بينما كان رجلنا حاضرًا في حفل أعدته الجمعية الجغرافية الروسية لتكريم تلاميذها الصغار،أخبره الطفل النابغ «ميروسلاف أوسكيركو» صاحب السنوات التسع أنه يعرف جميع العواصم وحدود البلدان. سأله بوتين: إذن، أين تنتهي حدود روسيا؟

الطفل بدوره أجاب: «الحدود الروسية تقف عند مضيق بيرينغ، حيث الولايات المتحدة الأمريكية»، لكن بوتين باغته – مازحًا- «حدود روسيا لا تنتهي أبدًا!».

أعاد بوتين وهو لاعب جودو متمنطق بالحزام الأسود فك وتركيب الدولة الروسية المتهالكة منذ أفل عن عالمنا الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينات القرن الماضي، على نحو يلائم سعيه ورغبته في استعادة حكم القياصرة الراحلين.

طوال فترة حكمه التي تنوف عن 15 عامًا، لم يمنعه تراجع مكانة بلاده الدولية ولا تردي اقتصادها من التصرّف كقيصر، يحارب بخبرته الأمنية الداخل والخارج، يهمش المعارضة داخليًا ويجتاح الشيشان ويحارب جورجيا، ويغزو شبه جزيرة القرم، ويرسل بطائراته لإنقاذ ديكتاتور كان على وشك السقوط، هناك في سوريا، حيث المياه الدافئة.


البحث عن هوية مفقودة

في القرن العشرين، مرت روسيا بالعديد من المراحل والتحولات، الملكية ثم الشمولية ثم مرحلة البيريسترويكا (إعادة البناء) وأخيرًا المسار الديمقراطي، وكان لكل مرحلة منها أيديولوجيتها […] ولكننا الآن لا نملك شيئًا.

بوريس يلتسن، أول رؤساء روسيا الاتحادية بعد تفكك الاتحاد

منذ عهود القياصرة وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي، كانت روسيا دائمًا وأبدًا أمة ذات سيادة وذات أيديولوجية محددة، تمتلك تصورًا عن نفسها وعن العالم، وتعرف جيدًا موطئ أقدامها فيه كأمة عظيمة أو كدولة عظمى، تحمل لواء الشيوعية ويمتد نفوذها إلى ألمانيا والصين وكوبا، وترأس حلف وارسو الذي يلعب كرأس حربة في مواجهة النفوذ الغربي وامتلكت روسيا تعريفًا لنفسها في مجال السياسة والاقتصاد والفنون.لكن مع انهيار الاتحاد وتفكك دوله واحدة تلو الأخرى، أصبحت الشيوعية أيديولوجية في طي النسيان؛ فمع تفكك دول الاتحاد جاءت الديمقراطية الغربية لتغزو هذه البلاد، وتنقلها في خريف عام 1989 إلى المعسكر الغربي.

لم ترجع روسيا إلى عهود القياصرة ولم تستطع أيضًا أن تنضم إلى سفينة الديمقراطية الغربية، فأصبحت أمةً تائهة لا تملك صورة واضحة عن نفسها ولا عن العالم، ولا تعرف ما يميزها ولا تتبنى أيديولوجية واضحة في وجه الغرب.

وثقت عدة دراسات عملية البحث عن الهوية الوطنية، تلك الأزمة التي مرت بها روسيا في أواخر عمر الاتحاد السوفييتي وحتى مجيء بوتين إلى السلطة، ومرت عملية البحث هذه بثلاث مراحل:

أولًا: «1980-1990» ازدادت الرغبة بين الشعب والمثقفين في الالتحاق بركب النمو الاقتصادي المتسارع للدول الغربية، وكذا تبنِّي الثقافة التي جاءت مع هذا النمو الإقتصادي. أملت النخبة المثقفة أن تلتحق روسيا بركب الغرب، لكن ذلك لم ينجح بسبب السلطويين الذين أمسكوا بزمام الأمور في البلاد، وثانيًا لأن الغرب لم يكن مستعدًا للتعامل بصورة ودية مع قوة نووية بحجم روسيا.ثانيًا: في منتصف التسعينات وأوائل القرن الجديد، شهدت صعود الأوليجاركية (حكم الأقلية) ونشوء طبقة جديدة من رجال الأعمال، الذين حولوا روسيا إلى رأسمالية كاريكاتيرية، وأضعفوا الثقة في حكم الرئيس «بوريس يلتسن»، وتزامن هذا مع الغزو الثقافي الأمريكي للبلاد.

ومع استقالة «يلتسن» جاء إلى الصورة فلاديمير بوتين؛ الرجل القوي القادم من أروقة الـ«كي جي بي»، جاء في وقت حاسم، ليرسم صورة القائد القوي القادر علي إنقاذ البلاد من كبوتها.


من أين جاء بوتين؟

فلاديمير بوتن
الرئيس الروسي «فلاديمير بوتن» في اجتماع حكومي – يناير/كانون الثاني 2013 (مصدر الصورة: الموقع الرسمي لبوتن)
ولد «فلاديمير بوتين» في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، عام 1952، في سانت بطرسبرج، ودرس في كلية الحقوق وتخرج منها عام 1975. انضم الى جهاز أمن الدولة (جهاز الاستخبارات السوفييتية) المعروف بـ ـ(KGB) واستمر في أروقته لمدة 16 عامًا إلى أن تقاعد منه عام 1991. سافر إلى موسكو ليلتحق بإدارة الرئيس «بوريس يلتسن»، وعُين عام 1998 مديرًا لخدمة الأمن الفيدرالي في روسيا الاتحادية، وتولى في الوقت نفسه منصب أمين مجلس الأمن في روسيا الاتحادية منذ مارس/آذار 1999. وفي أغسطس/آب 1999 أصبح رئيسًا لحكومة روسيا الاتحادية وذلك باختيار من الرئيس «بوريس يلتسن»، ثم تولى اختصاصات رئيس روسيا الاتحادية بالوكالة منذ 31 ديسمبر/كانون الأول 1999 بعد استقالة الرئيس «بوريس يلتسن»، وانتخب في 26 مارس/آذار 2000 رئيسًا لروسيا الاتحادية.في عام 1989 شهد بوتين – كرجل أمن – انتفاضة شعبية في ولاية «دريدسن» بألمانيا الشرقية، حيث هاجمت مظاهرات واسعة قوات الشرطة والأمن وحرقت المقر الرئيسي لجهاز أمن الدولة بألمانيا الشرقية، وقامت بسحل ضباطه على أرصفة الشوارع. كانت هذه التجربة شديدة التأثير في بوتين، حين رأى زملائه يفقدون وظائفهم واحترامهم أمام العامة من الشعب.شكلت السنوات التي قضاها بوتين في جهاز ـ«كي جي بي» جزءًا كبيرًا من شخصيته، وظهرت أولى الدلائل على ذلك حين كان لا يزال في رئاسة الوزراء، حيث زار بوتين المقر الرئيسي لــ ـ«كي جي بي» وقام بتكريم رئيسه السابق «يوري أندروبوف»، حيث أزاح الستار عن لوحة كبيرة له، ولاحقًا كرئيس أمر بنصب تمثال كبير لأندروبوف في ساحة بطرسبرج.شهد بوتين إذن منذ سنواته في «كي جي بي» دور النفوذ الغربي في قيام الثورات، ودور دعاة الديمقراطية في تحريك الشعوب والجماهير. لم ينتم بوتين أبدًا إلى الشيوعية ولم يحبها، لكنه رأى دور النفوذ الغربي في هز النظام العام في الاتحاد السوفييتي، واستمرت نظرته العدوانية إلى الديمقراطية ودعاتها حتى وصل إلى الحكم.

بوتين كأيديولوجية

فلاديمير بوتن
الرئيس الروسي «فلاديمير بوتن» يتابع مجريات إحدى التدريبات العسكرية – سبتمبر/أيول 2012 (مصدر الصورة: الموقع الرسمي لبوتن)

استعمل الكثير من المحللين السياسيين لفظ «الديمقراطية الموجهة» لوصف الحالة التي صنعها بوتين في روسيا، واستخدم البعض الآخر مصطلح «رأسمالية الشركات»، ولكن ما نعتقده هنا أن الأمر مزيج بين الاثنين، كما أنه على المستوى الدولي مزيج من طموح القياصرة وهيمنة الشيوعيين؛فما صنعه بوتين هو مزيج من المؤسسات الأمنية والسياسية المصممة بعناية، التي تُصدّر مفاهيمها عن روسيا والغرب إلى العامة، كما تزرع أفكارها في عقول الأطفال في المدارس. كذلك، يمتلك سياسة دولية مبنية على تفسير الماضي وتنبؤات الحاضر، تمتلك هدفًا واضحًا: جعل روسيا عظيمة ومهيبة مرة أخرى، وحماية التراكم الرأسمالي للطبقة المسيطرة وتحقيق النفع للطبقة الوسطى والنمو الاقتصادي.استطاع بوتين صناعة الديمقراطية الموجهة عن طريق تنظيم مجموعة من الأحزاب الكرتونية والهشة، وتنظيم الانتخابات على نحو مثالي، يستطيع من خلاله التحكم بالمرشحين والفائزين، ديمقراطية صورية تحقق نجاحًا على المستوى الإجرائي والشكلي، كما سمح بوتين بحرية الصحافة والحديث في السياسة الداخلية والخارجية، لكنه وضع حدًا واضحًا لها، وهو ألا يُضر ذلك النظام. يستخدم بوتين في ذلك العنف الموجه على عكس أسلافه، فإغلاق صحيفة واحدة أو قتل صحفي واحد أو معارض واحد كافٍ لإخراس البقية إلى الأبد.اقرأ أيضًا: في أرض الفتوات: ترامب يبدو مألوفًا لكن لن يكون ذلك كافيًا، فالكثير من الديكتاتوريات تستعمل نفس الأساليب، ولكن لا تؤدي بها إلى النجاح، سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي، ولكن بوتين توافرت لديه عدة أدوات جعلت من حكمه نموذجًا يُحتذى به للمتطرفين في العالم كله. فأولًا: استغل بوتين الثراء النفطي الرهيب ليجعل من روسيا مملكة نفطية بامتياز على غرار المملكة السعودية، فشركات الغاز والنفط العاملة في روسيا مملوكة لدائرة مقربة من الرئيس، يحملون نفس الخلفيات الأمنية التي يحملها، ولحسن حظه أيضًا، واكبت فترات حكم بوتين طفرات في سعر النفط، ففي أثناء حكم الرئيس «يلتسن» لم يتعد سعر برميل النفط 16$، أما في عام 2004 وصل سعره إلى 50$ ليستمر في الصعود ليصل إلى 90$ في عام 2008 وليتخطى حاجز ال100$ دولار في السنوات القليلة المقبلة، لذلك قفز معدل النمو للاقتصاد الروسي بنسبة 7% بين عامي 2001 و2007.لم يستغل بوتين الثراء النفطي في تحقيق النمو الاقتصادي بالبلاد فقط، ولكنه استعمل النفط كأداة ضاغطة على الدول الأوروبية وكمال سياسي يُخضع به الدول أو الساسة، ومع كل هذه الخلطة المكونة من القمع الموجه، والثراء النفطي، لم احتاج بوتين إلى الديمقراطية الإجرائية والانتخابات؟السر في هذا هو ما أسلفناه في أول التقرير؛ لا يخاف بوتين من اندلاع حرب مع الغرب قدر ما يخاف من اندلاع مظاهرة داخل البلاد تقوض حكمه وحكم طائفته المقربة. أدرك بوتين أن الديمقراطية هي الشكل السائد في العالم، وهي الطريق الوحيد للحصول على الشرعية التي سيتمكن بها من فرض سطوته في الداخل أو في فضاء روسيا الإستراتيجية. يخاف من الثورات الملونة ومن الربيع العربي وامتداد جذوتها إلى الداخل، لذا كان القضاء على هذا النموذج في سوريا ضرورة لكي تُصبح عبرة. هو منطق الجزرة والعصا، فإن لم تقبل الشعوب بالجزرة (الديمقراطية الإجرائية) فإن العصا جاهزة دائمًا. هو مزيج إذن من الديمقراطية الشكلية ورأسمالية الشركات مع طموحات قيصرية بالتوسع والنفوذ.

اقرأ أيضًا:فلاديمير العرب: ما الذي تريده روسيا من الشرق الأوسط؟


كيف أسس بوتين إمبراطوريته؟

الرئيس الروسي «فلاديمير بوتن» في فعالية لإحياء ذكرى «مذابح الأرمن» – أبريل/نيسان 2015 (مصدر الصورة: الموقع الرسمي لبوتن)

أقيمت الإمبراطورية التي في خيال بوتين على عدة أعمدة نحاول رصدها:

أولًا: الإيمان الأرثوذكسي والمواقف المحافظة والعرق السلافي

كان الإيمان الأرثوذكسي عماد حكم القياصرة، حيث سار القيصر جنبًا إلى جنب مع البطريرك، وكانت الأرثوذكسية إيمانًا متجذرًا في الإنسان الروسي، وفي خضم الحرب العالمية الثانية لجأ الشيوعيون إلى الإيمان الأرثوذكسي لتحفيز الجنود للدفاع عن وطنهم الأم.أدرك بوتين حيوية الكنيسة في تعريف دور روسيا ونفوذها الحيوي في العالم أجمع، ومركزيتها بالنسبة للإيمان الأرثوذكسي، فدعم بوتين الكنيسة بشكل واسع، فارتفع معدل بناء الأديرة والكنائس بصورة ضخمة فمن العام 2000 إلى الآن بُني ما يزيد عن 23 ألف كنيسة في روسيا. كما اتخذ بوتين الخط الناقد دائمًا للمواقف الأخلاقية المنحلة التي يتبناها الغرب مثل تفكك دور الأسرة والقبول بالمثلية الجنسية وغيرها من الرذائل، أراد بوتين أن يصور نفسه راعيًا للدين والأخلاق في مواجهة الإلحاد الغربي.

اقرأ أيضًا: روسيا: حيث الإله هو الشريك الأصغر للقيصر وإلى جانب المواقف المحافظة والإيمان الأرثوذكسي ظهرت «سلافوفيليا» كحركة فكرية مؤثرة في نظرة بوتين للعالم. ولدت هذه الحركة في القرن الـ19 الميلادي وتؤمن بضرورة توحيد العرق السلافي تحت حكم القيصر الروسي.

ثانيًا: السياسة الروسية في مواجهة الاحتواء

يتحرك بوتين على الصعيد الجيو-إستراتيجي من خلال أمرين:أولًا، من رغبته في أن يعترف الغرب بنفوذه في كل الفضاء السوفييتي السابق، باستثناء دول البلطيق، لذلك يمثل الفضاء الأوراسي مساحة متصلة تشكل امتدادًا لسياسة الأمن القومي الروسي.

لذلك أشعلت انتفاضة «يوروميدان 2014» في أوكرانيا إحساسًا بعدم الأمان لدى بوتين، ورأى فيها يدًا واضحةً للمخابرات الغربية من حيث تدبيرها وإزاحة الرئيس الموالي لروسيا، كانت هذه الثورة تهديدًا واضحًا للأمن القومي الروسي، ما أدي ببوتين إلى التدخل في شبه جزيرة القرم كرد فعل على الثورة البرتقالية.

لدينا كل الأسباب لنعتقد أن سياسة الاحتواء التي كانت تنفذ بحق روسيا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين ما زالت مستمرة إلى الآن،إنهم يحاولون دائما إزاحتنا إلى ذلك الركن لأننا نملك مواقفنا المستقلة وندافع عنها ولأننا نتعامل بشجاعة ولا نعرف النفاق ولكن هناك حدود لذلك

بوتين في 18 مارس/آذار 2014

وثانيًا: يستمر الحلم القيصري الروسي القديم بالوصول إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط ليشكل تفسيرًا جيدًا للتدخل الروسي العنيف في الأزمة السورية، فبدون ضمان الوصول إلى البحر المتوسط تصبح موسكو أشبه بدولة حبيسة وخاصة في الشتاء حين يتجمد ساحلها.اقرأ أيضًا: سوريا.. درجة في سلم الصعود الروسي

ثالثًا: التطوير العسكري الشامل

بعد وصوله إلى سدة الحكم، أعاد بوتين تحديث الترسانة العسكرية والبشرية الروسية، حيث أعاد تشكيل القوات البرية مع زيادة المخصصات المالية وإدخال النظام الاحترافي، وقلل عدد سنوات التجنيد الإجباري إلى عام واحد، وزاد من المخصصات المالية للقوات البرية لتصل إلى معدلات غير مسبوقة، فقد ارتفعت الميزانية من 141 بليون روبل في عام 2000 إلى 219 بليون روبل في العام الذي تلاه. وقد أنفق الجزء الأكبر من هذه الميزانية على القوى البشرية لاسيما رفع الأجور وبرامج التدريب الاحترافي والأبحاث مع استقطاب أكثر من 26 ألف عنصر جديد من ضباط الصف عبر النظام الذي عرف باسم (كونتراكتنكي) أي التعاقد.كما تسرع روسيا من وتيرة إنشاء أسطول بحري وجوي جديد، حيث يجري تطوير واسع النطاق للمُكَوِّن البحري لقوات الردع النووية الإستراتيجية. فقد بدأت في روسيا عملية واسعة لبناء سفن الجيل القادم، مشروع 955 من نمط «بوري» (في الأساطير اليونانية Boreas هو إله الريح الشمالية)، التي ستشكل أساس المكون البحري «للثالوث» النووي الروسي. ووفقًا لبرنامج الدولة للتسلح لغاية عام 2020، يجب أن تستلم البحرية الروسية ثمانِ غواصات نووية بصواريخ باليستية مشروع (955)، تحمل كل منها 16 صاروخًا باليستيًا من نوع «بولافا». وفي مجال الطيران الإستراتيجي، تجري عملية تحديث منتظمة لمعدات الطيران الإلكترونية الخاصة بالقاذفات الإستراتيجية (تو-160) و(تو-95). حيث ستحصل جميع القاذفات الثقيلة، وعددها 66، على أنظمة جديدة للتحكم والملاحة والتصويب. ما سيسمح باستخدامها ليس فقط لحل مهمات الردع النووي ولكن أيضًا لتنفيذ ضربات باستخدام الوسائل التقليدية.كما أدي نشر منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكي في بولندا ورومانيا إلى شعور موسكو بالحاجة إلى بناء نظام صاروخي نووي قادر على مجابهة تلك المنظومة، وهو ما تأمل موسكو في الوصول إليه بحلول عام 2020 لتكمل منظومة الردع النووي الثلاثية أمام الولايات المتحدة الأمريكية.

رابعًا: الاتحاد الاقتصادي الأوراسي

وهو اتحاد اقتصادي يضم الدول الآتية: (روسيا، قيرغزستان، كازخستان، أرمينيا، روسيا البيضاء). ويهدف إلى إنشاء سوق مشتركة تضم 180 مليون شخص، كما يطمح أن تدخل في عضويته المزيد من دول آسيا الوسطى ويهدف هذا الاتحاد إلى أن يكون اتحادًا قاريًا مقابلًا للاتحاد الأوروبي.إذن، المحافظة الدينية أمام التحلل الأخلاقي والدفاع عن الإستراتيجية الروسية أمام المحاولات الغربية لاحتوائها والتأكيد على القوة الأوراسية كمُوازن ومقابل للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. هذه هي أهم الأعمدة التي تقوم عليها أيديولوجية بوتين في السياسة الخارجية.

رجل العام.. لماذا؟

فلاديمير بوتن، مذابح الأرمن
فلاديمير بوتن، مذابح الأرمن
يُحكم بوتين قبضته الآن على السياسة والاقتصاد في روسيا، ورغم انخفاض أسعار النفط إلا أنه نجح في تمرير صفقة مع السعودية وإيران لتقليل الإنتاج، في مساعٍ حثيثة لرفع سعر برميل النفط من أجل المحافظة على النمو الاقتصادي في البلاد.وعلى جانب آخر، تُرابط أساطيله على شواطئ البحر المتوسط، ويقاتل جنوده إلى جوار بشار الأسد في سوريا، استطاع بوتين بالقوة الغاشمة فرض أجندته على الغرب في المجال السوري ليحافظ على بقاء حليفه، ويهندس لنفسه مقعدًا على طاولة الشرق الأوسط، ورغم فقدانه «ليبيا» إلا أن الروابط السياسية والعسكرية مع مصر تزداد يومًا بعد آخر، لنشهد مناورات عسكرية تضم الجيشين معًا.وبعد الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، تبنّى بوتين موقفًا مساندًا لرجب طيب أردوغان ليستميل الجانب التركي مرة أخرى، وتعود العلاقات الاقتصادية والسياسية إلى سابق عهدها، ليدخل حليف الناتو وحائط الصد الأقوى في شرق أوروبا (تركيا) في علاقة حميمية مع الدب الروسي، وبين سوريا وتركيا يظهر بوتين بمظهر الحليف الذي لا يخذل حليفه أبدًا.

وبينما يمسك أوروبا من عنقها من خلال أنابيب الغاز، التي تضخ الدم والأكسجين في الماكينات الأوروبية، ينسج بوتين خيوطه في شرق آسيا من خلال منظمة شنغهاي للتعاون والتجارة.يبدو بوتين وروسيا إذن كطائر العنقاء الذي خرج من الرماد في لحظة تاريخية، يموج فيها العالم بالتيارات اليمينية التي ترى في حكمه نموذجًا مثاليًا وصالحًا في عالم اليوم.من «دونالد ترامب» إلى «مارين لوبان» وغيرهم من اليمينيين المتطرفين الذين يجمعون على عبقريته وقوته، يبدو أن عالم الغد سوف يكون مثاليًا لبوتين وقابلًا للمزيد من التوسع والسطوة، واستنساخ عشرات النماذج «البوتينية».