يقول عن نفسه دائمًا: «أنا أفضل من كتب الدراما في الوطن العربي»، ومع ذلك يرى أنه ضل الطريق إلى الكتابة التلفزيونية. فهو الشاب الذي جاء من محافظة كفر الشيخ إلى القاهرة، يحلم بكتابة الشعر والرواية الأدبية والقصة القصيرة، إلا أن الظروف قادته في النهاية ليكون «محمد جلال عبد القوي»، أحد أشهر مؤلفي المسلسلات المصرية.

إذا تحدثت إليه، تلمس اعتزازًا بالنفس، أنفة، كبرياء، ربما يفسره البعض بأنه غرور أو نوع من الاختيال بالنفس والتعجرف، لكنه في الحقيقة كبرياء الكاتب وكرامته، ومبادئه التي لا يتنازل عنها مهما تغير الزمن ومهما تبدلت الظروف من حوله.

اختفى اسم «محمد جلال عبد القوي» فجأة من تترات المسلسلات المصرية عقب ثورة يناير/كانون الثاني؛ لم يعد له أثر، بعد أن كان لا يمر عام إلا وتواجد بعمل أو اثنين. قال البعض؛ إن صعود جيل جديد من الكتاب والمخرجين، والتطورات التي لحقت بالدراما التلفزيونية؛ قتلت جيل الآباء في التلفزيون.

كما أن هؤلاء الآباء لم يتمكنوا من اللحاق بهذه التطورات، والتغلب على القوالب الكلاسيكية القديمة التي كانوا يقدمون فيها مسلسلاتهم، لكن «محمد جلال عبد القوي» نفسه، كان له رآي آخر. فتح «محمد جلال عبد القوي» قلبه لـ«إضاءات»، وكشف عن سر انعزاله وتوقفه عن العمل.

أعطى رأيه في الدراما المصرية بعدما انزوى جيله بعيدًا وانتهى بهم الحال إلى مقعد الجمهور، يشاهدون أعمال الجيل الجديد. كما تحدث عن أشياء ومواقف وكثيرة في مشواره الفني الذي كتب خلاله 34 عملاً للتلفزيون.


نص الحوار

لماذا اختفى اسم «محمد جلال عبد القوي» من تترات المسلسلات المصرية؟

لأن المؤلف لم يعد هو النجم الأول في العمل. تغيرت قواعد اللعبة، أصبح النجم ابن أمس، يضع رجلاً على رجل، يتحكم في النص، يقبل هذا ويرفض ذاك، فأصبح المشهد مرتبكًا لا تعرف من فوق ولا تعرف من تحت.

يتدخل المنتج في عمل المخرج. ويفرض الممثل شروطه على المخرج والمؤلف. كما أنني لمست استسهالاً وعدم الحرص على وجود نصوص جيدة، فغضبت، وقررت الانسحاب والانزواء بعيدًا حفاظًا على تاريخي.

من النجم الذي فعل معك ذلك؟وماذا كان رد فعلك؟

ليس نجمًا، كانت نجمة. ومن عجائب القدر، أنا الذي قدمتها في بدايتها لتلعب دورًا مهمًا في مسلسل «سوق العصر».

جاء لي أحد المنتجين الكبار بعد ثورة يناير/ كانون الثاني مباشرة. قال لي إن هذه النجمة تريد العمل معي، فرحبت، وأعطيت له أحد النصوص، لكني فوجئت بعد أيام بهذا المنتج يطلب مني أن أذهب إلى هذه النجمة في بيتها.

كان الهدف من الزيارة هو أن تتحدث معي في بعض الأشياء التي تريد التعديل عليها في السيناريو، فغضبت جدًا من هذا الأسلوب والتعامل، فقلت له غاضبًا ومنفعلاً: «لن أعمل»، وانتهى الأمر فورًا.

أين المشكلة هنا؟فنان يريد عقد جلسات عمل مع المؤلف قبل البدء في التصوير؟

يا عزيزي، هذه هي مبادئي. كيف أذهب إلى فنانة في بيتها؟ كيف تستدعيني وتجرؤ على هذا من الأساس؟ فضلاً عن أنها لم تتحدث بنفسها، لست صغيرًا إلى هذه الدرجة، كما أنني لا أقبل التعديل والحذف في نصوصي إلا في أضيق الحدود، وهذا سر من أسرار هجري للسينما وعدم العمل فيها، إلا في فيلم وحيد وهو فيلم «المولد» للنجم «عادل إمام»، ورغم نجاحه، لم أكررها بعد ذلك.

قد يفسر البعض ذلك بأنه غرور الكاتب «محمد جلال عبد القوي»، أليس صحيحًا؟

ليس غرورًا، إنما مبادئ، المؤلف هو النجم الأول، وهذه هي طريقتي. أكتب النص ثم أرسله إلى المخرج. يأخذه كما هو، وهذا ما تعودنا عليه وعملنا به أكثر من 30 سنة في التلفزيون، أما السينما فصناعها لهم طرق أخرى. يحتاجون إلى جلسات عمل كثيرة، يهدمون السيناريو، يستعينون بكتاب آخرين للتعديل والحذف والإضافة، وهذا ما لا أقبله على نفسي، وأنا لا أحتاج إلى مال أو مجد كي أقدم التنازلات في نهاية مشواري.

قلت إنك لم تكرر الكتابة السينمائية بعد فيلم «المولد» رغم أنه حقق إيرادات كبيرة، لماذا؟

بكل بساطة، لأن العمل مع السينمائيين مرهق. لهم معتقداتهم وتربيتهم الفنية التي تختلف عن صناع الرواية التلفزيونية. مفهومهم للفن يختلف عنا، فالكاتب السينمائي منطلق تمامًا في فكره؛ لأنه يكتب لشباك التذاكر، وهذا لا ينطبق على التلفزيون الذي يقتحم البيوت ليجلس مع الجمهور كأحد أفراد الأسرة بأدب شديد. كما أنني لا أريد أن أكون ضمن هذه المنظومة التي تبالغ في محتواها كي تسلي المواطن وتأخذ مالًا منه.

ليس ذلك فقط، فنهاية فيلم «المولد» لم تكن كما كتبتها، واضطررت لأغيرها نزولاً على رغبة «عادل إمام». ورغم أن الفيلم حقق إيرادات كبيرة، ورغم أن «عادل إمام» طلب مني العمل مجددًا معه، لكني رفضت… وقلت له نصًا: «أنت يا عادل الذي حققت هذه الإيرادات وهذا النجاح.. ليس أنا».

من الملاحظ أن الدراما التلفزيونية تطورت في مصر في السنوات الأخيرة… ليس فقط في طريقة الكتابة، لكن على مستوى الإخراج، والتصوير، والإنتاج، وحتى النجوم أنفسهم. بصراحة شديدة هل «جلال عبد القوي» رافض لهذه الثورة التلفزيونية التي حدثت، أم أنه لم يستطع مواكبة هذا التطور؟

(يضحك) أفهم ما تريد أن تقوله، هل تريد أن تقول إنني أصبحت «دقة قديمة»؟ لا، لدي في مكتبي عشرات النصوص. ما زلت أكتب حتى الآن، ومن يريد أعمالاً مثل «المال والبنون»، و«الليل وآخره»، و«سوق العصر»، و«حضرة المتهم أبي»، و«نصف ربيع الآخر»، وغيرها، فليأت لي.

هم يقولون الآن، إنهم يكتبون المسلسلات بطريقة جديدة. يدعون أنهم مجددون، لكن في الحقيقة هم لا يقدرون حاليًا على كتابة الرواية التلفزيونية، كما كنت أكتبها، أو كما كان يكتبها الراحل «أسامة أنور عكاشة» وباقي جيلي.

أما التطورات التي لحقت بالدراما باستخدام الكاميرات السينمائية في المسلسلات، لا يمكن أن أرفضه. هذا أمر جميل ومحبب، ويسهل الكثير من الأمور، لكن لا تنس أن الدراما في الأصل مشاعر وليست تقنيات. هذا هو سبب الارتباك الآن بعد اقتحام السينمائيين للدراما التلفزيونية، لأني كما قلت سابقًا: الدراما لها قواعد والسينما لها قواعد أخرى، وهذا ما تسبب في حدوث فجوة كبيرة، تجعلك عندما ترى مسلسلاً لا تعرف هل هو مسلسل أم فيلم سينمائي!.

قلت إنك ما زلت تكتب حتى الآن،ما طقوسك خلال عملية الكتابة؟

تأتيني الفكرة على غرة، أمسك بها، لأنني لو لم أمسك بها سوف تطير. أسجلها أولاً، ثم بعد ذلك ابتعدت عن المنزل، لأني لا أكتب في المنزل نهائيًا. أذهب إلى الساحل الشمالي للكتابة، لكن في الماضي كنت أذهب إلى أحد الفنادق بعيدًا عن أي شيء يمكن أن يزعجني أو يعطلني.

هل تأتي الفكرة من لا شيء،أم أن هناك موقفًا،حدثًا،تستمد منه الفكرة؟

الحقيقة،أنا أعيش دائمًا مع شخصيات داخل عقلي، ودائمًا أسأل: «ماذا لو؟».

هذه هي الطريقة التي أستخدمها كمبدع، فتنهال الأفكار والأحداث داخل عقلي. وهذا ما اكتشتفته عندما ذهبت إلى منطقة التجنيد وأنا شاب لأحصل على إخطار التأجيل بالخدمة العسكرية، فوجدت الشاويش راكبًا للخيل، فخطر على بالي سؤال:

«ماذا لو مات هذا الحصان فجأة الآن؟ماذا سيفعل هذا العسكري الذي يركبه وما هو شعوره تجاه ذلك؟» وبالفعل انهالت الأفكار عليّ.. فكتبت مسلسل «الرجل والحصان» وأنا عمري 18 عامًا!،وقدمه الفنان الكبير الراحل «محمود مرسي».

ماذا كنت تحلم وأنت شاب صغير؛بالكتابة للتلفزيون، أم كانت أحلامك في اتجاه آخر؟

منذ صغريكنت أهوى القراءة والكتابة. كنت أكتب الشعر والقصة القصيرة والرواية الأدبية، وهذا ما لاحظه أهلي. كان صديقي في المدرسة الإعدادية، العالم الكبير الراحل «أحمد زويل». كان ميالاً إلى العلوم الطبيعية، بينما كنت أهوى أنا الأدب والقراءة.

دائمًا ما كنت أتمنى أن أكون أديبًا كبيرًا، لكن الظروف قادتني إلى القاهرة، فانضممت إلى معهد الفنون المسرحية لأكون ممثلاً أو مخرجًا، فأصبحت كاتبًا للرواية التلفزيونية.. وأفضل من كتبها إلى جانب صديقي الراحل «أسامة أنور عكاشة»، والحمد لله.

ما الشروط التي يضعها «محمد جلال عبد القوي» للعودة مجددًا إلى الشاشة الصغيرة؟

من يريد أعمالاً مثل «المال والبنون»، و«الليل وآخره»، و«سوق العصر»، و«حضرة المتهم أبي»، و«نصف ربيع الآخر»، وغيرها، فليأتِ لي.

أتمنى فقط عودة الدولة إلى الإنتاج التلفزيوني بقطاعاتها المختلفة، لأن المناخ لم يعد مريحًا. وطالما المناخ وأسلوب التعامل غير مريحين؛ فلن أعود، وسأحافظ على ما تركته خلفي. لا أحتاج إلى شيء آخر بعد الآن!.