على وقع الأحداث التي شهدتها تونس، في 26 يوليو/تموز المنصرم، وقرارات الرئيس قيس سعيد التي أطاحت بالبرلمان الذي تحوذ حركة النهضة التونسية ذات الخلفية الإسلامية أغلبيته، حاول تنظيم الدولة (داعش) استغلال الأمر بغرض استقطاب عناصر جديدة.

لم تمر سوى 3 أيام على قرارات سعيد، حتى افتتح التنظيم العدد 279 من صحيفة «النبأ» الناطقة باسمه، بمقال جاء عنوانه: «تونس وحصاد الديمقراطية»، منتقدًا تبني الإخوان المسلمين الديمقراطية، وناسبًا الموقف نفسه إلى تنظيم القاعدة أيضًا، ومحاولًا بذلك تأكيد صحة رؤيته بضرورة «الجهاد العالمي».

بدأ المقال بانتقاد «الديمقراطية»، ومن سماهم «الإخوان ومنظري القاعدة» الذين أثنوا على الرئيس التونسي قيس سعيد في بداية تسلمه منصبه باعتباره أستاذًا للقانون الدستوري.

يحاول داعش، عبر انتقاد الإخوان والقاعدة، تصدر المشهد الإسلامي برمته، والجهادي بخاصة، منتقدًا وضع القاعدة التي يتهمها بأنها تنازلت عن اتباع شرع الله، وتعاونت مع أعداء الله.

صناديق الذخيرة لا الاقتراع

قصد التنظيم إيصال رسالة خاصة إلى شباب الإخوان المسلمين عامة، وشباب حركة النهضة في تونس خاصة؛ عبر استغلال حالة النقمة القائمة لديهم على الأوضاع الحالية لتنظيماتهم، فاستعان بكلمات للمتحدث الأسبق باسمه، أبو محمد العدناني، في أعقاب عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي عن الحكم في مصر، يوليو/تموز 2013، وكان حينها داعش لا يزال تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، قال فيها:

لقد علمت الدولة الإسلامية أن الحق لا يسترد إلا بالقوة فاختارت صناديق الذخيرة لا صناديق الاقتراع، وأن رفع الظلم والتغيير لا يكون إلا بالسيف فأصرت على التفاوض في الخنادق لا في الفنادق، فهجرت أضواء المؤتمرات وأضرمت نار الغارات.

من خلال ذلك، يوضح التنظيم أن رؤيته كانت صائبة منذ البداية، وأن ما حدث بمصر يتكرر مرة أخرى في تونس، وكأنه يثبت لشباب الإخوان أن قيادتهم لم تتعلم الدرس بعد، وأنهم سلكوا بهم طريقًا وعرًا قد يصل بهم إلى السجون، ولذلك تابعت صحيفة النبأ القول:

إن الأحداث والمتغيرات المتسارعة في العالم تثبت صوابية الدولة الإسلامية في توجهاتها شرعًا وسياسة وحكمًا؛ لأنها سارت على صراط الله- تعالى- الذي خلق الخلق ويعلم ما يصلحهم.

اختار داعش كلمات العدناني بعناية؛ إذ إنه قالها في أعقاب أحداث تتشابه مع التي تمر بها تونس حاليًا، ويريد التنظيم من ذلك استقطاب شباب الإخوان إلى صفوفه، من خلال إيضاح حالة الضعف والوهن التي لحقت بالقيادات التي تهاوت في معظم البلدان، وعدم وجود قيادة رشيدة تقودهم إلى الطريق الصحيح، وانهيار القيمة التي قد تدفع الكثير منهم إلى البحث عن وجهة أخرى، فحاول وضع الحجة أمامهم.

على خطى مصر

ما يفعله داعش حاليًا من توظيف أزمة تونس لصالحه، يعود بنا إلى الوراء، وإلى ما حدث في مصر منذ عدة سنوات، في أعقاب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي؛ إذ إن التنظيم سار على النهج ذاته، ولعب على جذب شباب الإخوان إلى شباكه أيضًا.

في 18 يونيو/حزيران 2016، أصدر داعش مقطع فيديو بعنوان «موطئ الفاتحين: رسالة إلى أهل الكنانة»، مدته 13 دقيقة و37 ثانية، تحدث فيه أيضًا عما اعتبره «خسائر مصر من الديمقراطية»، منتقدًا أيضًا شيوخ السلفية الذين دعوا الناس إلى المشاركة في الانتخابات عام 2012 التي فاز بها مرشح جماعة الإخوان محمد مرسي، فقال:

وقد أسهم المتأسلمون الكاذبون فى إبعاد الناس عن الحقيقة، بخداعهم وكذبهم وتصويرهم الإسلام على أن دين الكهنوت منحصر في المسجد والأخلاق بلا حاكمية ولا جهاد.

هاجم التنظيم حينها الإخوان، ووجه حديثه إلى أهل مصر، منتقدًا اتباعهم هذه الجماعة، قائلًا:

أما تبينت لكم حقيقة الإخوان المغفلين المضلين، إنهم ما تركوا بابًا للردة إلا وطرقوه، وطأطأوا رؤوسهم لرؤوس الكفر ليركبوها وأضلوا الناس وفتنوهم بزعمهم أنهم يريدون تحكيم شريعة رب العالمين…

ودعا التنظيم على لسان قياديه أبو همام المهاجر، المصريين إلى الالتحاق بولاية سيناء، مؤكدًا أن «السلمية لن تزيد الحال إلا سوءًا وعذابًا.. والجهاد هو سبيل النبي- صلى الله عليه وسلم».

حاول داعش من خلال ذلك استقطاب العديد من الشباب إلى صفوفه، سواء من صفوف الإخوان أو غيرهم، ومع مرور الوقت تبين نجاح التنظيم في ذلك؛ إذ كشفت عدة تقارير انضمام العديد من شباب الجماعة إليه في سوريا، عبر بوابة تركيا، التي سافروا إليها هربًا من الاعتقال، لكن عانى الكثير منهم من عدم إيجاد مأوى أو عمل، فلم يكن أمامهم سوى الالتحاق بالتنظيم.

وبعد مرور أقل من عامين على «موطئ الفاتحين»، أصدر داعش فيديو آخر مدته 23 دقيقة، في 11 فبراير/شباط 2018، حمل عنوان «حماة الشريعة»، ظهر فيه أحد الشباب ويدعى عمر الديب، نجل أحد قادة الإخوان بمصر، مقاتلًا في صفوف التنظيم الإرهابي.

وقال التنظيم حينها، إن نجل القيادى الإخواني سافر إليهم، وانضم إلى صفوفهم، من أجل ما وصفوه بـ«نصرة الحق»، ليبعث داعش بعدة رسائل مفادها أنه استطاع خلال السنوات الماضية تجنيد شباب الجماعة، وضم العشرات منهم.

ولم يتوقف الأمر في مصر عند حدود شباب الإخوان، وإنما وصل إلى ضباط في المؤسسات الأمنية، عرفوا بـ«الضباط المنشقين»، وهم الثلاثة حنفي جمال محمود سليمان، وخيرت سامي السبكي، ومحمد جمال عبد الحميد، الذين سافروا إلى التنظيم في سيناء، وأصبحوا عناصر مؤثرة به، وأسهموا في عدة عمليات كبيرة، كان على رأسها الهجوم على كمين البرث.

هل ينجح داعش في استقطاب «شباب تونس»؟

المعطيات السابقة ربما تؤكد أن التنظيم قد ينجح بشكل كبير في التمدد في تونس، بخاصة مع تخوف كثير من الشباب الإسلامي التونسي من تكرار تجربة مماثلة لمصر في تونس، كما أن هذه الدولة كانت على مدار السنوات الماضية، على رأس الدول المصدرة للجهاديين في العالم وفقًا لعدة تقارير صادرة في هذا الشأن، أهمها دراسة لمجموعة صوفان جروب المعنية بشؤون الاستخبارات والأمن الدولي.

وذكر المرصد العالمي للإفتاء في ورقته البحثية التي حملت عنوان «العائدون من داعش»، الصادرة عام 2017، أن «تونس تأتي كأعلى دولة من حيث عدد المقاتلين المنضمين إلى داعش منها بتعداد وصل إلى 6000 مقاتل».

يلعب داعش دائمًا على استغلال الأزمات، لذا فإن الوضع الحالي في تونس يعد بيئة مناسبة له، حيث كشفت وزارة الداخلية التونسية في 20 فبراير/شباط الماضي عن اعتقال المسؤول عن الجناح الإعلامي للتنظيم في تونس، وأكدت أنه كان يعد مخططًا إرهابيًّا يستهدف البلاد، مستغلاً في ذلك الوضع السياسي المتأزم. حينها أكدت قوات مكافحة الإرهاب تفاصيل العملية الأمنية، وأن هذا العنصر كان يتولى استقطاب مجموعة من الشباب التونسي لتنفيذ أعمال إرهابية على طريقة ما يعرف بـ«الذئاب المنفردة»، وتدريب عدد منهم عبر الشبكات الإلكترونية، ما قد يشير إلى أن داعش قد يستغل الأزمات والاحتجاجات التي تشتعل في تونس، وغضب شباب حركة النهضة خاصة، في استقطاب العديد من الشباب عبر الفضاء العنكبوتي.

الإرهاب في فرنسا

إضافة إلى ذلك، ومن خلال متابعة عمليات الطعن والإرهاب في فرنسا على وجه التحديد، التي ينفذها غالبًا «ذئاب منفردة»، وجد أن أكثرها تتم على يد عناصر تونسية، كان آخرها عملية الطعن بسكين التي أدت إلى مقتل شرطية بضاحية رامبوييه جنوب غربي باريس في 24 أبريل/نيسان الماضي، والتي تبين منها وفقًا لصحيفة لوفيغارو الفرنسية، أن منفذها بحسب وثائق الهوية، من ولاية سوسة شرق تونس. تنتمي تلك العناصر غالبًا إلى تنظيم داعش.

ويشير مراقبون إلى أن القمع الأمني للحركات الإسلامية في زمن الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، يعد سببًا دفع تونسيين إلى التطرف والتحول إلى قنابل موقوتة، إضافة إلى العامل الاقتصادي والاجتماعي. هذا الطرح بدوره يؤكد أنه ربما يلجأ كثير من التونسيين إلى الانضمام لتنظيم داعش، والتحول إلى الفكر الجهادي، وينجح التنظيم في احتوائهم، بخاصة أن المعطيات ذاتها ربما تتكرر، إذ أنه قد تتعمق الخلافات بين الدولة وحركة النهضة، ولا يصل الطرفان إلى حل، كما أن الدولة بالفعل تعاني من مشكلات اجتماعية واقتصادية.

من ناحية أخرى، وفي ظل اهتمام التنظيم بضخ دماء جديدة إلى عروقه، لم ينس أن يستغل أزمة تونس ليطمئن قلوب أتباعه، ويثبت لهم بالأدلة صحة الطريق الذي يسيرون فيه، بخاصة أنهم مروا بحالة كبيرة من الاهتزاز، بدأت بخسارة داعش معاقله الأساسية في العراق وسوريا، مرورًا بمقتل زعيمه أبو بكر البغدادي في غارة أمريكية 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وعدم ظهور خليفته أبو إبراهيم الهاشمي إلى الآن، ما أثار الخوف في نفوس مقاتليه من المستقبل الذي ينتظرهم.

دعا التنظيم أتباعه من خلال صحيفة النبأ بعد بيان الوضع في تونس، إلى الفخر والاعتزاز بكونهم جنودًا تابعين له، قائلا: «فلتفخروا يا جنود الخلافة ومناصريها في كل مكان، فلو لم يكن لكم إلا سلامة المنهج وصحة الطريق لكفاكم ذلك، فكيف وأنتم اليوم رأس حربة تقودون المسلمين إلى نجاتهم والكافرين إلى حتوفهم».

كما استلهمت المجلة كلمات للمتحدث باسم داعش أبو حمزة القرشي، في إصدار صوتي بعنوان «وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين»، قال فيها:

لا بد عليكم يا أجناد الخلافة أن تدركوا مكانتكم، والنعم العظيمة التي أفاء الله، تعالى، بها عليكم دون غيركم.. فمزيدًا من الثبات على طريقكم ومزيدًا من الدعوة إليه، ومزيدًا من الصبر على ذلك.