بطلقة في الرأس أصيب القيادي البارز في حركة حماس «عماد العلمي» أثناء وجوده في بيته الثلاثاء الماضي. وقد أعلن القيادي في حركة حماس «فوزي برهوم» أن هذه الرصاصة أصيب بها أثناء تفقده لسلاحه الشخصي. نُقل لتوه إلى مشفى «الشفاء» غربي مدينة غزة. و أشار «خليل الحية» العضو في المكتب السياسي لحركة حماس، في تصريح صحفي حول إصابة «أبي همام»، أن «العلمي» خضع لعملية جراحية ولا تزال حالته حرجة.

وإن كانت الرواية الرسمية التي صدرت عن حماس ووزارة الداخلية في قطاع غزة في هذا الشأن تتمثل في كون الرصاصة طائشة، لكن المحلل الفلسطيني «محمد رشيد» أشار عبر مكالمة تليفونية مع قناة «i24news AR» إلى أنها تبدو رواية غير منطقية أو مقنعة. وأن ثمة روايات تذهب إلى أنه تعرض إلى طلق ناري أمام بيته في محاولةٍ لاغتياله. ولكنه تساءل عما إذا كانت إسرائيل وراء الحادث أم المؤسسات السلفية التي هددت حماس منذ فترة بأنها ستضرم النار فيها. مضيفًا أن «حماس» ربما تتكتم على السبب الحقيقي للحادث لحين الانتهاء من التحقيق. وعلى أيٍّ فلدينا رواية رسمية، وتكهنات يصدقها المستقبل أو يكذبها.


كيف دعم «عماد العلمي» القضية الفلسطينية؟

«عماد خالد نامق العلمي» الملقب بـ «أبي همام»، أحد مؤسسي حركة حماس وعضو القيادة السياسية في الحركة. وُلد في مدينة غزة 16 فبراير/شباط 1956. تلقى تعليمه الأساسي في مدارس قطاع غزة. والتحق بالحركة الإسلامية عام 1974، بعد إنهائه للثانوية العامة.

جاء من خلفية أرستقراطية باعتباره ابنًا لإحدى العائلات المشهورة من حيث المكانة والمقام في غزة، على حد وصف صديقه القيادي في حركة حماس الدكتور «أحمد يوسف». نصحه الشيخ «أحمد ياسين»، الذي تربى على يديه دعويًا ودينيًا، بدراسة الهندسة المدنية في جامعة الإسكندرية بمصر. وبالفعل حصل على شهادة البكالريوس في الهندسة المدنية.

كان من المرابطين على الثغور وأحد الجنود السريين في الانتفاضة الأولى في الثامن من ديسمبر/كانون الأول1987. ونتيجة لذلك تم اعتقاله لمدة عامين، من 1988 حتى 1990 بتهمة التنظيم والتحريض من خلال اللجنة الإعلامية لحماس.

ويقول صديقه الدكتور «أحمد يوسف» إن أحد قيادات فتح الذين تعاملوا معه في المعتقل عام 1989 أشاد به قائلًا: «كان وحدويًا ومحبًا للحوار، وكان له سهم خير في تخفيف الاحتقان بين كوادر فتح وحماس».

اعتقل مرة ثانية من قبل سلطات الاحتلال لمدة شهر في يناير/كانون الثاني 1991. حتى قررت «إسرائيل» إبعاده عن قطاع غزة هو وآخرين من قادة حركة حماس، كـ «مصطفى اللداوي»، و«مصطفى القانوع» و«فضل الزهار».


مواصلة النشاط خارجيًا

لم يسبب قرار إبعاده وأدًا لنشاطه السياسي. إذ واصل مسيرته في إطار حركة حماس وتنقل بين عدة دول عربية.دعم خلالها القضية الفلسطينية. فقد عمل «العلمي» مبعوثًا رئيسيًا لدى إيران، التي شكلت داعمًا رئيسيًا للحركة عسكريًا وماليًا. حيث بدأت العلاقة بين حماس وإيران بعد مرور ثلاث سنوات على تأسيس الحركة. شارك القيادي «خليل القوقا»، في أول حضور للحركة في المؤتمر الأول لدعم الانتفاضة الفلسطينية بطهران عام 1990. وفي العام التالي -في المؤتمر الثاني- تطورت العلاقة إذ تم بالفعل افتتاح مكتب لحركة حماس في طهران وتعيين القيادي «عماد العلمي» ممثلًا لحماس في إيران.

اقرأ أيضًا:حماس وإيران: حقائق يحجبها الواقع والاستقطاب

استمر في منصبه سنوات طويلة، إلى أن انتقل إلى سوريا ليواصل اجتماعاته بأبناء حركة حماس. وفي عام 2003، أدرجته الولايات المتحدة على قائمة «الإرهاب العالمي». إذ قالت إنه عضو في المكتب السياسي لحماس في دمشق، وإنه يتحمل مسئولية الإشراف على الجناح العسكري للحركة في غزة والضفة الغربية.

ظل موجودًا في سوريا إلى أن قرر مغادرتها برفقة عائلته عام 2012.أي بعد عام تقريبًا من بدء الثورة في سوريا، تعبيرًا عن رفضه هو وقادة حماس لدعم الرئيس السوري «بشار الأسد» حليف إيران.


العودة بعد عشرين عام من الإبعاد

عودتي لفلسطين هي لحظة انتصار للمقاومة، التي حررت غزة، وكما عدنا لها اليوم فسنعود للقدس إن شاء الله

أول تصريح له فور عودته إلى غزة عبر معبر رفح، في فبراير/شباط 2012

بعد عودته إلى غزة، احتضنته حركة حماس. إذ انتُخب نائبًا لرئيس الحركة «إسماعيل هنية» في قطاع غزة عام 2013، وظل يشغل هذا المنصب حتى العام الماضي. خلال تلك الفترة، فضل العلمي البعد عن الصحافة، لكنه شارك في محادثات عدة. منها محادثات حول عقد هدنة مع إسرائيل. ومحادثات أخرى لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي «جلعاد شاليط» الذي كان أسيرًا لدى الحركة. فضلًا عن جهده المبذول في سبيل إصلاح العلاقات مع مصر ومع حركة فتح.

حمل على عاتقه خلال تلك السنوات مسئولية الدعوة إلى الوحدة وإنهاء الانقسام في كل مرة تتاح له الفرصة أن يظهر إعلاميًا. ففي ندوة نظمتها رابطة الكتاب والأدباء الفلسطينيين في 12 فبراير/شباط 2014 بعنوان «البيت الفلسطيني وتحديات المرحلة». أكد «العلمي» أن العنوان الحقيقي لهذه المرحلة هو المحافظة على الوجود والتمسك بقضايا الأمة. مشيرًا إلى ضرورة استقطاب كل من يتعاطف مع القضية الفلسطينية. وأن الحفاظ على وحدة الأمة هو السبيل نحو النصر ونحو رفعة القضية الفلسطينية.

وفي صيف 2014، جراء غارة جوية على أحد الأبراج السكنية في غزة خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، أصيب «أبو همام» بجروح خطيرة في ساقه تسببت في بترها. اضطر على إثر ذلك الحادث للخضوع لعملية جراحية في تركيا. ثم عاد إلى قطاع غزة من معبر رفح مرة أخرى في 27 مايو/آيار 2015 بعد علاجٍ استغرق تسعة أشهر. ووسط استقبال وطني حافل له عند عودته من قبل قيادات من مختلف الفصائل الفلسطينية.

ردد كلمات مقتضبة حث فيها على حتمية التماسك والالتفاف حول القضية الفلسطينية قائلًا: «الوحدة،الوحدة، الوحدة وإنهاء الانقسام، وكما قلت أفضل نعمة علينا أن هذه القضية واضحة وضوح الشمس، وليس أمامنا إلا أن نجتمع عليها».


كتب أصدقاؤه

إن الصمت والهدوء من طبيعته، فهو صامتٌ لا يتحدث إلا قليلًا. لكنه إن تحدث فالدرُ كلامه، والفيصل حكمه، والحكمة قوله، عميق الفكرة، صائب الرأي، صادق القول، جادُ المسعى، حاسم الحكم، لا يرائي فيه ولا يداهن، ولا ينافق ولا يساوم.

هكذا وصفه صديقه ورفيقه في الزنزانة والإبعاد عام 1991، د.مصطفى اللداوي، في مقال له بعنوان: «ويبقى العلمي عقلًا وضميرًا». نشر هذا المقال في سبتمبر/أيلول 2014، ليعبر عن شخصية «عماد العلمي» التي عايشها عن قرب وتأثر بها وقرر الكتابة عنها.

بينما وصفه صديقه «علي الطرشاوي» بأنه «قليلُ الكلامِ، كثيرُ الأفعالِ، صاحبُ رؤيةٍ ثاقبةٍ وعقلٍ واسع، هادئٌ في تصرفاتهِ وأقوالهِ، يكسبُ محبةَ الناسِ من خلال أخلاقِهِ وتعاملهِ وتواضعهِ الشديدِ». مشيرًا إلى أن قلة كلامه جعلت أفعاله كثيرة في الساحة الفلسطينية الداخلية والخارجية، وجعلت محبة الناس له كبيرة.

وفي مقال بعنوان «عماد العلمي وغيبوبة الغياب. لقد أوجعنا هذا الرحيل يا أبا همام» لصديقه الدكتور «أحمد يوسف» القيادي في حركة حماس، تحدث عن العلمي قائلًا: «كم كنت أجد نفسي أمام أخ متفانٍ في خدمة إخوانه، يعمل لقضيته ليل نهار، زاهدٌ في حظوظ الدنيا بالشكل الذي يفرض عليك احترامه، والشعور بأنك أمام رجل يعمل لآخرته، ويدرك بأن حياته هي «مشروع شهيد». ولذلك، تجد في مظهره جديِّة وهيبة أكثر من غيره من قيادات حركة حماس. وعندما كانت تطرأ خلافات أو تباينات في وجهات النظر داخل الصف حول بعض المسائل التنظيمية، كنت تجد مواقفه الحكيمة و سعة صدره من ناحية، وفي الناحية الأخرى لا يقبل الدنية في المواقف أو مجانبة قول الحق، هكذا عرفت الأخ عماد «أبا همام» في محطات تنظيمية في الداخل والخارج».