يشهد موسم الدراما الرمضانية لهذا العام 31 مسلسلًا، موزعين ما بين الدراما والحركة والكوميدية. حيث بلغ عدد المسلسلات الدرامية 14 مسلسلًا، أي ما يقترب من نصف إجمالي المسلسلات هذا الموسم وبنسبة 45%. في حين تقاسمت المسلسلات الكوميدية ومسلسلات الحركة العدد المتبقي بإجمالي 7 مسلسلات للأولى، و8 للثانية.كيف وصلت الدراما المصرية إلى هذا الحجم الهائل من الإنتاج؟ سؤال علينا أن نطرحه على أنفسنا لأن الدراما ليست فقط أحد أنشطة الإبداع المحورية في الحياة الفنية، ولكن لأنها من أكثرها قربا من الجماهير وأثرًا على حياتهم. ولكي نحكم على دراما هذا العام وما إذا كانت قد تطورت عن العام الماضي، وما إذا كان هذا التطور نتاجًا لتغيرات سابقة ويمثل انتقالا للدراما من مرحلة لمرحلة، وتغيرا في عقلية ونوعية صناع الدراما؛ علينا أن نرجع قليلا إلى الأعوام السابقة ونستعيد طبيعة الأعمال الدرامية خلالها.


عصر النجم الواحد

كانت التيمة الفنية المسيطرة على صناع الدراما في عام 2006 هي تيمة النجم الكبير، نجوم ليالي الحلمية وعوالم إسماعيل عبد الحافظ ويحيي العلمي وغيرهم من كبار صناع الدراما التاريخيين، فالأسماء البارزة هي لنجوم كنور الشريف، يحيي الفخراني، يسرا، إلهام شاهين، محمد صبحي، ليلى علوي. بينما خيم على المشهد كتاب كبار كـ محمد صفاء عامر، محمد جلال عبد القوي، أسامة أنور عكاشة، مجدي صابر؛ ومخرجون تاريخيون كإسماعيل عبد الحافظ، مجدي أبو عميرة، محمد فاضل، رباب حسين، نادر جلال.كانت ثمة أسماء أخرى ولكن هذه كانت هي الأكثر انتشارا، وهي أسماء غاية في المحدودية مع احترامنا لأعمالهم القديمة. خيم على تلك المسلسلات النمط الاجتماعي أو الكوميدي التقليدي؛ وهو نمط منفصل عن فئات عديدة من المشاهدين بشكل شديد، غير محفز للخيال، وغير جاذب لأية فئة سوى المتابعين من الأسر الكلاسيكية التي تتابع الأعمال بلا اكتراث كنوع من الطقس الرمضاني. بالإضافة لأن القصص تتكرر كل عام.فلنأخذ مثالا على ذلك، المسلسل الذي أجمع عليه النقاد والجمهور باعتباره أفضل مسلسل في عام (2006) وهو مسلسل حدائق الشيطان من بطولة جمال سيمان ورياض الخولي وسمية الخشاب. المسلسل من ناحية الصورة تقليدي لا يختلف عن أي برنامج تلفزوني مع كون إسماعيل عبد الحافظ قيمة إخراجية تضفي بعض الإضافات على العمل بالنسبة لقيادة الممثلين وتحريك الكاميرا بطريقة مختلفة. القصة تتحدث عن تاجر مخدرات متجبر (كأي عمل صعيدي آخر)، لديه الكثير من الجرائم، ويخيف الناس بطريقة أو بأخرى، هذه المرة المخيف هو صوت الغول. كل المسلسلات تعتمد على تلك الشخصيات النمطية، فلا جديد. مدرسة التليفزيون المصري سيطرت كالعادة. فكرة الورق (أي سيناريو المسلسل) صار التعامل معها من الفنانين في تصريحاتهم على أنه شيء يصنع لهم خصيصا وليس عملا إبداعيا في الأساس. باختصار هو (أكل العيش) السنوي. ولكن مسلسل حدائق الشيطان ربما هو بداية تحريك الماء الراكد.


نفحات الدراما السورية

من دولة شقيقة جاءتنا نفحة، تمثلت في النجم السوري جمال سليمان ومسلسله حدائق الشيطان، حيث تابعه الجميع باهتمام، وانتشر الحديث عن المسلسل بإعجاب به وبهذا الممثل أكثر من العمل نفسه. وهنا يمكن أن نتساءل؛لماذا أعجب الأغلبية بجمال سليمان على الرغم من بعض الانتقادات الموجهة له كخلط اللهجة الصعيدية بالسورية، والمسلسل لم تكن قصته جديدة في شيء، والممثلون تقليديون جدا؟ ربما الإجابة هي أن جمال سليمان كان حجرًا ألقي في المياه الراكدة. هذا الحجر كينونته لا تتعدى أنه بطل جديد في سوق الدراما؛ وهذا شيء خارج عن المألوف وقتها، فالبناء المهترئ ينتظر حركة بسيطة لينهار، وهذا ما حدث بالتدريج مع الشكل التقليدي للدراما.النفحة الثانية عام 2008 كانت مسلسل الملك فاروق من إخراج حاتم علي الذي قدم للمشاهدين صورة أخرى للدراما؛ صورة بمعناها الحرفي، فطريقة التصوير التي لم تختلف منذ ليالي الحلمية تقريبا أو ما يعرف للعامة (بطريقة الثلاث كاميرات) استبدل بها التصوير بكاميرا واحدة. وجد المشاهدون في مسلسل الملك فاروق صورة أقرب للسينمائية، أكثر شاعرية، تمازجًا رهيبًا بين المشاهد والموسيقى التصويرية صنعه الرائع طارق الناصر؛ تمثيلا مختلفا حتى من ممثلينا المصريين. باختصار كان ثمة أهمية لعنصر الصورة ومدير التصوير، وأهمية للموسيقى التي خرجت عن المألوف في صورة كورال فريق رم الأردني. كذلك لم تجد شركة الإنتاج مخرجًا يتفهم أن التاريخ ليس هو الرواية الدارجة في مصر، فاعتمدت على حاتم علي باعتبار أنه خبير في هذا المجال بل ومؤسسَ شكلِهِ الحديث في مسلسل الزير سالم السوري (مسلسل تاريخي سوري من إخراج حاتم علي يعتبر بداية حقبة تفوق الدرامي السوري خاصة في الأعمال التاريخية). قصة الملك فاروق فتحت أفقًا أوسع لمناقشة تاريخ مصر قبل انقلاب يوليو 52، وأنه لم يكن بداية الجنة. عندها تأكد البعض من أن العالم الموازي نفحاته أكثر تطورًا. غزو الدراما السورية.ومن الآراء التي انتشرت على الدراما السورية أنها مختصرة على الأعمال التاريخية، ولكن للنظر للمسلسلات المميزة سنجدها مسلسلات اجتماعية، حيث اهتم المبدعون السوريون في فترة ما بعد 2005 حتى قيام الثورة السورية بالأفكار الخاصة بالحريات الدينية، وتأثر سوريا بالاقتتال الأهلي في لبنان وأحداث العراق، فمسلسلات مثل (ليس سرابًا وأرواح عارية، وعن الخوف والعزلة والخبز الحرام) ركزت على فكرة التشدد الديني وقضايا الزواج المدني وعلاقات الزواج والحب من منظور علماني، ومسلسلات (كرسائل الحب والحرب ذكريات الزمن القادم والحصرم الشامي) ركزت على التغيرات الحادثة للمواطن السوري نتيجة الحروب الأهلية المختلفة، وغيرها من المسلسلات الكثير التي ارتبطت بقوة وجرأة بمناقشة القضايا الاجتماعية.شرع المنتجون في إدخال العناصر السورية على الدراما المصرية كمحاولة للسيطرة على الضعف، خصوصا في جانب الإخراج. لكن تلك العناصر السورية من مخرجين وممثلين لم تحقق نجاحًا على غرار نجاحهم في سوريا، ربما لأن نمط الدراما المصرية والقصص كان لا يشجعهم على صناعة شيء جيد، وربما لأن مصر كانت تمثل لهم (عقد عمل مربح) بالنسبة لأجورهم القليلة في سوريا (كـرشا شربتجي التي كانت تقدم أعمالا لا توصف إلا بالعملاقة في الدراما السورية كـ غزلان في غابة الزئاب وزمن العار وغيرها، وتقدم في مصر مسلسلات متوسطة كـ ابن الأرندلي وشرف فتح الباب). كما تم إدخال المخرجين الشباب لإنعاش الدراما كما شاهدنا في مسلسل ليلى علوي (حكايات وبنعيشها) لأول مرة تقريبا من إخراج مريم أبو عوف ومحمد علي. كما بدأ انتقال مخرجي السينما للدراما نتيجة ضعف السوق السينمائي.


عودة الدراما المصرية

يعتبر عام 2010 هو بداية صعود الدراما المصرية؛ فهو العام الذي اجتمع فيه المخرجون الشباب مع مخرجي السينما ونجحوا في إخراج موسم جيد بمسلسلات مثل: الجماعة – الحارة – أهل كايرو – شيخ العرب همام. تميزت هذه المسلسلات بصورة قوية كصورة السينما وبدأت تدخل على أنها موضة جديدة أو شيء جديد لا بد منه للتسويق أو للتطوير.شهد عام 2011 ثورة يناير، وبرغم تعرض كل شيء لهزة عنيفة ومنها الدراما، إلا أنها استطاعت إخراج مسلسلات جيدة مثل (المواطن إكس) و(خاتم سليمان). وبدأ تقديم مخرجين وكتاب جدد. كذلك الاعتماد على التوليفة الشبابية والبطولة الجماعية، أو بتعبير أدق ظهور أهمية للشخصيات الفرعية.عام 2012 كان تأكيدا لهذه القاعدة وأضحت التوليفات الشبابية مسيطرة، وهو ما ساعد على الحفاظ على قاعدة الشخصيات الفرعية كمسلسلات (رقم مجهول) و(طرف تالت) الذي كانت البطولة فيهم والإخراج والقصة لعناصر شبابية.يعتبر عام 2013 من أكثر الاعوام التي شهدت مسلسلات مميزة، فشهد مسلسلات (موجة حارة، وبدون ذكر أسماء، ونيران صديقة، والخواجة عبد القادر، وذات)، ولوحظ في هذا العام التركيز على الشخصيات المتشددة دينيًا، ويمكن تفسير ذلك بأن الموسم الرمضاني لهذا العام أعقب أحداث 3 يوليو وإزاحة جماعة الإخوان المسلمين من الحكم.أما عام 2014 و2015 فقد شهدا استقرارًا لهيكل الدراما المصرية، فبدا أمرا واقعا أسلوب الإخراج السينمائي ونُبذ أسلوب الثلاث كاميرات، حدوث تنوع وموازنة بين البطولات الجماعية والبطولات المطلقة، أما البطولات المطلقة فلم تكن مثل الماضي معتمدة على النجوم القدامي بل إن أغلبها من النجوم الجدد، كيوسف الشريف ونيلي كريم ودنيا سمير غانم وعمرو يوسف ومحمد فراج.