يبدو الربيع العربي قد مثل تغييرًا لقواعد التحالفات في منطقة الشرق الأوسط بحيث صار الصديق عدوًا والعدو صديقًا إلا أن بعض التحالفات نجحت في التماسك رغم ذلك وإن تحولت عن استراتيجيتها وشعاراتها المعلنة.

فمحور الممانعة الذي تشكل من إيران وسوريا وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين كان مثالاً لتبديل الشعارات الثورية ورفع شعارات الأنظمة التي تواجه محاولات التمرد، حيث تعرض إلى اختبار قوي أفقده كثيرًا من أسس شرعيته التي عمل على تثبيتها في أذهان العرب على مدار سنوات طويلة.

مثلت فكرة سقوط النظام السوري الهاجس الأخطر على إيران ما بعد الثورة الإسلامية، حيث لعبت سوريا في عهد حافظ الأسد الدور الأبرز في التمدد والنفوذ الإيراني في المنطقة، لذلك لم تتردد طهران في التصدي بكل ما تملك من أدوات ومنها حزب الله اللبناني لمواجهة حركة التمرد والثورة الواسعة التي اجتاحت سوريا قبل 6 سنوات، هذا الأمر أعاد للواجهة سؤال هوية حزب الله وعلاقته بدولة ولاية الفقيه.


النشأة: الدوافع والظروف

ذهبت إلى طهران وقابلت الإمام الخميني فيما كنت متأثرًا ومتحمسًا لفكرة إرسال القوات إلى سوريا، ولبنان وبدأت بالحديث عن مسؤوليتنا وما يحدث في لبنان إلا أن الإمام هدأني وقال: «إن القوات التي قد ترسلها إلى سوريا ولبنان لا بد أن يكون لها دعم لوجيستي كبير والمشكلة أن طرق الإسناد والدعم تمر عبر العراق وتركيا والأولى في حرب شرسة معنا والثانية عضو في الناتو ومتحالفة مع أمريكا إن الطريق الوحيد هو تدريب الشباب الشيعة هناك».
علي أكبر محتشمي سفير إيران لدى سوريا 1982-1985

مثل بناء حزب الله التجربة العملية الأولى لتصدير الثورة الإيرانية إلى الجوار الإقليمي، حيث دفع كل من الخطر العراقي الذي مثلته الحرب العراقية الإيرانية وكذلك الخطر الإسرائيلي باجتياح جنوب لبنان 1982 النظام السوري لدعم إيران والتحالف معها، وبينما عمل الحليفان على تأمين خطوطهما الدفاعية بداية من لبنان جاءت فكرة تأسيس حزب الله التي سحبت كثيرًا من النفوذ السوري لصالح طهران.

كان الدعم المالي الإيراني السخي حاضرًا وبصورة معلنة تحت لافتات مقاومة الاحتلال، كما كانت وفود الحرس الثوري موجودة في جنوب لبنان بهدف تدريب الشباب الشيعة

لم تجد السلطة الإيرانية الجديدة في حركة أمل الشيعية بغيتها إذ كانت الحركة أقرب للفكر الليبرالي في سلوكها وأكثر انفتاحًا على المجتمع اللبناني، فضلاً عن إيمانها بالدولة اللبنانية التي وصف الخميني نظامها بأنه فاسد ومجرم. لذلك شجعت طهران قيادات دينية في الحركة خاصة ممن كانوا على اتصال بحزب الدعوة العراقي والموالي لإيران على تأسيس حزب سياسي جديد بامتداد عسكري.

سيعمل لاحقًا هذا الحزب على إثارة العصبية الشيعية قبل أن يخوض حربًا ضد حركة أمل يفقدها كثيرًا من مناطق نفوذها، ومن ثم يهيمن على شيعة لبنان ويصبح الممثل الشرعي لهم .

ورغم محاولات النظام السوري مساندة حركة أمل إلا أن دعم أصدقائهم الإيرانيين لحزب الله كان أكثر تأثيرًا، عن ذلك يقول عبدالحليم خدام الذي كان نائبًا للرئيس السوري حافظ الأسد: « إيران عملت على تقوية حزب الله على حساب حركة أمل بعد انتهاء المواجهات بينهما».

منذ البداية كان الدعم المالي الإيراني السخي حاضرًا وبصورة معلنة تحت لافتات مقاومة الاحتلال كما كانت وفود الحرس الثوري موجودة في جنوب لبنان بهدف تدريب الشباب الشيعة الملتحقين بالحزب، ونجح الحزب من خلال تقديمه الخدمات المتنوعة لأهالي الجنوب خاصة للمتضررين من الحرب في بسط نفوذه واكتسابه شرعية أكبر.


أداة إيرانية

بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وتفكيك الميليشيات ونزع أسلحتها بناء على مخرجات اتفاق الطائف بهدف بناء دولة لبنانية تسع الفرقاء تحجج حزب الله بالوجود الإسرائيلي ورفض نزع سلاحه قبل تحرير الوطن .

ثم بعد سنوات عندما أعلنت إسرائيل انسحابها من جنوب لبنان عام 2000، عاد الحزب وتحجج بالتواجد الإسرائيلي في مزارع شبعا، كما طور خطابًا يري فيه أن مهمته هي تحرير القدس، وأنه لن يتخلى عن مسار المقاومة المسلحة قبل أن يتورط في الحرب السورية، كاشفا عن بوصلته الحقيقية وهي المصالح الإيرانية أولاً وأخيرًا.

حسن نصر الله – الأمين العام الحالي لحزب الله

تردد هذا المعني بشكل أو بآخر مرات عديدة في الخطاب الرسمي للحزب وقادته، مما يعني أن الحزب مرجعيته ليس فقط الدينية والروحية، وإنما السياسية أيضا هي ولاية الفقيه في طهران، وبالتالي لا يخرج الحزب عن كونه أداة إيرانية لكسب النفوذ في لبنان.

لا شك أن محمد أختري الذي لعب دورًا كبيرًا في استكمال بناء حزب لله محق، عندما يقول إن، المقاومة اندلعت من لبنان بروح لبنانية وبإيمان لبناني وشباب لبناني، لكن هذا لا يعني أن إيران لم تكن تعمل على توجيه هذه الطاقة والحماسة لدى بعض المعممين اللبنانيين كي يكونوا لها قاعدة عسكرية قوية في جنوب لبنان، وكي يرفعوا صور الخميني وشعارات الثورة الإسلامية ويدينوا بالولاء لها.


الثورة السورية كنقطة تحول

مشروعنا الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره كوننا مؤمنين عقائديين هو مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام، وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة، وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني

مثلت الثورة السورية اختبارًا صعبًا للمقاومة اللبنانية والفلسطينية على السواء، التي يقول محمد أختري – سفير إيران الأسبق لدي سوريا – إنهم أبناء شرعيون للثورة الإسلامية، إلا أن خياراتهم أوضحت أن حزب الله يحتفظ بولائه الكامل لإيران، بينما الشق الآخر من المقاومة الذي تمثل في حماس والجهاد الإسلامي، فقد اختلف موقفهما وإن احتفظا بعلاقات متوازنة مع إيران.

أثبت حزب الله نفسه كحليف موثوق به، ولم يتردد في التورط المباشر بمقاتليه وقادته العسكريين من الصف الأول في الأزمة السورية للدفاع عن مصالح طهران .

روج الحزب خطابًا طائفيًا في تبريره الانخراط في الصراع السوري من قبيل حماية الأضرحة المقدسة وحماية الشيعة في لبنان من تنظيم الدولة والقاعدة

ولم يضح في مقابل ذلك برأس ماله الرمزي الذي بناه علي أرضية مقاومة إسرائيل فقط، وإنما بخسائر بشرية تقدر بأكثر من ألف مقاتل فضلاً عن اغتيال قادة عسكريين بارزين شاركوا بالحرب، مثل سمير القنطار وجهاد مغنية ومصطفي بدرالدين، والأخير تحديدا اتهم الحزب عناصر تكفيرية باغتياله، ولم يتهم إسرائيل كما جرت العادة.

بحسب جيفري وايت متخصص الشؤون العسكرية بمعهد واشنطن، فإن مهام حزب الله في سوريا تدور حول تدريب القوات النظامية على مواجهة حركات التمرد المسلح وتقديم المشورة وأيضًا المشاركة في العمليات الهجومية والدفاعية.

ساعدت المشاركة في الحرب السورية عناصر حزب الله على اكتساب مهارات قتالية مختلفة، إذ تحول مقاتلوه من استخدام استراتيجية حرب العصابات التي اعتاد عليها إلي تبني أسلوب الحرب المباشرة بجوار الجيش النظامي، ولهذا السبب لا يتوقع جيفري أن يكون لهذه الخبرات أهمية فارقة عندما يدخل الحزب في حرب مع إسرائيل مجددًا نظرًا لفارق الإمكانيات العسكرية بين الطرفين.

روج الحزب خطابًا طائفيًا في تبريره الانخراط في الصراع السوري من قبيل حماية الأضرحة المقدسة وحماية الشيعة في لبنان من تنظيم الدولة والقاعدة، وساعده على ذلك عمليات طائفية مقابلة مثل الاعتداء على الحجيج الشيعة في حلب 2012، وعدة تفجيرات أصابت الضاحية الجنوبية في لبنان، الأمر الذي جر الحزب لصراع طائفي لطالما حاول الابتعاد عنه وتجاوزه.

رغم نجاح الحزب في إقناع غالبية الشيعة بضرورة هذا الانخراط؛ حماية لهم من خطر الجماعات المتطرفة السنية، ومن خطورة سقوط سوريا في أيديهم مما يعني فقدان المقاومة للممر الذي تتلقى من خلاله كافة أشكال الدعم، إلا أن عددًا منهم عارضوا هذا التدخل بحدة مثل صبحي الطفيلي -الأمين العام الأول للحزب- الذي رأى أن هذه التبريرات واهية، وأن التدخل يصب في خدمة إسرائيل وحدها ولا يخدم قضية توحيد الأمة والمقاومة التي قاموا من أجلها.

سقط حزب الله سقوطًا مروعًا في الاختبار السوري وفقد نقاط قوته التي استغرق أعوامًا طويلة ودماء غزيرة حتي ينجح في تحقيقها، لتأتي الثورة السورية وتكشف بوصلته الحقيقية نحو طهران بعيدًا عن مصالح لبنان ومصالح الشعوب العربية والإسلامية التي يبدو أن طريق حزب الله للقدس يمر على أشلائهم!