قامت مفرزة من جنود الخلافة في إندونيسيا باستهداف تجمع لرعايا التحالف الصليبي في مدينة جاكرتا، وذلك بزرع عدد من العبوات الموقوتة التي تزامن انفجارها مع هجوم لأربعة من جنود الخلافة بالأسلحة الخفيفة والأحزمة الناسفة

تلك الكلمات جاءت في بيان داعش الذي تبنى فيه هجمات جاكرتا، تلك التي أعادت إلى الذاكرة الهجمات الإرهابية التي شهدتها تونس خلال العقد الماضي، فقد عانت البلاد من إرهاب متواصل خلال الفترة ما بين عامي 2000 إلى عام 2009 وتراجع بعد تلك الفترة ليعود مرة أخرى إلى الساحة الاندونيسية بعد ثورات الربيع العربي والصعود الجهادي، خاصة تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق والصراع بينه وبين تنظيم القاعدة على استقطاب ومبايعة الجماعات الجهادية لهما.

وتأتي هجمات جاكرتا -والتي استهدفت حي ثامرين وسط جاكرتا، الذي يتواجد فيه مراكز تجارية وناطحات سحاب ومكاتب للأمم المتحدة، وأودت بحياة ثمانية أشخاص بينهم مدنيين- عقب تحذيرات المدعي العام الاسترالي في اغسطس 2015 من أن اندونيسيا ودول منطقة جنوب شرق آسيا هي مناطق الخلافة البعيدة التي دعا إليها تنظيم الدولة الإسلامية, وهو ما اختلف حوله كثيرين من المحليين حول جدية هذه الدعوة وامكانية تنفيذها، ولكن على ما يبدو أن هجمات جاكرتا ارسلت رسالة تؤكد فيها جديتها لتطبيق ما دعت إليه خاصة بعد ان بايعتها عدد من الجماعات الإسلامية المتطرفة في البلاد.

وبالعودة إلى التاريخي السياسي لأندونيسيا وتاريخ الجماعات الإسلامية بها نجد أن الحركات الإسلامية الإندونيسية قديمة العهد, وارتبط ظهورها بمقاومة الاحتلال الهولندي، ثم سعيها إلى تكوين دولة إسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية، وتطورت هذه الحركا وتعددت وفقا لرؤيتها لأليات تطبيق الخلافة والشريعة، وموقفها من استهداف المدنيين والعسكريين، الأمر الذي أدى إلى كثرة الانقسامات داخل تلك الحركات وضعف تأثيرها في إنشاء دولة الخلافة بإندونيسيا، وللكن سرعان ما وجدت بعض تلك الحركات سندا لها للعودة إلى العمل الجهادي بعد تنامي الدولة الإسلامية ودعوتها للخلافة البعيدة.

ومن هنا نرصد اهم تلك الحركات ورؤيتها الإيديولوجية والعقائدية، وموقفها من تنظيم الدولة الإسلامية، ومدى خطرتها على الأمن القومي الإندونيسي وجنوب شرق آسيا.


خريطة الجماعات الإسلامية المتطرفة في إندونيسيا

ترجع بدايات ظهور الحركات الإسلامية في اندونيسيا إلى عهد الاحتلال الهولندي للبلاد، فقد ظهرت أول حركة إسلامية كرد فعل للاحتلال عام 1803 وسميت بحركة pardi في غرب سومطرة، وبالرغم من ذلك يرجع بعض المحللين إلى أن النشأة الحقيقية للحركة الإسلامية بالمفهوم الحركي التنظيمي مرتبطة بتأسيس جماعة ” دار الإسلام” والتي ظهرت عقب الاستقلال في 1945 .

جماعة دار الإسلام : تأسست هذه الحركة إيديولوجيا وفكريا بدعوتها إلى إقامة الدولة الإسلامية في اندونيسيا، ومن ثم عارضت الجماعة المبادئ الحاكمة لاندونيسيا التي لم تذكر شيئا عن الإسلام بها، الأمر الذي دفع إلى تمرد الجماعة في عا 1948 حيث نصب Sekarmadji Maridjan Kartosuwirjo في أغسطس 1949 نفسه أميرا للدولة الإسلامية في لدولة نيجار الإسلامية الإندونيسية وبالتالي ظهرت الحركة بأنها حركة انفصالية معارضة للنظام الإندونيسي، وبعدها بعام أقرت الحركة بأن الإسلام هو القانون الأساسي لدولة إندونيسيا الإسلامية، ودخلت الجماعة في تمرد استمر لسنوات عدة.

ومع تولى سوهارتو مقاليد الحكم في 1967 عمل على قمع الحركات الإسلامية وتم تصنيفها كيمين متطرف، ولكن في نهاية حكمه خاصة بعد اان خسر دعم الجيش له عمل على كسب ودعم الإسلاميين لصفه، لذلك عمل على تأسيس المدارس الدينية والمساجد والمبادرات وهو ما سارت عليه بقية الأنظمة السياسية التي تلته.

الجماعة الإسلامية: أسس عبد الله سونكار وأبو بكر باعشير تلك الجماعة رسميا في عام 1993 وهما في ماليزيا، وتأثرت أفكار الجماعة الجديدة بدار الإسلام، وطالبان أفغانستان حيث يذكر أن القائدين حاولا تجنيد متطوعين وهما في ماليزيا للجهاد في أفغانستان، وبعد وفاة سونكار تولى باعشير قيادة الجماعة ولكن اتسمت قيادته بالضعف، لذلك سعى إلى تأسيس ” مجلس مجاهدين اندونيسيا” في أغسطس 2000 لدعم الخطاب الجهادي والإسلامي وإقامة الدولة الإسلامية، ولكن تغيير موقف الجماعات الإسلامية في أندونيسيا بشكل كامل عقب تفجيرات بالي 2002 والتي أودت بحياة 202 شخص، واتهم فيها عناصر من الجماعة الإسلامية بدعم من تنظيم القاعدة، حيث فرضت السلطات مزيدا من القيود القانونية وحرية عمل تلك التنظيمات، ولكن في 2008 قرر بأعشير تكوين حركة راديكالية جديدة سميت جماعة أنصار التوحيد.

ايديولوجيا تعتبر الجماعة الإسلامية الإندونيسية هجينا ايديولوجيا لحركة درا الإسلام الأندونيسية والحركة الوهابية في السعودية، ومتأثرة بأفكار سيد قطب الذي يضفي الشرعية على الجهاد ضد الدول غير الإسلامية، وبذلك تهدف الجماعة إلى إقامة دولة إسلامية في جنوب شرق آسيا تمشل عدة دول منها ماليزيا وجنوب تايلاند وجنوب الفلبين وسنغافورة.

جماعة أنصار التوحيد: خرجت من رحم الجماعة الإسلامية في يوليو 2008 حيث أسسها بوعشير وذلك بعد خلاف مع مجلس مجاهدين اندونيسيا ، ووصل عدد أعضائها إلى ما يقرب من 2000 عضو في عام 2012. وتبنت الجماعة الجديدة الفكر السلفي الجهادي وهو أقرب لفكر تنظيم القاعدة حيث ضرورة الاستعداد العسكري للجهاد، معتبرة بأن المسؤلين الأندونيسيين يمثلون أهدافا لها لاستهدافهم.

وعملت الجماعة على توظيف وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد أعضاء جدد لها وأصدرت مجلة شهريا، وأنشأت موقعا الكترونيا وأنتجت عددا من الفيديوهات خاصة لخطابات بوعشير. وفي عام 2010 تولى محمد اشوان قيادة الجماعة بعد القاء القبض على بوعشير بعد ظهور تدريبات لأعضاء الجماعة، وكان القائد الجديد قد اتهم في تفجيرات المعبد الهندوسي في عام 1985 ، ومنذ عام 2011 سعت الجماعة إلى تنفيذ عدد من الهجمات الانتحارية. وكانت الولايات المتحدة قد أدرجت الجماعة على قائمة الإرهاب في عام 2012، ونددت تلك الجماعات بأي أنشطة عنيفة، ولكن تظل الحقيقة بأن أنشطتها الإرهابية كانت تستهدف المدنيين والعسكريين.

جماعة أنصار الشريعة: انقسمت جماعة التوحيد في اغسطس 2014 وشكلت جماعة جديدة سميت جماعة انصار الشريعة وهي حركة اسسها محمد اشوان وعبد الرحيم وروسيد ريدهو بعد خلاف مع بوعشير بعد مبايعته داعش من السجن وبالرغم من نفي الحكومة تصريحات مبايعة بوعشير لداعش الإ أن القادة الثلاث قرروا الانشقاق عن أنصار التوحيد وتأسيسها، وتضم الحركة الجديدة في عضويتها 2000 عضو في جاكرتا وباقي مناطق اندونيسيا.

حركة مجاهدي تيمور: تأسست هذه الحركة في أواخر عام 2012 في وسط سولازي حيث انضم فصيل من جماعة انصار التوحيد الى مجوعات اخرى وكونوا حركة مجاهدي تيمور وهنا ظهر القائد سانتوزو وهو قيادي سبق بأنصار التوحيد ، وبعد تأسيسها بقليل واجهت الحركة مواجهات خفيفة مع السلطات الاندونيسية ، حيث استهدفت اغتيال بعض الضباط والتفجيرات متجنبة بذلك وقوع ضحايا مدنيين فهي تأمل إلى أن يكون تمويلها محليا ولا تريد أن تخسر المؤيدين لها.

وبالرغم من كون هذه المواجهات لا ترقى إلى مستوى الهجمات الإرهابية الإ أنه لابد وأن يوضع في الاعتبار بأن الحركة تعتبر من من أخطر الشبكات القومية المتشددة النشطة في أندونيسيا، فيما تضم الحركة مقاتلين قدامي ذي خبرة عالية، كما أن اختيار الموقع الجغرافي لها سيزيد من الدعم المحلي لها نتيجة الصراعات الدينية التي شهدتها المنطقة في القرن الماضي، كما أن تأكيدها على عدم استهداف المدنيين سيكون عاملا لتجنيد الكثيرين لها، كما أن الحركة بايعت تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق.

وتعمل الحركة على الحصول على أكبر قدر ممكن من التمويل عن طريق الاحتيال عن طريق الانترنت عن طريق الهكر على مواقع التجارة الالكترونية ، وكذلك السطو على البنوك والأنشطة الإجرامية الأخرى

جماعة عسكر الجهاد: تأسست هذه الجماعة في 2000 على يد جعفر عمر طالب وهو اندونيسي يمني درس العلوم الدينية في السعودية وباكستان، وبذلك يكون قد تأثر بالسلفية الجهادية ، وعلى عكس باقي الجماعات فلم تكن هذه الجماعة تهدف إلى إقامة الدولة الإسلامية. حيث كانت بداية ظهورها هو المشاكل الأثنية والأقليمية والدينية التي ادت إلى حدوث مواجهة بين المسلمين والمسيحين في جزيرة مالكو وراح ضحيتها 400 مسلم ولم تكن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة كافية وفقا لمؤسس الجماعة لذلك أعلن تأسيس الجماعة، وقامت الجاعة بإقامة معسكر لتدريب 3000 مقاتل ارسلوا الى مالكو . ولكن بعد تفجيرات بالي اضطرت حكومة ميجاواتي إلى فرض مزيد من القيود على جميع التيارات الاسلامية المتطرفة ومن بينها عسكر الجهاد حيث تم القاء القبض على زعيم الجماعة وافرج عنه بعد عدة شهور ، وكذلك في نفس العام اصدر المجلس التنفيذي لمنتدى الاتصال السني قرار بحل جماعة عسكر جهاد لوجود بعض الأخطاء والانحرافات ، وانخراط بعض قياداته بمجال السياسية، بالإضافة إلى ضغوط الحكومة بسبب علاقتها بتنظي القاعدة.


من خلافة دار الإسلام إلى الخلافة البعيدة

تتبنى الدولة الإسلامية استراتيجية ” البقاء والتوسع” ، فهي تريد الحفاظ على مكتسباتها في سوريا والعراق مع التوسع إقليميا ودوليا، وتبنى إستراتيجيتها عبر ثلاثل مناطق جغرافية هي بلاد الشام، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنطقة الخارج البعيد والتي تضم أوروبا وآسيا وذلك وفقا للبيان الذي نشرته مجلة دابق في عدد نوفمبر 2015.

ولذلك اختارت الدولة الإسلامية اندونيسيا أكبر الدول الإسلامية من حيث السكان عاصمة لخلافتها المزعومة والتي دعت إليها في عام أواخر 2015 تحت مسمى الخلافة البعيدة، ويرجع ذلك إلى الخسائر التي تكبدها التنظيم في سوريا والعراق خاصة بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، وسعي التحالف الدولي إلى قطع طرق الإمداد والتسليح والتمويل للتنظيم عن طريق السيطرة على مدن هامة في العراق، الأمر الذي كبد التنظيم خسارة أكثر من 40% من المدن التي سيطر عليها، ولذلك يسعى إلى إثبات وجوده وقوته عن طريق التوسع في مختلف الأقطار وكبح تنامي طالبان في افغانستان والدول الآسيوية خاصة بعد التصريحات التي تفيد بتطور العلاقة بين طالبان وروسيا بهدف مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.

ويأتي اختيار اندونيسيا لتكون مقرا للخلافة للإرث الجهادي للجماعات الإسلامية في اندونيسيا وتاريخها السياسي، وربما لموقعها الجغرافي الذي يضم عددا من الدول الأخرى التي يسعى التنظيم إلى التمدد فيها ومنها الفلبين وماليزيا واستراليا وهو ما يجعل التقارب بينها وبين عناصر الجماعات الإسلامية في اندونيسيا كبير جدا.


الخلافة والأمن القومي لأندونيسيا

ربما يؤدي هذا التقارب العقائدي والفكري بين تيارات الإسلام السياسي الراديكالية في اندونيسيا والحالمة بتأسيس الدولة الإسلامية في اندونيسيا، وبين طموح تنظيم الدولة الإسلامية في التوسع في الخارج البعيد، إلى مزيد من الهجمات والأعمال الإرهابية في منطقة جنوب شرق آسيا وهو خاصة وأن السلطات الأندونيسية قد أكدت تضاعف أعداد الأندونيسيين المقاتلين في صفوف داعش إلى 700 مقاتل في 2015 بعد أن كانوا 200 في العام السابق، بالإضافة إلى أن السلطات الأندونيسية والماليزية تقوم باعتقال أفراد ينتمون لداعش من وقت لآخر خلال الأشهر الماضية.

يواجه حلم دعوة داعش لتأسيس خلافة بعيدة في أندونيسيا وجنوب شرق آسيا عدة عقبات أهمها أن الجماعات التي بايعت التنظيم في دول جنوب شرق آسيا هي بمثابة خلايا وشبكات صغيرة جدا لا ترقى إلى تنظيم لوجستي فاعل، فلا يمكن لهذه الخلايا الا تنفيذ عمليات انتحارية مما يمثل دعاية تجنيدية لداعش ، بالإضافة إلى أن قدرات الأجهزة الأمنية الأندونيسية لديها خبرة في التعامل مع تلك الجماعات مما يعطي لها القدرة على التفوق على مثل هذه الجماعات والقضاء عليها.

وبالتالي فإن هجمات التنظيم ستمثل المشهد العام في جنوب شرق آسيا خلال عام 2016، معتمدة على العمليات الانتحارية واستخدام الذئاب المنفردة، وربما هذا يؤدي إلى مزيد من استقطابات وتجنيد للشباب في ظل الإجراءات الأمنية المشددة والقمع الأمني الذي ستتبعه السلطات الرسمية في مناطق الخلافة المزعومة.