السينما فن قائم على الجمهور بالأساس، منذ صعودها كاكتشاف تقني أواخر القرن التاسع عشر، وانتشارها كوسيلة ترفيه أول القرن العشرين، ارتبط انتشارها في أنحاء العالم من خلال تفاعل الجمهور معها. ظلّت في ميلادها الأول أداة تبحث عن لغة تخصّها، تحاول الاشتباك مع الواقع وتبحث عن أدوات ذاتية للتطوير، كل ذلك من خلال تفاعل الجمهور تحت قاعدة ماذا يطلب المستمعون؟ ثم تطويع الأداة الفنّية إلى أساس لتحديد الرغبة العامة للمستمعين أو المشاهدين.

ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، استخدمت السينما كأداة تأثير مباشر على الوعي الجمعي، تدفقت أيديولوجيات وأفكار استعمارية بصور مستترة في رؤوس الشعوب. حينما بدأت بذور النظرية السينمائية على يد سيرجي أيزنشتاين، محاولات لفصل الفن الجديد عن التبعية الحتمية لأشكال الفن الأقدم، ومن وراء البحث عن المنهج، صعدت موجات سينمائية عالمية، بعضها قام على التأثير الجماهيري مثل واقعية إيطاليا الجديدة، وبعضها قام على الانزواء في مساحة أفلام «النخبة» والاشتباك مع أفكار انتقائية معنيّة بأزمات الحداثة وما بعدها مثل الموجة الفرنسية الجديدة. خلال كل هذه المحطات التي تجاوزتها السينما العالمية، ظلّ الجمهور هو الأداة الأكثر تأثيرًا فيها، مقياس محوري، يثبت فاعلية الفكرة الفنّية أو يثبت فشلها.

العلاقة بين الفيلم والجمهور إشكالية قائمة وممتدة، لم ولن تنتهي، وقتما تتراجع أمام فيلم يجمع بين الأصالة الفنّية، طزاجة الفكرة والقدرة على الموازاة بين متطلبات ثقافة المجتمع المحيط وبين جودة العمل الفنّي، وقتها يتخذ الفيلم حضورًا مغايرًا ويحظى بتأثيرات طويلة المدى. من بين «أفلام الثقافة الشعبية» المصرية التي اتخذت مساحة واسعة من مشاهدات الجمهور، انتقاد وإشادة وآراء مختلفة حول طبيعة مجتمع الفيلم. فيلم «إبراهيم الأبيض-2009» تأليف عبّاس أبو الحسن وإخراج مروان حامد.

الكتابة الجيدة أولاً

يتشكل الفيلم في صورته المعاصرة من عدة أدوات وتقنيات مختلفة، تتحد مع بعضها –بينما كل أداة تحتفظ باستقلاليتها في التعبير الأصيل والقدرة الفنّية- لتكوّن الفيلم. من بين هذه الأدوات، يقع النص السينمائي في مقدمة متطلبات الجودة، تعود الأهمية الأولى للنص السينمائي إلى قِدم مفهوم الحكاية عند الجنس البشري.

بقيّة الأدوات التي تعمل على تكوينات الصورة، ما زالت أدوات بكر، تختبر مدى وجودها في أحوال متباينة، إلا أن العشرة بين الجمهور ومفهوم الحكاية يعود إلى أصول موغلة في القدم. في فيلم إبراهيم الأبيض، يقدّم السيناريست والممثل عبّاس أبو الحسن نصًًّا سينمائيًا فريدًا، عالم خارج النمط، لا ينتمي إلى انطباعاتنا التقليدية عن عوالم «البلطجة والشبحنة» وتجارة المخدّرات. يقدم عالمًا يدافع عن نفسه في العيش والأحقية في الاشتباك مع الحياة، يستحق أن يُرى، أن يكتسب تعاطف الجمهور وأن يفقده ويحصل على الغضب والحنق أيضًا.

إبراهيم ابن لرجل وسيدة طيبين، عائلة صغيرة وبسيطة تعيش في حي «الاباجية» بين سطوة معلمّين وسلطة تجّار مخدرات، تبدأ نزاعات عائلة إبراهيم مع أحد المعلمين الكبار بسبب إثارته غضب أحد أبناء المعلم ثم حب إبراهيم الطفولي لحورية بنت المعلم، يودي لعب العيال بحياة والد إبراهيم، يدفعه حرمانه من أمان العائلة إلى مسار «الشبحنة» وتجارة المخدرات مبكرًا، عمل مربح على المستوى المادي، وعلى المستوى الاجتماعي المحلّي، بالنسبة للحارة، يضمن له هيبة وحضورًا متضّخمًا وتقديرًا مسبقًا.

أحمد السقا في دور إبراهيم الأبيض
أحمد السقا في دور إبراهيم الأبيض

تشير مقدمة فيلم إبراهيم الأبيض إلى حكاية بسيطة، تتشابه بصورة كبيرة مع نمط الحكايات التقليدية المتداولة عن مجتمع العشوائيات وتجارة المخدّرات، لكن سيناريو الفيلم، يحيل هذه التجربة إلى مساحة أكثر سعة، هي نفسها المساحة التي تفقدها حكاياتنا المعروفة عن هذه العوالم، التي نهتم عادة، بمحورة شخوصها وأماكنها في إطار ضيق متعلق بـ «مجموعة حشاشين وبياعين حشيش».

يضع فيلم إبراهًيم الأبيض أحقية التجربة لشخوص الفيلم، رغم أنهم جميعا متشابكون بخيوط أولية تبدأ من الأساس النمطي المعروف عن هذا العالم، لكن الحكاية التقليدية، تتطور إلى تجربة مغايرة تستمد مفرداتها من مفردات العالم، وتبدو فجأة، بشكل أو بآخر، تنتمي إلى نفس العالم الذي نعيشه، لديها الأحقية والقدرة على الحب والضعف وارتكاب السخافات.

إبراهيم الذي يتحول من طفل محروم من حضور الأب إلى «إبراهيم الأبيض». الذي يصفه صديق عمره أو «عشري صاحب صاحبه» بأن إبراهيم «ميخافش إلا من الغشيم، غشيم يعني يا هيموتك يا هيزنقك تقتله. الصياعة إنك تعوّر متموتش، تشرّط سطحي متغزّش. تكسر عين اللى قدام منك وتقلبه مرا وتخليه يمشي وسط الناس وعلى قورته توكيعك».

الممثل عمرو واكد "عشري صاحب صاحبه"
الممثل عمرو واكد «عشري صاحب صاحبه»

حضور خارجي للصوت «فويس أوفر» مثل الحاضر بشكل جانبي في فيلم إبراهيم الأبيض، يضع شخصيات الفيلم في مقام الاعتراف، إحدى علامات الضعف في عوالم تحكمها إظهار القوة وافتعال الفحولة قدر الإمكان لاكتساب صلاحيات أقوى، تتميز شخصيات عبّاس أبو الحسن بحضورها المتباين، قبولها للصفة وعكسها، شخوص تتماس مع الانطباعات التلقائية عن أي شخص في الحياة الواقعية، لديه نقاط ضعف وقوة.

الالتزام الشديد بواقعية المكان، وكيفية تكوين شخصيات تنتمي لعالمها قبل أن تنتمي لشكلها في السينما المصرية، دفع عبّاس أبو الحسن إلى كتابة تنتمي إلى المكان ومحلّيته الشديدة، اقتراب ملحوظ يتجلى في الحوار، لغة تبيّن ضرورة فتونة «اللسان» في ذلك العالم، كل شخصية تحظى بقدرة بلاغية، وعي كبير وإحاطة بخبايا اللهجة المستخدمة، لغة موازية لديها عالمها الخاص.

إبراهيم لديه لغته الخاصة ومفرداته التي تثبت قدرته على البطولة والجسارة، عشري صًديقه لديه مفرداته التي تضعه في مقام الصديق المخلص دائما. حورية، رمز الغواية الكبرى في الفيلم، لديها القدرة على الانتقال من الأنوثة إلى متطلبات الذكورة للدفاع عن نفسها والعكس. المعلم عبد الملك زرزور، يكتسب صفة «المعلمة» من قدرته على استقراء الشخوص من حوله، والأهم، القدرة المتفردة في القبض على زمام كل ما يحيط به من خلال نظرة أو جملة بليغة أو مجرد إشارة في وقت مناسب. ذلك العالم، المحكوم بالقوة، يتسيده رجل عجوز، يدير كل شيء بنظرة عين وحركة لسان.

يحبك عبّاس أبو الحسن النص من خلال محاولة تطويعه ليقبل التقلّب على عدة أوجه، يمكن تقديم فيلم إبراهيم الأبيض على أنه حكاية واقعية توثق مفردات وبواطن عالم مجهول، في هذه الحالة، نستطيع أن نتتبّع مسار الفيلم، لنكوّن حكاية تتمحور حول طبيعة ذلك العالم. يمكن للفيلم أيضًا أن يكون حكاية حب، شاب جسور دفعته نفسه وظروف الحياة ومكان نشأته إلى القتل والعيش على فعل الجريمة، لكنه لا يزال يحمل في نفسه القدرة على الحب، على استعادة شيء موغل في عمق ذاته، مدفون أسفل تاريخه القبيح. ولأن الحياة مثلما دفعته بالشراكة مع سوء نفسه إلى مسارات معقدة، فإن أحد هذه المسارات هي استحالة القدرة على إبقاء ذلك الحب. الحب نفسه هو نقطة ضعف المعلم عبد الملك زرزور، زعيم المكان، صاحب القدرة المطلقة على ما تقع عليه عينه، إلا حورية، نقطة التقاء إبراهيم بعبد الملك زرزور، أو بصورة أكثر عمومية، نقطة التقاء الأحداث الكبرى والتقاطعات المصيرية للفيلم.

محمود عبد العزيز «المعلم عبد الملك زرزور»
محمود عبد العزيز «المعلم عبد الملك زرزور»

على المستوى الفنّي والجودة الدرامية، ينطلق فيلم إبراهيم الأبيض من حبكات مستمدة من تراث متعدد، ثيمة الخيانة بين الصديقين الأشبه بأخوين، هي ثيمة حاضرة في عدة مصادر حكائية وعقدية «قابيل وهابيل في الرواية الدينية، ثيمات خيانات الأصدقاء ذات الروايات المختلفة في الميثولوجيا اليونانية». يتماس الشكل الأولي لهذه الثيمة مع تطورات الحكاية في الفيلم، والتي تبلور، على مستوى متأخر من التطورات الدرامية للفيلم، نهايته التي تكسر شكل «البطولة» في ذهن المشاهد، الذي يعتاد بصورة دائمة، انتصار البطل المركزي للقصة في آخرها.

مركزية المكان وقوانينه

تشغل شخصيات الفيلم حضورًا أساسيًا في الصورة، لديها القدرة على الحضور الفرداني في الكادر، لديها أيضًا القدرة على الدخول في حكي التطورات والانتقال المرن من مساحة الجانبي إلى الأساسي لتغيير مسار الحدث، لكنها رغم ذلك الحضور لا تنفصل عن مركزية المكان. ربما تعود جودة التعبير عن المكان بالصورة في الفيلم إلى الإدراك الضروري من قبل صنّاع الفيلم لمجهولية العالم المتناول، وضرورة الاقتراب منه كي يتمكن الفيلم من التعبير عن مفردات ذلك العالم، وليس المفردات التي نعرفها عنه، الواقعة في إطار نمطي محدد، يتكرر في أفلام عديدة سابقة، بل ولا زال يتكرر في أفلام تالية.

يشهد مفتتح الفيلم مطاردات الشرطة لإبراهيم الأبيض وعشري، تاجري المخدّرات المستقلين عن نظم الجماعة والانتماء الضروري لمعلّم كبير يقدم الحماية. يتميز تقديم هذه المطاردات بوضع شخصيات الفيلم في إطار عام وزوايا تصوير عالية، حيث المكان لديه حضور أساسي، يرعى الحدث والتطورات ويبين موقع كل شخصية من عمومية المكان. تعود جودة اختيار المكان، مواقع التصوير المتسقة مع العالم الذي يتم تناوله، إلى مهندس الديكور الأستاذ أنسي أبو سيف، أحد مؤسسي فنّيات الحضور المكاني في السينما المصرية وتداخلاته مع المسار الدرامي، وقدرة المكان على الانتقال من مساحة الهامش الاعتيادي كمجرد راعٍ للحدث، إلى حيز متحرك يشتبك مع تطورات الفيلم.

أمّا عن طبيعة الاشتباكات بالأسلحة البيضاء، الأشبه بحروب صغيرة، تتوغل الصورة وحركة الممثلين إلى قلب ذلك العالم، تعبير دقيق عن الحرفية في الأداء أثناء هذه الاشتباكات، يتبين أن لهذه العوالم واشتباكاتها العنيفة، غير الآدمية على أي مستوى، مسمّيات تتعلق بالمهارة والصياعة والحرفية والمرونة في التقاط اللقطة أمام الجموع. يتبين أيضًا خضوع المجتمع الصغير، القائم على ممارسات تفتقد إلى أي مبرر منطقيّ مقنع، إلى أسس أخلاقية تضع حياة الشخصيات على المحك.

 أول الفيلم يفقد إبراهيم «كيسة الصنف» رأس مال عمله، تدفعه ضرورة استعادته إلى زيارة حربية صغيرة لمنطقة عائلة عبد الملك زرزور والاشتباك مع العائلة لأن سارق كيس الصنف يعمل مع الزرازير ويقع تحت حمايتهم. وقتما يعثر إبراهيم على سيد شيبة السارق، يندفع طفل بين مختلف أزقة وشوارع المنطقة مناديًا «سيد شيبة معاه حكاية». تتحرك رجال عبد الملك زرزور، دون معرفة تفاصيل الحكاية، دفاع بديهي عن رجل تحت حمايتهم قبل أن يتم التحقق من موقفه.

خلال مشهد الاشتباك بين إبراهيم ومنطقة عبد الملك زرزور بناسها، تتتبّع الكاميرا الحرفية في الإصابة، تطبيق قاعدة عشري المذكورة أول الفيلم «الصياعة انك تعور متغزش، تشرّط سطحي متموتش» وتبدو مميزات إبراهيم في كونه ابن شارع مهاريّ، يستطيع المراوغة والتنّقل بين مواقع القتال المناسبة، متى يشتبك ويهاجم ومتى يتراجع ويحتمي. خلال عرض البطولة الواضحة لإبراهيم الأبيض، تلتزم سردية الفيلم وصورته بعرض انتهاكات حرمة البيوت وتجاوزات تخريب المحلّات والتجاوز الأخلاقي من قبل إبراهيم الأبيض، حتى يستطيع أن يظفر بالنجاة.

ذلك التجاوز الاعتيادي في قوانين ذلك المكان، يتم خلال اشتباك قام على أساس أخلاقي، مثلما سُرق منّي شيء لابد أن أستعيده، وعلى الناحية الأخرى، طالما يقع أحد تحت حمايتنا، لابد من الدفاع عنه. تنتهي ذروة الفيلم الأولى بنقلة سريعة، تبيّن خضوع ذلك العالم لقوانين عليا أكبر من الأشخاص، يكشف عبد الملك زرزور تجاوزات سيد شيبه، وبالتالي ينتقل من الرعاية إلى عداء مباشر، ويصبح مرحومًا خلال عدة دقائق.

عقب صدور الفيلم في السينما وتحقيق مشاهدات جيدة، تعرّض على مستوى القراءة المجتمعية والتناول النقدّي إلى رفض حاد، نظرًا لحساسية الموضوع المعروض، والدموية المفرطة أثناء الاشتباكات الحاصلة في الفيلم، باعتبار أن ذلك التقديم يفسد ذائقة المشاهد، ويضع الأطفال المشاهدين والمراهقين أمام نماذج بطولية فاسدة والاقتداء بها انحدار أخلاقي. لكن عقب مرور أكثر من عشرة أعوام على الفيلم، لم تنتشر نماذج مشابهة لإبراهيم الأبيض أو عشري أو المعلم عبد الملك زرزور، لم نرى اقتداء أعمى بهذه الشخصيات حاضرًا بيننا، حتى لم نشتبك معها افتراضيًا ولو بعد فترة على مواقع التواصل الاجتماعي على عكس تبعات أفلام أخرى تتناول عوالم أشبه بالفيلم، ربما لأن هذه الشخصيات تعاني من قرارات خاطئة، من زلّات عاطفية ونقاط ضعف، لديها عثرات وطموح دائم للبطولة، تقلبّات تشبه التجربة الواقعية في الشوارع لدى مختلف الأفراد، عكس النماذج مطلقة البطولة، التي تقدّم للمشاهدين أساطير نمطية، تتشكل علاقتها بالعالم المحيط من خلال القدرة المطلقة، العطاء الدائم دون أي احتياج، والأهم، ضمان المكسب والانتصار الحتمي في نهاية القصة.

فيلم متكامل وعمر طويل

من وقت لآخر، تظهر تجارب سينمائية طموحة رغم تعسفّات نظم الإنتاج وتفحّش قيود الصناعة، يظهر فيلم يتميز بنص سينمائي متماسك، فيلم آخر لديه تقنيات وفنّيات إخراجية مبتكرة، أو ثالث ينقذه أداء تمثيلي فريد.

كل هذه المحاولات تفتح آفاقًا جديدة لصناعة أفلام أكثر جودة، لكن الأفلام التي تحظى بعمر أطول، وفرص أكثر في إعادة المشاهدة خلال أزمنة مختلفة، يعاد إنتاج هذه الأفلام من جديد من خلال مشاهدتها وقراءتها في أوضاع ثقافية ومجتمعية متباينة، هي الأفلام التي توازن بين مختلف أدوات صناعة الفيلم كي تظهر كلها في أفضل صورها.

فيلم إبراهيم الأبيض ميزته الكبرى تنتج من ذلك التكامل، نص سينمائي مختلف، يطرق عالمًا مجهولاً، أداء تمثيلي فريد من الشخصيات الرئيسية والثانوية، خرج من الفيلم مجموعة من الممثلين أصبحوا نجومًا رئيسية الآن مثل محمد ممدوح وسيد رجب، توظيف للصورة وتعبير عن المكان مثلما يقول الكتاب، استقطاب لكيفيات أفلام الواقعية في السينما المصرية في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين.

الجدير بالذكر أن فيلم إبراهيم الأبيض مشروع توقف تصويره منذ عام 2001 وحتى صدوره في 2009. انتهى عبّاس أبو الحسن من كتابة الفيلم أول الألفينات وعرضه على المخرج مروان حامد عقب مشاهدة فيلم «لي لي». تعطّل الفيلم بسبب ظروف إنتاجية وقيود احتكار ممثلين تم اختيارهم في التحضير للفيلم، بعد مرور حوالي ثماني سنوات، بدأ تصوير الفيلم بطاقم تمثيل مطابق بصورة كبيرة للمجموعة المختارة في التحضير الأول للفيلم.

حينما نضع فيلم إبراهيم الأبيض، خاصة أثناء كتابته، في سياق تاريخي ضيّق للسينما خلال سنوات التسعينيات، نجد أنه يشترك مع طبيعة أفلام المرحلة في استقلالية صناعة الفيلم قدر المستطاع وعدم الانخراط في الطابع التجاري للإنتاج، محاولات قائمة على تجريب أفكار منفصلة عن طبيعة السينما قبل مرحلة التسعينيات، أفلام مثل الكيت كات لداوود عبد السيد، عفاريت الأسفلت وجنّة الشياطين للمؤلف مصطفى زكري والمخرج أسامة فوزي، فيلمي ليه يا بنفسج وعرق البلح للمخرج رضوان الكاشف.

تأثّر فيلم إبراهيم الأبيض بطبيعة أفلام مرحلته، حتى مع تأخر تصويره وصدوره في السينمات، لكنّه ظل محتفظًا برغبة تقديم حكاية جديدة، جديرة بالمشاهدة، تقبل الخلاف وتباين الآراء حول عالم طالما ظل قابعًا في أنماط حكائية، تتلقفها أفلام لا تقدّم سوى التكرار.