نحفظ جميعًا عن ظهر قلب مقولة «المعدة بيت الداء»، لكن لا نُبالغ إذا قلنا إن الأدلة العلمية الطبية والشواهد المحسوسة تقول أيضًا، إن «المعدة بيت الدواء»، ليس فقط في علاج الأمراض العضوية كاضطرابات الجهاز الهضمي وأمراض شرايين القلب والسكري… إلخ، إنما أيضًا في علاج الاضطرابات النفسية واسعة الانتشار في عصرنا الحالي مثل الاكتئاب واضطرابات القلق.

في مقال سابق «أكتئب فآكل أكثر فأكتئب وآكل مجددًا: ما حل هذه الدوامة؟» ناقشْنا العلاقة السلبية بين الاكتئاب والطعام غير الصحي، والمصيدة الجهنَّمية التي يسقط في حبائلها كثير من المصابين بالاكتئاب، حيثُ يندفعون إلى الإفراط في تناول الطعام لا سيَّما الأطعمة الغنية بالدهون والسكريات والنشويات والأطعمة السريعة الجاهزة، هربًا من ضغوط الاكتئاب، فيُصابون بزيادة الوزن والسمنة، والتي تجعلهم أكثرَ عرضة للمزيد من الاكتئاب، لانعدام الرضا عن الذات، فيدفعُهم تفاقم الاكتئاب إلى المزيد من الإفراط في الطعام، وهكذا تستمر الدوامة في الدوران. لكن في المساحة الحالية، سنعرف كيف نستقطب الطعام إلى صفِّنا في المعركة الشرسة ضد الاكتئاب، فيكون سلاحًا لنا لا علينا.

أطعمةٌ صحية لعلاج الاكتئاب

تحظى العلاقة بين الطعام والصحة النفسية باهتمام بحثي كبير، وقد أدى هذا إلى بروز فرعٍ من الطب النفسي يُعرف بالطب النفسي التغذوي، والذي يركز على العلاقة بين التغذية الصحية المتكاملة، والحفاظ على الصحة العقلية والنفسية، فتغييرات إيجابية طفيفة في النمط الغذائي، يمكن أن تلعب دورًا إيجابيًا فارقًا في تحسين الصحة النفسية.

وغنيٌّ عن القول التأكيد على أن تلك الاقتراحات الغذائية الصحية التي سنشير إليها في السطور التالية لا تُغني عن تعاطي الأدوية النفسية ومضادات الاكتئاب التي يصفها الطبيب النفسي المختص، وفقًا لظروف كل حالة، إنما تتكامل معها في مواجهة الاكتئاب وتوابعه.

اقرأ: أشهر 8 خرافات حول الأدوية النفسية.

1. الوقاية أولًا

لعل الدور الأبرز للطعام الصحي في قضية الاكتئاب والاضطرابات النفسية، هو الدور الوقائي. تشير الأدلة العلمية المتاحة إلى أن الاعتماد على نظامٍ غذائي صحي يرتكز على الإكثار من تناول الخضروات والفواكه والأسماك وزيت الزيتون والألبان قليلة أو منزوعة الدسم وكذلك الحبوب الكاملة مثل الشوفان، يُقلِّل من فرص الإصابة بالاكتئاب، إلى جانب أن مثل هذا البرنامج الغذائي يسهم في الحفاظ على الصحة الجسدية أيضًا، حيث يقلل من فرص الإصابة بالأمراض المزمنة كالسكر والضعط وقصور شرايين القلب التاجية… إلخ. ومن المعلوم الآن بالضرورة التكامل والاتصال بين الصحتيْن النفسية والجسدية.

اقرأ: الشوفان: هل هو غذاء سحري؟

2. مصادر الطاقة المعتدلة

أفضل الأغذية الطبيعية الغنية بالطاقة، والتي تمنح الجسم الطاقة المطلوبة بالقدر المطلوب المعتدل، هي النشويات المعقدة مثل الحبوب الكاملة، واللحوم الحمراء الخالية من الدهون، والألبان والأجبان قليلة الدسم، وكذلك الفواكه والخضروات. أمّا سكر الطعام، والمشروبات الغازية، وغيرها من المصادر الغنية بالسكريات البسيطة سريعة الامتصاص، فليست أمثل مصادر الطاقة، والإفراط فيها يفاقم من اضطرابات القلق التي تصاحب الاكتئاب.

3. الأسماك

الاعتماد على الأسماك كمصدر للبروتين، وتناولها أكثر من مرة أسبوعيًا، يسهم إيجابيًا في تحسين الحالة النفسية والمزاجية، وصحة الجسم بوجهٍ عام، ويقلل احتمالات الإصابة بنوبات الاكتئاب الشديدة. ونخصُّ بالذكر هنا الأسماك الغنية بمادة «الأوميجا-3» المفيدة مثل السلمون والتونة (الطبيعية غير المعلبة) والماكريل والسردين.

4. المكسرات

تناول المكسرات الغنية بالدهون الصحية غير المشبعة، مثل البندق وعين الجمل، بكميات معتدلة، يسهم في تقليل أعراض الاكتئاب، ويسهم في مباعدة نوبات الاكتئاب الشديدة.

5. البقوليات

تمتاز البقوليات بتنوعها، فهي تشمل الحمص والفاصوليا والبازلاء والفول… إلخ، وبقدرتها على الوصول إلى حالة الشبع، من دون تحميل الجسم بسعراتٍ حرارية كثيفة كما تفعل السكريات والدهون، كذلك فهي غنية بالألياف الطبيعية والتي تنضم امتصاص السكر، فتقلل من فرص حدوث الارتفاع المؤقتة الشديدة في سكر الدم، والتي تنعكس سلبًا على الحالة المزاجية، وتفاقم اضطرابات القلق والاكتئاب.

6. فيتامين «د»

أثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من نقصٍ شديد في فيتامين «د»، أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب وبنوباته الشديدة. وبالتالي، فإلى جانب التعرض الدوري المعتدل لأشعة الشمس التي تسهم في إنتاج فيتامين «د»، فيجب الإكثار من الأطعمة الغنية بفيتامين «د» مثل الأسماك والألبان والصويا.

7. السلينيوم

السلينيوم من المغذيات الطبيعية الحيوية الصحية، والتي وجدت الدراسات علاقة بين نقصها في الجسم، والإصابة بالاكتئاب. ومن أفضل الأطعمة الغنية بالسلينيوم: اللحوم الخالية من الدهون مثل صدور الدجاج والديك الرومي، والمكسرات، والبقوليات.

8. القهوة باعتدال

تناول كوب أو كوبين من القهوة يوميًا، مفيد لمرضى الاكتئاب، لا سيَّما في الصباح، حيث يُحسِّن النشاط واليقظة، ويقلل من بعض أعراض الاكتئاب السلبية مثل نقص الطافة والدافعية والنشاط.

9. الخضروات وطبق السلطة

تلعب الخضروات دورًا إيجابيًا في تحسين الحالة المزاجية، والصحية بوجهٍ عام. ويبدأ هذا بتنوع ألوانها المريح للنظر والباعث على البهجة، ولا ينتهي بالعديد من المغذيات المفيدة التي تمتاز بها مثل الألياف الطبيعية والفيتامينات بمختلف أنواعها لا سيما حمض الفوليك الذي أثبتت بعض الدراسات علاقةً له بالحماية ضد الاكتئاب. ونخص بالذكر الخضروات الورقية بشتى أنواعها.

10. تناول الفاكهة أفضل من عصائرها

الفواكه غنيّة بالفيتامينات، وكذلك بالألياف الطبيعية التي تحسن وظائف الجهاز الهضمي، وتنظَّم امتصاص السكريات الموجودة بالفاكهة. أما عند عصر الفاكهة، فإننا نفقد الكثير من الفيتامينات والألياف الطبيعية في عملية العصر، لا سيما بالخلاطات، فتصبح عصائر الفاكهة أشبه بمياه غنية بالسكر، والذي يمتص بسرعة كبيرة، فيمكن أن يفاقم اضطرابات القلق التي كثيرًا ما تصاحب الاكتئاب.

أطعمة ينبغي تجنُّبها أو على الأقل الاقتصاد في تناولها

ولأنَّ الأشياء تمتازُ بأضدادها، فهذه قائمة بالأطعمة والأشربة ذات الآثار الضارة على مرضى الاكتئاب، والتي ينبغي التوقف عنها، أول على الأقل الحد من كميتها وتقليل مرات تناولها:

  • الأطعمة الجاهزة السريعة كثيفة الدهون والسكريات والنشويات، والتي يندفع كثيرون إليها لتنفيس القلق، كما ذكرنا في بداية المقال، تسبب آثارًا عكسية سلبية بعد حين، حيث تسبب لهم الندم الذي قد يصل إلى حد جلد الذات.
  • الإفراط في تناول القهوة (أكثر من 4 أكواب)، حيث يؤدي زيادة الكافيين -المادة الفعالة في القهوة- إلى اضطرابات في النوم تفاقم الاكتئاب، وكذلك تضيف اضطرابات القلق إلى الاكتئاب.
  • السكر المعتاد، والأطعمة المحلاة بكافة أشكالها.
  • تناول الكحوليات، والتي تفاقم اعتلالات المزاج واضطرابات النوم، وتضعف عمل العديد من الأدوية النفسية ومضادات الاكتئاب.
  • المشروبات الغازية، ومشروبات الطاقة، والتي تفاقم أيضًا اضطرابات القلق التي تصاحب الاكتئاب، والاضطرابات المزاجية بوجهٍ عام.

اقرأ: كيف أحمي طفلي من الاضطرابات النفسية؟