منذ مارس/ آذار 2015 تخضع مدينة إدلب السورية وريفها تحت سيطرة «جيش الفتح»، الذي يتألف من العديد من فصائل الثورة السورية الإسلامية على رأسها «جبهة النصرة» – فتح الشام حاليًا.

وفي الـ17 من يناير/ كانون الثاني الجاري نظمت الهيئة المدنية التابعة لجبهة جيش الفتح، انتخابات بالاقتراع الحر المباشر لاختيار أعضاء مجلس محلي، يدير أمور المواطنين الخدمية في المدينة، وهو تقريبًا المجلس المحلي المنتخب لأول مرة في سوريا منذ عام 1985، في تجربة تحسب كمكتسب للثورة السورية بنهاية المطاف.

إلا أن تلك التجربة تعرضت خلال الأسابيع الماضية، لتهديدات قد تقوضها في الأشهر المقبلة بسبب الصراع الذي تشهده المدينة اليوم بين العديد من فصائل الثورة السورية المسلحة، والذي أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى.

سنستعرض في هذا التقرير أبرز تطورات المشهد الجاري في إدلب، وأسباب ذلك التناحر الدائر هناك بين حركة أحرار الشام وعدد من فصائل المعارضة المسلحة الأخرى وبين جبهة فتح الشام، والدور المرجح لنظام الأسد في إشعال تلك الأزمة الأخيرة، وأبرز مؤشراته.


ماذا يجري في إدلب؟

http://gty.im/468026718

اندلعت السبت الماضي في بلدة قميناس بريف إدلب اشتباكات عنيفة بين حركة «أحرار الشام» الإسلامية وجماعة «جند الأقصى» التابعة لجبهة النصرة – فتح الشام حاليًا – إثر هجوم مباغت شنه عناصر الجماعة الأخيرة على مقرات وحواجز لـ«حركة أحرار الشام» في محيط خربة الجوز والزعينية عند الحدود التركية، انتهت إلى سيطرت «فتح الشام» على معبر خربة الجوز وأسرها مقاتلين منتميين لـ«أحرار الشام» في الزعينية.

في الشهر الماضي قبل اندلاع الأحداث الأخيرة قُتل قياديان من «جيش العزة» وعنصر من «حركة أحرار الشام الإسلامية»، في هجومين استهدفا مقرًا وحاجزًا في ريف إدلب الجنوبي. وقد أكدت مصادر من إدلب أن «جند الأقصى» هو من وراء تلك العملية، فضلاً عن دوره بوجه عام في تصفية معظم القادة في الجيش الحر و«حركة أحرار الشام»، والقيام بأعمال تخريب في المحافظة. كحرق الباصات المخصصة لإجلاء أهالي بلدتي كفريا والفوعة المواليتين، بالقرب من مدينة إدلب، وكان جند الأقصى قد اندمج مع جبهة فتح الشام، بعد المعارك الأخيرة التي خاضها مع حركة أحرار الشام.

إثر هجوم جبهة فتح الشام الأخير مطلع الأسبوع الماضي، أعلن اثنان من أبرز أعضاء ما يسمى بـ«مجلس الشورى» التابع لها استقالتهما، السبت 21 يناير/ كانون الثاني احتجاجًا منهما على الاقتتال والمواجهات التي وقعت في ريف إدلب وتقوض وحدة صف المجاهدين هناك. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصدر إعلامي سوري معارض قوله في تعليق على هذا الانشقاق، إن المنشقين هما أبو أحمد زكور، عضو مجلس شورى فتح الشام، وعبد الله حلب، المسئول الاقتصادي العام، وعضو مجلس شورى التنظيم المذكور.

وأشار المصدر إلى أن القياديين البارزين أصدرا بيانا مشتركا عنهما أوضحا فيه مسوّغات انشقاقهما عن التنظيم، معللين خطوتهما هذه بأنها ناجمة عمّا آلت إليه الساحة من تشرذم وتفرقة بعد محاولات عديدة للاتحاد باءت جميعها بالفشل، واحتجاجًا على سعي كل فصيل للاستئثار بالساحة والوصاية عليها دون قبول لنصيحة ناصح أو مراعاة لمصلحة أهل الشام، وبعد اليأس من توحيد الصفوف وجمع الكلمة.

علي خلفية تلك الأحداث أعلنت جبهة فتح الشام الفصائل إلى ما أطلقت عليه ورقة عمل، يجري الاتفاق بموجبها على إنشاء كيان سني موحد سياسيًا وعسكريًا يقوم على أسس شرعية، ويمتلك قرار السلم والحرب، على حد وصف بيان للجبهة.

و رداً علي الهجوم أعلنت سبع فصائل تابعة لـلمعارضة السورية المسلحة، توحدها في قتال جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) ردًا على ما وصفته باعتداءات هذه الجبهة عليها، وتضم تلك الجبهة الجديدة كلاً من حركة أحرار الشام وصقور الشام وجيش الإسلام وتجمع «فاستقمْ كما أُمِرْت» وفيلق الشام وجيش المجاهدين.

و علي خلفية القتال الدائر بين كل من تلك الأطراف في قرى جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي،أصدرت جبهة فتح الشام، بنهاية المطاف الاثنين الماضي، بياناً أعلنت فيه عدم تبعية تنظيم جند الأقصى لها، نتيجةً لما وصفته بعدم انصياع الجند لأي من بنود البيعة، موضحةً أنه فور قبول جند الأقصى البيعة في تشرين الثاني 2016، وصلت تأكيدات من الجند على عدم قبولهم البيعة، وأن الأمير بايع عن نفسه ومن شاء من أفرادهم، لا عن الفصيل بأكمله.


الأسباب الحقيقية وراء الصراع اليوم في أدلب

تأكيدًا على إشارة بعض المصادر على أن سبب تأجج الصراع الحقيقي بين الفصائل المعارضة، مع جبهة فتح الشام، مرده بند سري تم التوافق عليه في أستانة، يقضي بتثبيت خطوط القتال بين تلك الفصائل والنظام، مع استثناء جبهة فتح الشام، وهو ما يعني إعطاء الضوء الأخضر لكلا الطرفين لتحقيق مكاسب على الأرض على حساب هذه الجبهة.

أصدرت جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا) بيانًا عبرت فيه عما قالت إنه موقفها من محادثات أستانة، التي عقدت في عاصمة كازاخستان، حيث اعتبرت أن مؤتمر أستانة جزء من المؤامرة ضد الثورة السورية. ولخصت الجبهة موقفها في خمس نقاط أوردتها بالبيان، و قالت إن المسار السياسي الذي واكب الثورة منذ بدايتها لم يكن يخدم أهدافها، بل كان سلسلة مما وصفتها بالمؤامرات.

وقالت الجبهة إنها تؤيد وقف القصف على المدنيين وإطلاق سراح المعتقلين ودعم المناطق المحاصرة بالمساعدات. واعتبرت أن رعاية روسيا لمحادثات أستانة تعد إذلالًا لتضحيات المجاهدين، حيث اتهمت روسيا بأنها تحتل سوريا وقصفت العديد من مدنها ودمرتها، كما تعد نوعًا من القبول المباشر ببقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد على رأس السلطة. ورأت الجبهة أن التفاوض في أستانة حقٌ لا يملكه أحد بعينه، ودعت المشاركين في المحادثات، بحسب البيان، إلى رفض بيع تضحيات أهل الشام، وألا ينزلقوا في مكائد ومؤامرات.


دور نظام الأسد في إشعال الأزمة الأخيرة بين فصائل الثورة السورية

ما يجري في إدلب اليوم بحسب مراقبين، يحمل الإجابة علي تساؤل ماذا كان الهدف من اختيار الأسد وحلفائه إدلب تحديدًا لترحيل كافة مسلحي المعارضة إليها. و هو ما كان من تداعياته ذلك الاقتتال غير المسبوق الأثر الآن بين فصائل الثورة السورية المسلحة. فهذا الاقتتال كان أقصى ما كان يحلم به الأسد وحلفاؤه للقضاء علي تلك الفصائل دون أن يكلف قواته أو القوات الداعمة له خوض معارك جديدة على جبهة إدلب، مما يشير إلى أن الأسد وحلفاءه ربما قد خططوا لهذا السيناريو بشكل مسبق.