العراق.. العراق مدافن مفتوحة كالمدارس مفتوحة للجميع من أرمني إلى التركماني، والعربي سواسية نحن في درس علم القيامة.
محمود درويش

منذ إعلان الإطاحة بالنظام الملكي وقيام الجمهورية العراقية، بعد الانقلاب الذي نظمه ضباط بالجيش العراقي في 14 يوليو/ تموز عام 1958، بدأت صفحة جديدة في تاريخ العراق. أراد العراقيون أن تكون هذه الصفحة ناصعة البياض، لكن حكامهم أبوا إلا أن يصبغوها بلون الدم. هذه بعض من فصول الدم في جمهورية العراق.


مجازر الموصل وكركوك 1959: لا للوحدة العربية

عملاء قاسم يطلقون النار آه على الربيع سيذوب ما جمعوه من مال حرام كالجليد ليعود ماء منه تطفح كل ساقية، يعيد ألق الحياة إلى الغصون اليابسات، فيستعيد ما لصّ منها في الشتاء القاسمي فلا يضيع
بدر شاكر السياب

تولى الفريق الركن محمد نجيب الربيعي رئاسة مجلس السيادة، الذي تشكل بعد الإطاحة بالملكية لإدارة العراق، وأصبح بذلك أول رئيس لجمهورية العراق. كان ذلك صوريًا فقط، أما السلطة الحقيقية فكانت بيد العميد عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع و«الزعيم الأوحد».

دخل قاسم في العديد من الصراعات الداخلية والخارجية، وكان أبرزها مع رفاقه في تنظيم «الضباط الوطنيين»، وعلى رأسهم نائبه العقيد عبد السلام عارف، الذي كان مؤيدًا للوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا)، وهو الأمر الذي كان يرى قاسم أنه سيحوله إلى مجرد تابع لجمال عبد الناصر.

ومن بين رفاق قاسم الذين تصارعوا معه بسبب رغبته في التفرد بالسلطة ولمعاداته للقومية العربية، العقيد الركن عبد الوهاب الشواف، آمر حامية الموصل الذي شكل كتلة من الضباط – بعضهم من أعضاء «الضباط الوطنيين» – للانقلاب على عبد الكريم قاسم في حركة خلدها التاريخ باسم «حركة الشواف» أو «ثورة الشواف».

فشل انقلاب الشواف وقضي على حركته في مارس/ آذار 1959، وأطلق قاسم يد ميليشيا «المقاومة الشعبية» التي أسسها عقب انقلاب 14 يوليو/ تموز 1958، وكانت تضم نحو 11 ألف شاب وفتاة، ومُهيمن عليها من الحزب الشيوعي العراقي، لاستئصال شأفة القوميين في الموصل (مهد حركة الشواف ولحدها) وكركوك.

اقرأ أيضًا:إخوان العراق: عين على الكرسي وأخرى على السلاح

استباح الشيوعيون، في مارس/ آذار 1959، الموصل، واعتقلوا المئات من القوميين الوحدويين، وأعدموا العشرات منهم ومن المواطنين العاديين دون محاكمات، بل أحيانًا دون أوامر من قادتهم، وهو ما وثقه الأستاذ هلال ناجي في كتابه «حتى لا ننسى: فصول من مجزرة الموصل». وبعيدًا عن النبرة القومية العالية في الكتاب، تشي وقائعه الموثقة ببعض مما حدث في الموصل.

وفي الذكرى الأولى لـ«ثورة» 14 يوليو/ تموز، قام أعضاء الحزب الشيوعي العراقي بارتكاب مجزرة في كركوك، راح ضحيتها مئات القتلى من المدنيين التركمان. وكان الاستهداف منصبًا بشكل أساسي على الزعماء ورجال الأعمال والشخصيات المعروفة من التركمان، مثل عطا خير الله، وإحسان خير الله، ومحمد أوجي، وصلاح الدين أوجي، وغيرهم.


مجزرة الرفاق: الطريق إلى حكم الفرد

اُختير عبد السلام عارف رئيسًا للعراق عام 1963، بعد انقلاب ناجح – عُرف باسم «حركة 8 شباط 1963» أو «ثورة رمضان» – قاده ضباط قوميون وبعثيون، وانتهى بإعدام عبد الكريم قاسم. ظل عبد السلام في الحكم حتى توفي هو وعدد من المسئولين العراقيين إثر سقوط طائرتهم في حادث غامض ومشبوه وقع في أبريل/ نيسان 1966.

في بداية عهد عبد السلام قامت ميليشيا «الحرس القومي» التابعة لحزب البعث، بعمليات انتقامية من الشيوعيين، وخاصة عناصر «المقاومة الشعبية». فبحسب صلاح عمر العلي، عضو مجلس قيادة الثورة العراقية وعضو القيادة القطرية الأسبق، قام البعثيون بعمليات ثأر «واسعة جدًا، شملت آلافًا مؤلفة من الشيوعيين، فمنهم من قُتِل، ومنهم من غُيِّب، ومنهم من افتُقد، ومنهم من طورد، ومنهم من اختفوا وهربوا خارج العراق، وأصبحت مسألة الملاحقة كأنما هي الشغل الشاغل والهدف الرئيسي للبعثيين بعد استلامهم السلطات».

تولى رئيس أركان الجيش العراقي عبد الرحمن عارف الرئاسة، خلفًا لأخيه عبد السلام. وظل في منصبه حتى أُقصي منه في 17 يوليو/ تموز 1968، إثر انقلاب نفذه البعثيون بقيادة أحمد حسن البكر. أصبح البكر الرئيس الرابع للجمهورية وبقي في منصبه حتى أجبره نائبه المتنفذ صدام حسين على الاستقالة، في 16 يوليو/ تموز عام 1979.

رغم الانقلابات المتكررة وانعدام الاستقرار السياسي وقمع المعارضة، خلال فترات الرؤساء الثلاثة، فإنه لم تجر عمليات قتل واسعة يمكن وصفها بأنها «مذبحة» أو «مجزرة». حتى العمليات الانتقامية التي قام بها «الحرس القومي» بحق الشيوعيين لا يوجد منها حدث معروف ومحدد اصطلح على تسميته باسم المذبحة.

كان حزب البعث يموج بالانقسامات والمؤامرات ومراكز القوى وقت صعود صدام حسين إلى سدة الحكم، فقرر الرجل أن يغير هذا، وكان سبيله للتغيير المنشود ارتكاب مجزرة بحق قيادات الحزب ستعرف بعد ذلك باسم «مجزرة الرفاق» أو «مجزرة قاعة الخلد»، وهي القاعة التي جلس فيها صدام يدخن سيجاره الكوبي، مساء 22 يوليو/ تموز 1979، ليعلن اكتشاف مؤامرة عليه، ويطلب ممن ستذكر أسماؤهم أن يرددوا شعار الحزب قبل أن يخرجوا من القاعة، حيث ينتظرهم رجاله.

قبض على نحو 60 شخصًا في هذه الليلة، بينهم ثلث أعضاء مجلس قيادة الثورة العراقية، و أُعْدِم 22 منهم، فيما اُعتقل الباقون. ويُعتقد أن حركة تطهير واسعة جرت في صفوف حزب البعث، خلال تلك الفترة، وأُعدم على إثرها 500 من كوادر الحزب.


عراق صدام: عراق المذابح والإبادات

حكم صدام حسين العراق بالحديد والنار، على مدى نحو ربع قرن، فأصبحت بلاد الرافدين؛ بلاد المذابح والإبادات. قتل واعتقل وعذب وأخفى قسريًا مئات الآلاف خلال حكم «مهيب الركن»، ورغم ذلك لا توجد إلى اليوم إحصاءات دقيقة عن أعداد الضحايا. ومن بين أشهر المذابح والإبادات التي وقعت خلال عهد صدام:

مجزرة الدجيل

تعرض صدام حسين لمحاولة اغتيال في يوليو/تموز 1982، عندما كان يزور بلدة الدجيل التي تقع على بعد 40 كيلومترًا شمالي بغداد. ورغم أن المحاولة لم يشارك فيها سوى 4 أشخاص فقط بحسب شهود عيان، إلا أن القوات العراقية ألقت القبض على المئات من سكان القرية، وأعدمت العشرات منهم فيما تعرض مئات آخرون للتعذيب. فضلًا عن تدمير وتجريف أكثر من 247 ألف فدان من البساتين التابعة للبلدة مما أدى إلى تدمير مصدر دخل سكانها الرئيسي.

حملة الأنفال

شن الجيش العراقي عام 1988 حملة عسكرية أطلق عليها اسم «حملة الأنفال»، ضد الأكراد في شمال العراق، بدعوى تحالفهم مع إيران التي كان يخوض معها حربًا ضروسًا في ذلك الحين (1980 – 1988). قاد الحملة علي حسن المجيد «علي الكيماوي»، ابن عم صدام حسين، بصفته رئيس المكتب الشمالي لحزب البعث الحاكم.

تعرض الأكراد خلال الحملة لمذابح جماعية واعتقالات عشوائية راح ضحيتها 100 ألف شخص، أغلبهم من المدنيين، ودُمر نحو 2000 قرية، وعشرات البلدات والمراكز الإدارية، بما في ذلك قلعة ديزة التي كان بها 70 ألف ساكن، بحسب منظمة «هيومن رايتس ووتش».

اقرأ أيضًا:تعرف على مصير أركان حكم صدام حسين (إنفوجرافيك)

مجزرة حلبجة

في 16 مارس / آذار 1988،شن سلاح الطيران العراقي غارات على بلدة حلبجة الواقعة في إقليم كردستان العراق الكردي، في إطار حملة الأنفال. لم تكن الأسلحة المستخدمة في الغارات مجرد قنابل أو صواريخ عادية، ولكنها كانت قنابل كيميائية تحتوي على خليط من غاز الخردل وغازات تابون والسارين وVX، ما أدى إلى مقتل 5 آلاف شخص في غضون ساعات قليلة، في مجزرة خلدها التاريخ باسم «مجزرة حلبجة» أو «مجزرة الكيماوي».

انتفاضة الصدر

في 18 من فبراير/ شباط 1999،قُتل رجل الدين الشيعي آية الله محمد صادق الصدر مع ولديه، على يد مسلحين يعتقد أنهم تابعون لصدام حسين، الذي كان يكره الصدر بسبب نفوذه وشعبيته. تظاهر المئات من أنصار الزعيم الشيعي، فحاصرتهم قوات الأمن وأطلقت النار عليهم وقتلت منهم نحو 80 شخصًا.

اندلعت أعمال شغب وعنف في العديد من المناطق الشيعية، واحتل الثوار الشيعة بعض المواقع الحكومية، وهو ما قابلته الحكومة بقمع شديد، فخمدت الانتفاضة سريعًا بعد أن قتل العشرات من الثوار ورجال الأمن. رأت الحكومة أن ما فعلته بالثوار غير كافٍ، فاعتقلت المئات منهم،وأعدمت نحو 500 شخص دفن أغلبهم في مقبرة جماعية.

وبحسب تقرير لـ«مركز الحزب الشيوعي العراقي لحقوق الإنسان» فإن «أفراد عائلة رجال الأمن الذين قتلوا، خلال الانتفاضة، تم إحضارهم إلى مكان الحادث، حيث سُلِّم كل منهم رشاشًا وأخبروهم بالانتقام لموتاهم».


مجازر الاحتلال: إذا سقط صدام فكلنا صدام

جئتم لتحرير العراق؟ لُعنتم :: حرية هذي أم استعباد! أيكون من أجل العراق وشعبه :: يُفنى العراق وشعبه ويباد!
إبراهيم الأسود

لم تنتهِ معاناة العراقيين بعد الاحتلال الغربي لبلادهم عام 2003. فعلى يد جيوش الغرب، حاملة لواء حقوق الإنسان، وقع العديد من المجازر التي يصعب حتى حصرها. وإلى جانب «المجازر التقليدية»، كان هناك مجازر من نوع جديد، أبطالها هذه المرة طائرات تقصف المدن عشوائيًا من السماء. هذه بعض منها:

مجزرة الفلوجة

في 28 أبريل/ نيسان 2003،تظاهر المئات من أبناء مدينة الفلوجة للمطالبة بمغادرة جنود الاحتلال لمدينتهم، فأطلق الجنود الأمريكيون النار عليهم دون استفزاز، مما أسفر عن مقتل 17 شخصًا وإصابة أكثر من 70. ادعى الجيش الأمريكي أن جنوده أطلقوا النار بدقة على مسلحين في الحشد كانوا يطلقون النار عليهم، لكن تقريرًا أعدته منظمة «هيومن رايتس ووتش» أكد أنه «لا وجود لأدلة على تعرض الجنود الأمريكيين لإطلاق نار. وعلى النقيض من ذلك، هناك العديد من الأدلة، بينها شهادات من شهود عيان، على أن القوات الأمريكية ردت بالقوة المفرطة على تهديد محتمل».

اقرأ أيضًا:غزو العراق: هدية أمريكا لملالي إيران

مجزرة حديثة

في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005،اقتحم عدد من الجنود الأمريكيين عدة منازل في بلدة حديثة التي تبعد نحو 260 كم غرب بغداد، وقتلوا 19 مدنيًا بينهم نساء وأطفال، بالإضافة إلى قتل 5 أشخاص مدنيين كانوا في سيارة توقفت قرب المكان، وذلك انتقامًا لمقتل أحد رفاقهم في انفجار بالمنطقة.

كانت هذه بعض المذابح التي جرى توثيقها بشكل دقيق، لكن هناك عشرات الجرائم الأخرى التي لم توثق، خاصة تلك التي ارتكبتها طائرات الاحتلال. فعلى سبيل المثال، قتل 3977 مواطنًا عراقيًا مدنيًا في مارس/ آذار 2003 (شهر غزو العراق)، فيما قتل 3437 مدنيًا في شهر أبريل/ نيسان من ذلك العام،بحسب «هيئة إحصاء القتلى العراقيين».


داعش: مجازر باسم الله

ارتكبت الميليشيات العراقية من مختلف الطوائف عشرات المجازر، أغلبها كان عبر التفجيرات التي استهدف العديد منها تجمعات لمدنيين أبرياء، ليس لهم ذنب سوى أنهم عراقيون. ورغم تعدد المجاز وتعدد مرتكبيها، فإن مجازر تنظيم «داعش» تظل الأكثر حضورًا على الساحة والأكثر التصاقًا بالأذهان نظرًا لبشاعتها. وعلى رأس هذه المجازر:

مجزرة سبايكر

أسرت «داعش»، في يونيو/حزيران 2014، أكثر من ألفين من طلاب كلية القوة الجوية في قاعدة سبايكر في تكريت بمحافظة صلاح الدين، معظمهم من الشيعة، وقامت بإعدام نحو 1700 منهم بالرصاص، في مجزرة مروعة احتفى بها أنصارها على نطاق واسع.

مجزرة العشائر

أعدم تنظيم «داعش»، في أبريل/ نيسان 2015، نحو 300 سجين من أبناء العشائر العراقية الذين يشك في ولائهم له. وكان نصف المعدمين من المدنيين، فيما النصف الآخر من عناصر الجيش والشرطة العراقية. وأغلب من قتلوا كانوا من عشائر البومحل والكرابلة والسلمان.

اقرأ أيضًا:الدولة المضادة: الجذور الغائرة لتنظيم الدولة في العراق


الحشد الشعبي: مجازر باسم الإمام علي

استغلت ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية، التي شكلت لمساندة قوات الجيش العراقي أمام «داعش»، السلطات التي خولت لها وقامت بارتكاب عشرات الانتهاكات الطائفية بحق السنة العراقيين. الأمر لم يقتصر على الاعتقال أو التعذيب أو تفجير المساجد، بل تجاوز ذلك إلى ارتكاب مجازر جماعية، هذه بعض منها:

مجزرة مسجد مصعب بن عمير

ظهر 22 أغسطس/ آب 2014 ارتكب أفراد من ميليشيا «عصائب الحق»، إحدى فصائل الحشد الشعبي، بحق المصلين بمسجد مصعب بن عمير، الواقع في قرية إمام ويس بمحافظة ديالي، راح ضحيتها 79 شخصًا، دون أي مبرر سوى أنهم من أهل السنة.

اقرأ أيضًا:قتل على الهوية: «فرق الموت» تعود للعراق من جديد

مجزرة المحامدة

قامت مليشيات الحشد الشعبي، في يونيو/ حزيران 2016، بارتكاب مجزرة بحق عشيرة المحامدة في ناحية الصقلاوية، الواقعة شمال مدينة الفلوجة، قتل خلالها عشرات المدنيين وفقد أثر 643 شخصًا، بحسب محافظ الأنبار صهيب الراوي.

ووفقًا لناجين من المذبحة فـ«هناك من ذُبِحُوا بالسكاكين، وآخرون دفنوا وهم أحياء في مقابر جماعية، وآخرون عذبوا بطرق وحشية وكسرت أطرافهم، كان من بينهم أربعة أشخاص فارقوا الحياة بعد تعرضهم للتعذيب».