في غضون ساعات من انتخاب الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود، أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قرارًا بإعادة انتشار القوات الأمريكية في الصومال، بعد أكثر من عام على انسحابها منه، بموجب قرار أصدره سلفه دونالد ترامب، قبيل انتهاء فترته الرئاسية، أواخر يناير/ كانون الثاني 2021.

واستهل الرئيس الجديد نشاطه، قبل أيام من تسلمه مهامه رسميًا، بلقاء قادة الجيش والأجهزة الأمنية في البلاد، وناقشا معًا الوضع العام والخطط الأمنية الحالية، وأكد شيخ محمود أن الأمن هو أهم  أولويات إدارته في المرحلة المقبلة، قائلًا إن حكومته ستركز على استعادة الأمن في الصومال خلال الـ100 يوم الأولى من حكمه.

وسلط تركيز  الرئيس حسن شيخ محمود وكذلك قرار إعادة انتشار القوات الأمريكية، الضوء على طبيعة الوضع الأمني المضطرب في القرن الإفريقي، في ظل تصاعد التهديد الجهادي واستمرار الهجمات التي تشنها حركة شباب المجاهدين (معروفة بحركة الشباب، والمرتبطة بتنظيم القاعدة)، والفرع المحلي لتنظيم داعش “داعش الصومال”، داخل العاصمة مقديشو، وفي غيرها من مناطق جنوب ووسط البلاد.

حركة الشباب: صعود على سلم الاضطرابات

وبرزت حركة الشباب، بشكل خاص، على الساحة خلال فترة الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الصومال، إذ كثفت الحركة هجماتها بصورة واضحة، ونفذت نحو 100 هجوم استهدفت أهدافًا عالية القيمة منها معسكر «هالان» المحصن داخل مطار مقديشو (موقع شديد الحراسة يضم بعثة القوات الأفريقية للصومال، ومقر بعثة الأمم المتحدة للمساعدة، وسفارات دول مختلفة وبعثات منظمات إغاثية دولية)، ومواقع انتخابية، وقوافل عسكرية لبعثة القوات الإفريقية في الصومال، بينما اقتصر نشاط غريمها الجهادي التقليدي «تنظيم داعش» على شن هجمات روتينية في «بونتلاند» (شمال شرق البلاد)، والعاصمة مقديشو، وبقيت تلك الهجمات أقل حدة وتنسيقًا من هجمات «الشباب».

على أن الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في نشاط حركة الشباب الأخير ، هو قدرتها على إعادة بناء وترميم شبكاتها التنظيمية المتضررة، وتدشين مراحل جديدة من العمل الجهادي، مستفيدة من الانسحاب الأمريكي من الصومال (تم في 18 يناير/ كانون الأول 2021)، والاضطرابات السياسية والوضع الاقتصادي والعشائري المتداخل في البلاد، فبعد خسارة أكثر من  20% من قواتها القتالية (حوالي 800 مقاتل من أصل 5 آلاف هم إجمالي عدد مقاتلي الحركة وفق التقديرات الأمريكية)، استطاعت الحركة أن تعوض خسائرها وتستعيد اليد العليا في مواجهة الجيش وأجهزة الأمن الصومالية، خلال بضعة أشهر فقط.

ومن الواضح أن لدى حركة الشباب قدرة كبيرة على إجراء عملية استعاضة لقادتها وكوادرها الفاعلين الذين يُقتلون في ساحات المعارك، وهو ما يظهر من صيغة الأمر التنفيذي لإعادة انتشار القوات الأمريكية في الصومال، والذي يتيح للقوات الأمريكية دعم «القوات الصومالية الحليفة»، واستهداف نخبة من  أمراء «الشباب» المنخرطين في قيادة الحركة والتخطيط لهجمات خارج الحدود تستهدف المصالح الأمريكية أو مصالح حلفائها.

وإلى جانب قواتها القتالية، عززت الحركة شبكاتها المالية والقضائية المنتشرة في مناطق نفوذها، والتي تؤدي دورًا موازيًا وبديلًا لدور الحكومة الفيدرالية، عبر جمع الضرائب والمكوث (تسميها زكوات/ زكاة، وعشور) من التجار والمزارعين.. إلخ، وحل النزاعات بين الأفراد والعشائر .

وعبر تلك الآلية، نجحت الحركة في تعظيم مواردها المالية وأصبحت تجمع نحو 180 مليون دولار سنويًا (15 مليون دولار شهريًا)، مما يعني أنها تجمع، عمليًا، إيرادات أكبر من الحكومة الفيدرالية، بحسبما يذكر تقرير صادر عن معهد هيرال للشؤون الأمنية والذي يتخذ من العاصمة مقديشو مقرًا له.

وتُجمع تلك الأموال عن طريق فرض زكوات سنوية وضرائب أخرى على الأعمال والتجارة والزراعة،ويتم استهداف الرافضين لدفع تلك الأموال من قبل جهاز حركة الشباب الاستخباري المعروف بـ«أمنيات».

 ومع أن المبالغ التي تجمعها الحركة، تزايدت، مؤخرًا، وأصبحت الحركة واحدة من أغنى التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم، إلا أن المصروفات التشغيلية (رواتب أعضاء الحركة، والأموال المخصصة لتمويل الهجمات الإرهابية والأنشطة التنظيمية)، البالغة نحو 100 مليون دولار سنويًا (منها 24 مليون مخصصة لشراء السلاح من السوق المحلي ومن شبكات تهريب السلاح المنتشرة في دول الجوار كاليمن وغيرها)، بقيت ثابتة، وبالتالي فإن الحركة راكمت هذا الفائض المالي ضمن احتياطياتها التي تودعها في النظام المصرفي الصومالي، وتوظفها في أعمال أخرى بطرق ملتوية.

«داعش الصومال»: على خطى الشباب

وفي نفس السياق، أثبت داعش قدرته على التعايش والبقاء داخل الصومال، فالتنظيم الذي بدأ، قبل نحو 6 سنوات، بالعشرات من المنشقين عن حركة الشباب تحت إمرة عبد القادر مؤمن، أصبح أكثر قوة وفاعلية بمرور الوقت، ونجح، منذ 2018، في زيادة وتيرة عملياته الإرهابية ونقل عملياته من شمال شرق الصومال إلى العاصمة مقديشو وغيرها من المناطق الحيوية.

واستطاع «داعش في الصومال» استقطاب وتجنيد المئات من المقاتلين من الصومال وكينيا وإثيوبيا والسودان وغيرها، وأسس معسكرات تدريب في شمال شرقي الصومال منها معسكر أبو عمر الشيشاني (نسبة لوزير الحرب الأسبق في داعش عمر الشيشاني، قتل في الشرقاط العراقية منتصف عام 2016)، لكن إجمالي هجماته في البلد الإفريقي يبقى محدودًا مقارنة، بـ«حركة الشباب»، المرتبطة بمنافسه الجهادي التقليدي تنظيم القاعدة، فوفق مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022، فإن حركة الشباب نفذت 89 % من إجمالي الهجمات الإرهابية في الصومال، خلال العام الماضي، بينما نفذ داعش أقل من 10% من الهجمات، في نفس الفترة.

وحاول الفرع المحلي لداعش في الصومال أن يُحاكي حركة الشباب في نمط العمل، لا سيما في ما يتعلق بفرض الضرائب والزكاة على الأنشطة المختلفة في مناطق نشاطه بشمال شرقي الصومال، واستفاد أيضًا من الروابط العشائرية في الصومال، بخاصة مع عشيرة «الماجرتين» التي ينحدر منها غالبية مقاتلي التنظيم.

ودخل الفرع المحلي لداعش في صراع وصدام مسلح مع حركة الشباب منذ عام 2016، وحاولت الأخيرة إنهاء حالة الانشقاق الداخلي في صفوفها التي تمخض عنها ولادة «داعش الصومال»، باستعمال النهج الاستئصالي العنيف، غير أنها لم تنجح، حتى الآن، في اجتثاث التنظيم، كما لم تُفلح الحملات العسكرية الحكومية في إنهاء وجود «داعش» في القرن الإفريقي.

وحرص الفرع الداعشي على إظهار ارتباطه بالتنظيم المركزي، في مناسبات عدة، كان آخرها إعلانه بيعته لزعيم/ خليفة التنظيم الجديد، أبو الحسن الهاشمي، الذي أدى مقاتلو داعش في الصومال يمين الولاء له، بمجرد الإعلان عن اختياره وتنصيبه أميرًا جدبدًا خلفًا لسلفه «أبو إبراهيم الهاشمي القرشي».

عودة «الحلم الصومالي» بإنهاء الإرهاب

وعلى الجهة الأخرى، يسعى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى استعادة الأمن في العاصمة مقديشو، والمناطق الحيوية في الصومال، بعد أشهر من النشاط الإرهابي المكثف، الذي لم تجد معه الخطط والتغييرات الأمنية المتكررة التي أجرها الرئيس السابق محمد عبد الله محمد الشهير بـ«فارماجو».

واعتمد شيخ محمود في جزء محور ي من برنامجه الانتخابي على مكافحة الإرهاب، مستدعيًا ما يُوصف بـ«الحلم الصومالي» في إنهاء وجود التنظيمات الجهادية، وذلك عبر الاستشهاد بالحملة التي قادها الجيش والأجهزة الأمنية في ظل فترته الرئاسية السابقة (16 سبتمبر / أيلول 2012 – 16 فبراير/ شباط 2017)، ونجحت في تحرير 39 مدينة في الأقاليم الصومالية من سيطرة حركة الشباب.

ويحاول الرئيس الجديد إعادة رسم السياسة الخارجية لبلاده وتصفير المشكلات مع دول الجوار الصومالي وغيرها من الدول الفاعلة، كما يسعى لكسب الزخم وتوظيف المعطيات الحالية، بعد قرار إعادة انتشار القوات الأمريكية، لتحقيق إنجازات سريعة على الصعيدين الأمني والعسكري في مواجهة حركة الشباب، وتنظيم داعش.

ويُتوقع أن يؤدي إعادة نشر 500 من القوات الأمريكية في الصومال إلى تحسين قدرات القوات الصومالية (لا سيما وحدات القوات الخاصة “دنب”) في مواجهة حركة الشباب، والتغلب على مشكلات التنسيق والعمل، التي ظهرت منذ انسحاب القوات الأمريكية من الصومال في 2021، وذلك لأن قوات «دنب»، الأكثر كفاءة في مواجهة حركة الشباب، تعتمد، بشكل أساسي، على المساعدة الأمريكية في النواحي الاستخبارية والعملياتية واللوجيستية، وتمكنت بفعل هذه المساعدات من توجيه ضربات لحركة الشباب وطردها من بعض مناطق سيطرتها.

وبجانب القوات الأمريكية، تعمل بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (AMISOM)، (مكونة من 18 ألف جندي، و1000 شرطي و70 مدنيًا)، التي قررت تغيير اسمها في أبريل/ نيسان الماضي، إلى بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS)، لنقل المسؤوليات الأمنية كاملةً إلى القوات الصومالية، خلال السنوات الثلاث المقبلة، وفق خطة رباعية المراحل، تعتمد في البداية على إجراء تغيرات في طبيعة القوات الإفريقية والتركيز على الوحدات خفيفة الحركة، وقوات التدخل السريع، التي يُفترض بها أن تقوم باستهداف وإضعاف حركة الشباب وداعش، لتهيئة الأوضاع أمام انتقال المسؤولية الكاملة للقوات الصومالية، وانسحاب البعثة الإفريقية الموجودة في البلاد منذ 2006.

 ومع أن تلك التطورات الجديدة ستصب في صالح جهود مكافحة الإرهاب، وستسمح بتقويض جزء من قدرات حركة الشباب وداعش في الصومال، إلا أن إنهاء التمرد الجهادي وحسم المعركة مع التنظيمات التي أشعلته، ما زال حلمًا بعيد المنال، بالنظر إلى التجارب السابقة في مواجهة «جهاديي الصومال»، الذين يعتبرون أن تلك المتغيرات ليست سوى فرصة للحصول على «غنائم وأسلحة متطورة»، وإحراز نصر آخر على حساب الرئيس حسن شيخ محمود، الذي فشل  في إنهاء وجودهم، خلال فترته الرئاسية السابقة.