السوشيال ميديا من جديد، ودائمًا وأبدًا، عالم كامل موازٍ يسير بنفس قوانين العالم الحقيقي تقريبًا، ربما في عالم السوشيال ميديا يكون عامل الحظ يحتل نسبة أكبر من معادلة النجاح، ولكن لا زالت هناك قوانين صارمة تحكم هذا النجاح خاصة إذا استمر وخرج عن إطار السوشيال ميديا للتليفزيون والسينما.

حساب على فيسبوك لشاب يسمى «هشام منصور»، خفيف الظل، يكتب عبارات ظريفة لا تتسم بالحياء مطلقًا، يتحدث عن كل شيء تقريبًا ويتابعه الكثيرون، ثم برنامج قصير على الإنترنت يسمى «العلم والإيماو» يقدمه نفس الهشام منصور، طلة خفيفة وتيشيرتات مطبوع عليها جمل مضحكة لا تخلو من الإيحاءات وذقن ونظارة وصوت محبب.

يتحدث في كل شيء مرة أخرى، بتركيز أكبر على العلاقات وعن الرجل والمرأة والحب والزواج، يستخدم الكثير من الكلمات الخارجة التي يداريها المونتاج بصوت «هوبااا» بدلاً من الصفارة المعتادة، حلقات قصيرة، مركّزة، حظيت بشعبية كبيرة، ثم فيلم سينما يشترك في كتابته هشام منصور يسمى «كدبة كل يوم» ويدور – أيضًا – عن العلاقات والزواج والحب، ثم وأخيرًا برنامج «آخر الليل» الذي يقدمه مؤخرًا على قناة «النهار» هو موضوع هذا المقال.


إعادة تدوير

الحديث السلس المتدفق لا شك موهبة يمتلكها هشام منصور، هو يعرف كيف يصيغ الكلام ويقدمه بطريقة خفيفة تجبرك على الابتسام حتى ولو لم تكن مقتنعًا تمامًا، يجيد التجديد وخلق جو غريب محبب كشخصية «سانتوس» المقنع الذي يعزف الجيتار وراءه بلا كلمة واحدة وغيابه لن يؤثر في سكريبت البرنامج شيئًا، أو كالتيشرتات ذات الكلمات الغريبة التي يرتديها، أو كالهوبا التي يغطي بها على بعض الكلمات الفجة ولا يستخدمها مع البعض الآخر، حتى تتر البرنامج وقتها لم يخل من غرابة، ربما لذلك نجح البرنامج وتم إنتاج موسمين منه، هناك موهبة لا شك فيها، وهناك شخص يكافح كي يخرج من هذه الموهبة بشيء مختلف وجريء، المشكلة الحقيقية هي إعادة التدوير التي يستخدمها هشام منصور في أعماله.

الحديث عن العلاقات والمصاعب التي تواجه الرجل في المجتمع المصري عامل مشترك في كل أعماله تقريبًا، نعم هناك دائمًا شيء يقال، ولكن أصبح الحديث عن العلاقات وفشلها كعلامة مسجلة يستخدمها كضمان لنجاح العمل، حتى الفيلم السينمائي الذي شارك في كتابته كان يتحدث عن العلاقات العاطفية، وكأن الأمر شخصي حتى أن رواد السوشيال ميديا أصبحوا يتحدثون عن «عقدة» هشام منصور من الزواج والارتباط، هذا ربما يقلل من رصيده خاصة أنه يجيد الحديث في أشياء أخرى كثيرة، فلماذا التركيز على موضوع واحد دون سواه.

إعادة التدوير أصابت برنامجه في ثلاث حلقات من أصل أربع هو عدد حلقات البرنامج منذ إطلاقه، تحدث في الأولى عن «العلاقات من وجهة نظر الرجل» وكأنه رهان على أن الحديث عن العلاقات هو تميمة حظه، وفي الثانية عن «المخدرات» وقد كانت تطويلاً لحلقة من برنامجه «العلم والإيماو» والتي تحدثت عن نفس الموضوع بنفس العنوان، وفي الرابعة عن «العادات» والتي أفرد فيها مساحة كبيرة للحديث عن تعقيدات الزواج وكان موضوع الحلقة الأساسي وجملتها الختامية عن الرجل المسكين الذي يضحي بكل شيء من أجل «حضن»، هاجس العلاقات والرجل المظلوم أصبح أكثر مما يتطلبه الأمر.


الجرأة حلوة.. مفيش كلام

التجربة جريئة لا أحد ينكر، طريقة مناقشة الموضوعات في البرنامج جريئة فعلاً، ربما يجب أن نسميها صريحة أكثر من كونها جريئة، فمثلاً في حلقة «المخدرات» قال منصور للكاميرا إن المخدرات «حلوة»، وأن أسوأ طرق التوعية بأضرار الإدمان هو أن تكذب وتقول إنها سيئة، تحدث بصراحة يلتف حولها المجتمع كي يعالج مشاكله، وربما لهذا بالتحديد لا ننجح في حل أي منها.

كان صريحًا أيضًا في حلقة «العادات» عندما قال إن الجزء الأخير الخاص بالأمثال الشعبية مقحم على السيناريو، وأنهم أضافوه فقط كي يعلنوا عن حملة «سبرايت» الجديدة التي انضمت كراعية للبرنامج. لا ليس هذا استسهالاً ولم يكن بإمكانه أن يقوم بإضافة الجزء الخاص بالإعلان دون أن يشعر المشاهد أن هشام يستغفله، فكان الحل البسيط أن يقول الإعلان صراحة وسط الحلقة، ذلك تفكير خارج الصندوق فعلاً، مهما اختلفت أنت معه فلا يمكنك أن تنكر أنها «ملعوبة» حلوة جدًا.

كل هذه الجرأة والحديث المتدفق والإفيهات الساخنة لم تستطع أن تمحو ارتباك هشام في الحلقات الأولى، بدا كمضيف يقيم حفلاً في منزله ومصاب بارتباك مزمن يجعله غير قادر على الترحيب بكل الضيوف كما ينبغي، كان مرتبكًا ومنتظرًا لضحكات جمهور الإستوديو، تشعر أنه متهيب الموقف جدًا، خاصة في الفقرة الغنائية التي يقوم فيها بتقديم الفرقة التي ستغني، بالطبع هي تجربته الأولى ومن حقه الارتباك، ولكن المثير للانتباه أن البرنامج ليس مباشرًا فلماذا فوّت المخرج هذه الملحوظات ولم يمنحه فترات أطول للتدريب على مواجهة الجمهور والكاميرا في برنامج طويل؟.


النجاح نسبي، والكوميديا أيضًا

إذا تابعت تعليقات المشاهدين على يوتيوب سوف تجد الكثيرين يشيدون بأداء «هشام منصور» التمثيلي في البرنامج، وهذا حقيقي فهو لا يقدم عرض «ستاند أب كوميدي» لينتزع ضحكات المشاهدين في الإستوديو وحسب، فالبرنامج يتضمن إسكتشات تمثيلية كوميدية من بطولته يشاركه فيها مجموعة من الممثلين الموهوبين بحق، وهو نفسه يتألق تمامًا في أداء الإسكتشات وكأنها ملعبه الحقيقي، أداؤه سلس وخفيف وغير مفتعل وغير مرتبك، رغم أنك تعرفه للمرة الأولى ممثلاً.

أيضًا موسيقى تتر البرنامج لـ«ساري هاني» من أفضل التفاصيل، وصناعة التتر نفسه والانتقالات التي تحدث بين الشخصيات على الشاشة أثناء التتر بارعة، من التترات القليلة التي لن تفوتها إذا ما شاهدت الحلقة على يوتيوب ولن تقوم بتقديم المؤشر حتى تقفز لبداية الحلقة مباشرة لأنه تتر جذاب فعلاً.

البرنامج بشكل عام تجربة جميلة، والأهم من أنها جميلة هو أنها تجربة جديدة يجب أن تنضج تمامًا حتى يتم الحكم عليها حكمًا موضوعيًا، وفي كل الأحوال فإن معايير الحكم على صناعة الترفيه ليست ذات قوانين ثابتة، فمن ينجح ينجح لأن هناك من يشاهده وما دام هناك من يشاهده فهو قطعًا يقول شيئًا ما يتماس مع هذا المشاهد، وهشام منصور تحديدًا يعرف ما يقوله ويعرف كيف يجذب المشاهد، ولذلك فلننتظر ونرى.