منذ بداية شهر رمضان وهناك جدل دائر حول الممثل «محمد ممدوح» بسبب عدم وضوح صوته في بعض المشاهد، وبالتالي عدم القدرة على سماع ما يقول. امتلأت صفحات فيس بوك بانتقادات سلبية ضد الممثل، ووصل الأمر إلى حد السخرية منه ومن وزنه الزائد.

نشرت إحدى الصفحات التي تحمل اسم الممثل عبارة قصيرة مع صورة له:

أنا مليان عيوب وبعتذر للناس اللي ضايقتها نبرة صوتي.

وإذا بهذا المنشور ينتشر بقوة حتى يتخطى 16 ألف مشاركة في أقل من 48 ساعة، ويُقابل الهجوم الذي كان على «محمد ممدوح» هجومًا مضادًّا يدافع عنه بقوة، مع منشورات يقول أصحابها إنهم يفهمون كل كلمة يقولها الفنان، ويطالبون أصحاب الانتقادات السلبية بالتوقف احترامًا لاعتذاره.

تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الصفحة مزيفة، لكنها حققت الغرض المطلوب.

لكن السؤال المطروح حاليًا هو: ألا يمكن أن نحب فنانًا وننتقده في الوقت نفسه؟ هل معنى القول إن فلانًا أخفق في هذا الدور، أو حتى في هذا المشهد، أننا نكرهه ونتمنى له الفشل؟ ألا يمكن أن يكون هذا الانتقاد لأن الفنان جيد بالفعل لكنه ابتعد عن مستواه؟

ربما نجد إجابة لهذه الأسئلة إذا نظرنا إلى مسيرة محمد ممدوح حتى الآن وعلاقة الجمهور المتغيرة به.


متى تعرَّف الجمهور إلى محمد ممدوح؟

بعد عرض فيلم «إبراهيم الأبيض» عام 2009 خرج المشاهدون يتناقشون في شخصياتهم المفضلة، هناك من قال عبد الملك زرزور (محمود عبد العزيز)، وآخر اختار عشري (عمرو واكد)، قليلون من لفت انتباههم أبناء عبد الملك زرزور، وهو أمر طبيعي إذ كان ظهورهم أقل.

أحد الأبناء كان محمد ممدوح، الذي قرر أنه لن يكتفي بالأدوار الصغيرة للأبد، لكنها ستكون مرحلة وإن طالت. من بعد هذا الفيلم ظهر «تايسون» – كما يناديه أصدقاؤه – في عدة أفلام ومسلسلات، تزداد مساحة مشاركاته تدريجيًّا، تارة يظهر في دور صديق البطل في «بيبو وبشير» عام 2011، ثم يظهر كعدو للبطل في «الفيل الأزرق» عام 2014، لكن كل هذ لم يكن كافيًا ليحفر اسمه بشكل واضح مع الجمهور، إلى أن جاء عام 2015.

مسلسل من بطولة المطربة شيرين يدعى «طريقي» لم يكن بالتأكيد من الأعمال المنتظرة بقوة في رمضان، نظرًا لعدم خبرة شيرين في التمثيل، لكن العمل خرج في صورة جيدة جدًّا، ليصبح أحد أفضل أعمال رمضان ذلك العام، ويبحث المشاهدون عن أسماء الممثلين الذين شاركوا في العمل. هنا يظهر اسم محمد ممدوح بوضوح.

في هذا المسلسل قدم تايسون دور سيد شقيق دليلة (شيرين)، الفاسد الذي اغتصب صديقة أخته، وبدد ثروة أهله ثم صار مدمنًا للخمر وورط أخته في المزيد من المشكلات. كانت شخصية سيد في المسلسل هي أكثر الشخصيات التي مرت بتطور وتغير، وفي كل مرة كان محمد ممدوح يستطيع إقناعنا بأن هذا هو سيد دون مبالغة أو أداء خارج سياق الشخصية. يمكن مشاهدة أغنية «ليالينا» التي غنتها شيرين في أحداث المسلسل لنتابع كيف يستطيع أن يعبر بوجهه عن الحزن والصدمة لما وصلت إليه حاله، لكنه مستمر في الشرب.

بعد انتهاء رمضان، وفي موسم أفلام عيد الفطر، يشارك الممثل الذي صار الجمهور يعرفه جيدًا، في أنجح فيلمين لذلك الموسم، دور صغير لمجرم في فيلم «شد أجزاء» أمام محمد رمضان، ودور أكبر وأكثر تأثيرًا في «ولاد رزق».

لنُلقِ نظرة على هذه الأدوار الثلاثة، في «طريقي» نشاهد الشاب المرفه اللاهي الذي يورط جميع من معه في المشكلات ولا يشعر بكونه هو المشكلة. في «شد أجزاء» نجده مجرمًا شرسًا يعتمد على قوته البدنية، وعلى العكس في «ولاد رزق» نشاهده ضابطًا فاسدًا لكنه ذكي ويحاول استخدام ذكاءه للإيقاع بأولاد رزق قبل أن يوقعوه هم. ينتقل ممدوح بين الأدوار بسلاسة شديدة، يميزه القدرة على التعبير بوجهه تحديدًا، يستطيع أن يبدو خائفًا هنا ومخيفًا هناك دون أن يتكلم، بنظراته فقط.

خرج تايسون من هذا العام بانتصار كبير، لكن العام التالي كان يحمل له انتصارًا أكبر.


متى أحب الجمهور محمد ممدوح؟

يبدأ عام 2016 بمشاركته في بطولة فيلم «كدبة كل يوم» في دور كوميدي، ثم يأتي الدور الذي سينقله نقلة أخرى لدى الجمهور، أمين في مسلسل «جراند أوتيل».

كان هذا المسلسل من أنجح الأعمال في وقت عرضه، وحتى الآن لا يزال الكثيرون يعتبرونه من أفضل المسلسلات في السنوات الأخيرة، حتى أنه كان أول مسلسل مصري يُعرض على شبكة «نتفليكس».

أمين (محمد ممدوح) هو ابن رئيسة الخدم سكينة (سوسن بدر)، وهو يعمل خادمًا داخل الفندق، ويعاني من التأخر العقلي، ويحب الخادمة اللعوب ورد (دينا الشربيني) التي تستغله.

تتعارض المواصفات البدنية لمحمد ممدوح مع المواصفات النفسية للشخصية، لكن هذا التعارض يصنع مفارقة تُثري الشخصية. فممدوح ضخم الجثة يقدم شخصية أمين شديد الطيبة المغلوب على أمره دائمًا، الذي يصدق أي شيء تقوله ورد بسبب حبه غير المشروط لها. يضيف تايسون لازمة حركية بوجهه، يستخدمها في توقيتات معينة، يضحك ببراءة وبله، دون أن يقدم لنا شخصية متأخرة عقليًّا بشكل كامل حتى نُجبر على التعاطف معها، بل يفعل الأمر بشكل متزن قدر الإمكان.

تعاطف الجمهور جدًّا مع أمين، وكان مشهد تخلصه من ورد وإلقائه إياها مع طفلها أمام حجرة مدير الفندق حديث السوشيال ميديا لأيام بعد عرضه.

بعد «جراند أوتيل» تحول محمد ممدوح إلى ممثل محبوب ومُنتظر من الجمهور، وليس مجرد اسم يظهر في الأدوار الثانية.


متى بدأت الأزمة مع محمد ممدوح؟

في مقاله عن فيلم «كدبة كل يوم» ختم الناقد «أحمد شوقي» المقال بملاحظة لمحمد ممدوح عن عدم وضوح بعض مخارج ألفاظه، وكتب هذا تحت عنوان «ملحوظة أخيرة لممثل موهوب»، لكن الأمر لم يكن يشكل أزمة كبيرة في ذلك الوقت، إذ كان الالتفات إلى الأداء الجيد الذي يقدمه ممدوح في كل عمل يسمح بالتغاضي عن هذه المشكلة.

ظهرت المشكلة بوضوح على صفحات السوشيال ميديا مع عرض مسلسل «لا تطفئ الشمس» عام 2017، عندما يتراجع مستوى العمل الفني يبدأ المشاهد في رصد مشكلاته بشكل أكبر.

ضم هذا العمل مجموعة من الممثلين الذين انتظرهم الجمهور، بالإضافة لوجود تامر حبيب ومحمد شاكر خضير وراء الكاميرا، وهما اللذان قدما من قبل «طريقي»، و«جراند أوتيل»، لكن مع النصف الثاني من المسلسل بدأت مشكلاته تظهر بوضوح، خاصة على مستوى السيناريو، وكما تستخدم السوشال ميديا لتسليط الضوء على بعض الأعمل، يُمكنها أن تطفئ الشمس عن أعمال أخرى، وهو ما حدث هنا. وكتب الكثيرون عن عدم وضوح بعض مخارج ألفاظ محمد ممدوح.

اقرأ أيضًا: «لا تطفئ الشمس»: مشاعر متضاربة وأداء باهت

في العام التالي شارك في بطولة مسلسل «اختفاء»، ورغم النجاح المعتاد لمسلسلات نيللي كريم، فإن هذا المسلسل لم يكن في نفس مستوى جماهيرية مسلسلها السابق «لأعلى سعر» رغم المستوى الفني الأفضل لـ «اختفاء». لعب ممدوح في هذا العمل دورين، أحدهما في الماضي، والآخر لرجل عجوز في الحاضر.

بمكياج شديد التواضع، تحول محمد ممدوح لرجل عجوز، بينما كانت ملامح وجهه أقرب لكونه مصابًا بحروق. هذا المكياج مع محاولته لتغيير نبرة صوته ليصبح أكبر سنًّا جعلا التركيز على مشكلات النطق مستمرًا من قبل الجمهور مرة أخرى.

لم يحقق المسلسل النجاح المتوقع أيضًا، وهكذا يخرج ممدوح بعد نجاح استثنائي في «جراند أوتيل» لتراجع واضح في عملين متتالين، وجمهور حانق على مخارج ألفاظه.


والآن

يقدم تايسون في رمضان الحالي عملين، دور رئيسي في «قابيل»، ودور مساعد في «ولد الغلابة»، وكلاهما من المسلسلات التي تتمتع بنسب مشاهدة جيدة، بينما يتميز الأول فنيًّا بشكل واضح، رغم هذا ما زالت مشكلة انتقاد مخارج الألفاظ حاضرة. إذن فالأمر لم يعد مرتبطًا بجودة العمل نفسه فقط، بل لدينا عوامل أخرى.

دعونا في البداية نرسي قاعدة مهمة، يجوز تمامًا لأي مشاهد أو ناقد أن ينتقد بالسلب الأداء أو الأدوار التي يقدمها أي فنان، ويجوز أيضًا لأي محب لفنان أن يعبر عن حبه له، لكن ما نشاهده الآن هو معركة غير مبنية على منطق، قوامها: «أنا مش بفهم حاجة من محمد ممدوح»، وفي المقابل: «أنا بحب محمد ممدوح وكفاية تنمر عليه»، وهذا الأسلوب قد يكون مقبولًا في صفحات فيس بوك، لكنه بالتأكيد لن يبني فنانًا.

إن الدافع وراء كتابة هذه السطور هو توضيح أن محمد ممدوح بالفعل من أفضل ممثلي جيله، وينجح في تقديم أدوار مختلفة في كل عام ببراعة تنقص الكثيرين. لكنه في الوقت نفسه لديه هذه المشكلة الواضحة في مخارج بعض الحروف، والتي يحتاج إلى معالجتها ليصبح أفضل، والكتابة عن هذه المشكلة لا يدخل تحت بند التنمر، بل هو انتقاد لمشكلة لدى فنان جيد بالفعل.

تتواتر الأخبار عن نية ممدوح في بدء رحلة علاج لتخطي هذه المشكلة، ونحن نمتنى أن تكون النتيجة أفضل في أعماله التالية بالتأكيد. في النهاية قد يكون هو أكثر المستفيدين من الحملات التي أطلقت ضده، إذا حولها لخطوة إيجابية بالعلاج، التمجيد الدائم قد يكون أشد ضررًا في بعض الأحيان.