هل من المعقول أن سلاحًا يتحول إلى شيء نافع لا يضر أو يؤذي أحدًا؟ الإجابة على ذلك السؤال ليست سهلة، لكن دعنا عزيزي القارئ نُفكِّر في هذا الأمر بضع دقائق بعد ما فعلته سالي حافظ، الفتاة التي اقتحمت أحد البنوك في العاصمة اللبنانية ممسكة سلاحًا، واحتجزت موظفي البنك داخله كرهائن لتتمكن من الحصول على أموالها لعلاج شقيقتها، وأصبحت “تريند”، وتحدث عنها الجميع، وانقسم الجمهور بين مؤيد ومعارض لما فعلته، ووصف البعض سلوك سالي بالإجرامي، وبرر آخرون موقفها الإنساني والحالة المرضية التي تمر بها شقيقتها.

ذلك المشهد الحقيقي يُذكرنا بالسلاح الذي استخدمه جون كيو ليعالج ابنه في فيلم يحمل الاسم نفسه، وعلى الرغم من اختلاف الأحداث، فإن المعاناة والهدف والسلاح واحد، لذلك نطرح سؤالًا: كيف تحول السلاح في يد «سالي» و«جون» إلى منفعة دون أن يؤذي أحدًا؟

«جون كيو» يستخدم السلاح ليعالج ابنه

عندما يمرض الناس يستحقون بعضًا من المساعدة … مريض، مساعدة.

تلك الجملة قالها دينزل واشنطن ضمن أحداث فيلم «جون كيو»، الذي عُرض عام 2002، فكانت بمثابة الصرخة في وجه كل من لا يريد مساعدة مريض يحتاج للعلاج.

جسَّد دينزل دور«جون كيو» الأب الذي يعمل موظفًا في مصنع، لا يمتلك الكثير من الأموال وحياته تنقلب رأسًا على عقب عندما يتفاجأ بأن ابنه مايكل البالغ من العمر 9 سنوات مريض، فقد كان يلعب أمامه لعبة البيسبول أو كرة القاعدة، وهي رياضة جماعية لها شعبية كبيرة في أمريكا، وفجأة يشعر مايكل بالتعب الشديد، ثم يُنقل إلى المستشفى.

 وهناك يتفاجأ «جون كيو» بأن ابنه مريض ويحتاج لعملية زرع قلب، وإذا لم تُجْرَ العملية في أسرع وقت فسيموت، في تلك اللحظة يحاول جون أن يفعل كل شيء من أجل إنقاذ حياة ابنه، فيذهب على الفور إلى التأمين الصحي الخاص بوظيفته، لكنه يكتشف أن التأمين لا يغطي مصاريف العملية، ثم يحاول بيع أثاث المنزل ويأخد مالًا من أصدقائه، ولكن كل ذلك لم يكفِ أيضًا.

وفي الوقت نفسه يريد المستشفى الموجود فيه مايكل ابن جون مصاريف العملية على الفور، وإلا فلن تُجرى، وهنا لا يستطيع أن يشاهد ابنه يموت، وأمام صرخة زوجته (دنيس)، التي قامت بدورها كيمبرلي إليز، وهي تبكي وتقول: «لا بد أن تفعل شيئًا»، قرر «جون» أن يأخذ السلاح، ويذهب ويتحدث مع الدكتور مرة أخرى، لكنه أكد له أنه لا بد أن يدفع المال مقابل إجراء العملية، وفي تلك اللحظة قرر جون أن يرفع السلاح ويحتجز جميع الموجودين داخل المستشفى كرهائن تحت تهديد السلاح؛ حتى تُجرى عملية زرع القلب لابنه.

وبالفعل أُجريت العملية، وعلى الرغم من أن جون لم يطلق الرصاص على أحد لأنه ليس مجرمًا، هو فقط يريد أن يعالج ابنه (مايكل) والدليل على ذلك مواقفه الإنسانية، فعندما جاء رجل في سيارة الإسعاف خارج المستشفى وهو مصاب طالب الدكتور بأن يعالجه على الفور، لكن بعد كل ذلك قُبض عليه وحوكم في النهاية؛ إذ رأت المحكمة أنه غير مذنب في تهمة محاولة الاغتيال، وعمل إجرامي مسلح، أما في الادعاء الأخير، الاختطاف واحتجاز الرهائن، فأكدت المحكمة أن المتهم (جون) مذنب! ولم يُكشَف عن مدة عقوبته، ولكن قال محامي «جون» في نهاية الفيلم إنه لن يقضي في السجن أكثر من ثلاث إلى خمس سنوات.

سالي حافظ تقتحم البنك لتحافظ على شقيقتها

تحول مشهد احتجاز الموجودين في المستشفى تحت تهديد السلاح من فيلم «جون كيو» إلى الحقيقة مع اختلاف الأحداث، فبعد مرور 20 عامًا حدثت القصة نفسها في الواقع، وذلك من خلال الفتاة اللبنانية سالي حافظ، التي قررت أن تقتحم فرع مصرف بلوم بنك بمحلة السوديكو، في العاصمة بيروت، أمس، واحتجزت موظفي البنك داخله كرهائن تحت تهديد السلاح، مُطالبة باسترداد وديعتها كي تعالج شقيقتها مريضة السرطان.

تمتلك «سالي» مبلغًا ماليًّا يصل لـ 20 ألف دولار أمريكي، وعندما زادت عليها ضغوط الحياة وعدم موافقة البنك على رد مالها، اضطرت أن تأخذ تلك الخطوة كي تعالج شقيقتها، وقامت بتصوير بث مباشر أثناء اقتحامها فرع البنك، ومحاولتها الحصول على المبلغ من قبل الموظفين ممسكة سلاحًا لعبة غير حقيقي، واقفة فوق أحد مكاتب الموظفين وهي تصرخ: «أختي عم تموت بالسرطان أريد أموالي».

وبهذه الطريقة نجحت «سالي» في الحصول على ما يقرب من 13 ألف دولار، من إجمالي الوديعة التي تبلغ 20 ألف دولار، كي تسافر لشقيقتها وتعالجها من مرض السرطان، مثلما احتجز «جون كيو» من 20 عامًا في فيلم يحمل الاسم نفسه، كل من كان في المستشفى، وأجبر الطبيب على القيام بعملية زرع القلب لابنه مثلما ذكرنا، وأصبح سلاح «جون وسالي» رحمة لإنقاذ أحبائهما.

ما الذي جعل سالي حافظ تقتحم البنك؟

نيران الغضب التي كانت موجودة في عيون سالي حافظ وهي تقتحم البنك لم تأتِ من فراغ، حيث يعيش الشعب اللبناني بأكمله أزمة اقتصادية كبيرة بدأت بعد منع البنوك معظم المودعين من السحب من مدخراتهم منذ زيادة حدة الأزمة المالية بالقطاع المصرفي قبل ثلاث سنوات، مما أدى لجعل الكثير من السكان غير قادرين على دفع تكاليف احتياجاتهم الأساسية.

وحتى الآن لم تنجح المصارف في حل الأزمة، وعجز أصحاب المدخرات عن سحب أموالهم بعد أن حالت الأزمة بينهم وبين حساباتهم الدولارية، أو قيل لهم إن الأموال التي يمكنهم السحب منها الآن لم تعد تساوي سوى جزء صغير من قيمتها الأصلية.

في المقابل تؤكد البنوك أنها تقدم استثناءات للحالات الإنسانية، وفي ذلك الرعاية في المستشفيات، إلا أن المودعين يقولون إن هذا نادرًا ما يحدث، ومن بينهم سالي حافظ التي عاشت العديد من الأيام المليئة بالخوف بسبب مرض شقيقتها؛ لذلك قررت أن تحرر أموالها بالقوة.

تلك الأزمة الاقتصادية الكبيرة جعلت البنك الدولي يدلي بتصريح بأن ما يحدث في لبنان هو الأسوأ في العالم منذ عام 1850، خسرت العملة المحلية “الليرة” أكثر من 95% من قيمتها أمام الدولار، وأصبح أكثر من 80 في المائة من اللبنانيين تحت خط الفقر، ليس فقط ذلك، فمعدل البطالة ارتفع إلى حوالي 30%، وكل ذلك بعد أن تراكمت الديون على الحكومات المتعاقبة في أعقاب الحرب الأهلية التي دارت في 1975 حتى 1990.

بعد كل ما يمر به لبنان من أزمة اقتصادية كبيرة، والظروف التي جعلت المواطنة اللبنانية سالي حافظ تقتحم البنك المصرفي اللبناني، لا بد من طرح سؤال: هل ستُحاكم؟ على الرغم من أنها فعلت ذلك من أجل أن تأخذ حقها وتنقذ شقيقتها المريضة من الموت! هل مشهد محاكمة «جون كيو» في الفيلم سيحدث في الحقيقة مع «سالي» خلال الفترة القادمة؟