وسط إجراءات أمنية مشددة وبحماية سلاح الطيران، ومع توقف حركة النقل الجوي وإغلاق كافة المطارات المدنية والمنافذ الحدودية، انطلق الاقتراع العام يوم الأحد لاختيار تشكيلة البرلمان العراقي الجديد.

ودخل العراق السبت في فترة الصمت الانتخابي قبل يوم من بدء الاقتراع، وبعد انتهاء مرحلة التصويت الخاص، الجمعة الماضي، إذ صوت المواطنون النازحون من ديارهم والمساجون ومنتسبو الأجهزة الأمنية في جميع أنحاء العراق في مرحلة التصويت الخاص.

وتم حرمان ميليشيات الحشد الشعبي من التصويت الخاص بسبب عدم إرسال هيئة الحشد بياناتهم الشخصية إلى مفوضية الانتخابات رغم تصريح المفوضية بأنها «وجهت أربعة كتب رسمية» لهيئة الحشد لتزويدها بالبيانات، وفق ما نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية، مما أثار الحديث مجدداً حول ظاهرة «الفضائيين» التي تعني وجود مقاتلين مفترضين في هيئة الحشد الشعبي يتم صرف رواتب لهم وهم غير موجودين على أرض الواقع، ويبلغ عدد هؤلاء الفضائيين 90 ألفًا بحسب رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، الذي قال إن عدد منتسبي الحشد لا يتعدى 60 ألفاً لكن قياداتهم «تستلم رواتب 150 ألف مقاتل».

خريطة الانتخابات

وصل العدد الإجمالي للمترشحين ما يزيد على 3200، تنافسوا في 83 دائرة انتخابية على شغل 329 مقعداً، هي عدد مقاعد مجلس النواب، وترشح معظم هؤلاء على قوائم أحزاب وتكتلات سياسية بينما رشح 789 شخصاً منهم كمستقلين، وتنافست 951 سيدة على ربع مقاعد البرلمان تقريباً المخصصة للمرأة بواقع 83 مقعداً، كما خصصت تسعة مقاعد لأقليات المسيحيين والصابئة والإيزيديين والكرد الفيليين والشبك.

وتنافست الأذرع السياسية للميليشيات المسلحة في هذا الاستحقاق النيابي في ظل اتهامات شعبية بأن الانتخابات ما هي إلا تدوير لذات الوجوه القديمة التي أفرزتها مرحلة الاحتلال الأمريكي والتدخل الإيراني، وإعادة إنتاج نفس تشكيلة البرلمان الحالي الذي يمثل مصالح الطبقة السياسية التي تمثل الدولة العميقة وسلطة الميليشيات.

ومن أبرز الكيانات التي شاركت تحالف «العقد الوطني» بقيادة فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، وتقدمت بـ80 مرشحاً، وشارك «ائتلاف دولة القانون» بقيادة نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق بـ72 مرشحاً، وكذلك تحالف «قوى الدولة الوطنية» بقيادة عمار الحكيم، الرئيس السابق للمجلس الإسلامي الأعلى (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية سابقاً)، وضم عدة جهات أبرزها ائتلاف «النصر والإصلاح» برئاسة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، بمجموع 78 مرشحاً.

وشارك 73 من أعضاء ائتلاف «الفتح والبناء» تحت قيادة هادي العامري، الأمين العام لميليشيا بدر، يتبعه عدد من الميليشيات المقربة من إيران أبرزها حركة «الصادقون» برئاسة قيس الخزعلي قائد ميليشيا «عصائب أهل الحق» و«كتائب سيد الشهداء»، كما خاض 182 مرشحاً المنافسة على قائمة «قادمون للتغيير» وهي كتلة تضم رجال أعمال من الطائفة الشيعية.

ويمتلك التيار الصدري، بقيادة المرجع الشيعي مقتدى الصدر، قواعد شعبية صلبة خصوصاً في المحافظات الجنوبية، وقد حصل على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية السابقة التي جرت في عام 2018، ويمتلك الكتلة الأكبر في البرلمان المنحل بواقع 54 نائباً.

وخاضت الكتلة الصدرية الانتخابات بـ95 مرشحاً لكنها تضع نصب أعينها على منصب رئيس الوزراء ويخطط الصدر للتحالف مع كتل أخرى حال نجاحه لتجميع موافقة 166 نائب اللازمة لاختيار من يشغل منصب رئاسة الحكومة.

وبالنسبة للسُنة، اشتد التنافس بشكل كبير بين تحالف «تقدم» الوطني بزعامة محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب، الذي دفع بـ105 مرشحين، في مواجهة كتلة «عزم العراق» التي يتبعها 123 مرشحًا تحت قيادة رجل الأعمال خميس الخنجر العيساوي، الخاضع لعقوبات أمريكية على خلفية علاقته بإيران، كما تنافس 146 مرشحاً على 46 مقعداً مخصصة لإقليم كردستان توزعوا بشكل رئيسي على كتلتي الحزبين الديمقراطي والوطني الكرديين.

مقاطعة كبيرة

وبينما يحق لأكثر من 24 مليون مواطن المشاركة في هذا الاقتراع شهدت المراكز الانتخابية ضعفاً شديداً في الإقبال، ورغم الاستعانة بأجهزة إلكترونية لأول مرة شهدت عملية التصويت أعطال تقنية واسعة.

وكان مقرراً أن تجرى الانتخابات العام المقبل إلا أن احتجاجات ما سُمي بثورة تشرين عام 2019 أدت لإقالة حكومة عادل عبد المهدي، وبعد فترة من الاحتجاجات والتعثر السياسي تولى رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، رئاسة الحكومة ووعد بتقديم موعد الانتخابات للإتيان بحكومة جديدة، لكن نشطاء الحراك قرر معظمهم مقاطعة الانتخابات.

ومع أن هذا الحراك الشعبي أفرز كيانات سياسية جديدة وتم تسجيل نحو 40 حزباً لدى المفوضية العليا للانتخابات إلا أن معظمها قرر المقاطعة.

كما اختارت عدد من الأحزاب المقاطعة مثل الحزب الشيوعي الذي أعلن في يوليو/تموز الماضي انسحابه من المشاركة، وتبعه إياد علاوي، رئيس تحالف «المنبر العراقي» ورئيس الوزراء العراقي الأسبق، وصالح المطلك رئيس جبهة «الحوار الوطني» ونائب رئيس الوزراء الأسبق، ومع ذلك لا تزال أسماء مرشحي تلك الأحزاب مدرجة في أوراق الاقتراع لأنهم قرروا المقاطعة متأخراً.

وفي منتصف يوليو/ تموز أيضا أعلن زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، المقاطعة في خطاب متلفز معتبراً أن ما يحدث ما هو إلا «مخطط لإذلال الشعب العراقي»، وتبرأ من كل من في السلطة قائلاً إن «الجميع إما قاصر أو مقصر أو يتبجح بالفساد والكل تحت طائلة الحساب»، وقال: «أسحب يدي من المشاركين في الحكومة الحالية والمقبلة».

لكنه عاد ووضع يده معهم في الشهر التالي وتراجع عن قرار الانسحاب وشارك في الانتخابات محاولاً النأي بنفسه عن الأحزاب الموالية لطهران، ومصوراً نفسه على أنه يمثل التيار الشيعي الوطني، رغم الاتهامات التي تلاحق ميليشيات سرايا السلام التابعة له بقتل متظاهري ثورة تشرين الذين طالبوا بإنهاء النفوذ الإيراني في بلادهم.

وقد استجاب معظم المواطنين لدعوات المقاطعة بسبب اليأس من أي تغيير يأتي من تلك الانتخابات وانسحاب كثير من السياسيين خوفاً من ملاحقة الميليشيات، إذ كان لافتاً ترشح كثيرين تحت لافتات دعائية تشير لانتمائهم إلى الميليشيات بعد كان السياسيون يتبرأون في السابق من أي علاقة تربطهم بـ«فرق الموت».

كما شارك في الانتخابات عدد من قادة الميليشيات المفترض أنهم ملاحقون أمنيًا مثل يوسف سناوي الموسوي زعيم ميليشيا «ثأر الله»، المرشح في محافظة البصرة رغم أنه متهم رسمياً بقتل أعداد من المواطنين وأيضاً عمليات اختطاف وتهريب.

وكذلك حسين مؤنس الشهير بأبي علي العسكري، الناطق السابق باسم كتائب «حزب الله العراقي»، وهو صادر ضده أمر اعتقال ومع ذلك ترشح في الدائرة الرابعة بالعاصمة بغداد، كما يقود تحالفًا انتخابياً تحت مسمى «حركة حقوق» وله 32 مرشحاً يتبعون كتائب حزب الله إحدى فصائل الحشد الشعبي الأكثر تشدداً وقرباً للحرس الثوري الإيراني.