الفاعليات الرياضية ككرة القدم وكرة السلة وهوكي الجليد وغيرها من الرياضات الأخرى مليئة بالحماس والإثارة، مُتعة مُشاهدة فريقك المُفضل وهو يُنافس في الدوريات المحلية ويتأهل للبطولات القارية مُتعة لا تُوصف، خاصةً إن كنت من هُواة حضور المباريات في الإستاد. لكن ما تأثير كل تلك الإثارة والحماس على صحتك؟

حماسك للرياضة قد يقتلك

لا يقتصر الأمر على الجروح والكدمات الناجمة عن اشتباكات الأولتراس، بل يشمل مشاكل صحية أخرى تمتد لتشمل خطر الإصابة بنوبة قلبية.

ففي دراسة نُشرت عام 2003، قام الباحثون بتحليل أسباب الوفيات على مدار خمس سنوات في الفترة (18 أغسطس/آب 1994 إلى 28 ديسمبر/كانون الأول 1999) بناءً على نتائج مباريات كرة القدم المحلية في شمال إنجلترا.

لُوحظ زيادة نسب الوفيات الناجمة عن الإصابة بنوبة قلبية بنسبة 66% في المباريات التي خسر بها نادي سندرلاند على أرضه (Sunderland Association Football Club). بشكل عام، فإن مُعدل الوفيات بين الرجال زاد بنسبة 30% في شمال إنجلترا نتيجة لخسارة الفرق المحلية على أرضها.

المنتخبات الوطنية لا تقل أهمية

كمُشجع لكرة القدم فإن أسوأ فترة قد تمر عليك هي فترة التوقف الرياضي لتصفيات المنتخبات، كتصفيات أمم أفريقيا وأوروبا. الفرِق تتغير والإثارة تقل ويقل معها صبرنا بعودة الدوريات الكبرى ومتابعة نتائج وترتيب فريقنا المُفضل، لكن التأثيرات على الصحة لا تقل.

حيث خلُصت دراسة نُشرت عام 2008 إلى أن مُشاهدة مباريات كرة القدم تُضاعف خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

فقد قام الباحثون من جامعة لودفيغ ماكسيميليان (Ludwig-Maximilians-Universität München) بتتبع بيانات زيارات المرضى لغرف الطوارئ أثناء مباريات كأس العالم 2006 (من 9 يونيو/حزيران إلى 9 يوليو/تموز) ومقارنة هذه البيانات من جهة مع البيانات في الفترات التالية (1 مايو/أيار إلى 31 يوليو/أيار لعاميّ 2005 و2003)، و(1 مايو/أيار إلى 8 يونيو/حزيران 2006، و10 يوليو/تموز إلى 31 يوليو/تموز 2006).

وقد اتضح وجود طفرة في أعداد المرضى الذين يعانون من مشاكل قلبية يوميّ 30 يونيو/حزيران (فوز ألمانيا على الأرجنتين في دور ربع النهائي بركلات الترجيح)، و4 يوليو/تموز (خسارة ألمانيا من إيطاليا في دور نصف النهائي)، مُقارنة بنفس الفترة الزمنية لعامي 2003 و2005.

وفي دراسة أخرى نُشرت عام 2002، لُوحظ زيادة مُقلقة في عدد زيارات المرضى للمُستشفيات بالمملكة المُتحدة يوم خروج إنجلترا من كأس العالم 1998 أمام الأرجنتين بركلات الترجيح (30 يونيو/حزيران) وفي اليومين التاليين، إذ زادت عدد الحالات الناجمة عن الإصابة بنوبة قلبية بنسبة 25%.

كما سُجل ما يزيد عن 81 ألف حالة طوارئ أثناء مُباريات إنجلترا طوال البطولة، منهم 1348 حالة نتيجة الإصابة بنوبة قلبية، و662 حالة بسبب الإصابة بسكتة دماغية، و856 نتيجة لحوادث المرور.

أمّا بالنسبة لبطولة أمم أوروبا، فلقد لُوحظ زيادة في نسب الوفيات الناجمة عن حدوث نوبة قلبية أو سكتة دماغية لدى الرجال (41 حالة) في يوم 22 يونيو/حزيران 1996 حين خسرت هولندا من فرنسا بركلات الترجيح في دور ربع النهائي لبطولة أمم أوروبا 1996.

ليست كرة القدم فحسب

لا يقتصر الأمر على مباريات كرة القدم فحسب، بل يمتد ليشمل مباريات هوكي الجليد والرغبي ومباريات كرة القدم الأمريكية.

ففي دراسة نشرتها «الدورية الكندية لأمراض القلب» (Canadian Journal of Cardiology)، قام الباحثون من جامعة مونتريال (University of Montreal) بقياس مُعدل نبضات القلب لـ 20 متطوعًا من مُشجعي فريق مونتريال كانيديينز لهوكي الجليد (Montreal Canadiens). ولقد اكتشف الباحثون أن مُعدل نبضات القلب يرتفع بنسبة 75% أثناء مُشاهدة مباريات الهوكي أمام شاشة التلفاز، وبنسبة 110% أثناء مُشاهدتها مباشرة من الملعب.

بشكل عام، فإن مُعدل نبضات القلب يتضاعف من معدل 60 نبضة في الدقيقة أثناء الراحة بين أشواط المباريات إلى 114 في الدقيقة، ويزداد مُعدل نبضات القلب بنسبة 40% في الوقت الضائع، وبنسبة 25% حين تُوجد فُرصة لإحراز هدف، وبنسبة 15% حين يتعرض فريقك لهجوم.

وفي دراسة نُشرت عام 2015 لبحث العلاقة بين مُشاهدة مباريات الرغبي وعدد حالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية جاءت النتائج كالتالي:

  • زيادة حالات الإصابة بفشل القلب بنسبة 33% يوم خسارة المُنتخب النيوزلندي من فرنسا في نصف نهائي كأس العالم للرغبي 1999.
  • لم يُلاحظ حدوث أي فروق في عدد الحالات المُصابة بفشل القلب بعد خسارة المنتخب النيوزلندي من فرنسا في ربع نهائي الكأس 2007، أو فوز المنتخب في نصف نهائي 2011 على أستراليا.
  • بالنسبة لنصف نهائي كأس العالم 2003 (خسارة المُنتخب النيوزلندي من أستراليا) فلقد لُوحظ زيادة حالات الإصابة بفشل القلب بنسبة 60%، وزيادة حالات الإصابة بمتلازمة الشريان التاجي الحادة (acute coronary syndromes) بنسبة 20%.

أمّا بالنسبة لمباريات السوبر بول Super Bowl، وهي المباراة النهائية لبطولة كرة القدم الأمريكية، ففي دراسة نُشرت عام 2009، لاحظ الباحثون زيادة في مُعدل الوفيات الناجم عن الإصابة بنوبة قلبية والإصابة بداء قَلْبِيّ إِقْفارِيّ (ischemic heart disease) بعد خسارة فريق لوس أنجلوس (Los Angeles Rams) عام 1980 ضد فريق بيتسبورغ ستيلرز (Pittsburgh Steelers).

من جهة أخرى، فلقد لُوحظ انخفاض مُعدل حالات الوفيات، لأي سببٍ كان، بعد فوز فريق أوكلاند ريدرز (Oakland Raiders)‏ على فريق واشنطن ريدسكينس (Washington Redskins)‏ عام 1984.

السبب العلمي

يرى الباحث Robert Kloner أن السبب وراء ذلك يرجع إلى التعلق العاطفي بالفريق، ما ينجم عنه توتر عاطفي أثناء المباريات، وهو أحد الأسباب التي تُؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

ويشرح الباحث ذلك فيقول:

ما يحدث أثناء المباريات هو تحفيز الجهاز العصبي الودي (Sympathetic nervous system)، ما ينجم عنه إطلاق لهرمونات الكاتيكولامينات (catecholamines) مثل هرمون الأدرينالين (Adrenaline)، وبالتالي يرتفع معدل نبضات القلب وكذلك ضغط الدم. كل تلك عوامل تُساهم في زيادة حاجة الجسم لمزيد من الأكسجين وبالتالي مشاكل قلبية.

من جهته يرى الباحث ديفيد David Waters أن الحالة الصحية للمُشجع هي المُسبب لإصابته بمشاكل قلبية أثناء مشاهدة المباريات، فمُواصفات المُشجع التقليدي هي شخص قليل الحركة يُعاني من فرط الوزن ونادرًا ما يُمارس الرياضة، وربما يُعاني من ارتفاع ضغط الدم.

جدل علمي

بالرغم من الأبحاث والدراسات السابقة، إلا أن هناك من يُعارض فكرة أن مشاهدة المباريات مُضرة بالصحة، ويرى أن المسألة ليست حاسمة، وأن الاستنتاج المتعلق بعلاقة مشاهدة كأس العالم ونسب الإصابة بأمراض القلب، هو أمر سابق لأوانه.

ففي دراسة نُشرت عام 2003، قارنت عدد الوفيات في الفترة من 7 يوليو/تموز 1998 إلى 17 يوليو/تموز 1998 (كأس العالم 1998)، لُوحظ انخفاض عدد الوفيات الناجمة عن احتشاء عضلة القلب في يوم نهائي كأس العالم 1998 (فوز فرنسا على البرازيل). وفي دراسة أخرى نُشرت عام 2010، أشار الباحثون إلى أن الخطر الناجم عن مشاهدة مباريات كرة القدم ضئيل للغاية.

إذ قام الباحثون بدراسة بيانات زيارات المرضى نتيجة الإصابة بنوبة قلبية أثناء كل من كأس العالم لكرة القدم 2002 من 31 مايو/أيار وحتى 30 يونيو/حزيران، وبطولة أمم أوروبا 2004 في البرتغال في الفترة ما بين 12 يونيو/جزيران و4 يوليو/تموز، وبطولة كأس العالم لكرة القدم 2006 من 9 يونيو/حزيران إلى 9 يوليو حزيران. ولم يجد الباحثون أي دليل على زيادة حالات المرضى المصابين بنوبة قلبية أثناء مباريات المُنتخب الإيطالي.

ما الحل؟

حياتنا مليئة بعوامل مُحفِّزة لحدوث مشاكل صحية، كالتوتر النفسي أو الضغط العصبي أو قِلة النشاط البدني والسمنة والتدخين، وتناول الأطعمة الجاهزة والمشروبات الغازية، والسهر وعدم نيل قسط كافٍ من النوم. وإضافة التوتر الناتج عن مُشاهدة المباريات (حتى وإن كان ضئيلًا) بجانب كل تلك العوامل قد يُساهم بالإصابة وبحدوث نوبة قلبية.

إذن، كمُشجع رياضي، كيف تقي نفسك من الإصابة أثناء مُشاهدة فريقك المُفضل؟

في البداية استشارة طبيب للتأكد من أنك لا تُعاني من أي مشاكل صحية كارتفاع ضغط الدم ونسبة السكر في الدم، ثم من الضروري مُراقبة ما تأكله من وجبات أثناء المباريات كالأطعمة الجاهزة والمشروبات الغازية.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.