عبر هذه التغريدة، مهد الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» للملايين من متابعيه على موقع تويتر، خبر مقتل أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، الذي انفردت بسبق إعلانه مجلة نيوزويك الأمريكية ليلة أمس. الخبر الذي تأكد بعد المؤتمر الصحفي الذي عقده البيت الأبيض صباح اليوم عن تفاصيل وملابسات تلك العملية التي أدت إلى مقتل البغدادي.

من سامراء إلى إدلب: ملامح من سيرة حياة البغدادي

 ولد البغدادي الذي اسمه الحقيقي هو «إبراهيم عواد إبراهيم البدري» في مدينة سامراء شمال بغداد عام 1971، من عائلة تنتمي إلى عشيرة البدري، ولأب يعمل مدرسًا للقرآن الكريم، واشتهر في منطقته بمهارته في لعبه كرة القدم وولعه بها.

كان البغدادي يطمح في صغره أن يكون محاميًا، ولكن لم تسمح له نتيجته في المرحلة الثانوية بدخول كلية الحقوق، فاتجه البغدادي الشاب إلى حلم آخر ألا وهو الدخول في سلك الخدمة العسكرية، لكن ضعف بصره حال دون ذلك أيضًا.

بعد أن أغلق بابا السلك القانوني والعسكري في وجه، اتجه البغدادي للدراسات الشرعية، وحصل في هذا الإطار على البكالوريوس في الدراسات الإسلامية من جامعة بغداد عام 1996، ثم عمل إمامًا لأحد المساجد في بغداد خلال عهد الرئيس العراق الأسبق صدام حسين، وحصل على درجة الماجستير في الدراسات القرآنية في عام 2007.

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003، انضم البغدادي للمقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال وتعرض للاعتقال في فبراير/ شباط من عام 2004 بعد مشاركته في أعمال التمرد الواسعة التي جرت في مدنية الفلوجة في هذا العام، وقضى فترة اعتقاله في سجن بوكا في محيط مدينة أم قصر العراقية، الذي كان يضم بين جنباته حوالي 20 ألف معتقل.

 قضى البغدادي فترة اعتقاله الأولى منطويًا على نفسه، ولكن بمرور الوقت صار الأخير ملجأ لحل الخلافات والمشاكل بين زملائه بسبب دراسته الدينية وسمعته كإمام مسجد، ومن ثم أصبح بمثابة زعيم للمساجين هناك. جدير بالذكر أن في قلب سجن بوكا تشكلت نواة ما عرف لاحقًا بتنظيم الدولة الإسلامية، حيث سيطرت المجموعات الخارجة تباعًا من ذلك السجن على قيادة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، منذ مقتل أبو مصعب الزرقاوي إثر غارة أمريكية في يونيو\حزيران من عام 2006.

بعد خروجه من السجن عمل أبو بكر البغدادي كمساعد لقائد التنظيم أبو عمر البغدادي والجهادي المصري أبو أيوب المصري. وفي تلك الأثناء، بدأ تنظيم الدولة الإسلامية بالاتصال بالعناصر البعثية في النظام العراقي السابق، وتطورت الأحداث بعد اندلاع الثورة السورية إلى الانشقاق المعروف لعناصر التنظيم العراقيين عن تنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري، وإعلانهم تدشين «دولة العراق والشام الإسلامية» ثم إعلانهم «الخلافة الإسلامية» بعد سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الموصل.

للمرة التاسعة: لماذا الإعلان عن مقتله يختلف هذه المرة؟

ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها إعلان مقتل أبو بكر البغدادي، ولكنها المرة التاسعة على التوالي في هذا السياق، منذ عام 2014، حيث أعلنت العديد من الجهات من أبرزها المرصد السوري لحقوق الإنسان وجريدة الديلي ميرور البريطانية والقوات الروسية العاملة في سوريا فضلًا عن وسائل إعلام عراقية؛ مقتله العديد من المرات خلال السنوات الماضية.  

المختلف هذه المرة عن المرات السابقة، أن الإعلان عن مقتل البغدادي تم هذه المرة بشكل رسمي من قبل كل البيت الأبيض والبنتاجون الأمريكي، وأكد مسئولون في الجيش الأمريكي مقتل الرجل بعد إجرائهم لفحوصات DNA، ونقلت في هذا السياق قناة Fox News الأمريكية أن نتائج فحوصات الحمض النووي تؤكد مقتله بالفعل.

تفاصيل الغارة الأمريكية التي أنهت حياة أبو بكر البغدادي  

وفق ما صرح به مسئول تركي كبير لوكالة رويترز، وصل البغدادي إلى الموقع الذي قُتل فيه في قرية بريشا في محافظة إدلب شمالي غرب سوريا قبل 48 ساعة من الغارة. وذلك على خلاف ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي عقده صباح اليوم بشأن الحدث، حيث ذكر أن مكان وجود البغدادي تم تحديده قبل أسبوعين بعد تلقي معلومات عن مكان وجوده قبل شهر.  

وفق ما قاله ترامب، فإن البغدادي قد قُتل عقب تفجيره لسترة ناسفة كان يرتديها خلال مطاردته داخل نفق أسفل المكان الذي كان يسكن فيه، وأسفر عن ذلك التفجير مقتله ومقتل زوجتيه وثلاثة من أطفاله، أثناء عملية إغارة أمريكية شاركت فيها 8 مروحيات عسكرية.

مقتل البغدادي والانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة

يعيد مقتل البغدادي الذي يجيء قبل الانتخابات الأمريكية الرئاسية المزمعة في العام القادم، التذكير بحدثي مقتل أبو مصعب الزرقاوي وأسامة بن لادن، اللذين تم استخدامهما في إطار المكاسب الداخلية والإنجازات الرئاسية لكل من جورج دبليو بوش وباراك أوباما، ولاسيما هنا حدث مقتل بن لادن الذي جاء قبل أشهر من إعلان أوباما ترشحه للفترة الرئاسية الثانية.

خاصة أيضًا أن مقتل الرجل جاء عقب أيام من إعلان الإدارة الأمريكية سحب قواتها من شمال سوريا، في هكذا سياق ضاغط على المستويين السياسي الداخلي الأمريكي، والميداني في شمال سوريا، من الصعب أن يأتي حدث مقتل قيادة على هذا المستوى في تنظيم الدولة الإسلامية بشكل عفوي.

السؤال الذي يطرح نفسه في هذه اللحظة هو: من الشخص القادم الذي سيختاره تنظيم الدولة ليخلف البغدادي؟ وأي مستقبل للتنظيم بعد طرده من الموصل والرقة ومقتل الكثير من كوادره وجنوده خلال المعارك هناك؟ وبعد مقتل زعيمه الآن، الشخص الذي يرجحه كثيرون الآن هو ضابط المخابرات السابق في عهد صدام حسين «عبد الله قرداش» الذي اختاره البغدادي لينوب عنه في شئون إدارة التنظيم، وهو ما يشير لأن الأخير سيكون هو الخليفة المحتمل للبغدادي حال غيابه، كما أفادت صحيفة التايمز البريطانية في تقرير لها عن قرداش في أغسطس/ آب الماضي.