رجل أسمر يبدو على ملامحه أثر مصائب الزمان يحمل على ظهره طفلًا صغيرًا، وعلى يمينه تمسك زوجته بثوبه مهرولين نحو اللا شىء. ما هي إلا لحظات حتى يتلقوا وابلًا من الرصاص من جنود الجيش البورمي. بينما كان البعض يدندن حول القتل، توجهت الأنظار نحو طبيعة السلاح الذي يستخدمه القاتل، فكانت المفاجأة أنه سلاحي إسرائيلي.صوّرت كاميرات الصحافة العالمية معاناة الروهينجا المسلمين، وأظهرت غالبية دول العالم تعاطفها الرسمي – على الأقل – مع مظلومية المسلمين هناك، في وقت ساندت فيه إسرائيل حكومة ميانمار بالسلاح والدعم الدبلوماسي.


في البدء كان الاعتراف

كانت ميانمار أول دولة آسيوية تعترف بالكيان الصهيوني قبل الصين والهند. توطدت بينهما أواصر العلاقات على مختلف المستويات. تتجه إسرائيل في علاقاتها نحو الغرب والشرق، ولا تكتفي بالشمال عن الجنوب. كان يو نو رئيس وزراء ميانمار أول رئيس وزراء أجنبي في العالم يزور إسرائيل في رحلة رسمية بعد إعلان تأسيسها.نالت ميانمار استقلالها عام 1948 بعد الحكم البريطاني، وهو نفس عام إعلان الكيان الصهيوني. وبينما قاتل الإسرائيليون الفلسطينيين، واجه قادة بورما المسلمين بعنف دموي في جميع أنحاء البلاد. صوتت بورما لصالح قبول إسرائيل في الأمم المتحدة أواخر عام 1949. منحت بورما الصداقة والوفاء لإسرائيل في وقت عز فيه الصديق.تعاملت إسرائيل مع ميانمار باعتبارها ورشة عمل لرؤيتها في التوسع آسيويًا. تمكنت بفضل تجربتها تلك من تعزيز علاقاتها مع عدد كبير من دول المحيط الآسيوي كتايلاند والفلبين وفيتنام وغيرها. كما أن قائد ميانمار كان ممثلًا للكيان الصهيوني في كتلة عدم الانحياز وصوتًا لها، بعد تراجعه عن ضمها للتحالف لخشيته من الرفض العربي.

اقرأ أيضًا: لهذا السبب لم تتحرك السعودية لإنقاذ مسلمي ميانمار


رد الجميل

مسلمو الروهينجا – ميانمار

مثلت ميانمار وظروفها المتشابهة مع الكيان الصهيوني مختبرًا ميدانيًا رائعًا لتجريب الأسلحة والتكتيكات الإسرائيلية هناك. كانت البداية عند وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عندما أرسل عناصر من الاستخبارات والطيران لتدريب الجنود البورميين، بجانب تصدير أسلحة رشاشة وذخيرة و 30 طائرة من نوع سوبرمارين سبتفاير البريطانية المساهمة بانتصار الأخيرة في الحرب العالمية الثانية، والتي يمكنها الطيران بسرعة تتعدى 400 ميل في الساعة على ارتفاع ثابت، وذلك بفضل محركها القوي من طراز رولز رويس ميرلين.قامت الشركات الإسرائيلية بتحديث أجزاء من ترسانة البلاد الحربية. وفي أواخر التسعينيات، اشترت ميانمار مدافع هاوتزر عيار 155 ملم من صنع شركة سولتام المتخصصة في صناعة الذخائر والمدافع وقذائف الهاون.نشرت منظمة العفو الدولية تقريرًا عن تصدير إسرائيل أسلحة لميانمار قبل 10 سنوات، رغم أنها تعتبر منتهكًا ثابتًا لحقوق الإنسان ما دفع الاتحاد الأوروبي وقتها لوضع ميانمار على قوائم حظر التسليح.تتبادل قيادات الجيش في البلدين الزيارات على أعلى المستويات، كان آخرها في 28 يونيو/ حزيران 2016 عندما نشر قائد الجيش مين أونج هلاينج، صورة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، لاستقباله مدير وحدة التعاون الدولي في وزارة الدفاع الإسرائيلية ميشيل بن باروخ. سعت إسرائيل من جراء سياساتها تلك لمنح الشرعية لممثلي الطغمة العسكرية التي كانت تقتل المسلمين في ميانيمار.في عام 2015 ، عُقدت بين البلدين اتفاقية لمواجهة الحظر المفروض على ميانمار، اشتملت الاتفاقية على التدريب العسكري، والسياسات الأمنية، والإدارة، والتطوير العلمي والتكنولوجي، والتعاون الاقتصادي. تشمل الأسلحة التي بيعت إلى ميانمار أكثر من 100 دبابة وأسلحة وقوارب تستخدم لمواجهة التمردات الداخلية. باعت تل أبيب زوارق دورية تسمى بـ سوبر دفورا 3، التي تصنعها شركة «صناعات الطيران الإسرائيلية» المملوكة للحكومة، قُدرت الصفقة بعشرات الملايين من الدولارات. وعلى المستوى التجاري، انقسمت الأعمال الاقتصادية بين تأسيس أبراج اتصالات تبنيها الشركات الإسرائيلية، وبيع معدات طبية، وتقنيات المياه لحمايتها من آثار الفيضانات.

اقرأ أيضًا: الفارون من الموت إليه: ما قدمه عالم اليوم لمسلمي ميانمار

زراعيًا، تصدر إسرائيل آلات زراعية متطورة لميانيمار، لاسيما أن الأولى تعاني من قلة المياه والأراضي الصالحة للزراعة، ما أعطاها دافعًا أكبر للتطوير التكنولوجي في هذا المجال. هناك اتفاق على أن طلاب الزراعة من ميانمار يمكنهم الذهاب إلى الدراسة والعمل في إسرائيل، حيث يعيشون هناك لمدة أحد عشر شهرًا، يتعلمون ويعملون في التدريب المهني ويعودون إلى ميانمار، ليس فقط بمعرفة التكنولوجيا والأساليب، بل بالتعرض لطريقة تفكير المزارعين الإسرائيليين أيضًا، إلى جانب جلب خبراء زراعيين من إسرائيل إلى ميانمار.اتفقت الحكومتان على تطوير برامج تدريس الهولوكوست، بجانب تشجيع التعاون والعلاقات بين المؤسسات الأكاديمية والمدارس في البلدين، بما في ذلك روضات الأطفال، لربط الشعبين أكثر من خلال زيادة أعداد الزيارات المتبادلة بين شباب الدولتين.

التحالف العنصري يدوم

مسلمو الروهينجا، ميانمار
لم تكتف حكومات إسرائيل بتصدير الأسلحة لميانمار، بل
دربت القوات الخاصة المسئولة عن أعمال العنف في ولاية راخين ذات الأغلبية المسلمة. زادت مؤخرًا حدة السخط داخل عدد من الأوساط الصهيونية الحقوقية على حكومة نتنياهو لدعمه العسكر بأدوات القتل المستخدمة ضد الروهينجا. وطالبت منظمات حقوق الإنسان هناك بالالتزام بقرارات المجتمع الدولي بحظر تسليح الجيش البورمي. وأطلقت محكمة العدل العليا في إسرائيل حكمًا شهيرًا بمنع تصدير الأسلحة لميانمار، في الوقت الذي أكدت فيه الحكومة أن ذلك خارج اختصاص القضاء.اضطرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن تصدر بيانًا تعلن فيه أنها لن تبيع أسلحة مجددًا للجيش البورمي، وأنها جمدت جميع المبيعات العسكرية. حاولت وزارة الخارجية التلاعب بالقضية، إذ لم تُشر إلى مساحات التعاون الأخرى المرتبطة بالجيش، مثل تكنولوجيا المراقبة أو خدمات التدريب العسكرية التي يقدمها الجيش الإسرائيلي لنظيره البورمي. وقامت حكومة نتنياهو بالضغط على محكمة العدل العليا الإسرائيلية، حتى انتهى الأمر بإغلاق المحكمة قرارها السري النهائي بشأن بيع الأسلحة لميانمار.

اقرأ أيضًا: الروهينجا من الاضطهاد إلى المقاومة المسلحة

شاركت ميانمار في مراسم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فمن الصعب القول إن تل أبيب ستوقف تعاونها الكامل مع الأولى استجابة لدعوات حقوقية، كل ما في الأمر أن إسرائيل تسعى لتجميد الوضع وتخفيف الضغوط عليها، أما تحالفها الاستراتيجي مع ميانمار فهو مستمر على حد تعبير السفير الإسرائيلي هناك، الذي أعرب عن رغبة بلاده في زيادة شعور الشعب والحكومة في ميانمار بأهمية التحالف مع تل أبيب في شتى المجالات العسكرية والسياسية والاجتماعية والطبية والاقتصادية.