنسبة 68%، وهو ما دفع الشركة إلى اتخاذ قرار بالتوقف عن شراء الأراضي في دبي ودراسة اتفاقات مشاريع مشتركة مع مطورين آخرين وملاك أراضي. ومن المتوقع استمرار تباطؤ قطاع العقارات بدبي حتى العام 2020.

كذلك تباطؤ نمو قطاع السياحة في دبي بشكل كبير خلال النصف الأول من العام الجاري، ليبلغ 0.5% فقط، مقابل 10.6% قبل عام. كما انخفضت وتيرة نمو حركة المسافرين عبر مطار دبي الدولي إلى ما يقارب 0% في العام الحالي بعد زيادات قوية على مدى 15 عامًا. وتشهد بورصة دبي عامًا صعبًا للغاية، ربما يكون الأسوأ منذ الأزمة المالية عام 2008، بحسب بلومبيرج. تراجع سوق دبي المالي بنسبة قاربت 16% منذ مطلع العام الجاري وحتى أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي.

كما أصبحت الوظائف أكثر ندرة في دبي بعد أن قامت العديد من شركات الخدمات المالية وتجارة التجزئة والطاقة بتسريح عدد كبير من العمال في 2015 و2016 بسبب تراجع الأرباح.ووفق نونو جوميز، رئيس قسم الشرق الأوسط في مؤسسة ميرسر، فإن 500 شركة تعمل في دبي ليس لديهم خطط لتعزيز التوظيف ولا يتوقعون عودة النمو إلى مستويات 2013.

وعقد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء بدولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم إمارة دبي، في أبريل/ نيسان الماضي، اجتماعًا مع أكثر من 100 مدير تنفيذي يعملون في دبي، في قصره المطل على الخليج العربي، لبحث سبل مواجهة الأزمة. أثار رجال الأعمال عديدًا من القضايا بما في ذلك الرسوم الحكومية الضخمة -التي تعمل على تآكل الميزة النسبية لدبي الخالية من الضرائب، وقواعد التأشيرة الصارمة التي تدفع الأجانب للخارج عندما يفقدون وظائفهم.

أعقب الاجتماعات اتخاذ سلسلة من القرارات، مثل تخفيف القيود على الملكية الأجنبية للأعمال التجارية، وتخليص المليارات من الدولارات من الرسوم الحكومية. كما يجري تخفيف نظام التأشيرات، لتسهيل الأمر على المغتربين – 80 في المائة من السكان – للقدوم، والبقاء لفترة أطول، وإنفاق المزيد. لكن هذه القرارات لا تزال تشق طريقها ولم يتضح أثرها بعد.


الأمل في إكسبو 2020

رغم ما تقدم آنفًا، لا تزال الرافعات العملاقة في كل مكان، وبناء الناطحات مستمر. لكن لا أحد متأكد من سيحتل كل هذه المساحات الجديدة للمكاتب والمحلات.

يعتقد بعض الخبراء أن عدم اتخاذ حكومة دبي قرار بكبح جماح أعمال البناء خطأ كبير، لكن الحكومة وكذلك المستثمرين ينتظرون معرض إكسبو العالمي في عام 2020، الذي سيستمر لمدة 6 أشهر ومن المتوقع أن يجذب ملايين الزوار، وأن يُظهر آفاق المستقبل في المدينة. لذا أصبح المعرض غاية في حد ذاته، وهو سبب لإبقاء الرافعات في مواقع البناء.