ساعات قليلة ويكون الإيرانيون على موعد مع انتخاب أعضاء مجلس الشورى (البرلمان) -والمخول بسن القوانين المتماهية مع التحولات الجذرية في السياسة الخارجية الإيرانية وانفتاحها على العالم الغربي- ومجلس الخبراء -الذي يتكون من 88 من رجال الدين. ورغم أن أبرز المهام الموكلة للخبراء هي اختيار المرشد الأعلى للثورة والذي يعد أعلى المناصب الساسية والدينية في إيران ما بعد الثورة، إلا أن هذه المهمة معطلة منذ عام 1989 منذ مجيء آية الله علي خامنئي خليفة لروح الله الخميني. ويتوقع المتابعون للشأن الداخلي الإيراني أن تكون هذه الانتخابات هي الأهم منذ ذلك التاريخ لما يتم تداوله من أخبار عن سوء الحالة الصحية للمرشد الأعلى الحالي والذي قارب سنّه الثمانين عامًا.

لمعرفة المزيد:«ولاية الفقيه»: الأسس النظرية والبُعد التاريخي

أجملنا في هذه السطور إجابة السؤال الملحّ عن ماهية المجلسيْن وأثرهما في خريطة السياسة الإيرانية، وإليكم تفصيل ما سبق إجماله.


مجلس الخبراء بين النص والواقع

تنص المادة الخامسة من الدستور الإيراني على أن إمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية في غيبة الإمام المهدي تكون بيد الفقيه العادل (المرشد الأعلى للثورة الإسلامية)، وبنص المادة العاشرة بعد المئة تتحدد اختصاصات الولي الفقيه.

أعلن رفسنجاني في خطوة مفاجئة وغير مألوفة في ديسمبر الماضي أن لجنة من المجلس تكونت لبحث المرشحين الصالحين لخلافة خامنئي. باتت تلك إذن هي الغاية المعلنة للمجلس القادم.

المقاربة التاريخية: الإصلاحيون في مواجهة المحافظين.

تنتحصر المنافسة الانتخابية في إيران على ثلاث قوى رئيسية وهي القوى المحافظة وعلى النقيض منها قوى الإصلاح، وبينهما قوى الاعتداد وعلى رأسها الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني، والرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني. ويمكن لهذه القوة أن تحسب على قوى الإصلاح رغم أنها تضم رجال دين محافظين. وبحساب الأرقام فإن الانتخابات قد حسمت للمحافظين، لاسيما وأن مجلس صيانة الدستور قد استبعد 99% من المرشحين، أغلبهم من الإصلاحيين بحجة عدم الأهلية لخوض السباق!

فمن بين ما يزيد عن الـ600 مرشح أقرّ المجلس فقط بأحقية 161 مرشحًا لخوض السباق الانتخابي على 88 مقعدًا هم عدد مقاعد مجلس الخبراء، والذي تتمثل فيه كل محافظة بمقعد واحد طالما يزيد عدد سكانها عن نصف مليون نسمة وتزيد عدد المقاعد بزيادة عدد السكان. وأعلى المحافظات في عدد المقاعد العاصمة طهران بـ16 مقعدًا.

يُعدّ استبعاد الخميني الحفيد خطوة استباقية لتقويض مساعي رفسنجاني لصناعة خليفة المرشد الأعلى.

أبرز المستبعدين من خوض السباق الانتخابي من المرشحين الإصلاحيين آية الله حسن الخميني حفيد الإمام الراحل، والذي وُصف منذ إعلانه نية الترشح بأنه الرقم الأصعب في مواجهة خامنئي ورجاله؛ وذلك لما يتمتع به من سمعة طيبة وامتداد عائلي محفور في ذاكرة الإيرانيين. إلا أن مجلس صيانة الدستور والمشرف على الانتخابات استبعده بحجة نقص المؤهلات العلمية. ولم يكن ذلك مفاجئًا فقد أبدى خامنئي منذ البداية عدم ارتياحه لترشح الإمام الشاب وحذره علانية من الإساءة لجدّه الراحل!.

أبرز المرشحين المعتمدين من بين الإصلاحيين الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني والذي يعتبر حاليًا أحد أهم الأرقام في المعادلة السياسية لا سيّما بعد إتمامه الاتفاق النووي مع الدول الـ6 الكبرى في العالم، والذي رُفعت بموجبه العقوبات الاقتصادية التي أثقلت كاهل الإيرانيين لسنوات. وكذلك على رأس هذا التيار يكون الرئيس الإيراني الأسبق آية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني والذي هو بالفعل عضو بالمجلس ويسعى للحفاظ على عضويته تلك، لا سيما وأنه كان رئيسًا للمجلس حتى استبعاده في مارس 2013 لخلافه الشديد آنذاك مع خامنئي وتولّى خلفًا له آية الله محمد رضا مهدوي كني، وقد توفي بعد توليه المنصب بأشهر قليلة وخلفه الرئيس الحالي للمجلس آية الله محمد يزدي.

ويخوض رفسنجاني السباق هذا العام ضمن قائمة تضم 16 رجلاً، أبرزهم روحاني ووزير الاستخبارات السابق والأمن القومي السابققربان علي دري نجف آبادي.

والحاليمحمود علوي، تحت شعار «خبراء الشعب» وكان الخميني الحفيد ضمن هذه القائمة قبل استبعاده.


الأقلية الكثيرة في مواجهة الأغلبية القليلة، المعادلة الأصعب!

توفي الإمام الخميني عام 1989م ولم ينصب خليفةً له، فاختلف أعضاء المجلس في اختيار مرشد إيران الجديد وانتهوا إلى ثلاثة من المرشحين هم: على مشكيني رئيس مجلس خبراء القيادة الأول، عبدالكريم موسوي أردبيلي وكان على رأس السلطة القضائية حينها، وأخيرًا وكان أقلّهم في الدرجة العلمية علي خامنئي. حتى قطع رفسنجاني الخلاف بنقله لأعضاء المجلس أن الإمام الراحل قد أوصى في رسالةٍ عنه بتولية خامنئي من بعده، وهو ما كان، بعد حصوله تقريبًا على ثلثي الأصوات.

وبهذا استطاع المعتدلون -متمثلين في آية الله رفسنجاني- على قلة عددهم بالمجلس أن يمرّروا قرارًا بحجم هذا القرار، وهو تولية آية الله خامنئي خليفةً على عرش إيران، وهو لم يحصل بعد على الدرجة العلمية التي تؤهله للمنصب.

فالمقاربة التاريخية منذ قيام الجمهورية الإسلامية تشير إلى أن المحافظين من رجال الدين البارزين لا يتمتعون بالقدر الكافي من المرونة، بعكس الإصلاحيين الذين استطاعوا بين عشيّة وضحاها أن يزيلوا الحواجز بين دولتهم والولايات المتحدة. وكذلك استطاع كبيرهم رفسنجاني أن يستأثر لصديقه خامنئي بالمنصب الأهم في إيران رغم قلة عدد أنصاره الحقيقيين في المجلس.

فليس الأمر مقتصرًا في السياسة على عدد المقاعد التي تحوزها بقدر ماهية الرجال الذين تصدرهم للحديث باسمك والمنوطين بتمرير مشروعك السياسي. وفي موقف مشابه كهذا الموقف هل يُفتقد رفسنجاني؟، سنعرف عما قريب.

ويرى متابعون أن الغاية الأسمى والهدف الأهم لمرشحي الإصلاحيين من حيازة أغلبية الأعضاء والذي يبدو صعبًا بلغة الأرقام بعد استبعاد الكثير من مرشحيهم، هذا الهدف هو إزاحة المرشحين المحافظين البارزين، والذين ربما تكون لديهم فرصة أكبر لخلافة خامنئي أمثال محمد يزدي وآية الله جنتي، فهل سيكون لهم ذلك؟.


هل نرى 2009 مرة أخرى هذا العام؟

تُعد الانتخابات الرئاسية في 2009م هي الحدث السياسي الداخلي الأبرز منذ قيام الجمهورية، والذي هدد بشكل جاد بقاءها على حالتها التي قامت عليها. وكان أحمدي نجاد هو الفائز في هذه الانتخابات بجولته الرئاسية الثانية وتبع هذه الانتخابات موجة من الاحتجاجات الجامحة هددت البنية السياسية والمجتمعية لإيران الثورة.

اعتمدت هذه الاحتجاجات في بدايتها على بعض الترجيحات بتزوير الانتخابات لصالح المتشدد أحمدي نجاد. ويعزو متابعون خسارة مير حسين موسوي في هذه الانتخابات لتدخل نجل المرشد الأشهر مجتبى والذي هو متهم بمناصرة نجاد والسعي في نجاحه في لعبة غير عادلة.

أرسل 296 أستاذًا جامعيًّا رسالة احتجاج إلى الرئيس روحاني، معبّرين عن استيائهم من استبعاد العديد من المرشحين – رويترز.

اليوم وبعد استبعاد كثير من المرشحين الإصلاحيين من اللعبة، هل يضفي الشارع الإيراني شرعيةً على هذه الانتخابات أم تتكرر أحداث 2009 وإيران بعد لم تتعافى من كبوتها الاقتصادية؟.

بالفعل وقبل بدء الماراثون الانتخابي تقدم 296 أستاذًا جامعيًّا بمذكرة اعتراض للرئيس روحاني على الاستبعادات الكثيرة في صفوف المرشحين!، إلا أن رجال الدين المحافظين يرون هذه الاحتجاجات لا أساس لها في الواقع، وإنما هي فقط ناجمة عن إدراك الإصلاحيين عدم قدرتهم على حيازة أغلبية المقاعد بالمجلس.

كذلك انتقد الإصلاحي الأبرز في إيران رفسنجاني استبعاد حفيد الإمام المؤسس. ورغم استبعاده من السباق قبل أيام، إلا أن حملة رفسنجاني لا تزال تستخدم صورته الشهيرة مع رفسنجاني وروحاني وخامنئي الإمام وهم يصلّون كأحد صورها الدعائية!.

وكخط متصل من تاريخه في المعارضة، فإلى رفسناجي يعزى وصول خاتمي لرئاسة إيران عام 1997، حينها شارك أكبر ناطق نوري في الانتخابات كتحصيل حاصل، على اعتبار أنه الرئيس المقبل لإيران. فكل المؤشرات تدل على أن خامنئي اختاره للمنصب. حتى أن صحيفة (كيهان) المحافظة نشرت خبرًا عنوانه «المرشد يفضل ناطق نوري»، لكن رفسنجاني رفض ذلك ودعا إلى انتخابات نزيهة، وقال في خطبة الجمعة في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات: «لن أسمح بأي تزوير في الانتخابات ومن يفوز بأغلبية الأصوات سيكون رئيسًا للجمهورية»، في تحدٍّ ضمني لرغبة المرشد الأعلى، وهكذا وصل خاتمي إلى سدة الرئاسة بدورتين من 1997 وحتى 2005.

اليوم وبعد استبعاد الخميني الشاب قُطع الطريق على رفسنجاني لصناعة خليفة لخامنئي ولا نستبعد أن في جعبة الرجل الكثير.

المراجع
  1. Moderates could gain influence over choice of next leader in Iran vote – Reuters
  2. Why this election of Iran's Assembly of Experts is more important than ever – Al monitor