كان هذا ما كتبه باراك أوباما، الرئيس الأمريكي، قبل انطلاق الموسم الثاني من مسلسل «House of Cards»، وبالأمس انطلق الموسم الرابع من المسلسل المتميز والذي يٌعرض كبث مباشر على موقع «Netfilex» العالمي، ومن المعروف أن الموسم بأكمله يكون متاحًا للمشاهدة في نفس اليوم. توقف الموسم الثالث عند لحظة شديدة الإثارة جعلت المشاهدين ينتظرون الموسم الرابع على أحر من الجمر.


دليل السياسة للمبتدئين

يعتبر مسلسل «House of Cards» من المسلسلات المميزة التي لم تكتفِ بوصف سوء السياسة والألاعيب السوداء التي تتم، ولكنه يدخلك في تفاصيل تلك الألعاب حتى ستشعر أن بعض الأمور قد انكشفت حقيقتها لديك. فعندما ترى تصالح أميركا وإيران، أو توتر علاقة أمريكا مع السعودية في لحظات ما، أو أخبار وتحليلات عن توتر خفي بين «أوباما» و«نتنياهو» في فترات سابقة؛ ستتغير رؤيتك لتلك الأحداث بعد مشاهدة المسلسل. فقبل مشاهدة المسلسل بعض الأمور تبدو من حيث تراثنا ومعتقداتنا وتعليمنا أشياء مستحيلة الحدوث، وفي الأغلب نرجعها للحرب على الدين أو الأخلاق، أو مجرد رغبة في الهيمنة الغربية علينا، ولا ضرر كذلك من إرجاع الأمر لحروب الجيل الرابع والخامس وما بعدهم، ولكن بعد مشاهدة المسلسل فالأمور ستختلف بكل تأكيد، لا يعني أنها ستختلف بتبني رؤية أكثر إيجابية عن ما يفعله الغرب، ولكن غالبا ستكون مجرد رؤية مختلفة مبررة بشكل واقعي بعيد عن الإسناد لحروب دينية أو قومية، ستكون الأمور أكثر تعقيدًا وتشابكًا عن تصوراتنا البسيطة، وبالتأكيد خير معبر عن تلك التعقيدات والتشابكات هما بطلا المسلسل فرانك وكلير أندرود. سيجعل المسلسل بكل تأكيد رؤيتك للأحداث أكثر نضجًا، وهذا هو الحد الأدنى الذي قد تستفيده من مشاهدة المسلسل.


فرانك وكلير: إبليس يجد رفيقة حياته

http://gty.im/469263795

لا يوجد عزاء، في السماء أو الأرض لا يوجد غيرنا، وحيدون، جوعى، نحارب بعضنا الآخر، أصلي لنفسي من أجلي نفسي
فرانك أندروود

يبدأ المسلسل وفرانك أندروود سوط (والسوط هو رئيس الكتلة البرلمانية) الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ، يتعرض لصدمة بعد الانتخابات الرئاسية، حيث تم إبعاده من منصب وزير الخارجية الذي وُعد به، هنا يبدأ المسلسل وتبدأ رحلة فرانك الطويلة.

من الوهلة الأولى يبدو أنه شخصية مسيطرة حازمة، يلاعب كتل حزبه ويوجها لتصويتاته، كذلك يعرف خيوط الحزب الآخر -الحزب الجمهوري- ويستطيع ملاعبتهم وفرض تصويتات على كتل ما فيه، يستخدم أساليب عديدة مثل الوعود وتبادل المنافع مع الكتل، أو تهديدها بطرق شرعية أو غير شرعية.

مع مرور الحلقات تكتشف شخصية فرانك، وهو شخصية عدمية نتشوية (نسبة إلى نيتشه) بامتياز، لايؤمن سوى بصراع القوي، الإنسان لم يولد سوى لبقائه ولنفسه، ولأن فرانك يعلم قوته ويعلم نقاط ضعف الآخرين؛ بدأ مخططه مع زوجته كلير، مخطط السيطرة على العالم، ليست هذه العبارة من قبيل المبالغة، هذه أفكار أندروود، لا إله وبالتالي فلا محارب لطموحه الشخصي سوى الظروف العبثية والأفراد الآخرين، وبالتالي فلا مانع من السيطرة على العالم، وبالتأكيد باب السياسة والترقي في الانتخابات الأمريكية مرحلة تلو أخرى، هو السبيل المتاح حتى الوصول للهدف.

فرانك لا قيم لديه أو اخلاق ستمنعه عن الوصول لهدفه، هو لا يؤمن بكل هذه الأشياء، هو فقط يستغلها دعائيا إذا وجد فائدة منها.

علاقة فرانك وكلير ربما هي من أهم العلاقات التي ظهرت في عمل فني، فالشيطان الإنسان لاقى شريكته في أهدافه، هدف السيطرة على العالم هو ليس هدف فرانك وحده بل هدف كلير معه.

اتفق الزوجان على عدم وجود أولاد لهم، فهم وحيدون في العالم ولن ينجبوا آخرين ليكملوا مسيرة الوحدة، سيخوضون حربهم وسيموتون وعندها تنتهي حربهم ولن تستكمل. علاقة فرانك وكلير هي من أكثر العلاقات شفافية، فهي علاقة حب حقيقة وشيطانية قائمة على شفافية غير عادية، ففرانك لا يخون زوجته هو يُعلمها أنه يحتاج لعلاقه مؤقتة أخرى وهي نفس الشيء، تحدث توترات بينهما ربما يدخل الشك في رأس كلير قليلا في إيمانها بحبهم، ولكنها في النهاية تدرك أنها أوهام وتعود سريعا لفرانك.

لن تكره فرانك وكلير بل سترى نموذجا تحترم وضوحه، فرانك وكلير هما خير معبر عن السياسة الأمريكية، هم الأكثر وضوحًا عكس الساسة الأمريكيين الحاليين الذين لا يدركون ما يفعلونه.


الصحافة والإعلام ووهم الديموقراطية

http://gty.im/477234573

الديمقراطية هي أمر مبالغ فيه جدا.
فرانك أندروود

يكشف المسلسل عن وهم حرية وحيادية الصحافة والمؤسسات الإعلامية، كذلك الترقي الوظيفي في الصحف، حيث يعرض المسلسل تبعية أغلب المؤسسات الإعلامية الكبري للحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، بل وتبعية بعض تلك المؤسسات لأطراف داخل أحد الحزبين، والترقي الوظيفي في الأقسام السياسية الذي يعتمد على التبعية والتقرب من إحدى الشخصيات الكبرى في أحد الحزبيين الرئيسين، وفرد مساحة لمحاربة خصومه وعرض مشارعيه الخاصة، وبالنسبة للصحفيات قد تكون العلاقات الجنسية وسيلة للترقي.

يعتقد فرانك أن الديموقراطية نوع من الوهم، الديموقراطية هي قيادة أشخاص أذكياء يدعمهم رجال أعمال لتنفيذ مصالحهم، مسلسل «House of Cards» يظهر السياسة الأمريكية كلعبة في يد بعض رجال الأعمال الذين يسيطرون على الأحزاب ومشاريع قوانينها من الأبواب الخلفية.

النجاح في المنظومة الديموقراطية يتم عن طريق استغلال المعايير والموازنات السابقة، استغلال أصحاب المال والترويح بالمؤسسات الصحفية، والضغط بمعايير توازنات النظام السياسي العالمي والظروف الدولية، تلك الأشياء برع فيها فرانك فهو يستطيع الضغط على أقوى الأطراف وأضعفها.


كسر الحائط الرابع

http://gty.im/167518734

ربما ما جعل المسلسل يمس مشاهديه بشدة هو تقنية كسر الحائط الرابع، وهي التقنية التي تجعل أبطال الأعمال الفنية يخرجون عن إطار المسلسل وأبعاده لتوجيه رسالة أو محاورة أحد الأطراف خارج أبعاد المسلسل كالمشاهدين.

فرانك في المسلسل يحدثك، بل يعتبرك صديقه الذي يحكي له أفكاره ورؤيته للحياة ومشاعره الحالية، لحظات غضبه وفرحه، لحظات تظاهره ولحظات صدقه، سيكون صادقًا معك أكثر من صدقه مع كلير، أنت كمشاهد تعتبر صديقه الأوحد الذي يعترف به فعلا. هذا سيجعلك تندمج سريعا مع فرانك وستبادله الصداقة وستعيش معه تجربته بصدق، كسر الحائط الرابع من أهم الأشياء في المسلسل، وربما يكون «House of Cards» أبرع عمل فني استخدم فيه هذه التقنية باحترافية وصدق.


نظرة على الجانب الفني

http://gty.im/464530720

من ناحية التمثيل قدم «كيفين سبيسي» كعادته أداءً غاية في الاتقان، حتى تشعر أنه لا أحد يستطيع تأدية الدور مثله، الشخصية مناسبة لسبيسي من الناحية الجسدية أولًا، وثانيًا من ناحية أسلوب التمثيل، فسبسي المُلقب بحرباء هوليوود بالتأكيد سيؤدي دور حرباء السياسة الأمريكية باتقان وبكاريزمة شخصية الرئيس.

روبن وايت بدور كلير أندروود ربما نتذكرها بدورها في فيلم «forrest gump» مع توم هانكس، ولكنها هذه المرة وبعد فترة زمنية تؤدي دورا مختلفا، المرأة العملية الذكية القاسية صاحبة الطموحات الجامحة والمشاعر المتضاربة. إتقان من روبن وايت سيجعله أهم دور تؤديه ربما في حياتها. مايكل كيلي في دور دوغ قدم أحد أروع الأدوار الثانوية خصوصًا في الجزء الثالث، مساعد فرانك وكاتم أسراره ومنفذ رغباته القذرة، الذي يقع في مشاعر إنسانية لا يجب عليه أن يخوضها، ذلك الصراع في تلك الشخصية وتنفيذها الدقيق من مايكل كين، باختصار يعتبر المسلسل من أجمل المسلسلات تمثيلًا سواء أدواره الرئيسية أو الثانوية.

تحدثنا عن النص وتقنية كسر الحائط الرابع ولكن لن يفوتنا أن المسلسل يعتمد على الحوار أكثر منه على الأحداث، فروعة المسلسل في حوارات فرانك وكلير وبقية الشخصيات، الأفكار التي يعرضها فرانك عليك كمشاهد، الحوارات الصريحة بين الشخصيات السياسية، كل هذه الأشياء تجعل على كتاب السيناريو والحوار مسؤلية اختيار الجمل الحوارية بدقة، فهي العمود الفقري للمسلسل، وقد نجحوا في جميع الأجزاء بل بعض الجمل ربما ستُخلد كعبارات تعبر عن السياسة.

مخرجو الحلقات ساهموا في إخراج هذه اللوحة المتقنة واختيار الأبطال والتنفيذ بطريقة صحيحة ودقيقة، كذلك اختلاف الأسلوب مع اختلاف موضوع الحلقة واختيار الإضاءة والمقاطع الموسيقية المناسبة التي غلب عليها الطابع الكلاسيكي.

لا شك أن مسلسل «House of Cards» هو فرض عين لكل من يهتم بالشأن السياسي ويعتبر دليلا استرشاديا جيدا لكل من يحاول فهم كيف تدار السياسة في الولايات المتحدة، وفي الموسم الجديد سنرى ما تتجه إليه مغامرة فرانك وكلير للسيطرة على العالم.

المراجع
  1. صفحة المسلسل على موقع IMDB
  2. مشاهدة المسلسل على موقع نتفليكس