غدًا الخامس عشر من يوليو/تموز الجاري، تحيي تركيا الذكرى الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشلة، وبينما تقام الاستعدادات على قدم وساق بالداخل التركي حيث تكثيف الحملات على مشبوهين بالانتماء إلى جماعة كولن والذي تتهمه أنقرة بتدبير الانقلاب، لا تزال الأنباء والشكوك تتوالى بالمنطقة العربية وخارجها عن الدور المحتمل للإمارات في تلك المحاولة، وذلك في ظل عدد من المؤشرات التي تذهب إلى تورطها في دعم الانقلاب، وكان آخرها تسريبات البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة!

وفي سياق هذه الشكوك وحالة عدم التيقن، نفتح الباب للنقاش ونتطرق للموقف الإماراتي من هذا الانقلاب، لمعرفة مدى تورطها بالأمر ودوافعها، وانعكاسات ذلك على الخلاف الحالي بين الجانبين حول الموقف من الأزمة القطرية.


هل كان للإمارات دور في محاولة الإطاحة بأردوغان؟

(مصدر الصورة:Kayhan Özer – Anadolu Agency)

منذ قيام المحاولة الانقلابية الفاشلة منتصف يوليو/تموز من العام الماضي وهناك العديد من التلميحات والتقارير التي تتحدث عن الدور الذي لعبته أبوظبي في تلك المحاولة، خاصة مع ترددها في الإعلان عن موقفها منه، وإشارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى وجود بلدٍ مسلمٍ أنفق ثلاثة مليارات دولار للإطاحة بأردوغان والحكومة، وفي هذا الإطار سلطت وسائل الإعلام التركية والبريطانية الضوء على هذا البلد، مشيرةً إلى أن الإمارات هي المقصودة.

حيث أشارت العديد من الصحف التركية؛ أمثال ديلي صباح وموقع ميدل ايست آي البريطاني إلى أن الإمارات قد دعمت هذه المحاولة بنحو ثلاثة مليارات دولار، عبر محمد دحلان مستشار ولي عهد أبو ظبي والقيادي المفصول من حركة فتح، والذي تربطه علاقات وثيقة بولي العهد محمد بن زايد.

إذ أوضحت هذه الصحف أنه لعب دور الوسيط بين الإمارات والداعية فتح الله كولن المقيم حاليًا بالولايات المتحدة، عبر تحويل الأموال الإماراتية إلى الانقلابيين بواسطة رجل أعمال فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة.

ولم تكن تلك الاتهامات وليدة لحظة ما بعد الانقلاب، إذ كان هناك اتجاه سائد لدى الصحف التركية خاصة القريبة من حزب العدالة والتنمية، كصحيفة جيرتشيك حياة، أن الإمارات تسعى للإطاحة بأردوغان، ونشرت الصحيفة في يناير/كانون الثاني 2016، أي قبل الانقلاب بستة أشهر، تقريرا أشارت فيه إلى وجود مخطط انقلابي ضد العدالة والتنمية تترأسه الإمارات ويشرف عليه دحلان، ويقوم على حملة إعلامية عربية لتشويه صورة أردوغان وتقديم الدعم للمعارضة التركية وحزب العمال الكردستاني تمهيدًا للانقلاب العسكري.

وفي سياق هذه التقارير جاءت تسريبات العتيبة لتؤكد الاتجاه القائل بأن الإمارات كانت داعما أساسيا للانقلاب، حيث كشفت عن تورط الإمارات مع مؤسسة موالية لإسرائيل (مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات اليمينية) في تدبير الانقلاب، كما تضمنت الرسائل اجتماعا بين المسؤولين الإماراتيين وتلك المؤسسة، يناقش الموقف من جماعة الإخوان المسلمين وآليات التعامل مع الطموح التركي تحت زعامة أردوغان، وهو ما يشير إلى إمكانية قيام الإمارات بالتعاون مع مؤسسات مؤيدة لتل أبيب لتحقيق أهدافها بالمنطقة سواء كانت السيطرة أو إبعاد النفوذ الخارجي!

وإذا كان الحديث فيما سبق عن تقارير وتسريبات، فهناك أيضًا عدد من المؤشرات التي يستند إليها المحللون في دعم صحة الأنباء عن التورط الإماراتي في تلك المحاولة الفاشلة، والتي كان أبرزها التردد الإماراتي في الإعلان عن موقف صريح معارض للانقلاب ومؤيد للحكومة التركية.

إذ جاء الرد الإماراتي مختلفًا عن دول الخليج الأخرى، فبينما سارعت قطر إلى إعلان دعمها للحكومة الشرعية وتلتها السعودية فيما بعد، جاء رد الإمارات متأخرًا ولم يكن بالقوة الكافية لإزالة الشكوك حولها حيث اكتفت بالإعراب عن بالغ القلق من المحاولة الإنقلابية وتأكيد الحرص على استقرار تركيا، فيما لم تتطرق إلى دعم حكومة أردوغان، كما فعل غيرها من دول الخليج الأخرى.

وكذلك الأمر في الإعلام، كانت تغطية الإعلام الإماراتي للحدث مثيرة للشكوك حيث كانت عدد من قنواتها الإعلامية ومنها سكاي نيوز من أوائل القنوات التي نشرت بيان الانقلاب، وزعمت أن أردوغان طلب اللجوء إلى ألمانيا، وهو ما ثبتت بعد ذلك عدم صحته واضطرت حينها إلى حذف هذه الأنباء.


ما أسباب الخلاف الإماراتي مع تركيا؟

يثير ما سبق العديد من التساؤلات بشأن أسباب هذا الموقف الإماراتي من تركيا، وهو ما يمكن تفسيره من خلال الرجوع إلى تاريخ العلاقات بين البلدين. فقد شهدت هذه العلاقات تعاونا متصاعدا على كافة المستويات، وكانت تركيا أحد أكبر الشركاء الاقتصاديين للإمارات، ودائمًا ما سعت أنقرة لتعزيز التعاون مع دول الخليج لدعم الاقتصاد التركي في إطار استراتيجيتها لتوسيع نفوذها بالشرق الأوسط.

إلا أن العلاقات بين البلدين بدأت في التدهور عام 2013، بعد الإطاحة بالرئيس المصري المعزول محمد مرسي نتيجة لتعارض الأجندات والسياسة الخارجية لكلا البلدين، فحكم أردوغان محسوب بصورة ما على تيار الإسلام السياسي وهو ما تعتبره الإمارات العدو الأول لها، وبينما دعمت تركيا جماعة الإخوان المسلمين كانت الإمارات أكبر الداعمين للإطاحة بحكمهم في مصر.

كذلك ثارت الخلافات بينهما على خلفية رغبة الإمارات في تحجيم الدور القطري بالمنطقة ومخاوفها من التعاون الوثيق بين أنقرة والدوحة (كان الطرفان قد اتفقا على تأسيس مجلس للتعاون الاستراتيجي بينهما أواخر عام 2014، كما أقامت أنقرة قاعدة عسكرية لها بالدوحة)، وهي المخاوف التي ظهرت إلى العلن مع الأزمة القطرية الحالية، حيث التشدد الإماراتي الواضح ضد الدوحة وتأكيداتها المتوالية بشأن عدم التراجع، حتى تخضع الدوحة للشروط المفروضة عليها ويتم تحجيم دورها المتنامي بالمنطقة لصالح الدور الإماراتي.

وعلى الرغم مما سبق فقد بدأت الإمارات فيما بعد الانقلاب محاولات عدة لتحسين العلاقة مع أنقرة كان من بينها توقيف جنرالين تركيين في مطار دبي الدولي، وتسليمهما إلى تركيا بشبهة تورطهما في الانقلاب، وهو الأمر الذي تجاوبت معه أنقرة حيث بدأت من جانبها خطوات أخرى للتقارب كان أبرزها زيارة وزير الخارجية جاويش أغلو في 25 أبريل/نيسان 2017، إلى الإمارات وبعدها بشهرين في يونيو/حزيران أعادت أبوظبي سفيرها لتركيا شاهين المرر، وواصلت استثماراتها بالأسواق التركية.


ماذا عن مستقبل العلاقات في ظل الأزمة الخليجية؟

تركيا، انقلاب، مليونية، رجب طيب أردوغان، انقلاب
مليونية «الديمقراطية والشهداء» في إسطنبول ضد المحاولة الانقلابية، بحضور رموز الحكم وزعماء المعارضة – تركيا – 7 أغسطس/آب 2016

تلت مرحلة التقارب السابقة مرحلة أخرى من التصعيد والتأزم على خلفية التناقض بين الطرفين فيما يخص الموقف من الأزمة القطرية، حيث انحازت تركيا إلى جانب الدوحة ودعمتها في مواجهة دول المقاطعة وعلى رأسهم الإمارات، وهنا يمكن ملاحظة أنه بينما تحاول أنقرة الإبقاء على الحد الأدنى من علاقاتها مع الرياض، إلا أن الأمر فيما يبدو ليس كذلك في علاقاتها مع أبوظبي.

ففي إطار المحاولات التركية لحل الأزمة قام جاويش أوغلو بجولة سابقة شملت قطر والكويت والسعودية واستثنى الإمارات منها، وهو الأمر الذي كرره أردوغان حيث أعلن عن نيته القيام بجولة أخرى منتصف يوليو/تموز الجاري بُعيد ذكرى الانقلاب تشمل البلدان ذاتها، دون التطرق إلى الإمارات، مما يشير إلى قوة الخلاف بين الطرفين واتجاهه إلى التصعيد.

وهنا يمكن الإشارة إلى أن علاقة تركيا مع الإمارات تتمايز إلى حد ما عن علاقاتها ببقية دول الخليج الأخرى، حيث يشوبها مجموعة من الخلافات المترسبة والمتفاقمة، وعلى الرغم من أن هذه العلاقات تشهد مراحل من التقارب إلا أن أسباب الخلاف الحقيقية تظل موجودة. وأخيرًا، فالعلاقات بين الجانبين تتوقف الآن على مستقبل الأزمة التي لا يبدو أنها ستتجه إلى الحل قريبًا في ظل التصعيد المتوالي من الأطراف.