لا أحد معصوم من التعرض للهزَّات الاقتصادية التي تؤدي إلى نقص الدخل بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. يؤدي التضخم وغلاء الأسعار إلى تضاعف أسعار المواد الغذائية خلال فتراتٍ وجيزة، فيصبح تأمين الوجبات اليومية الأساسية تحديًا ليس بالسهل على قطاعٍ كبير من الأُسر. في مثل تلك الظروف الضاغطة، تصبح صحة الأطفال على المحك نتيجة نقص وسوء التغذية السليمة التي هي عمود الصحة وركن العافية. ولذا، فإننا سنركز في هذا الموضوع على ما يمكننا كآباء أن نفعله لنقي أطفالَنا سوءَ التغذية رغم انخفاض الدخل.

وبالطبع، لا ندَّعي -بما سنذكره في السطور التالية- أننا سنقدم حلولًا قاطعة لظاهرة سوء تغذية الأطفال، فهي قضية كبرى تتضافر في التسبب بها عوامل متعددة، ويقع الجانب الأكبر من مسئولية حلها على عاتق صُناع القرارين السياسي والاقتصادي على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. لكن ما نريد تحقيقه هو أن نحاول بالجهد الفردي ألا يتسبب نقص المداخيل في إصابة أطفالِنا بمضاعفاتٍ صحيةٍ خطيرة تنشأ عن الإصابة بسوء التغذية.

لا نحتاج هنا لإضاعة الوقت في إعادة اختراع العجلة، وإثبات مدى خطورة سوء التغذية على نمو أطفالنا، وصحتهم الجسدية والنفسية، وعلى كفاءة أجهزة مناعتهم، وجودة قيامهم بأنشطتهم الترفيهية والتعليمية. لكن ما ينبغي التأكيد عليه هنا أن سوء التغذية لا ينجم فحسب عن نقص كمية الطعام التي يحصل عليها الأطفال، إنما عن نقص الجودة وغياب التنوع المطلوب، فقد يتناول الطفل كميات أكبر من الطعام لا سيَّما الخبز والحلويات والعصائر المحلاة … إلخ، فيُصاب بزيادة الوزن وبالسمنة، لكنه مع ذلك يعاني من بعض درجات سوء التغذية. وتذكر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تؤدي إلى انتشار سوء التغذية بشكلٍ يمكن أن نصفه بالوبائي.

وبالتالي، سنركز هنا على كيفية الحصول على أكبر قيمة غذائية ممكنة من العناصر الأساسية (البروتينات – الكربوهيدرات – الدهون – الفيتامينات – الأملاح المعدنية – مضادات الأكسدة … إلخ) بأدنى كمية من الطعام، وبالطبع بأقل تكلفة مالية ممكنة على أرباب الأسر الذين يعانون من تآكل مدخراتهم وانهيار القدرات الشرائية لمداخيلهم.

1. ما خفَّ ثمنُه وارتفعت قيمتُه الغذائية

في ظروف ضاغطة كانخفاض الدخل، لا يمكن أن نستمر في نفس الأنماط الاستهلاكية المعتادة، سواء منها ما يتعلق بالطعام أو بغيره. ولحسن الحظ، فإن الكثير من الأطعمة مرتفعة الثمن، هي بالأساس ترفيهية، أو لها بدائل أرخص ثمنًا بفارق، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الشيكولاتة والأجبان المستوردة، وللمفارقة فإنها أقل في قيمتها الغذائية وأعلى في أضرارها الصحية، وأبرز أمثلة هذا الوجبات السريعة. والأولى توجيه الإنفاق الغذائي بالأساس إلى الأطعمة الطبيعية الطازجة الأغنى في قيمتها الغذائية مثل الخضروات والفواكه، والتي لحسن الحظ تكون أرخص نسبيًّا بالمقارنة بالأطعمة الأخرى لا سيَّما الجاهزة.

2. تعديل العادات الاستهلاكية

النجاح في تصحيح العادات الاستهلاكية سيُمكننا من تحسين الاستفادة من الموارد المالية المتاحة لنا، وتوجيهها للأولويات الأكثر فائدة  في تأمين الغذاء المناسب لأسرنا، ومن أبرز تلك العادات:

  • الطهي بالمنزل أوفر كثيرًا وأكثر صحيةً من شراء الأطعمة الجاهزة.
  • عدم التخلص من بواقي الطعام التي يمكن تبريدها وإعادة تسخينها بشكلٍ صحي.
  • شراء المواد الغذائية المحددة من البقالات الأصغر حجمًا لتجنب الإغراءات الاستهلاكية التي تحتقن بها الأسواق الكبيرة (الهايبرماركت).
  • شراء الحبوب الكاملة وتجهيزها بالمنزل. فمثلًا شراء الشوفان وإضافته للمخبوزات بالمنزل، أرخص كثيرًا من شراء المخبوزات الجاهزة المحتوية على الشوفان.
  • لا تشترِ طلبات المنزل الغذائية وأنت جائع، فهذا سيزيد استهلاكك من حيث تدري ولا تدري.

3. مزج مصادر البروتين النباتي

لا غنى عن البروتين من أجل نمو الأطفال ومناعتهم. ولسوء الحظ، فإن البروتين من أكثر المغذيات تأثرًا بالأزمات، فالمصدر الأغنى بالبروتين هو لحوم الحيوانات والدجاج والأسماك والبيض، والتي ارتفعت أثمانها بشكلٍ حاد مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية. إن أمكن الحصول على قدرٍ ولو محدود من البروتين الحيواني، فهذا أفضل، لا سيَّما للأطفال، لكن إن تعذَّر تمامًا، لنقصه أو لارتفاع ثمنه، فيمكن الاعتماد على مصادر البروتين النباتي لا سيَّما البقوليات كالفول والعدس والفاصولياء والبازلاء واللوبيا … إلخ، والتي وإن كانت أفقر من نظائرها الحيوانية، فإن ما لا يُدرَك كُلُّه، لا يُترَك جُلُّه، أو حتى بعضه.

ومن أفضل الوسائل لتعزيز القيمة الغذائية التي نحصل عليها من مصادر البروتين النباتي، هو مزج أكثر من نوعٍ منها في نفس الوجبة، وأثبتت بعض الدراسات العلمية أن هذا المزج في بعض الحالات يُعوِّض غياب البروتين الحيواني بنسبةٍ تقارب 90%.

سنضرب هنا مثالًا هنا بوجبةٍ شعبية شائعة -ورخيصة الثمن نسبيًّا مقارنةً بمصادر البروتين الحيواني- هي (الكشري)، فهو نموذج جيد على هذا المزج بين العديد من مصادر البروتين النباتي كالقمح الموجود في المكرونة، والبقوليات كالعدس والحمص. ولا تقتصر قيمته الغذائية على البروتين، فهو غنيٌّ بالطاقة أيضًا، من الكربوهيدرات الموجودة في الأرز والمكرونة، وكذلك من الدهون الموجودة في الزيت الذي يُطهى به.

اقرأ: كيف تقهر الكولسترول قبل أن يقهرَ صحتك؟

4. التركيز على الأطعمة المشبعة

تمتاز البقوليات مثل الفول والحمص والفاصولياء … إلخ، إلى جانب قيمتها الغذائية الكبيرة، بأنها من الأطعمة المشبعة، وذلك لأنها تحتاج من الجهاز الهضمي إلى بعض الوقت لإكمال امتصاصها. وبالتالي فهي تحقق قدرًا بارزًا من الإشباع في مقابل سعرها، وفي مقابل كمية السعرات الحرارية بها.

في المقابل، فإن الأطعمة الجاهزة، والسناكس مثل الشيبسي والشيكولاتة والكرواسون … إلخ، رغم ارتفاع أسعارها كثيرًا بالمقارنة بالكمية، ليست مشبعة على الإطلاق، رغم ما تسبب من مشاكل السمنة نتيجة ارتفاع سعراتها الحرارية.

ومن الأطعمة المُشبِعة كذلك الخضروات بمختلف أنواعها، والقرنبيط، والبيض المسلوق والأسماك المشوية والحبوب الكاملة مثل الشوفان، والألبان كاملة الدسم … إلخ. ويجب توجيه الموارد المحدودة في أوقات الأزمة للحصول على مثل تلك الأطعمة.

5. ما تيسَّر من الفاكهة والخضروات

الفواكه والخضروات من أفضل أنواع الأغذية الطبيعية من المنظور الصحي، وبالتالي فهي من أعمدة جهود التغلب على سوء التغذية. فهي تحتقن بالفيتامينات وبالأملاح المعدنية المفيدة، وبمضادات الأكسدة، وبالسكريات المعقدة اللازمة للنمو الصحي للأطفال ولتحسين قدراتهم الذهنية وكفاءة أجهزة مناعتهم. 

لحسن الحظ، فهناك العديد من الفواكه والخضروات التي تُزرَع محليًّا، وبالتالي فأسعارها نسبيًّا في المتناول، إذ لا تتضاعف أسعارها مثل السلع المصنَّعة المستوردة. والنصيحة هنا لا تقتصر على أنواعٍ محددة من الفواكه والخضروات، إنما كل ما هو بالمتناول منها جيد، وفق الإمكانات المتاحة، وخيرُها أدومُها وإن قلَّت الكمية. 

اقرأ: دليلك لحمية غذائية غير مؤلمة.

6. القليل من الشوفان 

ليس الشوفان من المنتجات الغذائية الرخيصة، لا سيَّما وهو يُستَورَد من بلادٍ بعيدة كروسيا وكندا وبولندا وأستراليا. لكنه يمتاز بقيمة غذائية جيدة في مقابل السعر، ويمتلك الكثير من المرونة في طرق تحضيره، إذ يمكن إضافته بكميات صغيرة على العديد من الأطعمة الأخرى مثل المخبوزات والمقرمشات والحساء والسلطة … إلخ، فيرفع قيمتها الغذائية، ويزيد الإحساس بالشبع.

يحتوي الشوفان على قدرٍ جيد من أبرز أنواع المغذيات كالبروتين والكربوهيدرات والفيتامينات والألياف الطبيعية ومضادات الأكسدة ونسبة من الدهون.

اقرأ: الشوفان: هل هو غذاء سحري؟

7. الأولوية للطعام الطازج والمسلوق

الأطعمة الطبيعية الطازجة مثل الفواكه والخضروات النيئة غير المجمدة، وكذلك الأطعمة المسلوقة، أعلى احتفاظًا بقيمتها الغذائية، وأكثر قابلية للإشباع، بالمقارنة بالأطعمة المحمرة غير المُحبَّذة من المنظور الصحي.

8. النوم الطبيعي الجيد ليلًا 

قد تبدو تلك الفقرة خارج سياق الموضوع، لكنها حقيقةً في الصميم. هناك علاقة لازمة بين السهر ليلًا، وزيادة الجوع، حيث يؤدي الحرمان من النوم الجيد إلى زيادة إفراز هرمون الغريلين المسئول عن الشعور بالجوع، ونقص إفراز هرمون اللبتين المسئول عن الشعور بالشبع، كما يؤدي السهر إلى اختلال حساسية الجسم لهرمون الإنسولين، وهذا أيضًا يزيد الإحساس بالجوع، ويؤدي إلى الإصابة بالسمنة، وزيادة فرص الإصابة بمرض السكري. 

اقرأ: الأرق يقتلنا: هل يمكن تنظيم النوم؟