في التاسع من مارس/آذار لعام 2009م، أعلن مير حسين موسوي ترشحه لانتخابات الرئاسة الإيرانية العاشرة. وفي السادس عشر من الشهر نفسه، انسحب محمد خاتمي وأعلن تأييده لموسوي، ليكون بذلك ممثلًا عن إصلاحيي إيران.في يونيو/حزيران لنفس العام، أعلنت وزارة الداخلية فوز المرشح المحافظ محمود أحمد نجاد لفترة رئاسية ثانية، بعد حصوله على 63% من أصوات الناخبين الإيرانيين، بينما حل موسوي ثانيًا بعد حصوله على 33.8%، ومحسن رضائي رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام ب1.7%، والشيخ مهدي كروبي رئيس مجلس مجلس الشورى الأسبق ب0.9%.موجة عارمة من الاحتجاجات اجتاحت شوارع مدن إيران الرئيسية قادها موسوي، بمعاونة كل من رضائي وكروبي، بعد رفضهم لنتائج الانتخابات، والتي اعتبروها مزورة وغير معبرة عن رأي الشارع الإيراني. وتزامنت هذه التحركات مع تحركات مماثلة في عدد من البلدان لإيرانيي المهجر أمام سفارات بلادهم. واتخذت التظاهرات منحى تصاعديًا من العنف بدأه أفراد من الحرس الثوري، راح ضحيته العشرات، واتهمت السلطات الإيرانية الشباب المشاركين في هذه التظاهرات بتلقي الدعم من الدول الغربية المعادية للثورة الإسلامية لإشعال فتيل الفتنة في إيران.مير حسين موسوي؛ أبرز الرموز السياسية المعارضة، وُلد في الثاني من مارس/آذار لعام 1941م، في مدينة «خامنه»، محافظة أذربيجان الشرقية، والواقعة شمال شرقي إيران، وهي ذاتها مسقط رأس آية الله علي خامنئي، مرشد الثورة الحالي. تخرج من جامعة طهران مهندسًا معماريًا عام 1970م، وبها بدأ أول نشاطه السياسي مناهضًا لحكومة الشاه؛ ما أدى لاعتقاله عام 1974م. ومع انتصار الثورة 1979م انضم موسوي للحزب الجمهوري الإسلامي برئاسة آية الله بهشتي، وترقى داخل الحزب حتى صار أحد أبرز رموزه السياسيين. ومن ثَمّ اُختير كوزير للخارجية عام 1980م، في عهد أبي الحسن بني صدر، أول رئيس لجمهورية إيران الإسلامية، وظل بمنصبه حتى تولى آية الله خامنئي رئاسة البلاد، والذي قام بتسمية موسوي كرئيس للوزراء، وظل على حاله رئيسًا للوزراء حتى أُلغي المنصب 1988م. وهو يقبع حاليًا تحت الإقامة الجبرية منذ فبراير/شباط 2012م، على إثر احتجاجات شعبية، تبنتها الحركة الخضراء، التي يُعتبر أبرز رموزها. مهدي كروبي؛ الزعيم الأبرز الثاني من بين قيادات الحركة الخضراء، أضاف إليها بُعدًا دينيًا كونه رجل دين معمم، مقرّب من مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني، وكونه أحد أؤلئك الذين ارتبطوا دينيًا وسياسيًا بنظرية الولي الفقيه، إذ عمل في ظلّها رئيسًا للبرلمان، وهو الآن يواجه ذات المصير الذي لاقاه موسوي من الإقامة الجبرية والتغييب الكامل عن المشهد السياسي.

http://gty.im/95494844


هل كان تزويرًا؟

تُعد قضية تزوير الأصوات لصالح أحمدي نجاد على حساب منافسه موسوي أحد أبرز الإشكاليات في طريق انتفاضة الخضر في 2009م؛ وذلك لما قد يبدو لأغلبية المتابعين للشأن السياسي الإيراني من صحة الإجراءات الانتخابية، لا سيما وأن أصواتًا من داخل التيار الإصلاحي ادّعت ذلك.

وفقًا لاستطلاعاتٍ للرأي جرت قبيل الانتخابات، أحمدي نجاد تقدم على موسوي في مختلف المحافظات عدا العاصمة.

على سبيل المثال، فقد أكّد حسين قاضيان خلال ندوةٍ عُقدت له في أغسطس/آب 2010م، وهو إصلاحي مقرب من حزب «مشاركت»، تفوُّق أحمدي نجاد على منافسه موسوي في مختلف أنحاء الجمهورية عدا العاصمة خلال استطلاعات للرأي جرت في مختلف أرجاء إيران، قبل عشرة أيام فقط من انطلاق الانتخابات الحقيقية.ما يعزز حُجية الكلام الذي يسوقه قاضيان، أنه محسوبٌ على الإصلاحيين المقربين من حزب مشاركت، وهو من الدعاة للديموقراطية في إيران، ناهيك عن أنه قضى عدة أعوام في السجن في طريق نضاله السياسي، وهو متخصص في علم الاجتماع والدراسات الاستقصائية، وله تجربة ناجحة في استطلاعات الرأي التي أُجريت قبل الانتخابات الرئاسية سنة 1997م و2001م. (التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، طبعة أولى 2012م).هذا الكلام الذي ساقه قاضيان، والذي لاقى معارضةً واسعةً من أبناء الحركة، يقودنا للتساؤل عما إذا كان الشعار الأول الذي رفعته الحركة «أين صوتي؟» سقط أمام هذا الادعاء أم لا، فإذا سلمنا بأنه بالفعل قد نُسف، فإن شيئًا آخر كان يحرّك الناس غير الحديث عن عارض التزوير.وعندما وُجّه السؤال إلى قاضيان، لماذا إذن اندفع الناس إلى الشوارع؟.أجاب: الناس لا يستندون بالضرورة إلى حقائق في ردات فعلهم، فالسياسة شيءٌ يتم صناعته، والناس يتصرفون بناءً على قناعاتهم، وهم يعتقدون أن موسوي هو الفائز وبفارق كبير!. (التيارات السياسية في إيران، مصدر سبق ذكره).فإذا سلمنا بإجابة قاضيان، بأن الناس عموا عن الحقيقة بما ترسخ في قناعاتهم من أوهام التزوير والمؤامرة، فإن أعلام الحراك كموسوي وكروبي ورضائي بالطبع ليسوا ضمن هؤلاء الذين عمتهم القناعات عن الحقائق، وكانت لهم بالفعل من وراء الحراك مآرب سياسية ورؤى واضحة، وكان الحراك إذن صراعًا بين جناحي نظام 1979م، وكأن جمرًا كان يحترق بين أبناء المعسكر الثوري الواحد، كان فقط في انتظار من ينبشه.


الإسلام الأسود في مواجهة الإسلام الأخضر

http://gty.im/109077539

الصراع إبان الثورة الخضراء لم يكن بين أعداء الثورة الإسلامية ومؤيديها، فكلا الطرفين كان مشاركًا في الثورة وحاضرًا حال لحظاتها الأولى، لذا بدا الأمر وكأنه تناحرٌ بين أيدويولوجيتين تدعي كل منهما نسبتها إلى الإسلام كمظلة سياسية ودينية جامعة.ونظرًا لأن اللون الأخضر «لون حملتي موسوي وكروبي الانتخابيتين» كان حاضرًا في الاحتجاجات، فقد تناول البعض الصراع الثنائي الملون على غرار ما كان يسميه المفكر الإسلامي/الإيراني الراحل علي شريعتي «الإسلام الأحمر والأسود»، وإن كانت رمزية شريعتي أكثر وضوحًا؛ إذ كان يستخدم مقابلته اللغوية هذه ليوضح أن التشيع الأحمر الذي يرفع راية المقاومة ويقدم الدماء في معركته ضد الظلم، خير من هذا الأسود الذي يعلي راية الحداد.بالعودة إلى المطالبات التي كانت حاضرة على أجندة المحتجين، والتي كانت في أغلبها تنتقد بنية النظام الذي تقوم عليه الجمهورية الإسلامية الحالية، ولذلك اعتبرته إدارة المرشد الأعلى الحالي خامنئي خطرًا على استقرارها وبقائها وقاومته بأعنف الطرق، رغم التزام السلمية كخيار إستراتيجي من قبل أبناء الحركة في بداية انتفاضتهم.طالت مطالب المحتجين شخص مرشد الثورة الحالي وطالبت بتقليص صلاحياته، وعادت إلى الوراء قليلًا لتتناول حقيقة المساحة السياسية المنوط بالفقهاء شغلها، وتبنى موسوي الدعوة إلى سياسة التحرر، وذكر في بيانه الذي يحمل الرقم (9)، والمنشور على موقع (تابناك)؛ «إن مسئوليتنا الدينية هي ألا نسمح بأن تتحول الثورة إلى شيء لا يقرّه الإسلام، ومسئوليتنا الثورية لا تجيز لنا أن تكون نتيجة دماء آلاف الشهداء دولة أمنية!». وفي بعض الأحيان حملت الهتافات تطرفًا أكثر، ونادت بـ«الموت لخامنئي» مرشد الثورة الحالي. التركيز على سياسات التحرر، التي لا تخرج عن مظلة الإسلام والتي يجتمع تحتها المعارضون والنظام، كان أبرز ما اتسمت به خطابات موسوي. والتركيز على احتضان الأقليات العرقية المتناثرة في إيران من عرب وكرد وبلوش وترك وغيرهم. وذكر موسوي في ذات البيان رقم (9): «الفضاء الذي يحس فيه الشخص بأنه مواطن من الدرجة الثانية وخارج الدائرة، لا يمكن القول إنه فضاء الثورة والنظام الإسلامي. العرب والكرد والبلوش والترك وجميع القوميات الأخرى، كانت ترى نفسها غريبةً قبل أشهرٍ قليلة، وأصبحت ترى نفسها كما في بداية الجمهورية الإسلامية، في دائرة أصحاب الثورة».


المصباح الذي يحتاجه البيت يحرم على الجامع

لا يجوز الحديث عن عزة لبنان وفلسطين وتجاهل عزة إيران.
موسوي، في إحدى جولاته الانتخابية 2009

أحد أهم النقاط المحورية التي أثارها المحتجون من أنصار موسوي، إذ «لا يجوز الحديث عن عزة لبنان وفلسطين وتجاهل عزة إيران» كما صرح بهذا موسوي علنًا في إحدى جولاته الانتخابية، في إشارة لإعطاء الأولوية لتلبية حاجات إيران قبل التفكير في دعم الغير من حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية.وجهة النظر هذه قابلتها وجهة نظر أحمدي نجاد الذي كان يجادل عن أنه من الخطأ اعتبار نضال الشعب اللبناني والفلسطيني أمرًا خارجيًا ليس من صلب مشروع الجمهورية الإسلامية.وبين وجهتي النظر انقسم الشارع الإيراني، ودارت مناظرات بين مؤيدي كل طرف، وبعد أن كان أولوية دعم «المستضعفين» من ثوابت الجمهورية الإسلامية بعد الثورة، رفع موسوي ومؤيدوه معول هدمه، وخرج الشباب المتشح بالأخضر ليهتف «لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران».الجدير بالإشارة هنا، أن هذا الجدال لا يزال مطروحًا على الساحة الإيرانية منذ ذلك الحين، ومع تتابع الأزمات الاقتصادية الناجمة عن العقوبات المتلاحقة تشتعل حدة النقاشات، والمطالبات بالحد من النفقات خارج حدود الجمهورية الإيرانية، حتى أن المحتجين في بازار طهران الكبير أطلقوا نداءات بضرورة التوقف عن دعم النظام السوري والالتفات إلى الوضع الاقتصادي للبلاد والمتأزم من جراء العقوبات الدولية (الحركة الخضراء واقعها ومآلها، مركز الجزيرة للدراسات). بخصوص العلاقات الخارجية، وهي المنطقة الشائكة الأخرى التي اقتحمتها الحركة إبان انتفاضتها؛ إذ حاولت تقليص صلاحيات المرشد فيما يخص العلاقات الإيرانية بالولايات المتحدة، واعتبرت الحركة أنه خلافًا لإسرائيل لا يمكن أن تكون هناك عداءات مفتوحة، ولا ينبغي أن توجد محرمات على الساسة الإيرانيين، شريطة أن تمر هذه السياسات الخارجية عبر البرلمان الممثل للشعب، وهو ما اعتُبر تدخلًا في صلاحيات المرشد الأعلى، والذي يعتبر سقف العلاقات مع الولايات المتحدة بيده وحده.


هل كانت سرابًا؟

بقي ملف التدخلات الخارجية شائكًا منذ ذلك الحين، حتى نادى بعض المحتجين في بازار طهران الكبير بضرورة التوقف عن دعم النظام السوري والاهتمام بالملفات الداخلية.

عانت الحركة منذ نشأتها من مشكلاتٍ بنوية، حتى وصل الأمر بأحد المعارضين الإيرانيين بالخارج، أكبر كنجي، لتبني وجهة نظر قاسية، احتكم خلالها للتعريف التقليدي للحركات الاجتماعية، والذي يحدد أركانها الأساسية في وجود مؤسسة وقيادة ثابتة، واعتبر كنجي كليهما غير موجود في بنية الحركة الخضراء. (التيارات السياسية في إيران، مصدر سبق ذكره).

غياب القيادة، والمؤسسية، والخطاب السياسي، والظهور الموسمي، أبرز إشكاليات الحركة الخضراء التي أفقدتها تواجدها بعد تغييب قادتها.

المشكلات البنيوية التي كانت حاضرةً وبقوة في نقد حالة الحركة، كعدم قدرتها على صياغة مشروع سياسي متكامل، يقدم للجماهير البديل الحقيقي والقابل للتنفيذ إذا ما نجحت احتجاجاتهم، وكأن الحراك الذي بدأ في أعقاب الانتخابات الرئاسية كان بيد الشارع لا بيد النخبة المؤثرة في هذا الشارع والتي تتصدر المشهد وتتحدث نيابةً عنهم.الحضور الموسمي الذي تمثلته الحركة في احتجاجاتها أفقدها بريق الحضور الدائم على مائدة السياسة، إضافة لإغفالها الجوانب الاقتصادية والتي يريدها المواطن غير المنحاز أو غير المأدلج.كل هذه الإشكاليات شكلت ضعفًا في هيكل الحركة لا يمكن التعامل معه، حتى أنها اندثرت بتغييب قائدها البارز موسوي عام 2012م، وفشلت في إنتاج قيادة مؤسسية متكاملة أو إبراز رموز بعد موسوي وكروبي اللذين يقضيان حياتهما تحت الإقامة الجبرية، التي فرضها عليهما مرشد الثورة ونفذتها قوات الحرس الثوري.

المراجع
  1. التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، طبعة أولى 2012م
  2. الحركة الخضراء في إيران: واقعها ومآلها، مركز الجزيرة للدراسات
  3. إيران والمقاومة الفلسطينية: معادلة الأيديولوجيا والمصالح، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات