يتألف كتاب «الحكومة الإسلامية» من مجموعة من الدروس الفقهية التي ألقاها آية الله الخميني على طلبته في النجف الأشرف، تحت عنوان ولاية الفقيه، في أواخر سنة 1389ه/ 1969م، وذلك إبان فترة نفيه إلى العراق، إثر مشاركته في عدد من الفعاليات الاحتجاجية ضد ممارسات السلطة الشاهنشاهية في إيران.

مؤلف الكتاب آية الله روح الله الخميني الموسوي، هو رجل دين ومفكر وسياسي شيعي ولد في 1902م، وتدرج في المناصب الدينية حتى وصل إلى منصب آية الله الكبرى، بما يرسّمه واحدًا من أهم المرجعيات الدينية الشيعية. في ستينيات القرن العشرين، قاد الخميني الاحتجاجات ضد سياسات الشاه محمد رضا بهلوي، مما عرضه للنفي خارج إيران، ومن منفاه الأخير في باريس دعا جموع الشعب الإيراني للثورة على النظام الشاهنشاهي، الأمر الذي تحقق بالفعل في 1979م، ليعود الخميني مرة أخرى إلى طهران، ويشغل منصب القائد الأعلى للثورة الإسلامية -وهو المنصب الأهم في إيران بعد الثورة- إلى أن يتوفى في 1989م.

الحكومة توأم الإيمان

في مقدمة كتابه، يشرح آية الله الخميني لطلبته السبب في وضعه لتلك السلسلة من المحاضرات، فيحاول أن يربط بشكل وثيق بين نظرية الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه من جهة، وعقائد الدين الإسلامي القويم من جهة أخرى.

يقول الخميني:

ولاية الفقيه فكرة علمية واضحة، قد لا تحتاج إلى برهان… ولكن وضع المجتمع الإسلامي، ووضع مجامعنا العلمية على وجه الخصوص، يضع هذا الموضوع بعيدًا عن الأذهان، حتى لقد عاد اليوم بحاجة إلى البرهان.
ص7

بعدها يبدأ الخميني في استعراض الأسباب التي أدت لانحراف المسلمين عن منهجهم القويم الذي وضعه الله وعز وجل لهم من خلال الأوامر والنواهي الواردة في الشريعة، فيقول إن النسخة الأصيلة من الإسلام بعيدة كل البعد عن النسخة الحالية، «فالإسلام هو دين المجاهدين الذين يريدون الحق والعدل، دين الذين يطالبون بالحرية والاستقلال، والذين لا يريدون أن يجعلوا للكافرين على المؤمنين سبيلاً» (ص8).

ولكن ما السبب في تبديل تلك النسخة، بنسخة أخرى مشوهة، تؤصل للخضوع للسلطات الظالمة؟ يرد الخميني على هذا السؤال -مستدعيًا التفسير التقليدي الذي يميل لنظرية المؤامرة- فيؤكد على أن أعداء الإسلام، الممثلين في اليهود والمستعمرين والمبشرين والمستشرقين، أرادوا أن يغيروا طبيعة هذا الدين، من خلال رسم صورة مشوهة له، عملوا على غرسها في أذهان العامة، كما حاولوا غرسها في المجامع العلمية نفسها، فقالوا إن الإسلام لا علاقة له بالحكومة، وأنه معني فقط بأحكام الحيض والنفاس.

بحسب الخميني، فإن هذه النسخة المشوه، تخالف الإسلام القويم قلبًا وقالبًا، كما أنها بعيدة كل البعد عن أصول الشريعة الإسلامية الغراء «ففي الوقت الذي كان يسيطر فيه الظلام على بلاد الغرب… آنذاك وضع الله قوانين صدع بها النبي الأعظم محمد (ص) ليولد في ظلها الإنسان. لكل شيء آداب وقوانين. ومن قبل تكون الإنسان، وإلى حين نزوله في حفرته، وضعت له قوانين تحكمه. ورسمت العلاقات الاجتماعية، ونظمت الحكومة، إلى جانب ما رسم من وظائف العبادات… وهكذا يكون الإسلام قد عالج كل موضوع في الحياة، وأعطى فيه حكمه…» (ص10، 11).

يقول الخميني إن الأعداء والخونة حاولوا سلب كل ما في الإسلام من مبادئ وقواعد تتعلق بالسياسة، وعوضوا ما سلبوه بقوانين ودساتير بلجيكية وفرنسية وإنجليزية، تنظّر لنظام الملكية الوراثية للحكم، وهو النظام الذي أبطله الإسلام، وعدّه من بين النظم غير الشرعية، «فالملكية وولاية العهد هو أسلوب الحكومة المشؤوم الباطل الذي نهض سيد الشهداء الحسين (ع) لمحاربته والقضاء عليه. وإباءً للضيم، واستنكافًا من الخضوع لولاية يزيد وملكه، قام بثورته التاريخية، ودعا المسلمين جميعًا إلى مثل ذلك» (ص12).

يلفت الخميني النظر إلى ازدواجية المعايير فيما يخص المقارنة بين التشريعات الوضعية الغربية من جهة، والتشريعات المبنية على الشريعة الإسلامية من جهة أخرى، فيقول إن أعداء الإسلام قد اعتادوا على اتهام التشريعات الإسلامية بالخشونة، ويتساءل هنا: كيف يكون جلد شارب الخمر 80 سوطًا فيه خشونة، في الوقت الذي يكون فيه إعدام عدة أشخاص بسبب تهريب 10 جم من الهيروين، عملاً لا خشونة فيه؟

يحدد رجل الدين الإيراني بعدها الإشكالية التي يطرحها في تلك المحاضرات، إذ يذكر «ما نقاسيه الآن إنما هو من آثار تلك الدعايات المضللة التي انتهى بها أصحابها إلى ما يريدون، وأحوجتنا إلى بذل جهود كبيرة كي نثبت أن في الإسلام مبادئ وقواعد لتشكيل الحكومة» (ص17).

 في السياق نفسه، يؤكد الخميني على أن الإسلام يتضمن وجود مؤسسات حكومية تضمن تنفيذ الأوامر التشريعية الواردة في كل من القرآن الكريم والحديث الشريف، هذا الأمر يظهر في الاعتقاد في الولاية، فقد كان من الضروري أن يعيّن النبي خليفة من بعده، وهو أمر يبدو معقولاً وبديهيًا «فالحاجة إلى الخليفة إنما هي من أجل تنفيذ القوانين، لأنه لا احترام لقانون من غير منفذ، وفي العالم كله لا ينفع التشريع وحده، ولا يؤمن سعادة البشر، بل لابد من سلطة تنفيذية يكون افتقادها في أية أمة عامل نقص وضعف» (ص19). من هنا فإن الخميني يربط بشكل وثيق بين نظرية الولاية من جهة، والمعتقدات الدينية الإسلامية الأصيلة من جهة أخرى، ويظهر ذلك عندما يدعو طلبته للإعلان عن عقيدتهم بشكل صريح: «قولوا للناس، أننا نعتقد بالولاية، وبأن الرسول (ص)، استخلف بأمر من الله، ونعتقد كذلك بضرورة تشكيل الحكومة… النضال من أجل تشكيل الحكومة توأم الإيمان بالولاية» (ص20).

أدلة ضرورة تشكيل الحكومة

بعد أن أكد الخميني في مقدمة كتابه على الاقتران الكامل بين الحكومة والإيمان في الإسلام، فإنه يعمل بعد ذلك استعراض الأدلة العقلية والشرعية التي تبيّن ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية.

ينطلق مفجر الثورة الإيرانية من قاعدة بديهية، يتفق عليها غالبية البشر، ألا وهي أن القوانين لا تكفي لإصلاح المجتمع، ولكي يسعد البشر، يجب قيام السلطة التنفيذية.

بعدها يستعرض المؤلف بعض الأدلة التاريخية المُتفق عليها، فيقول إن الرسول الكريم كان لا يكتفي بأمور التشريع، بل كان يعمل على تنفيذه أيضًا، وكان يرسل الولاة ويجلس للقضاء بين الناس ويبعث بالسفراء إلى الدول المجاورة ورؤساء القبائل، كما كان يعقد المعاهدات ويقود الجيوش.

ويستطرد الخميني، فيقول إن الخليفة من بعد الرسول كان هو منفذ الأحكام الشرعية، ويحتج هنا بالعقائد الشيعية الإمامية الاثناعشرية التي تثبت الاختيار الإلهي لمنصب الإمامة، فيقول إنه لما كان اختيار الخليفة بأمر من الله «فاستمرار الحكومة وأجهزتها وتشكيلاتها، كل ذلك بأمر من الله أيضًا» (ص25).

وتأسيسًا على القاعدة المتعارف عليها بين جميع المسلمين، والتي تذهب إلى أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، فإنه يلزم بالتبعية تطبيق أحكامه وتنفيذها إلى الأبد، ومن هنا فلا يتصور أن يتم تعطيل الحدود، أو ترك القصاص، أو توقف جباية الأموال، ولا سبيل إلى تحقيق كل هذا إلا بقيام حكومة إسلامية.

ويلفت الخميني نظر الطلبة إلى نقطة مهمة، ألا وهي: «لم يكن أحد من المسلمين يشك في ضرورة استمرار وجود الحكومة من بعد الرسول (ص). الكل متفقون على ذلك، وإنما وقع الاختلاف في شخص من يتولى ذلك» (ص27).

بعدها، يلفت الخميني النظر إلى التنوع الكبير الذي يميز أحكام الشريعة الإسلامية، والذي أتاح الفرصة لسد جميع حاجات الإنسان والمجتمع، مثل «علاقات الجوار، وعلاقات الأولاد والعشيرة، وأبناء الوطن، وجميع جوانب الحياة العائلية الزوجية، وانتهاءً بالتشريعات التي تخص الحرب والسلم، والعلاقات الدولية، والقوانين الجزائية، والحقوق التجارية، والصناعية، والزراعية، كما ينظم النكاح المشروع، وينظم ما يأكله الزوجان حالة الزواج، وفي فترة الرضاع ينظم الإسلام واجبات الأبوين اللذين يعهد إليهما بتربية الأولاد…» (ص28).

يضرب المؤلف بعد ذلك مجموعة من الأدلة التي يبيّن من خلالها ضرورة قيام الحكومة الإسلامية، أولها، الأحكام المالية، والخُمس[11] منها على وجه التحديد، فيتساءل، ماذا نفعل بالأخماس، وهي مبالغ ضخمة جدًا؟ هل نكتفي بدفنها تحت الأرض أم نلقي بها في البحر كما أفتى الكثير من مراجع الشيعة في زمن الغيبة الكبرى للإمام المنتظر؟ أم ندفعها إلى الهاشميين لينفقوها في غير موضعها؟ ويرد الخميني على هذا السؤال فيقول: «بديهي أن هذا المورد الضخم إنما هو من أجل تسيير شؤون الدولة الإسلامية، وسد جميع احتياجاتها المالية…» (ص29).

أما ثاني تلك الأدلة فهي أحكام الدفاع والجهاد، فالقرآن أمر المسلمين بالاستعداد والتأهب لملاقاة الأعداء، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بقيام الحكومة الإسلامية.

وفي السياق نفسه، يذكر الخميني ثالث الأدلة، المتمثل في أحكام الحدود والديات والقصاص، إذ لا يمكن لتلك الأحكام أن تُقام بدون سلطة الحكومة، فبها تؤخذ الدية من الجاني وتدفع إلى أهل المجني عليه، وبواسطة الحكومة يتم تنفيذ العقوبات.

يتحدث المؤلف بعدها عن دور الاستعمار في تفتيت الدولة العثمانية -باعتبارها آخر دول الخلافة الإسلامية- فيقر بأن الكثير من سلاطينها كانت تنقصهم الكفاءة والجدارة والأهلية- ولكنه رغم ذلك فإنه يدعو «للعمل على إعادة توحيد الأمة الإسلامية وتحرير أراضيها من يد المستعمرين، وإسقاط الحكومات العميلة لهم…» (ص35).

السمات المميزة لنظام الحكم الإسلامي

بعد أن أثبت الخميني لزوم العمل على إقامة الحكومة الإسلامية، فإنه يبدأ في تعريفها وتوضيح أهم سماتها، ويحدد تلك السمات في النقاط الآتية:

  • أنها غير مطلقة السلطة، فهي تعتمد بالأساس على نظام الشورى.
  • أنها حكومة دستورية، فهي مُقيدة بمجموعة من الشروط الواردة في القرآن والسنة.
  • تنحصر سلطة التشريع فيها بالله عز وجل وحده دونًا عن البشر.

ومن هنا فإن الحكومة الإسلامية التي يطالب الخميني بتأسيسها هي «حكومة القانون الإلهي» (ص41). أما فيما يخص الحاكم والمشرع في تلك الحكومة «فالحاكم هو الله وحده، وهو الشرع وحده لا سواه، وحكم الله نافذ في جميع الناس، وفي الدولة نفسها…» (ص42).

بعدها، يعرج الخميني على مسألة اختيار الحاكم، فيقول إن هناك مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوافر في الحاكم، منها الشروط العامة، كالعقل والبلوغ وحسن التدبير، ومنها الشروط الخاصة، وأهمها العلم بالقانون الإسلامي والعدالة.

ولما كان من المعروف أن الشيعة الإمامية الاثناعشرية يعتقدون بأن الأئمة الاثناعشر، كانوا هم الأئمة المعتبرين منذ وفاة الرسول في سنة 11ه، وحتى وقوع الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر، محمد بن الحسن العسكري في 329ه، فإننا نجد أن الخميني يطرح سؤالاً في غاية الأهمية، ألا وهو من يتولى قيادة الحكومة الإسلامية في زمن الغيبة وحتى ظهور المهدي المنتظر؟

يقول الخميني موضحًا الإشكال المتصل بتلك المسألة، ورابطًا إياه بمجموعة من الأسئلة المتصلة بطبيعة الحياة والدين «واليوم -في عهد الغيبة- لا يوجد نص على شخص معين يدير شؤون الدولة، فما هو الرأي؟ هل نترك أحكام الإسلام مُعطلة؟ أم نرغب بأنفسنا عن الإسلام؟ أم نقول إن الإسلام جاء ليحكم الناس قرنين من الزمان فحسب ليهملهم بعد ذلك؟ أو نقول إن الإسلام قد أهمل أمور تنظيم الدولة ونحن نعلم أن عدم وجود الحكومة يعني ضياع ثغور المسلمين وانتهاكها، ويعني تخاذلنا عن حقنا وعن أرضنا؟ هل يسمح بذلك في ديننا؟ أليست الحكومة ضرورة من ضروريات الحياة؟» (ص48).

يرد الخميني على كل ما سبق، بأنه من اللازم اختيار شخص ما لينوب عن الإمام الغائب في مهامه، وذلك حتى لا تتعطل مصالح المسلمين، وحتى لا يتمكن أعداؤهم من التغلب عليهم. ورغم عدم وجود أي نص شرعي يحدد شخصية هذا النائب، فإن الخميني يذهب أن السمتين الرئيستين الواجب توافرهما في الحاكم -العلم بالقانون والعدالة- متوافرتان الآن في معظم فقهاء الشيعة في هذا العصر «فإذا أجمعوا أمرهم -يقصد فقهاء الشيعة- كان في ميسورهم إيجاد وتكوين حكومة عادلة منقطعة النظير» (ص49).

ويحدد الخميني صلاحيات هذا النائب، فيذكر موضحًا في واحد من أهم المقاطع في الكتاب كله «وإذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عالم عادل، فإنه يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي (ص) منهم، ووجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا، ويملك هذا الحاكم من أمر الإدارة والرعاية والسياسة للناس ما كان يملكه الرسول (ص) وأمير المؤمنين (ع) على ما يمتاز به الرسول والإمام من فضائل ومناقب خاصة…» (ص49).

الولاية التي قصدها الخميني هنا، هي ولاية اعتبارية، ولا يمكن أن تتساوى مع الولاية التي مُنحت للرسول أو أي من الأئمة الاثناعشر، فمنزلة النبي والأئمة تختلف تمامًا عن منزلة الولي الفقيه، ولتوضيح تلك الاختلافات يذكر الخميني جملة من اعتقادات الشيعة الاثناعشرية في أئمتهم، منها أنهم قد حظوا «بالولاية التكوينية التي تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون… وأن الرسول والأئمة كانوا قبل هذا العالم أنوارًا فجعلهم الله بعرشه محدقين، وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله…» (ص52).

أيضًا يذكر المؤلف في السياق نفسه، أن الرسول كان وليًا لجميع المسلمين، بما فيهم الإمام علي بن أبي طالب نفسه، أما ولاية الفقيه الذي ينوب عن الإمام في حال غيبته، فهي ولاية قاصرة نوعًا ما، «ذلك أن ولاية الفقيه على الفقهاء الآخرين لا تكون بحيث يستطيع عزلهم أو نصبهم، لأن الفقهاء في الولاية متساوون من ناحية الأهلية» (ص51).

بعدها، يخصص الخميني القسم الأكبر من محاضراته لاستعراض الأدلة الشرعية التي تؤكد على ما ذهب إليه من مشروعية ولاية الفقيه، من تلك الأدلة، كان مجموعة من الأحاديث المنسوبة إلى الرسول الكريم، وهي أحاديث شائعة ومنتشرة في متون الكتب الحديثية الشيعية، منها: «اللهم ارحم خلفائي –ثلاث مرات- قيل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون من بعدي، يروون حديثي، وسنتي، فيعلمونها الناس من بعدي»، ومنها «الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا…».

يرى الخميني أن الرواية الأولى تدل على مشروعية ولاية الفقيه، إذ إن «مدلول الخلافة الواردة في جملة اللهم ارحم خلفائي، لا تختلف في شيء عن الخلافة التي تستعمل في جملة على خليفتي» (ص61). أما الرواية الثانية، فيعلق عليها الخميني بأن الفقهاء العدول هم وحدهم المؤهلون لتنفيذ أحكام الإسلام وإقرار نظمه، وإقامة حدود الله، وحراسة ثغور المسلمين.

في السياق نفسه، يستند الخميني إلى مقولة عمر بن حنظلة، والذي أوردت الكتابات الشيعية، أنه قد زار الإمام السادس جعفر الصادق ذات يوم، فسأله عن رجلين من الشيعة بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، فرد عليه الصادق “من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت”، وأمره أن ينظروا من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا… فليرضوا به حكمًا فإني قد جعلته عليكم حاكمًا…”، ويعلق الخميني على تلك المقولة بقوله: «إذن، فالعلماء بموجب هذه الرواية، قد عينوا من قبل الإمام للحكومة والقضاء بين الناس، ومنصبهم لا يزال محفوظًا لهم…» (ص91).

أيضًا يستند الخميني إلى رواية أبي البختري عن جعفر الصادق، والتي جاء فيها “أن العلماء ورثة الأنبياء…”، فيعلق عليها بأنها تدل على «أن جميع شؤون الرسول (ص) قابلة للانتقال والوراثة، ومن جملتها الإمارة على الناس، وتولي أمورهم، من كل ما ثبت للأئمة (ع) من بعده وللفقهاء من بعد الأئمة (ع)، يستثنى من ذلك ما اختص به النبي (ص) نفسه بدليل خارجي، ونحن نستثني ما استثناه الدليل، ليكون كل ما لم يستثنَ باقيًا على حاله، ويكون العموم حجة فيه» (ص98).

في نهاية استعراضه للأدلة الشاهدة على مشروعية حكم الولي الفقيه، يستأنس الخميني بمجموعة من المواقف المشهورة لبعض المرجعيات الشيعية الكبيرة، والتي ظهر منها تأييدهم لنظرية الولاية العامة للفقيه، ومن ذلك ما فعله الميرزا الشيرازي عندما أفتى بحرمة تدخين التنباك في إيران، وما فعله محمد تقي الشيرازي عندما أفتى بالجهاد تزامنًا مع اندلاع ثورة العشرين في العراق، هذا فضلاً عن بعض الإشارات التي وردت في كتب المراجع الكبار والتي تؤيد تلك النظرية وتقرها، مثل ما صرح به كل من النراقي والنائيني.

في نهاية الكتاب، يدعو الخميني الطلبة إلى نشر نظرية ولاية الفقيه على نطاق واسع، ويبشرهم بما في تلك النظرية من قدرة على حل مشكلات المسلمين وجمعهم في وحدة واحدة ضد أعدائهم المتربصين بهم، وفي السياق ذاته، يوجه المرجع الإيراني طلبته للاستفادة من الاجتماعات الدينية التقليدية، مثل مواسم الحج، والخطب التي تُلقى في الأعياد والمواسم، ويلفت النظر للأهمية الكبرى في شعائر صلاة الجمعة، فيقول: «ولو كانت الجمعة مستمرة إلى يومنا هذا بخطبها وحماسها وروحها وآفاق التفكير فيها لما انتهى بنا الأمر إلى الحد الذي ترون. علينا أن نسعى لإعادة إحياء مثل هذه الاجتماعات، ونستغلها في التوجيه والإرشاد والتوعية والقيادة إلى الصلاح والنجاح. وبهذا يتم للأفكار الإسلامية أن تسع أكبر الميادين، وترتفع إلى أعلى الآفاق من غير أن يعلوها شيء» (ص126).

من الجدير بالذكر في هذا الموضع، أن هذا الأمر -إقامة صلاة الجمعة- تم بالفعل بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران في 1979م، إذ صار من المعتاد أن تُقام صلاة الجمعة في طهران، وصار منصب إمام صلاة الجمعة من أهم المناصب في التراتبية الدينية في النظام الإيراني.

أما فيما يخص المناسبات والشعائر المذهبية الشيعية، ومنها على سبيل المثال ذكرى عاشوراء، فإن الخميني يدعو لاستغلالها بشكل إيجابي مفيد، بحيث ينقم الناس على أوضاعهم المزرية، فيهبون للثورة ضد الظلم والجور.

ولا يفوت الخميني في خاتمة كتابه أن يحمل على الفقهاء الخانعين الذين يحرّمون العمل السياسي، فيصفهم بقوله «…هؤلاء يوجهون أكبر لطمة للإسلام، ويشكلون أكبر خطر عليه، ويبرزون الإسلام بصورة مشوهة كأقصى ما يكون التشوه، ويوجد من هؤلاء كثير في النجف وقم وخراسان…» (ص140)، ويدعو إلى ضرورة التخلص منهم، كما يرفض تعاون هؤلاء مع السلطات الجائرة تحت ستار مبدأ التقية.

المراجع
  1. آية الله الخميني، الحكومة الإسلامية، ص7
  2. المرجع نفسه، ص8
  3. المرجع نفسه، ص10-11
  4. المرجع نفسه، ص12
  5. المرجع نفسه، ص17
  6. المرجع نفسه، ص19
  7. المرجع نفسه، ص20
  8. المرجع نفسه، ص25
  9. المرجع نفسه، ص27
  10. المرجع نفسه، ص28
  11. الخُمس:-
    شعيرة إسلامية تعني دفع خُمس الغنائم التي يحصل عليها المسلمون نتيجة الحرب مع الكفار، وقد تم إقرارها بموجب نص الآية رقم 41 من سورة الأنفال، ويعتقد الشيعة الإمامية بوجوب أداء خمس أموالهم التي تزيد عن مؤونتهم السنوية (الباحث).
  12. المرجع نفسه، ص29
  13. المرجع نفسه، ص35
  14. المرجع نفسه، ص41
  15. المرجع نفسه، ص42
  16. المرجع نفسه، ص48
  17. المرجع نفسه، ص49
  18. المرجع نفسه، ص49
  19. المرجع نفسه، ص52
  20. المرجع نفسه، ص51
  21. المرجع نفسه، ص61
  22. المرجع نفسه، ص91
  23. المرجع نفسه، ص98
  24. المرجع نفسه، ص126
  25. المرجع نفسه، ص140