الخميس 22 ديسمبر/كانون الأول 2016، أعاد تنظيم «داعش» استخدام طريقته في إعدام الطيار الأردني «معاذ الكساسبة» ، إذ نشر تسجيلاً مصورًا لإعدام جنديين تركيين حرقًا،بعد أن كان قد أسرهما في حلب.

وكما يظهر في المقطع الصادم، الذي تم حذفه من موقع يوتيوب وتناقلت المواقع الإخبارية صورًا منه، فإن الجنديين كانا مأسورين في قفص قبل أن يقتادهما عنصران من التنظيم المتطرف إلى مصيرهما حرقًا.

صار العداء إذن بين داعش وتركيا أوضح من ذي قبل، خاصة أن هذه الواقعة ليست الأولى التي يستهدف فيها كل من منهما الآخر، وهو ما يسلط الضوء على العلاقات بين تركيا والتنظيم، وهو ما تسرده السطور التالية.


كيف يرى تنظيم الدولة تركيا وحزب العدالة والتنمية؟

بالعنوان السابق نشر موقع المونيتور مقالاً للكاتب التركي مصطفى أكيول في أغسطس/آب 2015، يرصد فيه ما كتبته إصدارات التنظيم، التي تعتبر القادة الأتراك مجموعة «مرتدين» كما تصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ«الشيطان».

وحسب أكيول، وصف موقع دار الخلافة -التابع للتنظيم- رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو بالطاغوت، وهاجمه على خلفية مشاركته في مسيرة باريس بعد حادثة شارلي إيبدو. واتهم الموقع نفسه الرئيس أردوغان بغسل دماغ الشعب التركي حتى يبرر تحالفه مع «أمريكا الكافرة» والسماح باستخدام قواعد عسكرية تركية ضد داعش.

واعتبر الكاتب أن الاتفاق الأمريكي-التركي حول استخدام قاعدة إنجرليك، كان من شأنه أن يحول التنظيم الذي لم يطلق بعد أي رصاص على جندي تركي، إلى شخص غير لطيف تجاه تركيا. من ناحية أخرى أصدر التنظيم مجلة تحمل اسم «فتح القسطنطينية» في يونيو/حزيران 2015، تعد فيها بـ«فتح إسطنبول» وتستشهد بحديث نبوي يبشر بجيش عظيم يفتح القسطنطينية.


تركيا وسياسة «غض الطرف» تجاه داعش

بعد قطع العلاقات التركية مع نظام الأسد بدأت تركيا في دعم حركات معارضة لبشار الأسد، و سمحت للمقاتلين بالدخول إلى سوريا عبر أراضيها. كان يُنظر إلى صعود داعش وجبهة النصرة بالنسبة لتركيا بمثابة وجود سني في مقابل الوجود العلوي المتأصل في البلاد، كما أن نجاح داعش في تحجيم الأكراد الذين تخشاهم تركيا كان يروق للأخيرة بالتأكيد.

قبل عامين، لم تنضم تركيا للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية فور إعلانه، والذي كان هدفه حرب داعش؛ مما جلب اللوم واتهامات بالتقاعس لتركيا. تحججت تركيا وقتها بوجود رهائن أتراك في يد التنظيم، بعد أن كانوا يعملون في قنصليتها في الموصل، لكن حتى بعد إطلاق سراحهم لم تنضم تركيا إلى التحالف، وردت على اتهامات الغرب بتسهيل عبور مئات المقاتلين إلى سوريا باتهام مقابل لمنتقديها بعدم التعاون معها.

ويشير تقرير لـ «سي إن إن» إلى أن عددًا كبيرًا من الأتراك قد انضموا تحت لواء داعش، وقد يكون لهم دعم ما في تركيا، وأن تركيا التي تقول إنها تعارض كل أشكال الإرهاب تمسكت بالقول المأثور «عدو عدوي صديقي»، وتتوقع أن تكون تركيا قد عقدت صفقة بشكل ما مع التنظيم أفرج الأخير بعدها عن 49 تركيًا بدون مقابل، وهو ما استغربه التقرير الذي قال: «تنظيم كهذا ليس من النوع الذي قد يطلق سراح 49 أسيرًا من دون الحصول على المقابل».

وأورد تقرير لـ«سكاي نيوز» أن الأمن التركي لم يولِ اهتمامًا لملاحقة أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية على أساس أن داعش لا تهاجم تركيا، ولم يخطر ببال الأمن أن المقاتلين الأتراك قد يعودوا لبلدهم وينفذون تفجيراتهم هناك.

في نفس الوقت كشفت مؤسسة «إيدام» البحثية التركية، أن التنظيم أقام حملات تبرع علنية في مدن تركية لجمع المال لمقاتليه، كما أظهر استطلاع رأي أجري على مؤيدي حزب العدالة والتنمية أن 15.5% لا يرون التنظيم إرهابيًا.


لماذا تأخرت أنقرة في البداية في الانضمام لقافلة الحرب ضد داعش؟

في البداية،تخوف الأتراك من المشاركة في التحالف الدولي خوفًا من ردود فعل داعش الانتقامية، خصوصًا أن التنظيم صار يستهدف الأتراك مؤخرًا. من ناحية أخرى، لم يرَ الأتراك أن المواجهة العسكرية كافية دون معرفة أسباب ظهور التنظيم، مع الوضع في الاعتبار أن تنظيمات أشد تطرفًا قد تظهر نتيجة لهذه المواجهة دون معالجة الأسباب الرئيسية.

فما هو السبب الرئيسي لنشأة داعش كما يرى القادة الأتراك؟

رأت تركيا أن استمرار بشار الأسد ونظامه وعدم التعرض له من شأنه أن يقوي داعش، ومن هنا كانت ترى أنه لا ينبغي استهداف كل التنظيمات الإسلامية المقاومة لبشار دون تفرقة بين المعتدل منها والتطرف.

بالإضافة إلى أن حكومة المالكي في بغداد أيضًا ستستفيد من الأمر، وهي التي تحمّلها تركيا مسؤولية تدهور الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في العراق. وفي المقابل حرصت تركيا على عدم تدهور علاقتها بروسيا وإيران إذا تدخلت في سوريا.

تنامت أيضًا مخاوف تركيا من وصول سلاح للأكراد، خاصة حزب العمال الكردستاني، وهو ما دفعها للتحفظ على عدم مواجهة التحالف لحزب العمال أيضًا.


هل دُفعت أنقرة دفعًا لإعلان الحرب على التنظيم؟

في النهاية،انضمت تركيا للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، في أواخر أغسطس/آب 2015، وشاركت بطائراتها في الغارات الجوية، وفتحت قاعدة إنجرليك الجوية أمام قوات التحالف.

جاء الانضمام التركي للحرب ضد التنظيم بعد محطات طويلة من الضربات الخاطفة، لتنتقل العلاقة بين التنظيم وأنقرة من غض الطرف إلى العداء المباشر.

ففي يوليو/تموز 2015، وقع تفجير استهدف مدينة سوروج جنوب تركيا الواقعة قرب الحدود السورية، راح ضحيته 32 تركيًا، نفذت تركيا بعده غارة جوية استهدفت مواقع التنظيم للمرة الأولى.

وفي أغسطس/آب 2015، وقع انفجار جنوب تركيا أدى لمقتل 30 من الأكراد، كما تم قتل جنديين تركيين أثناء مداهمة خلية داعشية في ديار بكر في أكتوبر/تشرين الأول 2015، واكْتُشف خلال المداهمة أن هناك 8 انتحاريين ما زالوا طلقاء يبحثون عن أهدافهم.

واستهدف التنظيم العاصمة التركية أنقرة في مارس/آذار 2016، بتفجير مزدوج راح ضحيته أكثر من 100 شخص.

وفي أغسطس/آب 2016، وقع أكثر من 50 قتيلاً جراء انفجار استهدف حفل زفاف في مدينة غازي عنتاب التركية.

بعدها بثلاثة أيام، أطلقت تركيا عملية «درعالفرات» لتطهير حدودها من داعش وفرض منطقة عازلة بطول الحدود مع سوريا. ورغم أن العملية كانت تستهدف تنظيمات كردية أيضًا، لكن وكالة الأناضول نشرت عن سيطرة تركيا على قرى هربت منها داعش.

ما زالت المواجهة قائمة بين تركيا وتنظيم الدولة الإسلامية، آخرها كان خلال هذا الأسبوع بريف حلب، فقُتل 3 من الجنود الأتراك، بعد «هجوم نوعي» من التنظيم على مستشفى عسكري قرب مدينة الباب، بينما قالت وكالة الأناضول إن الجيش قتل 40 من أفراد التنظيم.

وفي نفس الإطار، تقدمت قوات الجيش الحر المدعوم من تركيا بمحيط المدينة. تعتبر مدينة الباب نقطة اتصال بين مناطق القوات الكردية في منبج وريف حلب الشمالي، وهي منطقة صراع على النفوذ بين الجيش السوري الحر، ووحدات الحماية الكردية. وتعتبر السيطرة على مدينة الباب أهم هدف إستراتيجي في عملية درع الفرات.