الفيلم التسجيلي «أنا الشعب» للمخرجة الفرنسية «آنا روسيون» والذي عرض مؤخرًا في سينما «زاوية» بمنطقة وسط البلد في القاهرة؛ حيث كان العرض الأول في 15 فبراير/شباط بحضور المخرجة وبطل الفيلم «فراج» ومن ثم بدأت جولتهما لعرض الفيلم في فروع سينما زاوية في المحافظات، ومناقشة الجمهور.

قصة تصوير الفيلم تبدأ منذ عام 2009 عندما قررت «آنا» أن تذهب إلى الأقصر لتصوير فيلم تسجيلي عن السياحة في مصر بعد أن أنهت دراسة الإخراج الوثائقي والتي استغرقت عامًا واحدًا فقط، ومن هناك تعرفت على «فراج» فقررت أن تحول موضوع الفيلم من السياحة إلى الزراعة في الأقصر، وبالفعل قامت بتصوير بعض المشاهد، وغادرت مصر إلى فرنسا قبل اندلاع الثورة بيوم واحد فقط، ومن ثم أرادت العودة إلى مصر لمعاصرة الثورة فكانت الجملة التي رد بها «فراج» عليها هي: «شوفيها على الشاشات».

انتهى عمل المونتاج للفيلم في عام 2015 ثم أخذ جولته في مدن العالم وخصوصًا في مدينتي باريس وتولوز، ورحب الجمهور هناك بالفيلم والذي كان متلهفًا لمشاهدة عمل عن الثورة المصرية والتي تابعها منذ اللحظة الأولى وصولًا لطلب التفويض في عام 2013، كما فاز الفيلم بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للشريط الوثائقي «فيدادوك»، ثم بدأ عرضه في مصر مؤخرًا من خلال سينما زاوية.


الثورة في الصعيد

اتصفت الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني بمركزيتها، وإن كانت مركزية جزئية، فقد شاركت عدة محافظات بالتظاهرات وعلى رأسها السويس والإسكندرية، ولكن في ذلك الوقت لم يشارك الصعيد في التظاهرات واكتفى بمتابعة أخبارها على شاشات التلفزيون وخصوصًا التلفزيون المصري الذي عرف وقتها بتأيده للنظام، إلا أن ذلك لم يمنع وصول الأفكار الثورية للصعيد، وتأييد أهل الصعيد –ولو جزء منهم- للثورة.

«فراج» بطل الفيلم مثالًا على أهل الصعيد المؤيدين للثورة والمناوئين للحكم العسكري. ففي أحداث الفيلم التي تدور خلال عامي 2011 و2013 كان فراج مؤيدًا للثورة ضد مبارك ومعارضًا للمجلس العسكري، وأبدى رغبته وتأييده لرئيس مدني والحكومة المدنية. ربما لم تُبدِ الشخصيات الثانوية في الفيلم نفس الترحيب بفكرة الثورة وفترة عدم الاستقرار، ومنهم من أبدى عدم اقتناعه بضرورتها أو جدواها في الأساس، وخصوصًا أن أحداث الفيلم تدور في قرية تابعة لمدينة الأقصر ومعظم المواطنين هناك يعملون بالسياحة والتي تأثرت بالطبع بأحداث الثورة. ويؤكد “فراج” أن موقفه من الثورة لم يكن نابعًا من أن وضعه الاقتصادي في أمان حيث أنه يعمل في الزراعة، فحتى لو سلبوه أرضه لن يغير آراءه.


تصوير الفيلم

وضحت «آنّا» أنها صورت 300 ساعة، وهو ما كان مرهقًا في عملية المونتاج لتختار من بينهم بضعة مشاهد تشكل قصة الفيلم العامة في ساعتين تقريبًا وهي مدة الفيلم النهائية، وأن الكادرات بالفيلم كلها كانت تسير على نمط واحد، و ذلك لعدم تعمقها في أمر التصوير السينمائي، بالإضافة إلى أنها لم ترد أن تقحم آراءها أو أية مشاعر خارجية في الفيلم فلم تلحق به موسيقى تصويرية، وأي موسيقى ظهرت بالفيلم كانت موجودة بالفعل أثناء التصوير دون تدخل منها.

كل ما أرادته «آنّا» هو تصوير حياة فراج أثناء الثورة، وموقفه منها بعيدًا عن التقرير الصحفي، مع إضافة آراء المحيطين به، لذا عملت على إيجاد شخصية نسوية في الفيلم وهو الأمر الذي كان صعبًا لرفض النساء التصوير، وبعد محاولات كثيرة وافقت زوجة فراج والتي جاءت آراؤها مغايرة عن آراء زوجها في الثورة وأحداثها، وابنة فراج والتي كانت طفلة أثناء تصوير الفيلم ولكنها كانت مؤيدة للثورة، ثم توضح «آنّا» أن ابنة فراج رفضت التصوير فيما بعد فجاء دورها صغيرًا جدًا ومحدودًا بالفيلم، في حين عبّر فراج عن قبوله تصوير حياته ومنزله بأن ليس لديه ما يخفيه أو يخجل منه. وقد اختارت المخرجة اسم الفيلم تيمنًا بأغنية «أم كلثوم» التي تحمل نفس الاسم «أنا الشعب»، والتي كانت تذاع كثيرًا بعد الثورة.


أنا الشعبُ.. أنا الشعبُ

الفيلم بصفة عامة جيد مع الأخذ بالاعتبار أنه العمل الأول للمخرجة وأنها لم تدرس صناعة الأفلام التسجيلية سوى لعام واحد فقط. ربما كانت المشكلة الرئيسية التي عانى منها الفيلم هي عدم وجود أحداث بشكل واضح مع طول مدته، وربما يكون سبب ذلك أنها صورت 300 ساعة كما وضحت وأن عملية المونتاج كانت مرهقة للغاية، فبالتالي لم يكن هناك تركيز على موضوع أو حدث بعينه، وكان يمكن تقليص المشاهد أكثر من ذلك لتصبح الأحداث متقاربة أكثر.

في حالة الفيلم التسجيلي ربما يكون أكثر ما يشغل بال المخرج متى سيتوقف عن التصوير -وليس المقصود بالمدة الزمنية لتصوير الفيلم والتي يطلب المنتج الاكتفاء بها والتوقف عندها- ولكن المقصود بما قلته هنا أن الأحداث الراهنة منذ اندلاع الثورة إلى الآن مترابطة بشكل أساسي فكيف سيكون مشهد نهاية الفيلم؟، المشهد الختامي هو من أذكى المشاهد في الفيلم، فالقطع الحاد للمشهد عبّر عن أن المرحلة التالية مختلفة كليًا عن السابقة ولا يمكن الدمج بينهما في فيلم واحد. هل تغير الصعيد بصفة عامة مع الثورة؟ هذا ما لم يُجب عليه الفيلم بشكل صريح، وإن يبدو أن التغير الذي حدث في الصعيد زامنًا مع الثورة تغير طفيف، إلا أن بطل الفيلم «فراج» قد تغير وهذا على وجه التأكيد.