مثّلت التحركات التي حدثت في مصر بعد 3 يوليو/ تموز 2013 الضربة الأكبر لجماعة الإخوان المسلمين في تاريخها، منذ الصدامات الشهيرة مع النظام الناصري في الخمسينيات والستينيات. وبالطبع كان لهذا السقوط تأثيره على مستوى المجموعات الفرعية المرتبطة تنظيميا/ أو التي تنتمي فكريا لمدرسة الإخوان المسلمين، بل وتأثيره حتى على مستوى القوى الإقليمية والدولية وثيقة الصلة بالإخوان.فالسقوط الفعلي للجماعة في مصر كان معناه بالتبعية خسارة الشبكة الدولية التابعة لها نقطة ارتكازها المركزي في العالم العربي والإسلامي. وبالتبعية كان لهذا السقوط أثره، حيث واجهت مجموعات وأحزاب محسوبة عليها ضغوطا شديدة، فحُوصِرت حركة حماس من قبل السلطة الجديدة في مصر، وتم اعتقال العشرات من إخوان الخليج على يد سلطات دول الكويت والإمارات والسعودية، كما فرضت الدولتان الأخيرتان تقييدا واسعا على حركة الجماعة وأنشطتها وتمويلها، كما واجه الإخوان الأردنيون تصعيدًا شديدًا ضدهم من الحكومة الأردنية، بضغط من مصر والسعودية والإمارات.


تداعيات سقوط إخوان مصر:

بالطبع سقوط الإخوان في مصر مثّل ضربة للمحور الإقليمي الجديد بالمنطقة، والذي كان يمثل دولًا حكوماتها ذات خلفية إسلامية، أو حكومات داعمة للثورات العربية، وهو المحور الذي تشكل بعد الربيع العربي مباشرة. ومثَّل هذا المحور، تركيا ومصر وتونس وقطر، وأحيانا كان يمتد ليشمل ليبيا واليمن. كانت الدولتان الرئيستان اللتان عملتا على وضع أساس هذا المحور هما تركيا وقطر، واللتان استمرتا في دعم مصر وتونس واليمن وليبيا، غير أن عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي من الرئاسة، في 3 يوليو/ تموز 2013، جمّد محاولات بناء هذا المحور، ومنح قبلة الحياة لمحور الاعتدال القديم الذي أخذ موقفًا متحفظًا تجاه مرسي.مع الوقت تصاعد التوتر بين المجموعات الفرعية للحركات المحسوبة على مدرسة الإخوان إلى ما يشبه إعلان الانفصام بينها وبين الجماعة الأم في مصر، إما بسبب أداءات قيادات الأخيرة أثناء وجودهم في السلطة، وبعد خروجهم منها « خصوصًا مع تصاعد حدة الخلاف حول التمثيل الشرعي لقيادة الجماعة بين مجموعتي الداخل والخارج » وإما بسبب إجراءات لها علاقة بالضغوط والاتّهامات للإخوان المحليين بأنّهم ينتمون لتنظيم «عابر للحدود». فأعلنت جماعة الإخوان بالأردن تعديل لائحتهم الداخلية، وانفصالهم بشكل رسمي عن التنظيم الدولي للإخوان، كما طالت قيادات الجماعة الأم انتقادات حادة من قيادات بحزب النهضة التونسي.[1] فعبد الفتاح مورو، نائب رئيس حركة النهضة، وأبرز قياداتها تحدث أنه قابل محمد بديع، مرشد عام الجماعة المسلمين، قبل الإطاحة بالرئيس المعزول، محمد مرسي، ونصحه بأهمية مراجعة جماعة الإخوان المسلمين في مصر لأفكارها وبرنامجها وخطها السياسي، لكنه قوبل برد سلبي من محمد بديع، وهنا ردَّ عليه مورو قائلا :«أخشى بسبب تعنتكم هذا، أن تكون زيارتي لمصر المرة القادمة، وأنتم موجودون في السجون»[2].الغنوشي ذاته أعلن أن «حركة النهضة ليس لها أي صلة بتنظيم الإخوان في مصر، وأنها تمثل حزبًا تونسيًا يعمل وفقاً للدستور، وأنها – أي الحركة – لا ترى نموذجًا أو حركة ما في العالم بالنسبة لها هي البابا الذي يمكن أن يُحتذى به، فلا بابا في الإسلام، ولا أعلم بشيء اسمه التنظيم الدولي، أنا أعلم بتنظيم تونسي أرأسه اسمه النهضة.»[3] من ناحية أخرى تقارير عدة أشارت إلى اعتراض القيادات السياسية لحركة «حماس» على الكيفية التي أدار بها الإخوان في مصر، المرحلة الانتقالية بعد ثورة يناير. بل إن حماس ذاتها قامت بإزالة صور كبيرة في ميادين قطاع غزة تمثل صورًا للرئيس المعزول محمد مرسي، ووضع لافتات أخرى قصد منها طمأنة الجانب المصري، بالتزامن مع لقاء وفد حمساوي مع المخابرات المصرية في القاهرة في 12مارس/ آذار 2016 للتفاوض على ضبط حماية الحدود بين غزة ومصر، والتسهيل والتعاون بين مصر وغزة.[4] كما أعلن قادة من حماس أن العلاقة مع الجماعة الأم في مصر، ليست علاقة تنظيمية، بقدر ما هي علاقة مرتبطة بالأيدلوجيا، والانتماء الروحي للفكر الذي أسسه حسن البنا، وليس علاقة تنظيمية عضوية، وأن العلاقة بين التّنظيمات في كلّ بلد تنسيقيّة ولا علاقة لها بالسياسات والفعاليّات على الأرض، لكنّ هناك تضامنا متبادلا بينها.[5] الكاتب في صحيفة «الرسالة» التّابعة لـ حماس في غزّة إبراهيم المدهون، تحدث عن أنّ حماس تنظيم لا يتبع للإخوان المسلمين، وإنّما هو ارتباط شكليّ، وأضاف المدهون: «حماس ليست في أزمة، كما هي الحال بالنّسبة إلى الإخوان المسلمين في بعض الدول العربيّة، فأولويّة حماس هي القضيّة الفلسطينيّة. أمّا الإخوان المسلمون فهم الحاضنة الفكريّة لحماس وليس أكثر من ذلك». الأمر نفسه أكّدته بعض قيادات حماس، والتي تحدثت عن أن «هناك حديثا منذ زمن عن ضرورة تغيير بعض بنود الميثاق كونه في حاجة إلى تعديلات، بعد التطوّرات السياسيّة الّتي شهدتها المنطقة، وكذلك التّغيير العمليّ الّذي حدث على فلسفة حماس السياسيّة منذ نشأتها في عام 1987.»[6]


التنظيم الدولي والأستاذية المنشودة:

كان لزلزال سقوط الجماعة الأم تداعياته الذي تجسد في حصار بعض المجموعات الإسلامية المحسوبة على مدرسة الإخوان بالمنطقة، بل وعلى المحور الجديد الذي كانت تقوده تركيا وقطر.

تأسست جماعة الإخوان المسلمين كمشروع يطرح بشكل أساسي وحدة الأمة الإسلامية في إطار استعادة مشروع «الخلافة الإسلامية» التي سقطت في إسطنبول عام 1924، كان المشروع الذي طرحه البنا يتمثل في تجديد الإسلام بمعانيه الأكثر شمولية « الاجتماعي – السياسي – الاقتصادي – ثم الروحي والقيمي» لبعث نهضة في الأمة العربية والإسلامية. نواة هذا المشروع هو تأسيس الفرد المسلم الذي يلتزم بقيم الإسلام وأخلاقياته ومقاصده الأساسية. ثم تأسيس المجتمع الإسلامي، فالحكومة فالدولة الإسلامية؛ وهي الهدف المركزي لأعمال الجماعة وأنشطتها وتحركاتها، كل ذلك انطلاقًا من الأطروحة الشهيرة لحسن البنا حول التغيير السياسي والاجتماعي المعتمد على تأسيس:«الفرد المسلم، فالأسرة المسلمة، فالحكومة الإسلامية، فالخلافة الإسلامية وأستاذية العالم»[7].

تأسست فكرة التنظيم الدولي كاحد التجسيدات العملية لأطروحة « أستاذية العالم» التي أسس لها البنا، فبنت الجماعة تنظيمها، وعينيها على تكوين شبكة من تنظيمات فرعية تتبنى الفكرة الإخوانية، وتنسق مع الجماعة الأم.

على هذه الرؤية بدأت الجماعة ومنذ السنوات الأولى لنشأتها تتواصل مع أفراد من الشعوب العربية المختلفة موجودين أو زائرين لمصر لمحاولة اجتذابهم للحركة، ومن ثم تأسيسهم جماعات فرعية تابعة للإخوان في بلدانهم، أو على الأقل تأسيس حركات ومجموعات تتبنى الفكرة الإخوانية، وتقوم بالتنسيق مع الجماعة الأم في تبني ودعم قضايا مشتركة والعمل لا مركزيا وفق ظروف بلادها.بعد تحرك الضباط في 1952 في مصر، وسيطرتهم على السلطة لاحقا، قام نظام عبد الناصر بتوجيه ضربات قاصمة لجماعة الإخوان عامي 1954، 1965 أضعفت الجماعة داخل مصر، لكنها ساهمت في انتشارها خارجيًا، حيث تعاظم وجودها في الخليج العربي والبلاد التي لا تسيطر عليها حكومات قومية، وامتد انتشارها لأوروبا والأمريكتين، وكان الإخوان المسلمون العرب قد نشطوا في الحركة السياسية في بلدانهم – كما سبق ذكره – ومنذ عهد البنا، في سوريا، واليمن، وفلسطين وغيرها [8].من البلاد العربية انطلقت الحركة بعدها إلى أوروبا عن طريق رموز مشهورين من الجماعة مثل سعيد رمضان، الذي قاد تأسيس عدم مراكز إسلامية كبرى في أوروبا، كمسجد ميونخ، أهم المراكز الإسلامية في أوروبا لعقود [9].وجود هذا الخيط الشبكي المنتظم من الجماعات الصغيرة « أو الكبيرة لاحقا» المرتبطة فكريا على الأقل كان يحقق عدة أمور أهمها : سهولة ارتباط بين الحكومات التي يمكن أن تتأسس على خلفية الفكرة الإخوانية، وامتلاك قوة ناعمة للجماعة الأم بتأسيس شبكة ضخمة من الاتصالات والعلاقات الدولية، وارتباط ضخم بين مؤسسات مالية ودعوية وثقافية عابرة للدول والقارات، وسهولة في تأسيس المشروع في بلد ما حال ضربه في بلد أخرى وتوفير محاضن استيعاب للأعضاء والكوادر الذين يتم التضييق عليهم.

المراجع
  1. مورو ينتقد الإخوان المسلمين..ويدعوهم إلى مراجعة سلوكهم السياسي، جريدة الصباح التونسية، تاريخ الدخول على الرابط 22 مايو/ ايار 2016
  2. عبدالفتاح مورو، مقابلة شخصية مع الباحث، بيروت، 23 يناير/ كانون الثاني 2016.
  3. راشد الغنوشي : لا علاقة لحركة النهضة بمنظمة الإخوان المسلمين ولا حق لي أن أكون رئيسا لها، تليفزيون نسمة التونسي، اليوتيوب، تاريخ الدخول على الرابط 22 مايو/ آيار 2016
  4. معاذ العامودي/ليلى الكردي، حماس: هذه حقيقة لافتات غزة.. وتفاصيل ما جرى بالقاهرة، هافينغتون بوست عربي، تاريخ زيارة الرابط 22 مايو/ آذار 2016
  5. حازم بعلوشة، المونيتور، تاريخ زيارة الرابط 22 مايو/ آيار 2016
  6. المصدر ذاته.
  7. الإخوان المسلمون والسلطة السلطة في فكر الإمام البنا، موقع نافذة مصر ( موقع رسمي تابع لجماعة الإخوان المسلمين)، 28-أغسطس/ آب 2011:
  8. محمد مسعد العربي، الإخوان بين الوطنية والأممية : مسألة التنظيم الدولي للجماعة، مؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، المغرب، 2013 :
  9. المصدر ذاته