يا من غفرت لقاتليك لربما بكتِ السماءُ ودمُعها ثجاجُ لم تنشفن من (كربلاء) دماؤنَ كلا ولا ضاقت بها (قرطاجُ) ويد على أجسادنا ورقابنا في كل عصر مدها (حجاجُ) وجه هو الشيطان إن عريتهُ وعليه من مسح التقى (مكياجُ)
قصيدة «الحلاج»

على إثر هذه الأبيات تغيرت خطتي للحوار، عندما ذهبت لأحاور الشاعر والأديب الأردني «أيمن العتوم» فوجدته يسجل أبيات قصائده بصوته، واستوقفتني قصيدته «الحلاج» لتعيدني لكلمتين لا أمل السؤال عنهما، وتأبيان النسيان (الحب والثورة ) فقررت أن أغير بداية الحديث وأسأله عن «الحلاج»، وإليكم الحوار.


في قصيدتكم المعنونة بالـ«الحلاج»، وهو المتصوف المعروف، أشرتم إلى الثورات العربية وعرجتم على المظالم السياسية، فلماذا هذا الخلط بين التصوف والثورة، خاصة وأننا رأينا معظم الحركات الصوفية تقف موقفًا مضادًا لثورات الربيع العربي، ألا ترى أن هذا الخلط عجيب؟

هو التصوف الحالي ربما الذي يقف هذا الموقف، أما الحلاج في الحقيقة فكان وزيرًا وكان مشتغلاً بالسياسة، ومحاكمته كانت سياسية، فحكم بزندقته وكفره من خلال البيتين الشهيرين:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن مذ كنا على عهد الهوى تضرب الأمثال للناس بنا فإذا أبصرتني أبصرته إذا أبصرته أبصرتنا

لكن الحكم هذا كان سياسيًا، ربما بسبب وقيعة بينه وبين وزير آخر، أما الحلاج لم يكن من المتصوفة الذين يقفون أمام الحراك السياسي، بل كان هو ذاته منشغلاً بالسياسة، أما الآن الصوفية صوفيات والسلفية سلفيات، فليس ثمة سلفية واحدة أو صوفية واحدة، وبعض الصوفيات لديها شطحات ربما، لكن دعينا مما يدينون به نحن لا نحاكم الناس، الصوفية من صفاء الروح، ودعنا مما عندهم من شطحات.

حسنًا! عود على بدء، حدثنا عن أثر نشأتكم في بيت علمي لوالد عالم بالشريعة، كيف طبعتك هذه النشأة؟

نعم، والدي لم يكن أكبر إخوته، لكنه كان الوحيد المتعلم بهم، أما بقية أعمامي أميون، وهذا شيء طبيعي في قرى الريف، أما حموي –أبو زوجتي- فهو من علماء الشرع، أما والدي فكان يحفظني الشعر، فحفظت صغيرًا قصيدة للشاعر المصري (هاشم الرفاعي) وقد أغفل اسمه وقد توفي وعمره 25 سنة، حفظت قصيدة له وعمري خمس وحاولت وأنا صغير أن أفهم البيت الأخير (إن الذي قوض الرومان أبي)، فكنت أظن أنه (أبي أنا) وليس الأجداد والآباء، فكان والدي حريصًا على تحفيظي الشعر والأدب، إضافة إلى المكتبة التي نشأت بينها في بيت أبي من عمر الست سنوات حتى الثانوي، ولا بد للكتب أن تتسرب إليك روحها، فلكل كتاب روح تعاشرها.

سيدي! نجد أن عناوين رواياتكم متخذة من ألفاظ قرآنية، فهناك رواية (يسمعون حثيثها) ورواية (يا صاحبي السجن)، ألا تظن أن هذا يصنع حاجزًا بين الرواية والقارئ؟، فربما يظن أنه يقف أمام رواية موضوعها ديني بينما هي رواية في أدب السجون، فلماذا هذا الاختيار للألفاظ القرآنية؟

هو في الحقيقة هذا درب اخترته في عناوين الروايات، أما الدواوين الشعرية فليست كذلك، وهذا الاختيار بخلاف التبرك بالآيات القرآنية هو لأن القرآن نص إنساني، فتجدين بعض الآيات يصلح أن يتقبلها الناس جميعًا باختلاف دياناتهم؛ لأن الذي قال القرآن هو رب البشر، فلم يوضع ابتداء للمسلمين فعندما يضع القرآن قاعدة (من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها)، فهل هذه قاعدة لا تصلح إلا للمسلمين؟!!، هذه قاعدة لكل الناس، لذا فإذا عرضت هذه الألفاظ على غير عربي –إذا ترجمت– فلن يوقفه أنه لفظ قرآني، بل سيلمسه معناه الإنساني فقط.

أيضًا فإن من أخذ من الخالد فسيبتغي لنصه الخلود، ومن أخذ من الساحر سيصيبه من سحره، ومن أخذ من المعجز سيصيبه من إعجازه والقرآن نص ساحر معجز خالد.

اقرأ أيضًا:«يسمعون حسيسها»: أدب السجون عندما يصبح جزءًا من وعي المجتمع في ديوانكم (قلبي عليك حبيبتى) جمعتم بين الشعر الصوفي وشعر الحب والغزل، فلماذا هذه الخلطة بالذات في هذا الديوان؟، وهل قصدتم من هذا الاقتراب بشيء من أشعار الصوفية القدماء التي تمزج بين لفظ العشق والغزل ومعنى العشق الإلهي؟

بطبيعة الحال هناك علاقة وثيقة بين الغزل والتصوف، كل المتصوفة تغزلوا، هناك أمثلة لا حصر لها أذكر منها عندما يقول ابن الفارض:

قلبي يحدثني بأنك متلفي … روحي فداك، عرفت أم لم تعرفِ لم أقض حق هواك إن كنت الذي … لم أقض أسى، ومثلي من يفي

ولما قال ابن عربى «وظلام الليل أرخى سدولها … فقلت لها صبًا غريبًا متيمًا»، تقول له إنك كاذب إذا أردت أن تراني فإنني في قلبك، فإذا أردت أن تراني فانظر في داخله. فهذه العلاقة بين الغزل والتصوف إذًا وطيدة، لكن هذا الديوان كما قلتِ (خلطة) طبعت فيها فترة من حياتي، في بعضها تصيبني حالات من التصوف فأكتب، وبعضها تصيبني حالات من الحب فأكتب، تصيبني حالات من حب الوطن وعشقه فأكتب، فكانت الفترة الزمنية المتقاربة لهذه الحالات سببًا في هذه الخلطة التي ظهرت في الديوان.

هناك صلة وثيقة بين رواياتكم وبين واقع المجتمع الأردني، فكيف ترى هذا المجتمع تغير عقب الثورات العربية والأردن بلد واقعة بين بلاد ثورة وبلاد حرب؟، كيف ترصد تأثر هذا المجتمع بهذه الأحداث؟

لقد قمت بشيء من ذلك قبلاً في (حديث الجنود)، ووثقت عام 1979 في (يا صاحبي السجن)، والحقيقة أن حديث الجنود فتحت عقول كثير من الشباب لما حدث في 1986م، ولم أرصد في أي من كتاباتي ما حدث بعد ثورات الربيع العربي، لكن الأردن يعيش حالة من (الركود) -إذا جاز التعبير-، فيقولون: هذه الدول التي ثارت حولنا ماذا حدث لها؟، فأحيانًا يكون التخويف بالذي حولك سببًا في القبول بالضيم، فقد صارت الحالة بالأردن إلى (ترقب حذر) أو (الوقوف على الحافة دون السقوط) .

على ذكر الأردن والحالة السياسية بها، فهل تحدثنا عن آخر تجربة اعتقال لك؟، وهل تغير التعامل عن المرات السابقة لأي من الاعتبارات؟

كانت مدة بسيطة، اعتقلوني من الشارع بشيء ليس فيه لياقة، كان لي مقابلة على الجزيرة في برنامج (الخروج عن النص) عن رواية (حديث الجنود)، ونشرت بعد حوالي أسبوعين من الإعلان عنها على الجزيرة، فتم إلقاء القبض علي لمدة يوم واحد فقط، فقضيت تلك الليلة في زنزانة للجنائيين، واستمتعت بهذا، حتى لما جائني مدير السجن يعرض علي أن أنتقل إلى غرفة منفردة رفضت؛ لأنه أحيانًا يحتاج الروائي إلى أن يستمع إلى قصص مختلفة وينظر لوجوه مختلفة، حتى وأنا هنا في مصر، أنظر إلى وجوه الناس وأتخيل حكاياهم، أتخيلهم أبطالاً قادمين في روايات قادمة، فأنا أحيانًا أنزل إلى (وسط البلد) عندنا في الأردن، وعندكم في مصر هنا كل مكان هو وسط البلد، أتقصد أن أنظر في الوجوه لأخرج بشخصيات روائية تكون ثرية؛ لأنك تحتاج أن تكتب كأنك ترى الشخص، فهذا فن يحتاج إلى أن يتقنه الروائيون العرب، فهو فن عند الروائيين الغربيين متقن.

هل كان هناك تغير في المعاملة هذه المرة عن التجارب التي سبقتها؟

بسبب طول فترة الاعتقال الفترات السابقة كنت أكيف نفسي على هذه الأوضاع، هذه المرة وجدت تعاطفًا كبيرًا معي من الأردن وعلى مستوى الوطن العربي، فكان هذا التعاطف وهذا الضخ الإعلامي سببًا في سرعة الإفراج عني، طبعًا بكفالة، فالقضية لم تنتهِ بعد، بل فتحت من جديد، فهذه المرة الرابعة التي أحاكم فيها على نفس القضية وما زالت الجلسات مستمرة.

حضرتك ممن تصنف على أنك من الكتاب (الإسلاميين)، كيف ترى أثر تصنيف كهذا، سواء بشكل خاص على مسيرتكم، أو بشكل عام فكرة التصنيف الأيديولوجي وأثره على الروائي؟

أنا لست مؤمنًا بهذا التقسيم، ولا أقبله، فلا يوجد أديب إسلامي، فلو قلنا أديبًا إسلاميًا قلنا أديبًا جاهليًا أيضًا، فأنا أقرأ للغربيين أكثر مما أقرأ للإسلاميين، بل أنا مهمتي أن أقرأ للآخر، أنا في السجن ذهبت إلى الشيوعيين والقوميين واليساريين لأتحدث معهم وأحاورهم، لكن بروحي أنا أكتب في النهاية، أما هذا التصنيف تصنيف ساذج بالمناسبة وأنا لا أؤمن به أبدًا وهو من باب وضعك في الزاوية ومنعك عن الاحتكاك بالآخر، نحن كلنا واقعون في هذه التصنيفات، فالشيوعيون يطبلون لكتابهم، أما الإسلاميون فلا يملكون طبولاً، لكن القضية أن تكتب للإنسان، فأنا أقرأ لـ(دستوفيسكي) فهل أقول حينها أنه كان مسيحيًا كاثوليكيًا؟، ما علاقتي أنا بذلك؟، فهو حكمه إلى الله تعالى، لو ذهبنا حتى إلى عصر الصحابة نجد أن عمر بن الخطاب كان يحفظ كل أشعار زهير بن أبي سلمة الذي مات على الشرك، فماذا يعني ذلك؟، أن تصنف أحدًا بكاتب إسلامي فمعناة أن لن يُقرأ لغيره، معناه أنه سيموت.

فهذا التصنيف قاتل، فكما قلت إن النص القرآنى ليس للمسلمين وحدهم وإنما للإنسان، كذلك إن أردت لنصك أن يحيا يجب أن يكون نصك إنسانيًا.

لكم تجربتان في أدب السجون، فكيف تقيّم الكتابات العربية في أدب السجون؟

عندنا في العالم العربي سجون كثيرة، وأشياء كما قال (المظفر) في قصيدته:

سبحانك كل الأشياء رضيت سوى الذل وأن يوضع قلبي في قفص السلطان وقنعت يكون نصيبي في الدنيا.. كنصيب الطير ولكن سبحانك حتى الطير لها أوطان..وتعود إليها وأنا ما زلت أطير، أطير.. فهذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر سجون متلاصقة سجان يمسك سجان

الأدب الذي كان يجب أن يعبر عن هذا الكم الكبير والزخم من السجون ومن المساجين ليس متكافئًا معه، فعند الغرب هذا الأدب وفير، عندنا في الوطن العربي تستطيع أن تجمع عشرة عناوين ربما في هذا النوع، مثلاً عندك كتب عبد الرحمن منيب في (شرق المتوسط) وأحمد رائف في (البوابة السوداء)، و(تلك العتمة الباهرة) لطاهر بن جلون، و(القوقعة) لمصطفى خليفة، فهو قليل، لكن السجون كثيرة، يفترض أن يكثر الروائيون ليكون النتاج متكافئًا.

وأنا سعيت بنفسي في (يسمعون حثيثها) لهذا النوع، أما في (يا صاحبي السجن) كانت تجربتي ولم أكن أعرف أن هذا أدب السجون، وبالفعل قدمت السجن كحديقة غناء يمكن أن تستفيد منها. فأدب السجون غير معبر كمًا وكيفًا عن عدد السجون في عالمنا العربي.

فيما يخص زيارتكم الأخيرة في معرض الكتاب، كيف تقيمون حالة الكتابة والتدوين في العالم العربي مؤخرًا؟، والوضع الثقافي العربي عمومًا، وخاصة في مصر، فكيف رأيت استقبال الجمهور لكم؟، هل زاد الوعي بالكتابة والأدب مؤخرًا أم قلّ بشكل ما؟

والله هو أنا أرى أنه زادت شريحة القراء العرب، فربما عندنا في الأردن أنا أرى هذا، وعندكم هنا هذا الإقبال على معرض الكتاب كبير، لكن نوعية الكتاب (رديئة)، فقد ذهبت بنفسي للمعرض ونظرت في الروايات واستحسنت عناوين 10 منها، من نظرتي الأولية وعناوين فهرسها، فلما عدت للفندق بدأت أقرأ الأولى فوجدت أنها خاوية، وكذا الثانية وهكذا، فوجدت أنه هراء على الحقيقة، فهناك قررت أن أتوقف. هناك إقبال على القراءة لكن بعض الكتاب يظن أنه عندما يقرأ كتابًا واحدًا فإنه صار كاتبًا، أنا دائمًا أقول إنك إذا أردت أن تكتب صفحة واحدة عليك أن تقرأ 100 صفحة على الأقل، فإذا أردت أن تكتب رواية واحدة عليك أن تقرأ 100 رواية، الكتاب في عصرنا وخاصة في مصر يستسهلون الكتابة، فهم لا يعرفون أن الكتابة احتراف، وأنه إذا أنت لم تحرق القارئ معك تدمره تدميرًا بأن تجعله يعيش داخل الشخصية فلا تكتب، أما أن تكتب هذا الزبد الكثير فهناك قانون تنقيح إلهي يحكم عليه، حين قال الله-تعالى-: (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، فأنا أحاول ما استطعت أن أقدم للناس ما ينفعهم.

إذًا حضرتك تتفق أن هناك حالة من السيولة في الكتابة، فكيف تفسر هذه الظاهرة؟، هل مثلاً لانتشار مواقع التواصل الاجتماعى دور، أم ضخ للأموال في هذا المجال بشكل كبير من باب أنها تجارة؟

لا شك أنها تجارة، فهناك بعض العناوين حتى توضع على سبيل الجذب، والحق أن الخطأ الأول على الناشر، فعليه أن يفحص النص الذي يصل إليه، فالناشرون يعرفون أن النص تافه ومع ذلك يخدمونه، هم يخدمون التفاهة بهذه الطريقة، لماذا؟؛ لأنه يعلم أن هذا الكاتب سيقبل على كتابه بعض المراهقين مثلاً، ثم أيضًا وسائل التواصل الاجتماعي ساوت بين الغبي والذكي، كل يكتب، فالجاهل والعالم يكتب، والقارئ وغير القارئ يكتب، فكما قالوا قديمًا إن اختراع المسدس ساوى بين الشجاع والجبان، كذلك التواصل الاجتماعي.

لكن أليس غريبًا ألا يكون النتاج الأدبي مناسبًا لحالة الزخم السياسي والثوري؟

ربما هو هروب من واقع السياسة، فأحيانًا أنت تدفن نفسك في الكتابة أو تكون تفريغًا نفسيًا لهذا، وأحيانًا تكون هروبًا من الفقر وشبح الجوع، أو هروبًا من الحالات النفسية، فتجد هذا الكم وهم شباب ربما لا يتقنون جملة واحدة نحوية صحيحة.

وكيف كان رأيكم في الكتابة بالعامية خاصة وأنها انتشرت بشكل كبير بين الكتاب؟

العامية ليست لغة إلا لغة قومها، وبالتالي أنت عندما تكتب بالعامية تحصر التلقي، فلا يمكن في المغرب أن يفهم عامية مصر، أو أننا في الأردن نفهم عامية تونس، إذًا عندما يكتبون بالعامية المصرية فيحكم على نصه بعدم الخلود؛ لأن العامية الآن ليست العامية بعد 100 سنة والعامية المصرية الآن ليست كما كانت من 50 سنه، أما العربية فليس هناك لغة خالدة مثلها، فحتى الإنجليزية فتتغير كل 100 أو 200 سنة، أما العربية فهي خالدة لأنها لغة القرآن، فالذين يكتبون بالعامية هؤلاء قد يمتعون لفترة لكن سريعًا ما سيموتون، هم مثل اشتعال عود الثقاب يشتعل فجأة ثم ينتهي.

دائمًا ما نسأل الكاتب في هذا المقام عن أحب الأعمال إليه، لكن أريد أن تخبرنا عن أنضج أعمالك من وجهة نظرك، أو العمل الذي حمل جانبًا كبيرًا من تجربتك وخبرتك.

أنضجها (طيور القدس) ، وأحبها إلي (قلبي عليك حبيبتي)، وليس شرطًا أن تحب أنضج ما كتبت، فأنضجها طيور القدس كقصيدتي (التيه) و(عاشقان)، لكن الأقرب إلي (قلبي عليك حبيبتي)؛ لأنني أحسست في التصوف والغزل فيها أنها قريبة إلي كثيرًا، أما في الروايات فأقربها إلي (صاحبي السجن) لأنها تجربتي الشخصية، لكن ليست ربما أنضجها أيضًا.

في نهاية حوارنا نحب أن نشكركم على هذه الدقائق التي أسعدتمونا بها، ولو أردتم أن تعطوا الجيل من الكتاب الجدد نصيحة في هذا المقام.

أولاً مصر ولادة، وأنا أحب مصر، وعشت بها سنتين، ودرست بها فترة من حياتي ولي بها إرث وتاريخ. بدأت بها كروائي من قريب، قبل ذلك لم تكن تعرض رواياتي بها، لكن مصر ولادة ولها تاريخها، عليها أن تحترم هذا التاريخ، فهؤلاء الكتاب الشباب قد يسيئون إلى مصر وتاريخ مصر بهذا الغثاء، لكن في النهاية مصر أكبر، وستأكل كل هذا الغثاء وينتهي. أما هؤلاء الشباب الذين شوهوا شيئًا من ثقافة مصر، أنصحهم أن يتريثوا قليلاً، أنا قرأت أربعين عامًا قبل أن أكتب كتابًا، كنت قارئ آلاف من الكتب قبل أن أنشر، أنا لا أقول لهم ألا ينشروا ولكن تريثوا؛ لأن الثمرة التي تقدمها إن لم تكن ناضجة لا تؤكل، هذا أولاً.

ثانيًا: إذا قدمت كتابك للناس خرج عنك ولم يعد مرتبطًا بك، فستهاجم من خلاله لو كان فجًا، فتريثوا في النشر، لا أمانع أن تكتبوا، اكتبوا لأنفسكم، ثم إنكم بعد فترة عندما ستنظرون إلى ما كتبتم بعد عشر سنوات مثلاً فستقولون هذا أفضل إن لم ننشر ما كتبنا، ستقولون إنها خطوة صحيحة أن نصحنا أن لا نتعجل النشر.

لكن عذرًا، ألا ترى أسماء واعدة في الوطن العربي في ساحة الأدب خلال السنوات الأخيرة؟

نعم موجود طبعًا، فالدول تلد، وأنا كنت أقول عن الأعم الأغلب، لكن عندكم كتاب رائعون، عندك يوسف زيدان، عندكم أحمد خالد توفيق، وأمير عاطف، وهناك مجموعة واعدة وهذا ينطبق على أي دولة، أنا أشرت إلى الأعم الأغلب فقط.