في عام 2018 اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بوسم- Hashtag وهو #ReleaseTheSnyderCut أو انشروا نسخة سنايدر، الذي بدأ بعد صدور فيلم Justice League- فرقة العدالة في أواخر عام 2017. لاقى الفيلم الذي لا يصلح للمشاهدة البشرية امتعاضًا كبيرًا من الجمهور والنقاد على حد سواء، لتقوم الشركة بعد أكثر من ثلاث سنوات بإصدار فيلم Zack Snyder’s Justice League في مارس عام 2021. عند هذه النقطة شعرت الجماهير المحبة لـسلسلال الكوميكس الأشهر دي سي بالرضا والسعادة، حتى تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن من أخبار وتسريبات عن الأعمال المقبلة مما يثير غضب الجميع مرة أخرى، فـهل تتعمد دي سي «تطفيش» جمهورها؟

المعضلة الأولى: لمن/ لماذا يقدم الفن؟

في أي مجمع فني ثقافي إذا أثرت سؤال «ما الغرض من الفن؟» سوف تتراشق الإجابات المختلفة المتعددة من كل صوب، فقد كان هذا السؤال- وما زال- هم كثير من الباحثين منذ عصر الفلاسفة الإغريق. ولكن بغض النظر عن الآراء الفلسفية التي من المستحيل حصرها هنا، دعونا نقلص السؤال أكثر ونجعله «لمن تقدم أفلام الأبطال الخارقين؟ ما الهدف الأساسي منها؟»

بدأ فن الكومكس في الولايات المتحدة مع بدايات القرن العشرين، وحصل على شعبيته الواسعة التي تمتد حتى الآن بعد صدور قصة الرجل الخارق- Superman عام 1938 من إنتاج شركة الكوميك Detective Comics أو ما اختصرت إليه فيما بعد لـ DC Comics.

تزامن صدور هذا الفن مع الحربين العالميتين الأولى والثانية شكل جزءاً كبيراً من هويته، وبالأخص بعد ظهور شركة Marvel- مارفل التي ظهر عليها التأثر بالأجواء الوطنية أكثر وأكثر من خلال إطلاق سلسلة كاملة لبطل يحمل اسم «كابتن أمريكا» يواجه النازيين. وبعد انتهاء الحرب وعلى مدار السنوات تتلون دائماً الكومكس وتتصبغ بصبغة العصر الذي تعيش فيه حتى تحافظ على مبيعاتها. مع بدايات القرن الحادي والعشرين، بالأخص في عام 2008 تشرع مارفل بعملية إنتاج ضخمة لسلسلة من الأفلام تطلق عليها عالم مارفل السينمائي- Marvel Cinematic Universe/ MCU. يظهر مع الوقت التطور الشديد في هذا العالم السينمائي حتى يصل ليكون الفيلم الأخير سبايدرمان: لا طريق للمنزل- Spider-Man: No Way Home. منافساً في تقييمه على موقع IMDb لأشهر الأفلام مثلاً Lord Of The Rings و 12 Angry Men.

يرجع نجاح أعمال مارفل في الثلاث سنوات الأخيرة بالأخص لأنها أدركت إجابة السؤال السابق ذكره حول لمن تقدم أفلام الأبطال الخارقين؟ فهم على دراية تامة أن الجمهور الأول لهذه الأفلام هم محبو سلاسل الكوميك المبني عليها الفيلم بشكل أساسي، لذلك يهتمون كثيراً بنقل أكبر قدر ممكن من التفاصيل الموجودة على الورق إلى شاشة السينما، ومن ثم يأتي بعدها الاهتمام بالتفاصيل الدرامية والإخراجية الأخرى.

هذا وعلى النقيض تماماً من الشركة المنافسة DC التي تضع الاهتمام بالنقل من الكومكس في المرتبة الأخيرة على حساب عوامل أخرى ذات أهداف تسويقية ونقدية أكثر. وفي حوار خاص لموقع «إضاءات» مع إسلام عماد باحث في فن الكومكس والكاتب والمترجم في نفس المجال أيضاً- و كعاشق له في الأساس- سألناه عن مقدار اهتمامه بدقة النقل من الكومكس في الأفلام؟ وكانت إجابته كالتالي:

«شئنا أم أبينا، فقصص الكومكس هي المصدر الأساسي لاستلهام أفلام الأبطال الخارقين، ولكن هذا لا يمنع من وجود أمثلة ناجحة مبنية على تصورات جديدة للمخرجين والمؤلفين، واستطاعت نيل إعجاب المشاهدين المنغمسين بعوالم الكومكس قبل المشاهدين العاديين. بالنسبة لي ككاتب ومترجم كومكس، كما يقولون (نشجع اللعبة الجيدة)، فلا يمكن إغفال ذكر تلك الأمثلة الناجحة، بل بالعكس يسعدني للغاية رؤية تصور جديد للشخصيات والأحداث يختلف عن الأصل بالكومكس، لكن في حالة كونه منسوجاً بإتقان ويحمل رؤية حقيقية تضيف للعمل لا تقلل منه . ولكن كمحب للكومكس قبل كل شيء، فبالتأكيد سيزداد حبي للعمل الفني إذا التزم بقصص الكومكس الأصلية دون تغيير.

ولأن خير الأمور الوسط، فسنجد أنني ومعي كل محبي الكومكس بأي مكان، نسعد للغاية بالعمل الفني الذي يمزج الأفضل من كل طرف معاً، فيقتبس الأصول من الكومكس ويحافظ على الخطوط العريضة للشخصية، ويفخر بالإرث الأساسي لها ولو بإشارات سريعة مع إضافة نقاط اختلاف جديدة تفتح آفاقاً جديدة للمشاهد. ولهذا نالت أعمال مارفل إعجابي التام، لأنه ورغم قصصهم المصورة التي قد لا تضاهي قيمة قصص دي سي على مر العصور، لكنهم استطاعوا تحويلها لأعمال فنية جديرة بالإعجاب من الجميع.

دي سي تعاني من أزمة كبيرة في الإدارة: إنها النهاية!

تدور الشائعات في الآونة الأخيرة حول خبر محزن لمحبي دي سي بشكل عام ومحبي المخرج زاك سنايدر بشكل خاص أنه المتوقع في الأجزاء الجديدة من عالم دي سي السينمائي أن يختفي أي أثر لمجهودات سنايدر. جدير بالذكر أن عالم دي سي السينمائي الممتد بدأ في عام 2013، أي متأخر عن عالم مارفل بخمس سنوات تقريباً احتاجتهم دي سي لتدرك مدى النجاح الذي حققته الشركة المنافسة وأن عليها أن تواكب العصر. حاولت دي سي الاستعانة بمخرج الثلاثية الأشهر في تاريخها كريستوفر نولان، ولكنه رفض المشاركة معهم مرة أخرى، وبعد المفاوضات تم تعيينه منتجاً تنفيذياً مشرفاً على المخرج ذي الرؤية الإبداعية المتفردة سنايدر.

ومن هنا تبدأ رحلة معاناة المخرج زاك سنايدر مع شركة دي سي والشركة المالكة لها وارنر برذرز- Warner Bros. Pictures، تحكمات مستمرة في أبسط التفاصيل التي تمنع المخرج من تحقيق رؤيته، وبعد خمس سنوات يتم فصله، وتسليم مشروعه الأخير لمخرج آخر يقدم لنا مسخاً لا يمت للعالم السينمائي بشيء، ومن هنا تبدأ الهوة تزداد بين دي سي وجمهورها. أضاف لنا الباحث إسلام عماد رأيه في قرارات الشركة الأخيرة وعلاقتها بجمهورها، حيث قال:

«حتى الآن لا يمكنني فهم عقلية المسؤولين في أستوديوهات Warner Bros، فهي تعاني من التخبط الإداري، والتخبط على مستوى الرؤية والتخطيط، حيث عجزت وارنر عن استخدام شخصيات دي سي المتاحة لها بشكل يرضي عشاقها، أو حتى يرضي المشاهد العادي الذي يجهل كثيراً من تفاصيل هذا العالم، فكان الناتج مسخاً لا ملامح له، فلا هو شبيه بالكومكس، ولا هو عمل جديد منفصل بحد ذاته.

هل تتعمد دي سي إثارة غضب جمهورها؟ كل الدلائل تصل بنا إلى الإجابة بنعم، فبدءاً من منع المخرج زاك سنايدر من تنفيذ رؤيته الخاصة في أفلامه والتغاضي عن خطته ثم ما تلاه من مشاريع ركيكة وشخصيات جانبية لا ترتقي لنجوم الصف الأول، فكان الطبيعي هو استياء المشاهدين وازدياد الهوة الضخمة بين شركات وارنر ومتابعي عالم أفلام دي سي، وإن كنت أعتقد أنه لا يجب تسميته (عالم أفلام)، بل هي مجرد أعمال سينمائية متناثرة، يربطها خيط ضعيف للغاية، لا تهتم وارنر بتقويته أو مد مزيد من الأواصر بجانبه».

من المفارقات اللطيفة في مشكلة المخرج زاك سنايدر مع شركة دي سي أنها تشبه لحد كبير المعضلة بين اليهود والسيد المسيح، فحسب تعاليم الدين اليهودي فهم في انتظار مسيح يخلصهم من خطاياهم، ومع ذلك لم يعترفوا بالسيد المسيح كرسول لهم لأنه ولد في حظيرة، كما هو الحال مع شركة دي سي التي هي في أمس الحاجة لمخرج أعمال تنافس أعمال مارفل صاحبة النجاح الكبير، ومع ذلك سعت بكل الطرق إلى أن تتخلص منه. و إمعاناً في المفارقة يستخدم المخرج سنايدر «وضعية المسيح» في التصوير بكثرة لأبطاله، وآخرها في كانت من نصيب الجوكر من بطولة جاريد ليتو.

صورة جاريد ليتو في دور الجوكر في «وضعية المسيح»، صور للمسيح في نفس الوضعية
صورة جاريد ليتو في دور الجوكر في «وضعية المسيح»، صور للمسيح في نفس الوضعية

الصوابية السياسية تأكل دي سي من الداخل

انظر حولك وتمعن في أي عمل سينمائي أياً كان نوعه والشركة المنتجة له وبالتأكيد سترى أثر الصوابية السياسية على جوانب العمل المختلفة، كذلك لا يمكن تجاهل علاقة الصوابية السياسية بالتغيرات الأخيرة التي يشاع أنها ستحدث في أفلام دي سي المقبلة. فاستبدال «باتمان» بـ«بات ومن»، و«سوبر مان» بـ«سوبر جيرل» شكل من أشكال محاولات الشركة للتكيف مع موجات مناصرة المرأة التي في الواقع لا تفيد أي شخص، لا امرأة ولا ذكر ولا حتى الكائنات الفضائية. عقب عماد على فكرة الصوابية السياسية في أعمال دي سي فيما يلي:

«في دي سي اتخذت الأمور منحنى خطرًا إذ سعت أستوديوهات وارنر إلى الاهتمام بالقضايا النسوية بطريقة زائدة عن الحد جعلتها سلاحاً ذا حدين، وذلك بتهميش الشخصيات الذكورية وإبراز الشخصيات الأنثوية من دون توضيح كاف لأسباب إبراز تلك الشخصيات، أو من دون منح الشخصيات الأنثوية جوانب تساعد المشاهد على التعاطف معها والاهتمام بها، فأثرت الصور السطحية لتلك الشخصيات بالسلب على القضية، وأثارت استياء الغالبية، وكذلك مع ظهور الشائعات الأخيرة حول تكوين الثلاثي الأهم في تاريخ دي سي بالكامل من السيدات، في مخاطرة غير مضمونة خصوصاً إذا لم يتم تبرير هذا الاستبدال بشكل منطقي».

وأخيراً، وبالأخص مع تصريح المخرج الكبير مارتن سكورسيزي عن أفلام الأبطال الخارقين أنها «ليست سينما ولا تمكن الأشخاص من نقل تجاربهم النفسية والعاطفية» وموجة الهجوم المضاد من محبي تلك الأعمال، يضع شركة دي سي في مأزق شديد من جانب تزداد الفوهة بينهم وبين جمهورهم بسبب رداءة الأعمال التي يقدمونها، ومن جانب آخر العالم السينمائي الجاد النقدي لا يعترف بهم، في حين بالطبع أن كفة أفلام مارفل تثقل يوماً بعد الآخر بسبب تقدم وتطور الأفلام الخاصة بهم من جوانب عديدة. فهل تستمر دي سي في الخسارة أم تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟