تحدث «فرويد» قديماً عن إرادة الموت وقال إنها غريزة توازي في قوتها إرادة الحياة التي تسيّر جميع المخلوقات، وبالطبع ليس مجالنا هنا لنتحدث عن هذا باستفاضة، ولكن إذا أدركنا أن هناك ما يسمى بإرادة الموت، يمكننا بالكثير من الخيال أن نتحدث عن «إرادة الفشل» ويمكننا أن نضع لها قوانين واضحة نستقيها بسهولة من مسلسلات رمضان هذا العام.

إرادة الفشل مصطلح غير حقيقي بالطبع، ولكن ما الذي يبرر الإصرار الشديد على الفشل وإفساد الأشياء أكثر من أن تكون تلك إرادة غريزية؟ الغريزة وحدها هي ما تبرر اندفاع أسماء لامعة في عالم الدراما لإفساد كل شيء، بل وتجميع عوامل هذا الفشل ووضعها كلها داخل العمل دفعة واحدة، إصرار شديد أن يكون الفشل مبهراً وكاملاً، وكأن هناك كتالوجاً اتبعه الكثير من صناع الدراما هذا العام ليفشلوا فشلاً مدوياً، في هذا التقرير سوف نستعرض معاً أهم قوانين هذا الكتالوج، بالتطبيق على أعمال هذا العام.


أولاً: ابتعد عن المنطق قدر الإمكان

إذا أردت أن تضع الركيزة الأولى في فشل العمل الدرامي فلتضع نصب عينيك كل الأشياء المنطقية ولتبتعد عنها مسافة ثلاثة أميال على الأقل، ليس المقصود هنا أن توسع خيالك وتحاول الإتيان بقصة مختلفة وحبكة خيالية وجديدة، لا، بل سوف تعمل على قصتك العادية وتغرق في الابتعاد عن المنطق في معالجة التفاصيل، هذا سيشعر المشاهد أنك تستغفله، وأنك تستسهل، وأنك لم تجهد نفسك أبداً في حبك القصة، هذه هي الخطوة الأولى نحو نجاحك في إفشال عملك الدرامي.

كل تفاصيل مسلسل «لأعلى سعر» مثلاً تعتبر مرجعاً ممتازاً لذلك، فالأسرة في الواقع يمكنها أن تتخلى عن أحد أفرادها، ولكن ليس بكوميدية مفرطة كما حدث في مشهد مواجهة «هشام» لعائلة «جميلة» فقد تخلوا عنها جميعاً وعلى رأسهم أمها دون أن يطلب منهم أحد ذلك ودون حتى أن يتم تهديدهم بأي شيء.

ثم يأتي القاضي الذي يحكم بعدم أهلية «جميلة» بحضانة الطفلة لمجرد أنها كانت راقصة باليه، في نفس الوقت الذي يحكم فيه بالحضانة لطليقها وزوجته عارضة الملابس الداخلية، منتهى اللامنطق وتستيف الأحداث لخلق أزمة غير منطقية وغير موجودة.


ثانياً: حاول أن تضيع عمر المشاهد بكل جهدك

إذا أفلت المشاهد من الخطوة والأولى ووجدت نفسك مصمماً على إفشال عملك الدرامي عليك الانتقال للخطوة الثانية وهي؛ مط الأحداث وتطويلها وحث الممثلين على أن تكون ردود فعلهم بطيئة هو ما تحتاجه تماماً في تنفيذ خطتك تلك.

يمكنك أن تتعلم من مسلسل «واحة الغروب» كيف تنفق عمر المشاهد في اللاشيء، كأن يظل المسلسل يمشي بك في الصحراء بخطى وئيدة لمدة ثلاث أو أربع حلقات قبل أن يصلوا للواحة، وأن تصنع مشاهد طويلة ومكررة لا جديد فيها على الإطلاق سوى أن تستمتع بنطق «منة شلبي» للعربي المكسر، وتذكر دوماً أن الكادرات الجميلة لا تصنع مسلسلاً جيداً.

يمكنك أيضاً أن تستعين بمسلسل «في اللالا لاند» في تلك النقطة، لا أحداث ولا دراما ولا إضحاك حتى، وبإمكانك أيضاً أن تستقي الكثير من المعلومات عن كيف تضيع عمر المشاهدين من مسلسل «الزيبق» الذي سوف تبدأ أحداثه بعد أن ينتهي المسلسل نفسه على الأرجح.

في هذا الصدد ابتكر صانعو الدراما طرقا جديدة لتضييع عمر المشاهدين، فيمكنك أن تقوم بعد الدقائق الضائعة في ردود فعل الممثلين على جمل عادية جداً لا تتطلب كل هذا الصمت قبل أن يدلي الممثل بدلوه في الحوار، هذا يتكرر في معظم المسلسلات تقريباً.

يمكنك أن تتعرف على تقنية أخرى لتطويل زمن الحلقة في مسلسل «30 يوم» عندما تصادف مشاهد طويلة ليس لها أي سياق درامي يعزف فيها «باسل خياط» نفس المقطوعة الموسيقية في كل حلقة والتي هي بالمناسبة نفس موسيقى التتر، دون أي مبرر سوى عرض لقطات قصيرة للشخصيات لا تعبر عن أي شيء ولا تؤثر في الأحداث، وفي الغالب سوف تقوم بتقديم المؤشر لتخطيها إذا كنت تشاهد الحلقة على اليوتيوب ولن يفوتك أي شيء.


ثالثاً: النسخ والنحت من الفنون العريقة

تلك الخطوة مهمة جداً في إفشال العمل الدرامي وإفشال صانعه بشكل شخصي، خطوة سحرية تعجل بإنهاء كل شيء ببطء ولكن بحرفية، في هذه الخطوة يقوم صانع العمل بإعادة تدوير الفنان، واستنزاف نجاحاته السابقة حتى لا يبقى في جعبته شيء آخر ليقدمه.

يمكنك أن تتخذ كل الأعمال الكوميدية هذا العام تقريباً كمرجع لهذه النقطة، فمسلسل «ريح المدام» على سبيل المثال يعيد استنساخ برنامج «أسعد الله مساءكم» تقريباً بنفس الممثلين والإفيهات وطريقة تمثيل «أكرم حسني» لاسكتشات البرنامج، بل وحتى الاعتماد المفرط على أغنيات البارودي.

هناك أيضاً استنساخ ونحت شخصية «شيكو» في مسلسل «خلصانة بشياكة» والتي يؤديها في كل أعماله تقريباً، هناك طبعاً «دنيا سمير غانم» التي تصر على نحت نفس الأداء في كل الأدوار وكأنها لا تجيد الكلام بطريقة عادية، غير أنك يمكنك أن تستخدم الممثلات البدينات كإفيه مضمون الفشل ومكرر تكراراً لم يخل أبداً من الإملال.


رابعاً: انتق ممثلين لا يصلحون للأدوار

تلك ضربة قاضية بإمكانها أن تتوج فشلك بالنجاح الباهر حتى لو لم تقم بأي خطوة من الخطوات السابقة، فالدراما الجيدة لا تتطلب فقط ورقا مكتوبا بحرفية، ولكنها تحتاج لممثل يؤدي هذا الورق على الشاشة، فعندما تختار الممثل الذي لا يليق بالدور والذي يؤدي دوره باصطناع وبلا إتقان، فأنت قد ضمنت فشل العمل الدرامي باكتساح.

مثلاً «دينا الشربيني» في مسلسل «خلصانة بشياكة»، رغم أنها ممثلة جيدة جداً إلا أنها لا تجيد الكوميديا، خاصة كوميديا الإفيهات المباشرة، لذلك فقد كانت اختياراً ممتازاً لتكون أحد عناصر القضاء على المسلسل، و«ميرفت أمين» في مسلسل «لا تطفيء الشمس»، رغم عدم اختلافنا حول تاريخها وقدراتها الفنية إلا أنها كانت من أسوأ الاختيارات في المسلسل الذي بدأ مبشراً.

«جميلة عوض» أيضاً تحتاج الكثير من دروس التمثيل، أما «مي عمر» والتي تلعب البطولة أمام «أحمد فهمي» و«أكرم حسني» في «ريح المدام» فهي لا تحتاج دروسا في التمثيل إطلاقاً، هي تحتاج لأكثر من ذلك بكثير.


خامساً: استسهل في المطلق فالعمر قصير

تلك خطوة عامة يمكنك ممارستها طوال الوقت حتى لو لم تكن تريد إفشال العمل الدرامي، العمر قصير لا يجب أن نضيعه في إتقان التفاصيل وملاحظتها، في النهاية كلنا سنموت، لذلك حاول بقدر الإمكان أن تستسهل، وثق أن المشاهد سوف يلاحظ التفاصيل المنسية ولكنه لن يعقب عليها كثيراً، كأن تخطيء في راكور المشاهد وتظهر «نيللي كريم» في إحدى اللقطات تلقي بدبلة زواجها في النيل ثم تظهر بعد عدة مشاهد ترتديها بوضوح، أو أن تغير «زينة» اتجاه تسريحة شعرها مرتين في نفس المشهد.

التفاصيل لا تهم، عندما تتعامل مع الدراما على أنها سبوبة وليست فناً فلا شيء يهم، لا المنطق ولا الحفاظ على إيقاع العمل ولا اختيار الممثلين ولا حتى التفاصيل الصغيرة، كلها أشياء لا تهم هنا، ما يهم هو أن نقوم بتصوير الحلقة سريعاً وتسليمها للمونتاج في نفس ليلة عرضها، وكأن رمضان يفاجئنا بقدومه كل عام فنضطر لإنهاء كل شيء في وقت قصير أو لا وقت على الإطلاق.

لا يهم، لا شيء يهم، المهم أن تتدفق الإعلانات، وكلما طالت فترة الفاصل الإعلاني فقد المشاهد صبره ونسي ما كان يشاهده فلا يستطيع الربط بين المشاهد، وبالطبع لن يتنبه إلى كل ما سبق وناقشناه، فلا تقلق، الدراما ستظل بخير.