نشر مركز المسبار للدراسات والبحوث ورقة للباحثة المصرية «أمل صقر» حول موقف الحركات الإسلامية من المشاركة السياسية للمرأة في دول الخليج العربي.

حيث تناولت الباحثة الأمر بوصفه جزءًا من تحدي الإصلاح السياسي الذي يواجه الدول محل الدراسة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 والذي تصاعد مجددًا بعد ثورات الربيع العربي ومشاركة الإسلاميين في السلطة في عدد من الدول قبل خروجهم منها بأشكال مختلفة.

كما عرضت للأمر في أربعة عناوين رئيسية،محاولة إبراز مقارنة بين رؤية كل من الإسلاميين والحكومات في منطقة الخليج للقضية محل النقاش لتصل لفرضية مفادها أن رؤية الحكومات تبدو أكثر تقدمية لكنها لا تزال تواجه بعقبات مجتمعية ودينية.


ما هي أبرز التيارات الإسلامية بالخليج؟

الإسلام هو الدين الرسمي لأغلب سكان الخليج، ويلعب الدور الأبرز في تشكيل الهوية الاجتماعية والثقافية، ويرجع ظهور التيارات الإسلامية إلي بداية الخمسينيات من القرن الماضي مستفيدة ربما من دخول المنطقة عالم النفط والتحديث الاقتصادي. وتقتصر الدراسة على ما تسميه الباحثة بـ«التيار المعتدل» بشقيه الإخواني والسلفي مستثنية التيار الجهادي وكذا التيار الشيعي في البحرين، وتشير لأن هذا التيار المعتدل قد لقي دعمًا من الحكومات خشية من تصاعد تيارات علمانية تهدد مكانة الدين في تلك المجتمعات المحافظة.

ظهر تيار «الإخوان المسلمين» مبكرًا في البحرين مع تأسيس جمعية الإصلاح عام 1941 ثم في الكويت مع تأسيس جمعية الإرشاد عام 1952 والتي تحول اسمها لاحقًا إلى الحركة الدستورية الإسلامية «حدس» وجمعية الإصلاح في الإمارات وشهد التواجد الإخواني في الخليج فترات صعود وهبوط حيث تراجع الفكر الإخواني في التسعينات أمام الفكر السلفي لكنه عاد للصعود مرة أخرى بوصفه أكثر اعتدالا وتقدمية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.

تقتصر الدراسة علي «التيار المعتدل» بشقيه الإخواني والسلفي مستثنية التيار الجهادي وكذا التيار الشيعي في البحرين، وتشير لأن هذا التيار المعتدل قد لقي دعمًا من الحكومات

وتنوع النشاط الإخواني بين العمل الدعوي والأهلي الاجتماعي، مع محاولات متكررة للعب دور سياسي حيث حققت الحركة الدستورية الإسلامية في الكويت عددًا لا بأس به من مقاعد مجلس الأمة عام 2006 لكنها تراجعت أمام التيار السلفي في 2008 و2009 التي حصلت فيها على مقعد وحيد .

كذلك ظل الدور السياسي في البحرين محدودًا بينما لم تشهد السعودية محاولة جادة من الإخوان للعب دور سياسي، وإنما اكتفت بلعب دور مؤثر وملحوظ في المجتمع المدني من خلال عديد الأنشطة التي تنظمها الجمعيات الإخوانية.

في المقابل فإن التيار السلفي ينقسم لأربعة اتجاهات، هي السلفية العلمية، التي تهتم بالدعوة والعلم الشرعي دون الانخراط في السياسة مع عدم تحريمها، والسلفية الجامية، التي تحرم ممارسة السياسة وتعتبرها مضيعة للوقت وتعلي من مبدأ طاعة ولي الأمر وتحريم الخروج عليه، والسلفية الحركية، المشابهة للنوع الأول، لكنها تتميز بالانخراط في العمل السياسي، ويمثلها التيار السلفي في الكويت والبحرين، وتيار الصحوة في السعودية، أما القسم الرابع فهو السلفية الجهادية، التي تؤمن بالعنف كوسيلة للتغيير.

ظهرت التيارات السلفية مبكرا في الكويت منذ الستينات محاولة لعب دور سياسي فاعل وكذلك الأمر في البحرين في السبعينات وهو ما صار أكثر وضوحا في التسعينات من خلال تأسيس جمعيتي التربية الإسلامية والأصالة ومشاركتهما في الانتخابات.

بينما لم يظهر التيار السلفي بوضوح في الإمارات إلا متأخرًا من خلال جمعية البر والتي لم تحاول لعب أي دور سياسي، بينما قدمت قطر تجربة مختلفة من خلال فتح المجال لنشاط دعاة سلفيين دون تشكيل جمعيات وتنظيمات، بينما في عمان ظهر بعض الدعاة ممن ينتمون للسلفية الجامية بسبب طبيعة المذهب الإباضي بها.

تتوزع الخريطة السلفية في الكويت بين التجمع الإسلامي السلفي الذي تأسس 1992 في أعقاب تحرير الكويت والحركة السلفية التي تأسست عام 1996 علي إثر اختلاف علماء السلفية في قضية الاستعانة بالقوات الأجنبية في تحرير الكويت، وفي عام 2005 تأسس حزب الأمة كذراع سياسية للحركة السلفية والذي تمت إحالة مؤسسيه إلى القضاء لعدم جواز تأسيس أحزاب سياسية في البلاد.

حافظ التيار السلفي في الكويت على تأثيره السياسي من خلال تواجده المستمر في مجلس الأمة حتى انتخابات 2014 بينما تعرض لهزة واحدة في عام 1996 لكنه سرعان ما تجاوزها.

بينما تبرز ثلاثة اتجاهات سلفية في السعودية هي المؤسسة الدينية الرسمية التي تراجع دورها بعد وفاة الشيخين عبدالعزيز بن باز ومحمد بن صالح العثيمين، وتيار الصحوة المتأثر، بكل من الأفكار الوهابية والإخوانية، ويقدم طرحًا أكثر تقدمية وعلى رأسه سلمان العودة وسفر الحوالي وناصر العمر، وتيار السلفية الجامية، لمؤسسه أستاذ العقيدة محمد أمان الجامي وهو أكثر نخبوية.


لماذا يرفض إسلاميو الخليج المشاركة السياسية للمرأة؟

يبدو الموقف السلفي صريحًا من تصور اقتصار دور المرأة على المنزل ورعاية الأسرة مع الانشغال بقضية فتنة المرأة ومنع الاختلاط، وبالتالي من الصعب وفقًا لهذا المنظور تصور دور للمرأة في الحياة العامة سوى من خلال نشاطات اجتماعية نسوية مستقلة.

ويسيطر مفهوم «القوامة» علي النقاشات السلفية بهذا الصدد باعتبار السلطة الأعلى هي للرجل في المجتمع الإسلامي مما يجعل هذا التيار في خانة رد الفعل مع المستجدات من دون تقديم اجتهادات تناسب العصر كما تجعله ينظر بعين الريبة والمؤامرة لدعوات مشاركة المرأة في المجال العام باعتبارها بابًا من أبواب العلمانية والتغريب.

وبينما يقدم الإخوان رؤية أكثر تقدمية حول دور المرأة لا ينعكس ذلك علي الممارسة، بل أمام قوة التيار السلفي في الخليج يضطر الإخوان لتقديم رؤى متشددة ربما تكون متأثرة بالواقع الثقافي والاجتماعي، لكنها تفقد الإخوان فرصة قيادة عملية تغيير اجتماعي يعلي من دور المرأة.

وافق الإخوان في الكويت علي حق المرأة في الترشيح والترشح بينما رفض التيار السلفي حقها في الترشح، معتبرا أن الانتخاب وكالة وهذا جائز، أما الترشيح ولاية عامة لا تجوز، قد يكون الاستثناء من ذلك هو موقف «حزب الأمة» الذي قدم رؤية مؤمنة بدور المرأة في المشاركة السياسية.

لم يختلف موقف السلفية السعودية عن نظيرتها الكويتية إن لم يكن أكثر تشددًا حيث رفض «ابن عثيمين» مشاركة المرأة السياسية، معتبرا إياها تعطيلاً لوظيفتها الأساسية ومخالفا للشرع الذي يوجب مكوثها في المنزل، ويحرم اختلاطها بالرجال، كذلك اعتبر الشيخ عبدالرحمن البراك أن مشاركة المرأة في الانتخابات هي تشبه بالكفار، غير أن الموقف الرسمي قد أخذ لاحقًا في التخفف نوعًا ما من هذا التشدد مثل فتوى «ابن باز» حول عمل المرأة.

بينما تطل المسألة الطائفية في البحرين بوضوح على الساحة السلفية مما يجعل من قضية المرأة أمرًا ثانويًا، وهي التي تشكك في مطالب الإصلاح السياسي وتعتبره محاولة للانقلاب على السمة السنية للنظام.


هل تقدم الحكومات الخليجية رؤية أكثر تقدمية في قضايا المرأة؟

بينما يقدم الإخوان رؤية أكثر تقدمية حول دور المرأة لا ينعكس ذلك على الممارسة، بل أمام قوة التيار السلفي في الخليج يضطر الإخوان لتقديم رؤى متشددة

بينما تسجل دول الخليج مستويات جيدة في مجال التعليم والرعاية الصحية للمرأة لا تزال المستويات المتعلقة بالمشاركة المدنية لها منخفضة، كما أن مشاركة المرأة السياسية لا تضاهي قوتها الاقتصادية حيث تقدر ثروة النساء بدول الخليج بنحو 350 مليار دولار.

تعتبر عمان أول دول مجلس التعاون التي أقرت بحق المرأة في الترشح وذلك منذ عام 1994 في مسقط قبل تعميم هذا الحق 1997، في العام التالي أصدر أمير قطر مرسومًا منح بموجبه المرأة نفس الحق وفي البحرين منح الدستور المرأة حق الترشح عام 2002، بينما في الكويت وبعد جهود طويلة أقر مجلس الأمة في 2005 حق المرأة في الترشح.

كما تقوم الحكومات الخليجية بمحاولات متكررة لتفعيل دور المرأة سياسيًا، في الإمارات سجلت المرأة رقمًا كبيرًا بالاستحواذ علي 9 مقاعد من 40 في المجلس الوطني الاتحادي عام 2005 وفي 2011 نالت المرأة 7 مقاعد، وعينت المرأة الإماراتية في منصب وزير عام 2004 وفي 2008 تقلدت 4 حقائب وزارية، وكذلك الأمر في الكويت حيث تقلدت المرأة وزارة التخطيط عام 2005.

هكذا بدا الأمر محاولة من الحكومات لفرض ودعم مشاركة المرأة في المقابل رفض مجتمعي يسهم فيه الإسلاميون بمختلف رؤاهم ودرجات رفضهم

وفي عمان قام السلطان قابوس بتعيين 4 وزيرات عام 2007، وفي قطر عينت أول امرأة في منصب وزاري عام 2003، وفي السعودية سعى الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى تفعيل دور المرأة حيث وصلت المرأة إلى منصب المدير التنفيذي لصندوق السكان التابع للأمم المتحدة كما شغلت منصب وكيل مساعد في وزارة التعليم.

يبدو الأمر وكأن الحكومات الخليجية أكثر تقدمية من التيار الإسلامي فيما يخص قضية المرأة وأنها تحاول تقديم الدعم والمساندة من خلال التعيين ومنح الحقوق السياسية لها إلا أن ذلك يقابل بمعوقات مجتمعية ودينية تلعب فيها الثقافة الشرقية التقليدية دورًا بارزًا.

ويتضح ذلك بالنموذج الكويتي حيث سعت الحكومة مرات عديدة لمنح المرأة حقوقًا سياسية، وفي كل مرة كان يقف التحالف الإسلامي القبائلي عائقًا أمام ذلك حتى وافق مجلس الأمة في الذكرى السادسة لصدور المرسوم الأميري الذي عبر عن رغبة أمير الكويت في منح المرأة حقها السياسي وبفارق 12 صوتًا لصالح منحها تلك الحقوق .

ورغم ذلك مثلت البنود المضافة الموجبة على المرأة الالتزام بالشريعة عند القيام بحملات انتخابية نوعًا من التضييق ومع غياب التعيين في النظام الكويتي وعدم تقديم دعم كاف للمرأة قد لا تستفيد كثيرًا من هذا الحق في المستقبل القريب.

كذلك الأمر في البحرين حيث لم تنجح المرأة في الفوز بالانتخابات سوى مرة واحدة عام 2006 جاءت بالتزكية فيما عدا ذلك تواجدت المرأة في مجلس الشورى عبر التعيين، بينما في قطر فازت امرأة في انتخابات المجلس البلدي 2003؛ لتكون أول مرة تفوز فيها امرأة بالتصويت في دولة خليجية.

بينما لم يسمح للمرأة في السعودية بالاشتراك في الانتخابات البلدية 2005 وهي الممارسة الديموقراطية الأولى منذ الستينات وتلعب بعض الشخصيات النسائية في العائلة المالكة دورًا بارزًا في دعم مشاركة المرأة أبرزهم الأميرة عادلة بنت عبدالله آل سعود.

عبرت الحالة السعودية كذلك في عهد الملك عبدالله عن هذا التناقض بين السياسي ورجل الدين حيث حاول الأول التغيير والتقدم فيما يخص حقوق المرأة بينما وقف رجل الدين بتحفظ شديد وكثيرًا ما نجح في تعطيل قرارات حكومية تمنح المرأة حقوقًا مجتمعية.

أطلقت عملية التطوير السياسي في عمان بناء علي مبادرة من السلطان بلا مطالبة ولا معارضة من العامة، ومرت مشاركة المرأة بصعود وهبوط متكرر في محاولة للتغلب على الرؤية المجتمعية التقليدية ، كذلك في الإمارات مثلت التعيينات الحكومية الطريقة الأساسية لفرض مشاركة المرأة.

هكذا بدا الأمر محاولة من الحكومات لفرض ودعم مشاركة المرأة في المقابل رفض مجتمعي يسهم فيه الإسلاميون بمختلف رؤاهم ودرجات رفضهم، مما يجعل الأمر يتوقف عند كونه تغيرات فوقية لا تصل لعمق المجتمع وبنيته الثقافية والسياسية، كذلك لن يكون المنظور الكمي الإحصائي دليلاً كافيًا للحكم على حقيقة النجاحات التي حققتها المرأة الخليجية.